دارة السادة الأشراف

مرحبا بك عزيزي الزائر
ندعوك أن تدخل المنتدى معنا
وإن لم يكن لديك حساب بعد
نتشرف بدعوتك لإنشائه
ونتشرف بدعوتك لزيارة الموقع الرسمي لدارة السادة الأشراف على الرابط :
www.dartalashraf.com


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

دارة السادة الأشراف

مرحبا بك عزيزي الزائر
ندعوك أن تدخل المنتدى معنا
وإن لم يكن لديك حساب بعد
نتشرف بدعوتك لإنشائه
ونتشرف بدعوتك لزيارة الموقع الرسمي لدارة السادة الأشراف على الرابط :
www.dartalashraf.com

دارة السادة الأشراف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أنساب , مشجرات , مخطوطات , وثائق , صور , تاريخ , تراجم , تعارف , دراسات وأبحاث , مواضيع متنوعة

Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 79880579.th
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 78778160
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 16476868
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 23846992
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 83744915
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 58918085
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 99905655
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 16590839.th
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Resizedk
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 20438121565191555713566

2 مشترك

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 16:35

    تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

    بسم الله الرحمن الرحيم



    انا النهردة جايبلكم موضوع روعة
    اجمل موضوع تقروه فى حياتكم علشان طبعا مافيش احسن من القرأن الكريم


    انا جايبة تفسير القرأن الكريم لابن كثير بس تفسير السور عامة مش تفسير الايات وموضوع هيفدنا كلنا وكمان هو موضوع مختصر اوىى بالنسبة لكتاب التفسير نفسه يارب يعجبكم وربنا يعلم انا تعبت فى التوبيك ده اد ايه انا كنت متوقعة انه ينزل على 100 مرة بس لقت الموضوع بقى اكتر من كدة بكتير بس الحمد لله اهو الموضوع خلص ويارب يفدكم جميعا ان شاء الله



    اى حد عايز تفسير اى سورة يدخل على التوبيك وهيلاقى ترتبها زى القرأن بالظبط



    سورة الفاتحة
    ** بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
    يقال لها الفاتحة أي فاتحة الكتاب خطاً وبها تفتتح القراءة في الصلوات, ويقال لها أيضاً أم الكتاب عند الجمهور, ذكره أنس, والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك, قال الحسن وابن سيرين إنما ذلك اللوح المحفوظ, وقال الحسن الاَيات المحكمات هن أم الكتاب ولذا كرها أيضاً أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم» ويقال لها (الحمد) ويقال لها (الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي» الحديث. فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها ويقال لها (الشفاء) لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم» ويقال لها (الرقية) لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما يدريك أنها رقية» ؟ وروى الشعبي عن ابن عباس أن سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم وسماها سفيان بن عيينه (بالواقية) وسماها يحيى بن أبي كثير (الكافية) لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة «أم القرآن عوض من غيرها وليس من غيرها عوض منها» ويقال لها سورة الصلاة والكنز, ذكرهما الزمخشري في كشافه.
    وهي مكية قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية, وقيل مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري ويقال نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة, والأول أشبه لقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} والله تعالى أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الاَخر نزل بالمدينة وهو غريب جداً, نقله القرطبي عنه وهي سبع آيات بلا خلاف, وقال عمرو بن عبيد ثمان, وقال حسين الجعفي ستة, وهذان القولان ***ان وإنما اختلفوا في البسملة هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول جماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء على ثلاثة أقوال كما سيأتي تقريرها في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
    قالوا وكلماتها خمس وعشرون كلمة وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفاً. قال البخاري في أول كتاب التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة, وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمرأو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع: أمّاً, فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أمّاً, واستشهد بقول ذي الرمة.
    على رأسه أم لنا نقتدي بهاجماع أمور ليس نعصي لها أمراً
    ـ يعني الرمح ـ قال وسميت مكة أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها وقيل لأن الأرض دحيت منها. ويقال لها أيضاً: الفاتحة لأنها تفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وإن كان للمثاني معنى آخر كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
    قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أم القرآن: «هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم» ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني» وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن غالب بن حارث, حدثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي, حدثنا المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن, وهي السبع المثاني والقرآن العظيم, وهي أم الكتاب, وفاتحة الكتاب» وقد رواه الدارقطني أيضاً عن أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى {سبعاً من المثاني} بالفاتحة وأن البسملة هي الاَية السابعة منها وسيأتي تمام هذا عند البسملة. وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لمَ لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة, قال أبو بكر بن أبي داود يعني حيث يقرأ في الصلاة, قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء أنزل من القرآن كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة وقيل: {ياأيها المدثر} كما في حديث جابر في الصحيح وقيل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وهذ هو الصحيح كما سيأتي تقريره في موضعه والله المستعان.
    ذكر ما ورد في فضل الفاتحة
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت, قال: فأتيته فقال: «مامنعك أن تأتيني» ؟ قال قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قيل أن تخرج من المسجد» قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: «نعم {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وهكذا رواه البخاري عن مسدد وعلي بن المديني, كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به, ورواه في موضع آخر من التفسير, وأبو داوود والنسائي وابن ماجه من طرق عن شعبة به, ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب فذكر نحوه. وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ما ينبغي التنبيه عليه فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أن أبا سعيد مولى ابن عامر بن كريز أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي في المسجد فلما فرغ من صلاته لحقه قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن لا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها» قال أبي رضي الله عنه, فجعلت أبطى في المشي رجاء ذلك ثم قلت: يا رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال فقرأت عليه {الحمد لله رب العالمين} حتى أتيت على آخرها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه فإن ابن المعلى صحابي أنصاري وهذا تابعي من موالي خزاعة وذاك الحديث متصل صحيح, وهذا ظاهره منقطع إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم والله أعلم. على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه


    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:24

    سورة الزلزلة
    قال الترمذي: محمد بن موسى الجويني البصري, حدثناالحسن بت مسلم العجلي حدثنا ثابت¹ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثنا سعيد, حدثنا عياش بن عباس عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقرئني يا رسول الله», قال له: «اقرأ ثلاثاً من ذوات الراء» فقال له الرجل: كبر سني واشتد قلبي وغلظ لساني, قال: «فاقرأ من ذوات حم» فقال مثل مقالته الأولى, فقال «اقرأ ثلاثاً من المسبحات» فقال مثل مقالته, فقال الرجل: ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة فأقرأه: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} حتى إذا فرغ منها قال الرجل: والذي بعثك بالحق نبياً لا أزيد عليها أبداً, ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح الرويجل, أفلح الرويجل ـ ثم قال ـ علي به ـ فجاءه فقال له ـ أمرت بيوم الأضحى جعله الله عيداً لهذه الأمة» فقال له الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى فأضحي بها ؟ قال: «لا ولكنك تأخذ من شعرك وتقلم أظافرك وتقص شاربك وتحلق عانتك فذاك تمام أضحيتك عند الله عز وجل» وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي عبد الرحمن المقري به.
    وقال الترمذي: حدثنا محمد بن موسى الجوني البصري حدثنا الحسن بن مسلم بن صالح العجلي, حدثنا ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن» ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن مسلم, وقد رواه البزار عن محمد بن موسى الجوني عن الحسن بن سلم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن, وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن» هذا لفظه. وقال الترمذي أيضاً: حدثنا علي بن حجر. حدثنا يزيد بن هارون حدثنا يمان بن المغيرة العنزي, حدثنا عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زلزلت تعدل نصف القرآن, وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن, وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن, ثم قال غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة.
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَىَ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ
    قال ابن عباس: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} أي تحركت من أسفلها {وأخرجت الأرض أثقالها} يعني ألقت ما فيها من الموتى قاله غير واحد من السلف, وهذه كقوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} وكقوله: {وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت} وقال مسلم في صحيحه: حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً» وقوله عز وجل: {وقال الإنسان مالها} أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه, ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والاَخرين, وحينئذٍ استنكر الناس أمرها وتبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار.
    وقوله تعالى: {يومئذٍ تحدث أخبارها} أي تحدث بما عمل العاملون على ظهرها. قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم حدثنا ابن المبارك وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية: {يومئذ تحدث أخبارها} قال: «أتدرون ما أخبارها ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها» ثم قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب, وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد سمع ربيعة الحدسي أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة».
    وقوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها} قال البخاري: أوحى لها وأوحى إليها ووحى لها ووحى إليها واحد, وكذا قال ابن عباس: أوحى لها أي أوحى إليها, والظاهر أن هذا مضمن بمعنى أذن لها. وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس {يومئذ تحدث أخبارها} قال: قال لها ربها قولي فقالت, وقال مجاهد: أوحى لها أي أمرها, وقال القرظي: أمرها أن تنشق عنهم, وقوله تعالى: {يومئذ يصدر الناس أشتاتاً} أي يرجعون عن موقف الحساب أشتاتاً أي أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد مأمور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار, قال ابن جريج: يتصدعون أشتاتاً فلا يجتمعون آخر ما عليهم, وقال السدي: أشتاتاً فرقاً. وقوله تعالى: {ليروا أعمالهم} أي ليعلموا بما عملوه في الدنيا من خير وشر, ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.
    قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله, حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل لثلاثة, لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات, ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له, ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له, وهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر, ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء فهي على ذلك وزر» فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال: «ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الاَية الفاذة الجامعة {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا جرير بن حازم, حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} قال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها. وهكذا رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن محمد بن يونس المؤدب عن أبيه, عن جرير بن حازم عن الحسن البصري قال: حدثنا صعصعة عم الفرزدق فذكره. وفي صحيح البخاري عن عدي مرفوعاً «اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة» وله أيضاً في الصحيح «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط» وفي الصحيح أيضاً «يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» يعني ظلفها, وفي الحديث الاَخر «ردوا السائل ولو بظلف محرق».
    وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري, حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان» تفرد به أحمد. وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة وقالت: كم فيها من مثقال ذرة. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا سعيد بن مسلم, سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير, حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل, أن عائشة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً» ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به.
    وقال ابن جرير: حدثني أبو الخطاب الحساني, حدثنا الهيثم بن الربيع, حدثنا سماك بن عطية, عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول الله إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر فقال: «يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر, ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة» ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الخطاب به, ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب قال: في كتاب أبي قلابة عن أبي إدريس, إن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ورواه أيضاً عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن قلابة أن أبا بكر وذكره.
    (طريق أخرى) قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لما نزلت {إذا زلزلت الأرض زلزالها} وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى حين أنزلت, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا أبا بكر» قال: يبكيني هذه السورة: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم».
    (حديث آخر) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المعروف بعلان المصري قالا حدثنا عمرو بن خالد الحراني, حدثنا ابن لهيعة أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} قلت: يا رسول الله إني لراء عملي ؟ قال «نعم» قلت: تلك الكبار الكبار. قال «نعم» قلت: الصغار الصغار قال «نعم» قلت: واثكل أمي! قال: «أبشر يا أبا سعيد فإن الحسنة بعشرة أمثالها ـ يعني إلى سبعمائة ضعف ـ ويضاعف الله لمن يشاء والسيئة بمثلها أو يعفو الله ولن ينجو أحد منكم بعمله» قلت: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة» قال أبو زرعة: لم يرو هذا غير ابن لهيعة.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير, حدثني ابن لهيعة, حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وذلك لما نزلت هذه الاَية {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه, فيجيء المسكين إلى أبوابهم, فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك فيردونه, ويقولون: ما هذا بشيء, إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه, وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك. يقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه, فإنه يوشك أن يكثر, وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكثر, فنزلت {فمن يعمل مثقال ذرة} يعني وزن أصغر النمل {خيراً يره} يعني في كتابه ويسره ذلك, قال: يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة, وبكل حسنة عشر حسنات, فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضاً بكل واحد عشر ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات فإذا زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة.
    وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنهنّ يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لهنّ مثلاَ كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها آخر تفسير سورة الزلزلة ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة الزلزلة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:25

    سورة العاديات
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
    ** وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنّ الإِنسَانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنّهُ عَلَىَ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنّهُ لِحُبّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصّلَ مَا فِي الصّدُورِ * إِنّ رَبّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لّخَبِيرٌ
    يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو {فالموريات قدحاً} يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار {فالمغيرات صبحاً} يعني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحاً ويستمع الأذان فإن سمع أذاناً وإلا أغار. وقوله تعالى: {فأثرن به نقعاً} يعني غباراً في مكان معترك الخيول {فوسطن به جمعاً} أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبدة عن الأعمش, عن إبراهيم عن عبد الله {والعاديات ضبحاً} قال: الإبل, وقال علي: هي الإبل. وقال ابن عباس: هي الخيل, فبلغ علياً قول ابن عباس فقال: ما كانت لنا خيل يوم بدر. قال ابن عباس: إنما كان ذلك في سرية بعثت.
    قال ابن أبي حاتم وابن جرير: وحدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثه قال: بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن {العاديات ضبحاً} فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله, ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم فسأله عن {العاديات ضبحاً} فقال: سألت عنها أحداً قبلي ؟ قال: نعم, سألت ابن عباس فقال الخيل حين تغير في سبيل الله, قال: اذهب فادعه لي, فلما وقف على رأسه قال: أتفتي الناس بما لا علم لك, والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد, فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى, قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه, وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال: قال علي: إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران, وقال العوفي وغيره عن ابن عباس: هي الخيل.
    وقد قال بقول علي إنها الإبل جماعة منهم إبراهيم وعبيد بن عمير, وقال بقول ابن عباس آخرون منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير, وقال ابن عباس وعطاء: ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب. وقال ابن جريج عن عطاء: سمعت ابن عباس يصف الضبح أح أح, وقال أكثر هؤلاء في قوله: {فالموريات قدحاً} يعني بحوافرها, وقيل أسعرنَ الحرب بين ركبانهن, قاله قتادة وعن ابن عباس ومجاهد {فالموريات قدحاً} يعني مكر الرجال وقيل هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل, وقيل المراد بذلك نيران القبائل, وقال: من فسرها بالخيل هو إيقاد النار بالمزدلفة. قال ابن جرير: والصواب الأول أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.
    وقوله تعالى: {فالمغيرات صبحاً} قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله, وقال من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى. وقالوا كلهم في قوله: {فأثرن به نقعاً} هو المكان الذي حلت فيه, أثارت به الغبار إما في حج أو غزو وقوله تعالى: {فوسطن به جمعاً} قال العوفي عن ابن عباس وعطاء وعكرمة وقتادة والضحاك: يعني جمع الكفار من العدو, ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعهن ويكون جمعاً منصوباً على الحال المؤكدة, وقد روى أبو بكر البزار ههنا حديثاً غريباً جداً, فقال: حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا حفص بن جميع, حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فأشهرت شهراً لا يأتيه منها خبر, فنزلت {والعاديات ضبحاً} ضبحت بأرجلها {فالموريات قدحاً} قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً {فالمغيرات صبحاً} صبحت القوم بغارة {فأثرن به نقعاً} أثارت بحوافرها التراب {فوسطن به جمعاً} قال: صبحت القوم جميعاً. وقوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} هذا هو المقسم عليه بمعنى إنه بنعم ربه لكفور جحود قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو الجوزاء وأبو العالية وأبو الضحى وسعيد بن جبير ومحمد بن قيس, والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد: الكنود الكفور, قال الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{إن الإنسان لربه لكنود} ـ قال ـ الكنود الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده» رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن الزبير, وهو متروك فهذا إسناد ضعيف, وقد رواه ابن جرير أيضاً من حديث حريز بن عثمان عن حمزة بن هانى عن أبي أمامة موقوفاً. وقوله تعالى: {وإنه على ذلك لشهيد} قال قتادة وسفيان الثوري: وإن الله على ذلك لشهيد ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان, قاله محمد بن كعب القرظي فيكون تقديره وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد أي بلسان حاله أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر}.
    قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} أي وإنه لحب الخير وهو المال لشديد, وفيه مذهبان (أحدهما) أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال (والثاني) وإنه لحريص بخيل من محبة المال وكلاهما صحيح. ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا ومرغباً في الاَخرة ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال وما يستقبله الإنسان من الأهوال: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ؟} أي أخرج ما فيها من الأموات {وحصل ما في الصدور} قال ابن عباس وغيره: يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم {إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير} أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم عليه أوفر الجزاء ولا يظلم مثقال ذرة.

    تمت سورة العاديات
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:25

    سورة القارعة
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * وَأَمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ
    القارعة من أسماء يوم القيامة كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك. ثم قال تعالى معظماً أمرها ومهولاً لشأنها: {وما أدراك ما القارعة} ثم فسر ذلك بقوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} أي في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث كما قال تعالى في الاَية الأخرى: {كأنهم جراد منتشر} وقوله تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} يعني قد صارت كأنها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق. قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والضحاك والسدي: {العهن} الصوف ثم أخبر تعالى عما يؤول إليه عمل العاملين وما يصيرون إليه من الكرامة والإهانة بحسب أعمالهم فقال: {فأما من ثقلت موازينه} أي رجحت حسناته على سيئاته {فهو في عيشة راضية} يعني في الجنة {وأما من خفت موازينة} أي رجحت سيئاته على حسناته.
    وقوله تعالى: {فأمه هاوية} قيل معناه فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم وعبر عنه بأمه يعني دماغه, روي نحو هذا عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح وقتادة, وقال قتادة: يهوي في النار على رأسه وكذا قال أبو صالح يهوون في النار على رؤوسهم, وقيل معناه فأمه التي يرجع إليها ويصير في المعاد إليها هاوية وهي اسم من أسماء النار, قال ابن جرير: وإنما قيل للهاوية أمه لأنه لا مأوى له غيرها, وقال ابن زيد: الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها وقرأ {ومأواهم النار} قال ابن أبي حاتم وروي عن قتادة أنه قال: هي النار وهي مأواهم, ولهذا قال تعالى مفسراً للهاوية: {وما أدراك ماهيه * نار حامية}.
    قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين فيقولون روحوا أخاكم فإنه كان في غم الدنيا, قال ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول: مات, أو ما جاءكم فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية, وقد رواه ابن مردويه من طريق أنس بن مالك مرفوعاً بأبسط من هذا, وقد أوردناه في كتاب صفة النار ـ أجارنا الله تعالى منها بمنه وكرمه ـ وقوله تعالى: {نار حامية} أي حارة شديدة الحر قوية اللهب والسعير. قال أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم» قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية ؟ فقال: «إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً» ورواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك ورواه مسلم عن قتيبة عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به, وفي بعض ألفاظه: «أنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها».
    وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا حماد وهو ابن سلمة عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة يقول سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم» فقال رجل: إن كانت لكافية ؟ فقال: «لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً حراً فحراً» تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم, وروى الإمام أحمد أيضاً: حدثنا سفيان عن أبي الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعمرو عن يحيى بن جعدة: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد» وهذا على شرط الصحيحين ولم يخرجوه من هذا الوجه, وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً».
    وقد قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم» تفرد به أيضاً من هذا الوجه وهو على شرط مسلم أيضاً, وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن عمرو الخلال, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن بن عيسى القزاز عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم لهي أشد سواداً من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفاً» وقد رواه أبو مصعب عن مالك ولم يرفعه. وروى الترمذي وابن ماجه عن عباس الدوري عن يحيى بن أبي بكير حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة» وقد روي هذا من حديث أنس وعمر بن الخطاب.
    وجاء في الحديث عند الإمام أحمد من طريق أبي عثمان النهدي عن أنس وأبي نضرة العبدي عن أبي سعيد وعجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان يغلي منهما دماغه» وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف, فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها وأشد ما تجدون في الصيف من حرها» وفي الصحيحين: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم». آخر تفسير سورة القارعة, ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة القارعة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:26

    سورة التكاثر
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ * حَتّىَ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ * ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ
    يقول تعالى: أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الاَخرة وابتغائها, وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر وصرتم من أهلها.
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا زكريا بن يحيى الوقاد المصري حدثني خالد بن عبد الدائم عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألهاكم التكاثر ـ عن الطاعة ـ حتى زرتم المقابر ـ حتى يأتيكم الموت» وقال الحسن البصري {ألهاكم التكاثر} في الأموال والأولاد, وفي صحيح البخاري في الرقاق منه وقال أخبرنا أبو الوليد, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت {ألهاكم التكاثر} يعني «لو كان لابن آدم واد من ذهب». وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن مطرف يعني ابن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «{ألهاكم التكاثر} يقول ابن آدم مالي مالي, وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟» ورواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق شعبة به, وقال مسلم في صحيحه: حدثنا سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول العبد مالي مالي, وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فاقتنى, وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» تفرد به مسلم.
    وقال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به, وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان الحرص والأمل» أخرجاه في الصحيحين وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيس واسمه الضحاك أنه رأى في يد رجل درهماً فقال: لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل: لي, فقال: إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر, ثم أنشد الأحنف متمثلاً قول الشاعر:
    أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة قال صالح بن حيان حدثني عن ابن بريدة في قوله: {ألهاكم التكاثر} قال: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان بن فلان وفلان, وقال الاَخرون مثل ذلك, تفاخروا بالأحياء ثم قالوا انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور, ومثل فلان, وفعل الاَخرون مثل ذلك فأنزل الله {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل وقال قتادة: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان, ونحن أعد من بني فلان, وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم, والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم, والصحيح أن المراد بقوله: زرتم المقابر أي صرتم إليها ودفنتم فيها, كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده فقال: «لابأس طهور إن شاء الله» فقال: قلت طهور بل هي حمى تفور, على شيخ كبير, تزيره القبور, قال: «فنعم إذن».
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني, أخبرنا حكام بن سالم الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن الحجاج عن المنهال عن زر بن حبيش عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} ورواه الترمذي عن أبي كريب عن حكام بن سالم به, وقال غريب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سلمة بن داود العرضي, حدثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} فلبث هنيهة ثم قال: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة, وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله. وقال أبو محمد: يعني أن يرجع إلى منزله أي إلى جنة أو إلى نار, وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلاً يتلو هذه الاَية: حتى زرتم المقابر, فقال بعث اليوم ورب الكعبة أي إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.
    وقوله تعالى: {كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون} قال الحسن البصري هذا, وعيد, وقال الضحاك: {كلا سوف تعلمون} يعني أيها الكفار {ثم كلا سوف تعلمون} يعني أيها المؤمنون, وقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} أي لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الاَخرة حتى صرتم إلى المقابر, ثم قال: {لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين} هذا تفسير الوعيد المتقدم, وهو قوله: {كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون} توعدهم بهذا الحال, وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال على ما جاء به الأثر المروي في ذلك, وقوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا زكريا بن يحيى الجزار المقري, حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الجزار, حدثنا يونس بن عبيد عن عكرمة عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فوجد أبا بكر في المسجد فقال: «ما أخرجك هذه الساعة ؟» فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول صلى الله عليه وسلم. قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: «ما أخرجك يا ابن الخطاب ؟» قال أخرجني الذي أخرجكما, قال: فقعد عمر وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما ثم قال: «هل بكما من قوة تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاً ؟» قلنا: نعم. قال: «مروا بنا إلى منزل ابن التيهان أبي الهيثم الأنصاري» قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا فسلم واستأذن ثلاث مرات, وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام, فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم فقالت: يا رسول الله قد والله سمعت تسليمك ولكن أردت أن تزيدني من سلامك, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيراً» ثم قال: «أين أبو الهيثم لا أراه ؟» قالت: يا رسول الله هو قريب ذهب يستعذب الماء, ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله فبسطت بساطاً تحت شجرة, فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرّت عيناه بهم, فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقاً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك يا أبا الهيثم» فقال: يا رسول الله تأكلون من بسره ومن رطبه ومن تذنوبه, ثم أتاهم بماء فشربوا عليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه», هذا غريب من هذا الوجه.
    وقال ابن جرير: حدثني الحسين بن علي الصدائي, حدثنا الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما أجلسكما ههنا ؟» قالا: والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع. قال: «والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره» فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار, فاستقبلتهم المرأة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أين فلان ؟» فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء, فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال: مرحباً, ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم, فعلق قربته بقرب نخلة وانطلق فجاءهم بعذق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا كنت اجتنيت ؟» فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم, ثم أخذ الشفرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إياك والحلوب» فذبح لهم يومئذ فأكلوا, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا فهذا من النعيم» ورواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان به, ورواه أبو يعلى وابن ماجه من حديث المحاربي عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق به, وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحو من هذا السياق وهذه القصة.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج, حدثنا حشرج عن أبي نضرة عن أبي عسيب, يعني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً فمر بي فدعاني فخرجت إليه, ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه, ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه, فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط: «أطعمنا بسراً» فجاء بعذق فوضعه فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب وقال: «لتسألن عن هذا يوم القيامة» قال: فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال: «نعم إلا من ثلاثة: خرقة لف بها الرجل عورته, أو كسرة سد بها جوعته, أو جحر يدخل فيه من الحر والقر» تفرد به أحمد, وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد, حدثنا عمار سمعت جابر بن عبد الله يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطباً وشربوا ماء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه» ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن جابر به, وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد حدثنا يزيد, حدثنا محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت {ألهاكم التكاثر} فقرأ حتى بلغ {لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا: يا رسول الله عن أي نعيم نسأل ؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر, وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر فعن أي نعيم نسأل ؟ قال: «أما إن ذلك سيكون».
    وقال أحمد: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو, حدثنا عبد الله بن سليمان, حدثنا معاذ بن عبد الله بن حبيب, عن أبيه عن عمه قال كنا في مجلس فطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء, فقلنا يا رسول الله نراك طيب النفس, قال: «أجل» ثم خاض الناس في ذكر الغنى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لابأس بالغنى لمن اتقى الله والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى وطيب النفس من النعيم» ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن عبد الله بن سليمان به. وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد, حدثنا شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يسأل عنه ـ يعني يوم القيامة ـ العبد من النعيم أن يقال له ألم نصح لك بدنك ونروك من الماء البارد ؟» تفرد به الترمذي ورواه ابن حبان في صحيحه من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبير به.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا مسدد, حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو, عن يحيى بن حاطب عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا يا رسول الله لأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال: «إن ذلك سيكون» وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان هو ابن عيينة به ورواه أحمد عنه وقال الترمذي حسن وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاَية {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الصحابة: يا رسول الله, وأي نعيم نحن فيه وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير ؟» فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد ؟ فهذا من النعيم.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا إبراهيم بن موسى, أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن ابن أبي ليلى أظنه عن عامر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال «الأمن والصحة» وقال زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} يعني شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم, ورواه ابن أبي حاتم بإسناده المتقدم عنه في أول السورة. وقال سعيد بن جبير: حتى عن شربة عسل وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا, وقال الحسن البصري: من النعيم الغداء والعشاء. وقال أبو قلابة. من النعيم أكل السمن والعسل بالخبز النقي وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}.
    وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي, حدثنا علي ين الحسين بن شقيق, حدثنا أبو حمزة عن ليث عن أبي فزارة, عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فوق الإزار وظل الحائط والخبز, يحاسب به العبد يوم القيامة أو يسأل عنه» ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإسناد. وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا حماد, قال عفان في حديثه, قال إسحاق بن عبد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل ـ قال عفان يوم القيامة ـ يا ابن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوجتك النساء وجعلتك تربع وترأس فأين شكر ذلك ؟» تفرد به من هذا الوجه. آخر تفسير سورة التكاثر, ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة التكاثر
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:26

    سورة العصر
    ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب, وذلك بعد ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أي يسلم عمرو, فقال له مسليمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال: وما هي ؟ فقال: {والعصر إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال: وقد أنزل علي مثلها, فقال له عمرو: وما هو ؟ فقال: يا وبر يا وبر, إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر, ثم قال: كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف (بمساوي الأخلاق) في الجزء الثاني منه شيئاً من هذا أو قريباً منه. والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شيء فيه أذناه وصدره وباقيه دميم, فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن. فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان. وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصين قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الاَخر سورة العصر إلى آخرها, ثم يسلم أحدهما على الاَخر, وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ
    العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر, وقال مالك عن زيد بن أسلم: هو العشي, والمشهور الأول فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم {وتواصوا بالحق} وهو أداء الطاعات, وترك المحرمات {وتواصوا بالصبر} أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر. آخر تفسير سورة العصر, وللهالحمد والمنة.

    تمت سورة العصر
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:26

    سورة الهمزة
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ * الّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَهُ * يَحْسَبُ أَنّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاّ لَيُنبَذَنّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ * الّتِي تَطّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ * إِنّهَا عَلَيْهِم مّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مّمَدّدَةِ
    الهماز بالقول واللماز بالفعل يعني يزدري الناس وينتقص بهم, وقد تقدم بيان ذلك في قوله تعالى: {هماز مشاء بنميم} قال ابن عباس: همزة لمزة, طعان معياب. وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه قي وجهه واللمزة من خلفه وقال قتادة: الهمزة واللمزة لسانه وعينه ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم. وقال مجاهد: الهمزة باليدين والعين واللمزة باللسان وهكذا قال ابن زيد. وقال مالك عن زيد بن أسلم: همزة لحوم الناس, ثم قال بعضهم: المراد بذلك الأخنس بن شريق وقيل غيره وقال مجاهد هي عامة. وقوله تعالى: {الذي جمع مالاً وعدده} أي جمعه بعضه على بعض وأحصى عدده كقوله تعالى: {وجمع فأوعى} قاله السدي وابن جرير, وقال محمد بن كعب في قوله: {جمع مالاً وعدده} ألهاه ماله بالنهار هذا إلى هذا فإذا كان الليل نام كأنه جيفة منتنة.
    وقوله تعالى: {يحسب أن ماله أخلده} أي يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار {كلا} أي ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب. ثم قال تعالى: {لينبذن في الحطمة} أي ليلقين هذا الذي جمع مالاً فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها ولهذا قال: {وما أدراك ما الحطمة ؟ نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة} قال ثابت البناني: تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ثم يقول لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي, قال محمد بن كعب: تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده.
    وقوله تعالى: {إنها عليهم مؤصدة} أي مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا علي بن سراج, حدثنا عثمان بن حرزاد, حدثنا شجاع بن أشرس, حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {إنها عليهم مؤصدة} قال: مطبقة. وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن أسيد عن إسماعيل بن خالد عن أبي صالح قوله ولم يرفعه. وقوله تعالى: {في عمد ممددة} قال عطية العوفي: عمد من حديد, وقال السدي من نار,وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس {في عمد ممددة} يعني الأبواب هي الممددة, وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود: إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة, وقال العوفي عن ابن عباس: أدخلهم في عمد ممددة عليهم بعماد في أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب: وقال قتادة: كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار واختاره ابن جرير, وقال أبو صالح {في عمد ممددة} يعني القيود الثقال.آخر تفسير سورة ويل لكل همزة لمزة, ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة الهمزة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:27

    سورة الفيل
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مّأْكُولِ
    هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة, ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم أنوفهم وخيب سعيهم وأضل عملهم, وردهم بشر خيبة, وكانوا قوماً نصارى وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان, ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم, ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء.
    وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب: قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس, وكان آخر ملوك حمير وكان مشركاً وهو الذي قتل أصحاب الأخدود, وكانوا نصارى وكانوا قريباً من عشرين ألفاً فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام, وكان نصرانياً, فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم, فبعث معه أميرين أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف, فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير وهلك ذو نواس غريقاً في البحر, واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة, فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا فقال أحدهما للاَخر: إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا ولكن ابرز إلي وأبرز إليك, فأينا قتل الاَخر استقل بعده بالملك, فأجابه إلى ذلك فتبارزا وخلف كل واحد منهما قناة, فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشق وجهه, وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ورجع أبرهة جريحاً فداوى جرحه فبرأ واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن.
    فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته, فأرسل إليه أبرهة يترفق له ويصانعه وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه من تراب اليمن وجز ناصيته, فأرسلها معه ويقول في كتابه ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه, وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ورضي عنه وأقره على عمله, وأرسل أبرهة يقول للنجاشي إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها, فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها, وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة, ونادى بذلك في مملكته فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك, وغضبت قريش لذلك غضباً شديداً حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها ليلاً, فأحدث فيها وكرّ راجعاً, فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة, وقالوا له إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيته الذي ضاهيت هذا به, فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجراً حجراً.
    وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها ناراً وكان يوماً فيه هواء شديد, فاحترقت وسقطت إلى الأرض, فتأهب أبرهة لذلك وسار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه, واستصحب معه فيلاً عظيماً كبير الجثة لم يرَ مثله, يقال له محمود, وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك, ويقال كان معه أيضاً ثمانية أفيال, وقيل اثنا عشر فيلاً غيره فالله أعلم. يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة, فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جداً ورأوا أن حقاً عليهم المحاجبة دون البيت, ورد من أراده بكيد, فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر, فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله, وما يريده من هدمه وخرابه, فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه وأسر ذو نفر, فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهران وناهس فقاتلوه, فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز.
    فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات, فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلاً, فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به. وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه, وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب, وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة, وكان يقال له الأسود بن مقصود فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن إسحاق, وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة وأمره أن يأتيه بأشرف قريش وأن يخبره أن الملك لم يجى لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت, فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال, فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة, هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه, وإن يخل بينه وبينه فو الله ما عندنا دفع عنه, فقال له حناطة فاذهب معي إليه, فذهب معه.
    فلما رآه أبرهة أجله, وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً حسن المنظر, ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك ؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي, فقال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك, ثم قد زهدت فيك حين كلمتني, أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه ؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع مني. قال: أنت وذاك, ويقال إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت, فأبى عليهم ورد أبرهة على عبد المطلب إبله, ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رؤوس الجبال تخوفاً عليهم من معرة الجيش, ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة, وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده, فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
    لا هم إن المرء يمــنع رحله فامنع رحالكلا يغلبن صليبهمومحالهم أبداً محالك
    قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثم خرجوا إلى رؤوس الجبال, وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئاً بغير حق فينتقم الله منهم, فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله, وكان اسمه محموداً, وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه, ثم أخذ بإذنه وقال: ابرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت, فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل, وضربوا الفيل ليقوم فأبى, فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى, فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول, ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك, ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس ولا يصيب منهم أحداً إلا هلك. وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق, هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة, وجعل نفيل يقول:
    أين المفر والإله الطالبوالأشرم المغلوب ليس الغالب
    قال ابن اسحاق وقال نفيل في ذلك أيضاً:
    ألا حييت عنايا ودينانعمناكم مع الإصباح عيناودينة لو رأيت ولا تريهلدى جنب المحصب ما رأيناإذاً لعذرتني وحمدت أمريولم تأس على ما فات بيناحمدت الله إذ أبصرت طيراًوخفت حجارة تلقى علينافكل القوم تسأل عن نفيلكأن علي للحبشان دينا
    وذكر الواقدي بإسناده أنهم لما تعبئوا لدخول الحرم وهيئوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب فيها, فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح, وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم, وطال الفصل في ذلك, هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم ومسعود بن عمرو الثقفي على حراء ينظرون ما الحبشة يصنعون, وماذا يلقون من أمر الفيل وهو العجب العجاب, فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم طيراً أبابيل أي قطعاً قطعاً صفراً دون الحمام وأرجلها حمر, ومع كل طائر ثلاثة أحجار وجاءت فحلقت عليهم وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا. وقال محمد بن كعب جاؤوا بفيلين فأما محمود فربض وأما الاَخر فتشجع فحصب.
    وقال وهب بن منبه: كان معهم فيلة فأما محمود وهو فيل الملك فربض ليقتدي به بقية الفيلة, وكان فيها فيل تشجع فحصب فهربت بقية الفيلة. وقال عطاء بن يسار وغيره. ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة بل منهم من هلك سريعاً ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً وهم هاربون, وكان أبرهة ممن تساقط عضواً عضواً حتى مات ببلاد خثعم وقال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة حتى قدموا به صنعاء, وهو مثل فرخ الطائر, فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون. وذكر مقاتل بن سليمان أن قريشاً أصابوا مالاً جزيلاً من أسلابهم وما كان معهم, وأن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة. قال ابن اسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام, وأنه أول ما رؤي به مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام, وهكذا روي عن عكرمة من طريق جيد.
    قال ابن أسحاق: فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله مارد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول} {لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} أي لئلا يغير شيئاً من حالهم التي كانوا عليها لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه.
    قال ابن هشام: الأبابيل الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة. قال: وأماالسجيل فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب الشديد الصلب. قال: وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية جعلتهماالعرب كلمة واحدة, وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج الحجر والجل الطين. يقول الحجارة من هذين الجنسين الحجر والطين. قال: والعصف ورق الزرع الذي لم يقضب واحدته عصفة, انتهى ما ذكره, وقد قال حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن {طيراً أبابيل} قال الفرق, وقال ابن عباس والضحاك: أبابيل يتبع بعضها بعضاً. وقال الحسن البصري وقتادة: الأبابيل الكثيرة. وقال مجاهد: أبابيل شتى متتابعة مجتمعة وقال ابن زيد الأبابيل المختلفة تأتي من ههنا ومن ههنا أتتهم من كل مكان, وقال الكسائي: سمعت بعض النحويين يقول: واحد الأبابيل إبيل.
    وقال ابن جرير: حدثني عبد الأعلى, حدثني داود عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه قال في قوله تعالى: {وأرسل عليهم طيراً ابابيل} هي الأقاطيع كالإبل المؤبلة, وحدثنا أبو كريب: حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين عن ابن عباس {وأرسل عليهم طيراً أبابيل} قال: لهم خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلب. وحدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا هشيم, أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله تعالى: {طيراً أبابيل} قال: كانت طيراً خضراً خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع وحدثنا ابن بشار: حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير {طيراً أبابيل} قال: هي طيور سود بحرية في مناقيرها وأظافرها الحجارة, وهذه أسانيد صحيحة.
    وقال سعيد بن جبير: كانت طيراً خضراً لها مناقير صفر تختلف عليهم, وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء: كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب. ورواه عنهم ابن أبي حاتم: وقال ابن أبي حاتم: حدثناأبو زرعة, حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة, حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير قال: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف كل طير منها يحمل ثلاثة أحجارمجزعة حجرين في رجليه وحجراً في منقاره, قال: فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها, فما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره, ولا يقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الاَخر, وبعث الله ريحاً شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعاً, وقال السدي عن عكرمة عن ابن عباس: حجارة من سجيل, قال طين في حجارة سنك وكل وقد قدمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
    وقوله تعالى: {فجعلهم كعصف مأكول} قال سعيد بن جبير: يعني التبن الذي تسميه العامة هبور, وفي رواية عن سعيد: ورق الحنطة, وعنه أيضاً: العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب, وكذلك قال الحسن البصري, وعن ابن عباس: العصف القشرة التي على الحبة كالغلاف على الحنطة.
    وقال ابن زيد: العصف ورق الزرع وورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته فصار دريناً والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم ودمرهم بكيدهم وغيظهم, لم ينالوا خيراً, وأهلك عامتهم ولم يرجع منهم مخبر إلا وهو جريح كما جرى لملكهم أبرهة فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء, وأخبرهم بما جرى لهم ثم مات فملك بعده ابنه يكسوم ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة, ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميري إلى كسرى فاستعانه على الحبشة فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه فرد الله إليهم ملكهم, وما كان في آبائهم من الملك وجاءته وفود العرب بالتهنئة, وقد قال محمد بن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان ورواه الواقدي عن عائشة مثله, ورواه أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: كانا مقعدين يستطعمان الناس عند أساف ونائلة حيث يذبح المشركون ذبائحهم.
    (قلت): كان اسم قائد الفيل أنيساً. وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل, ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن وإنما بعث على الجيش رجلاً يقال له شمر بن مقصود, وكان الجيش عشرين ألفاً, وذكر أن الطير طرقتهم ليلاً فأصبحوا صرعى, وهذا السياق غريب جداً وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره, الصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار, وهكذا روي عن ابن لهيعة عن الأسود عن عروة أن أبرهة بعث الأسود بن مقصود على كتيبة معهم الفيل, ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه, والصحيح قدومه ولعل ابن مقصود كان على مقدمة الجيش والله أعلم. ثم ذكر ابن إسحاق شيئاً من أشعار العرب فيما كان من قصة أصحاب الفيل فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعري:
    تنكلوا عن بطن مكة إنهاكانت قديماً لا يرام حريمهالم تخلق الشعرى ليالي حرمتإذ لا عزيز من الأنام يرومهاسائل أمير الجيش عنها ما رأىفلسوف ينبي الجاهلين عليمهاستون ألفاً لم يؤوبوا أرضهمبل لم يعش بعد الإياب سقيمهاكانت بها عاد وجرهم قبلهموالله من فوق العباد يقيمها
    وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المدني:
    ومن صنعه يوم فيل الحبوش إذ كل ما بعثوه رزممحاجنهم تحت أقرابهوقد شرموا أنفه فانخرموقد جعلوا سوطه مغولاإذا يمموه قفاه كلمفولى وأدبر أدراجهوقد باء بالظلم من كان ثمفأرسل من فوقهم حاصباًيلفهم مثل لف القزميحض على الصبر أحبارهموقد ثأجوا كثؤاج الغنم
    وقال أبو الصلت بن ربيعة الثقفي, ويروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة:
    إن آيات ربنا باقياتما يماري فيهن إلا الكفورخلق الليل والنهار فكلمستبين حسابه مقدورثم يجلو النهار رب رحيمبمهاة شعاعها منشورحبس الفيل بالمغمس حتىصار يحبو كأنه معقورلازماً حلقه الجران كما قطرمن ظهر كبكب محذورحوله من ملوك كندة أبطالملاويث في الحروب صقورخلفوه ثم ابذعروا جميعاًكلهم عظم ساقه مكسوركل دين يوم القيامة عندالله إلا دين الحنيفة بور
    وقد قدمنا في تفسير سورة الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش بركت ناقته فزجروها فألحت, فقالوا: خلأت القصواء أي حرنت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ـ ثم قال ـ والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها» ثم زجرها فقامت. والحديث من أفراد البخاري وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين, وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ الشاهد الغائب». آخر تفسير سورة الفيل, ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة الفيل
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:27

    سورة قريش
    (ذكر حديث غريب في فضلها) قال البيهقي في كتاب الخلافيات: حدثنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو, حدثنا أحمد بن عبد الله الزينبي, حدثنا يعقوب بن محمد الزهري, حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل, حدثني عثمان بن عبد الله أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدته أم هانىء بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الله قريشاً بسبع خلال: إني منهم وإن النبوة فيهم والحجابة والسقاية فيهم, وإن الله نصرهم على الفيل, وإنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم, وإن الله أنزل فيهم سورة من القرآن ـ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم * لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَآءِ وَالصّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبّ هَـَذَا الْبَيْتِ * الّذِيَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ
    هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم, وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين, وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك, ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله, فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم, وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم, وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى: {أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم} ولهذا قال تعالى: {لإيلاف قريش إيلافهم} بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى: {إيلافهم رحلة الشتاء والصيف} قال ابن جرير: الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك, قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.
    ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: {فليعبدوا رب هذا البيت} أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرماً آمناً وبيتاً محرماً كما قال تعالى: {قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين} وقوله تعالى: {الذي أطعمهم من جوع} أي هو رب البيت, وهو الذي أطعمهم من جوع {وآمنهم من خوف} أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له, ولا يعبدوا من دونه صنماً ولا نداً ولا وثناً, ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الاَخرة, ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى: {ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن عمرو العدني حدثنا قبيص حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل لكم قريش لإيلاف قريش» ثم قال: حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني ابن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف} ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف» هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم. آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة قريش
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:28

    سورة الماعون
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** أَرَأَيْتَ الّذِي يُكَذّبُ بِالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضّ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * الّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
    يقول تعالى: أرأيت يا محمد الذي يكذب بالدين وهو المعاد والجزاء والثواب {فذلك الذي يدع اليتيم} أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه {ولا يحض على طعام المسكين} كما قال تعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين} يعني الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته, ثم قال تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال ابن عباس وغيره: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر ولهذا قال: {للمصلين} الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ثم هم عنها ساهون, إما عن فعلها بالكلية كما قاله ابن عباس, وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعاً فيخرجها عن وقتها بالكلية, كما قاله مسروق وأبو الضحى.
    وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: {عن صلاتهم ساهون} ولم يقل في صلاتهم ساهون, وإماعن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً, وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به, وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها, فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الاَية, ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً» فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى كما ثبت به النص إلى آخر وقتها, وهو وقت الكراهة, ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً, ولهذا قال لا يذكر الله فيها إلا قليلاً, ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله, فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} وقال تعالى ههنا: {الذين هم يراءون}.
    وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي, حدثني أبي, حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, عن يونس عن الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللمصدق في غير ذات الله وللحاج إلى بيت الله وللخارج في سبيل الله» وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة قال كنا جلوساً عند أبي عبيدة, فذكروا الرياء فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمّع الناس بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقره وصغره» ورواه أيضاً عن غندر ويحيى القطان عن شعبة عن عمرو بن مرة عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, ومما يتعلق بقوله تعالى: {الذين هم يراءون} أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء, والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده, حدثنا هارون بن معروف, حدثنا مخلد بن يزيد, حدثنا سعيد بن بشير, حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدخل علي رجل فأعجبني ذلك, فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كتب لك أجران: أجر السر وأجر العلانية».
    قال أبو علي هارون بن معروف بلغني أن ابن المبارك قال نعم الحديث للمرائين, وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وسعيد بن بشير متوسط, وروايته عن الأعمش عزيزة,وقد رواه غيره عنه, قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا محمد بن المثنى بن موسى, حدثنا أبو داود, حدثنا أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل يعمل العمل يسره, فإذا اطلع عليه أعجبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «له أجران أجر السر وأجر العلانية». وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى وابن ماجه عن بندار كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني, واسمه ضرار بن مرة, ثم قال الترمذي غريب وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مرسلاً.
    وقد قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أبو كريب, حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي, حدثني رجل عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاَية {الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال: « الله أكبر هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه» فيه جابر الجعفي وهو ضعيف وشيخه مبهم لم يسم, والله أعلم. وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن أبان المصري, حدثنا عمرو بن طارق, حدثنا عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها» قلت: وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعاً أو تأخيرها عن أول الوقت, وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن عكرمة بن إبراهيم به, ثم رواه عن أبي الربيع عن جابر عن عاصم عن مصعب عن أبيه موقوفاً: سهواً عنها حتى ضاع الوقت, وهذا أصح إسناداً وقد ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم.
    وقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} أي لا أحسنوا عبادة ربهم ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به, ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم, فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى, وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال علي: الماعون الزكاة, وكذا رواه السدي عن أبي صالح عن علي, وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر, وبه يقول محمد بن الحنفية وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وعطاء وعطية العوفي, والزهري والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد, وقال الحسن البصري: إن صلى راءى وإن فاتته لم يأس عليها ويمنع زكاة ماله وفي لفظ صدقة ماله, وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها, وضمنت الزكاة فمنعوها. وقال الأعمش وشعبة عن الحكم عن يحيى بن الخزاز أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر. وقال المسعودي عن سلمة بن كهيل عن أبي العبيدين أنه سُئِل ابن مسعود عن الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك.
    وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي, حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي العبيدين وسعد بن عياض عن عبد الله قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن, وحدثنا خلاد بن أسلم, أخبرنا النضر بن شميل, أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم الفأس والدلو وشبهه وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي الفلاس, حدثنا أبو داود الطيالسي, حدثنا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا مع نبيناصلى الله عليه وسلم ونحن نقول منع الماعون منع الدلو وأشباه ذلك.
    وقد رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة بإسناده نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة, وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: الماعون العواري القدر والميزان والدلو. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس {ويمنعون الماعون} يعني متاع البيت, وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك وغير واحد إنها العارية للأمتعة, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس {ويمنعون الماعون} قال: لم يجىء أهلها بعد: وقال العوفي عن ابن عباس {ويمنعون الماعون} قال: اختلف الناس في ذلك فمنهم من قال يمنعون الزكاة, ومنهم من قال يمنعون الطاعة, ومنهم من قال يمنعون العارية, رواه ابن جرير ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: الماعون منع الناس الفأس والقدر والدلو, وقال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة, رواه ابن أبي حاتم وهذا الذي قاله عكرمة حسن, فإنه يشمل الأقوال كلها وترجع كلها إلى شيء واحد, وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة, ولهذا قال محمد بن كعب {ويمنعون الماعون} قال: المعروف. ولهذا جاء في الحديث «كل معروف صدقة».
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري {ويمنعون الماعون} قال بلسان قريش: المال وروى ههنا حديثاً غريباً عجيباً في إسناده ومتنه فقال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا, حدثنا قيس بن حفص الدارمي, حدثنا دلهم بن دهيم العجلي, حدثنا عائذ بن ربيعة النميري. حدثني قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا ! قال: «لا تمنعوا الماعون» قالوا: يا رسول الله وما الماعون ؟ قال: «في الحجر وفي الحديدة وفي الماء» قالوا: فأي الحديدة ؟ قال: «قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهنون به» قالوا: ما الحجر ؟ قال: «قدوركم الحجارة» غريب جداً ورفعه منكر, وفي إسناده من لا يعرف والله أعلم. وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة علي النميري فقال: روى ابن مانع بسنده إلى عامر بن ربيعة بن قيس النميري عن علي بن فلان النميري, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم إذا لقيه حيّاه بالسلام ويرد عليه ما هو خير منه لا يمنع الماعون» قلت: يا رسول الله ما الماعون ؟ قال «الحجر والحديد وأشباه ذلك» والله أعلم.

    تمت سورة الماعون
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:28

    سورة الكوثر
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
    ** إِنّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ * إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ
    قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله إغفاءة, فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه أنزلت علي آنفاً سورة» فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم * إنا أعطيناك الكوثر} حتى ختمها فقال: «هل تدرون ما الكوثر ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير, ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم, فأقول يا رب إنه من أمتي, فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي, وهذا السياق عن محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك.
    وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر وأن آنيته عدد نجوم السماء, وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل, كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس, ولفظ مسلم قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً, قلنا: ما أضحكك يا رسول الله. قال: «لقد أنزلت علي آنفاً سورة» فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم * إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر} ثم قال «أتدرون ما هو الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: ـ فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء, فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي, فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك».
    وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة, وأنها منزلة معها. فأما قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة, وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أنس فقال: حدثنا عفان, حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الاَية {إنا أعطيناك الكوثر} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقاً وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي في تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ». وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللولؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر قلت: ماهذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل» ورواه البخاري في صحيحه ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: «أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر» وهو لفظ البخاري رحمه الله.
    وقال ابن جرير: حدثنا الربيع, أخبرنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر, قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل إلى السماء الدنيا, فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ و***جد, فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك قال: «يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال: هو الكوثر الذي خبأ لك ربك» وقد تقدم حديث الإسراء في سورة سبحان من طريق شريك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في الصحيحين. وقال سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف, فقال الملك ـ الذي معه ـ أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثرالذي أعطاك الله, وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك» وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم عن قتادة به.
    قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن أبي سريج, حدثنا أبو أيوب العباس, حدثنا إبراهيم بن سعد, حدثني محمد بن عبد الوهاب بن أخي ابن شهاب عن أبيه عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: «هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر» قال أبو بكر: يا رسول الله إنها لناعمة قال «آكلهاأنعم منها».
    وقال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي, حدثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال: «هو نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طيورأعناقها كأعناق الجزر» قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: «آكلها أنعم منها يا عمر» رواه ابن جرير من حديث الزهري عن أخيه عبد الله عن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فذكر مثله سواء. وقال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} قالت: نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم, شاطئاه عليه در مجوف, آنيته كعدد النجوم, ثم قال البخاري: رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق, ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به.
    وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف, وقال إسرائيل: هو نهر في الجنة عليه من الاَنية عدد نجوم السماء. وحدثنا ابن حميد: حدثنا يعقوب القمي عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية عن شقيق أو مسروق قال: قلت لعائشة يا أم المؤمنين حدثيني عن الكوثر قالت: نهر في بطنان الجنة, قلت وما بطنان الجنة ؟ قالت: وسطها حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت وترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت, وحدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه, هذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات عن رجل عنها, ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك لا أنه يسمعه نفسه والله أعلم قال السهيلي ورواه الدارقطني مرفوعاً من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثم قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه, قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة قال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه, ورواه أيضاً من حديث هشيم عن أبي بسر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر الخير الكثير, وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر الخير الكثير, وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير, ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري, حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والاَخرة, وقال عكرمة: هو النبوة, والقرآن وثواب الاَخرة وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضاً, فقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر, ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل, وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك.
    وقال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم أخبرنا عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر أنه قال: الكوثر نهر في الجنة, حافتاه ذهب وفضة, يجري على الدر والياقوت, ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل, وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد عن جرير عن عطاء بن السائب به مثله موقوفاً, وقد روي مرفوعاً فقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن حفص, حدثنا ورقاء قال: وقال عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل» وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعاً, وقال الترمذي: حسن صحيح.
    وقال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا ابن علية, أخبرنا عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير, فقال: صدق والله إنه للخير الكثير, ولكن حدثنا ابن عمر قال: لما نزلت {إنا أعطيناك الكوثر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت». وقال ابن جرير: حدثني ابن البرقي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير, أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوماً فلم يجده, سأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت: خرج يا نبي الله آنفاً عامداً نحوك فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار, أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل فقدمت إليه حيساً فأكل منه, فقالت: يا رسول الله هنيئاً لك ومريئاً, لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر فقال: «أجل وعرضه ـ يعني أرضه ـ ياقوت ومرجان و***جد ولؤلؤ» حرام بن عثمان ضعيف, ولكن هذا سياق حسن, وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث, وكذلك أحاديث الحوض, وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة, وقال عطاء: هو حوض في الجنة.
    وقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والاَخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته, فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك فاعبده وحده لا شريك له, وانحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن: يعني بذلك نحر البدن ونحوها, وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني والحكم وإسماعيل بن أبي خالد وغير واحد من السلف, وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الاَية, وقيل: المراد بقوله {وانحر} وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر, يروى هذا عن علي ولا يصح, وعن الشعبي مثله وعن أبي جعفر الباقر {وانحر} يعني رفع اليدين عند افتتاح الصلاة, وقيل {وانحر} أي واستقبل بنحرك القبلة, ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير.
    وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً منكراً جداً فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم القاضي سنة خمس وخمسين ومائتين, حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي, حدثنا مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم {إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟» فقال: ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع, وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع, وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة. وهكذا رواه الحاكم في المستدرك من حديث إسرائيل بن حاتم به, وعن عطاء الخراساني: {وانحر} أي ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل وأبرز نحرك يعني به الاعتدال, رواه ابن أبي حاتم وكل هذه الأقوال غريبة جداً, والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك, ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له» فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة, وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم. قال: «شاتك شاة لحم» قال: فإن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين أفتجزىء عني ؟ قال: «تجزئك ولا تجزىء أحداً بعدك».
    قال أبو جعفر بن جرير: والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والاَلهة, وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به, وهذا الذي قاله في غاية الحسن, وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء. وقوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره, قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: نزلت في العاص بن وائل, وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له, فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة, وقال شمر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط.
    وقال ابن عباس أيضاً وعكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش, وقال البزار: حدثنا زياد بن يحيى الحساني, حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية فقال: أنتم خير منه, قال فنزلت {إن شانئك هو الأبتر} هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح, وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب, وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك {إن شانئك هو الأبتر}.
    وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل, وعنه: {إن شانئك} يعني عدوك, وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم, وقال عكرمة: الأبتر الفرد, وقال السدي: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر, فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد, فأنزل الله {إن شانئك هو الأبتر} وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره, فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره, وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد, وأوجب شرعه على رقاب العباد, مستمراً على دوام الاَباد, إلى يوم المحشر والمعاد, صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد.
    تمت سورة الكوثر
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:28

    سورة الكافرون
    ثبت في صحيح مسلم عن جابر أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة وبـ {قل هوالله أحد} في ركعتي الطواف, وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين, قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعاً وعشرين مرة أو بضع عشرة مرة, {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}.
    وقال أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين مرة أو خمساً وعشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} وقال أحمد: حدثنا أبو أحمد هو محمد بن عبد الله بن الزبيري, حدثنا سفيان هو الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً, وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}, وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي أحمد الزبيري, وأخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي إسحاق به, وقال الترمذي: هذا حديث حسن, وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا زهير, حدثنا أبو إسحاق عن فروة بن نوفل هو ابن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «هل لك في ربيبة لنا تكفلها ؟» قال: أراها زينب, قال ثم جاء فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها قال: «ما فعلت الجارية ؟» قال: تركتها عند أمها. قال: «فمجيء ما جاء بك» قال: جئت لتعلمني شيئاً أقوله عند منامي قال: «اقرأ {قل يا أيها الكافرون} ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك» تفرد به أحمد. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو القطراني حدثنا محمد بن طفيل, حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن جبلة بن حارثة, وهو أخو زيد بن حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ {قل يا أيها الكافرون} حتى تمر بآخرها فإنها براءة من الشرك». وروى الطبراني من طريق شريك عن جابر عن معقل الزبيدي عن عبد الرحمن بن زيد أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قرأ {قل يا أيها الكافرون} حتى يختمها وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن فروة بن نوفل عن الحارث بن جبلة قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أقوله عند منامي, قال: «إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ {قل يا أيها الكافرون} فإنها براءة من الشرك» والله أعلم.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
    هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون, وهي آمرة بالإخلاص فيه فقوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون} يشمل كل كافر على وجه الأرض, ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش, وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة, ويعبدون معبوده سنة, فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: {لا أعبد ما تعبدون} يعني من الأصنام والأنداد {ولا أنتم عابدون ما أعبد} وهو الله وحده لا شريك له, فما ههنا بمعنى من, ثم قال: {ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه, ولهذا قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته, بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}.
    فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه, فإن العابد لا بد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه, فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه, ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله أي لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله, ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: {لكم دينكم ولي دين} كما قال تعالى: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} وقال: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} . وقال البخاري يقال: {لكم دينكم} الكفر {ولي دين} الإسلام ولم يقل ديني لأن الاَيات بالنون فحذف الياء كما قال: {فهو يهدين} و {يشفين} وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الاَن ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ولا أنتم عابدون ما أعبد, وهم الذين قال: {وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً} انتهى ما ذكره. ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله: {فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً} وكقوله {لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين} وحكاه بعضهم كابن الجوزي وغيره عن ابن قتيبة, فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال (أولها) ما ذكرناه أولاً (والثاني) ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد {لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الماضي {ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في المستقبل (الثالث) إن ذلك تأكيد محض (وثم قول رابع) نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه, وهو أن المراد بقوله: {لا أعبد ما تعبدون} نفي الفعل لأنها جملة فعلية {ولا أنا عابد ما عبدتم} نفي قبوله لذلك بالكلية لأن النفي بالجملة الاسمية آكد, فكأنه نفي الفعل وكونه قابلاً لذلك, ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضاً, وهو قول حسن أيضاً, والله أعلم. وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الاَية الكريمة {لكم دينكم ولي دين} على أن الكفر ملة واحدة, فورث اليهود من النصارى وبالعكس إذ كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود, وبالعكس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» آخر تفسير سورة قل يا أيها الكافرون.

    تمت سورة الكافرون
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:29

    سورة المسد
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
    ** تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَآ أَغْنَىَ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىَ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مّسَدٍ
    قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام, حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش فقال: «أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ ـ قالوا: نعم, قال: ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تبّاً لك فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب} إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب} الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه, فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد العزى بن عبد المطلب, وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه, وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.
    قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب, يتبعه حيث ذهب, فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب, ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً ؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة, تفرد به أحمد.
    وقال محمد بن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة, يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    على القبيلة فيقول: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الاَخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى, وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة, فلا تسمعوا له ولا تتبعوه, فقلت لأبي: من هذا ؟ قال: عمه أبو لهب, رواه أحمد أيضاً والطبراني بهذا اللفظ, فقوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه {وتب} أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.
    وقوله تعالى: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} قال ابن عباس وغيره {وما كسب} يعني ولده, وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله, وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان, قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى {ما أغنى عنه ماله وما كسب} وقوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهب} أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد {وامرأته حمالة الحطب} وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل, واسمها أروى بنت حرب بن أمية, وهي أخت أبي سفيان وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم, ولهذا قال تعالى: {حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه, وهي مهيأة لذلك مستعدة له {في جيدها حبل من مسد} قال مجاهد وعروة: من مسد النار, وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي {حمالة الحطب} كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير.
    وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير: كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر, وكانت تحتطب فعيرت بذلك, كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد, والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: المسد الليف, وقال عروة بن الزبير: المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً, وعن الثوري: هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً, وقال الجوهري: المسد الليف, والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها, ومسدت الحبل أمسده مسداً إذا أجدت فتله.
    قال مجاهد {في جيدها حبل من مسد} أي طوق من حديد, ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً ؟ وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي, حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب, ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
    مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
    ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد, ومعه أبو بكر, فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاَخرة حجاباً مستوراً} فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم ترَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني, فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك, فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم, فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم, وثقاف فما أعلم, وكلتانا من بني العم, وقريش بعد أعلم.
    وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد, حدثنا عبد السلام بن حرب, عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر, فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها» فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك, فقال أبو بكر, لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به, فقالت: إنك لمصدق, فلما ولّت قال أبو بكر: ما رأتك ؟ قال: «لا , ما زال ملك يسترني حتى ولت» ثم قال البزار: لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {في جيدها حبل من مسد} أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها, ثم كذلك دائماً, قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير, وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو, كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء, وأنشد في ذلك:
    وبكرة ومحوراً صراراًومسداً من أبق مغاراً
    قال: والأبق القنب. وقال الاَخر:
    يامسد الخوص تعوذ منيإن تك لدناً ليناً فإني
    ماشئت من أشمط مقسئن
    قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة, فإنه منذ نزل قوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد} فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً, لا مسراً ولا معلناً, فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة, آخر تفسير السورة, ولله الحمد والمنة.

    سورة المسد
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:29

    سورة النصر
    قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن, وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن. وقال النسائي: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم, أخبرنا جعفر عن أبي العميس ح وأخبرنا محمد بن سليمان, حدثنا جعفر بن عون, حدثنا أبو العميس عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: يا ابن عتبة, أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟ قلت: نعم, {إذا جاء نصر الله والفتح} قال صدقت. وروى الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة البريدي عن صدقة بن يسار عن ابن عمر قال: أنزلت هذه السورة {إذا جاء نصر الله والفتح} على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق, فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت, ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان, أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار, حدثنا الأسقاطي, حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: «إنه قد نعيت إلي نفسي» فبكت ثم ضحكت وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم قال: «اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي» فضحكت, وقد رواه النسائي كما سيأتي بدون ذكر فاطمة.


    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابَا
    قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر, فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم, فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم, فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح} ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا, وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً, فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت: لا , فقال: ما تقول ؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له, قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} فذلك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول, تفرد به البخاري. وروى ابن جرير عن محمد بن حميد عن مهران عن الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس , فذكر مثل هذه القصة أو نحوها.
    وقال الإمام أحمد: حدثنامحمد بن فضيل, حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعيت إلي نفسي» فإنه مقبوض في تلك السنة, تفرد به أحمد: وروى العوفي عن ابن عباس مثله وهكذا قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه. وقال ابن جرير: حدثني إسماعيل بن موسى, حدثنا الحسن بن عيسى الحنفي, عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: «الله أكبر! الله أكبر! جاء نصر الله والفتح! جاء أهل اليمن ـ قيل يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال ـ قوم رقيقة قلوبهم, لينة طباعهم, الإيمان يمان, والفقه يمان, والحكمة يمانية» ثم رواه ابن عبد الأعلى عن ابن ثور عن معمر عن عكرمة مرسلاً.
    وقال الطبراني: حدثنا زكريا بن يحيى, حدثنا أبو كامل الجحدري, حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} حتى ختم السورة قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت, قال: فأخذ بأشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الاَخرة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك «جاء الفتح ونصر الله, وجاء أهل اليمن» فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال: «قوم رقيقة قلوبهم, لينة طباعهم, الإيمان يمان, والفقه يمان». وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نعيت إليه نفسه, فقيل إذا جاء نصر الله والفتح السورة كلها, حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الاَية {إذا جاء نصر الله والفتح} قال: لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه.
    وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي, حدثنا أبي, حدثنا جعفر بن عون عن أبي العميس, عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً {إذا جاء نصر الله والفتح}. وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي, عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما نزلت هذه السورة {إذا جاء نصر الله والفتح} قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها فقال: «الناس حيّز وأنا وأصحابي حيّز ـ وقال ـ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» فقال له مروان: كذبت, وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير, فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك, ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه. وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة. فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك قالا: صدق. تفرد به أحمد.
    وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر, فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية, ولكن إذا استنفرتم فانفروا» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه, يعني نصلي له ونستغفره. معنى مليح صحيح وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات, فقال قائلون: هي صلاة الضحى, وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها فكيف صلاها ذلك اليوم, وقد كان مسافراً لم ينو الإقامة بمكة, ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريباً من تسعة عشر يوماً, يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش, وكانوا نحواً من عشرة آلاف, قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح.
    قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات, وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن, ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة, والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين كما ورد في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين, وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روحه الكريمة, واعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجاً, فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا, فالاَخرة خير لك من الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى, ولهذا قال: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}.
    قال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا محمد بن محبوب, حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الاَخرة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن, فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال: «قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم, الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان» وقال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً, فقد رأيتها {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} ورواه مسلم من طريق داود بن أبي هند به. وقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب حدثنا حفص حدثنا عاصم عن الشعبي, عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» فقلت: يا رسول الله رأيتك تكثر من سبحان الله وبحمده, لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده قال: «إني أمرت بها ـ فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة, غريب, وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد فيكتب ههنا.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا جاء نصر الله والفتح} كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم» ثلاثاً تفرد به أحمد. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن مرة عن شعبة عن أبي إسحاق به, والمراد بالفتح ههنا فتح مكة قولاً واحداً, فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون إن ظهر على قومه فهو نبي, فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً, فلم تمضِ سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً, ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام و لله الحمد والمنة.
    وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة, يقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي الحديث, وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا «السيرة» فمن أراده فليراجعه هناك ولله الحمد والمنة وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن الأوزاعي, حدثني أبو عمار حدثني جار لجابر بن عبد الله قال قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلّم علي, فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا, فجعل جابر يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً». آخر تفسير سورة النصر, و لله الحمد والمنة.

    تمت سورة النصر
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:30

    سورة الإخلاص

    (ذكر سبب نزولها وفضلها)
    قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد محمد بن ميسر الصاغاني, حدثنا أبو جعفر الرازي, حدثنا الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد «انسب لنا ربك, فأنزل الله تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد} وكذا رواه الترمذي وابن جرير عن أحمد بن منيع, زاد ابن جرير ومحمود بن خداش عن أبي سعيد محمد بن ميسر به زاد ابن جرير والترمذي قال {الصمد} الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت, وليس شيء يموت إلا سيورث, وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث {ولم يكن له كفواً أحد} ولم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء. ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد محمد بن ميسر به, ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية, فذكره مرسلاً ثم لم يذكر حدثنا, ثم قال الترمذي: وهذا أصح من حديث أبي سعيد.
    (حديث آخر في معناه) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا سريج بن يونس حدثنا إسماعيل بن مجالد, عن مجالد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انسب لنا ربك, فأنزل الله عز وجل {قل هو الله أحد} إلى آخرها إسناد متقارب, وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف عن سريج فذكره, وقد أرسله غير واحد من السلف, وروى عبيد بن إسحاق العطار عن قيس بن الربيع عن عاصم, عن أبي وائل, عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة {قل هو الله أحد} قال الطبراني: ورواه الفريابي وغيره عن قيس عن أبي عاصم, عن أبي وائل مرسلاً, ثم روى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطرائفي, عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء نسبة ونسبة الله {قل هو الله أحد. الله الصمد} والصمد ليس بأجوف».
    (حديث آخر في فضلها) قال البخاري: حدثنا محمد هو الذهلي, حدثنا أحمد بن صالح, حدثنا ابن وهب, أخبرنا عمرو عن ابن أبي هلال أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن, حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن, وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية, وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد, فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك» فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله تعالى يحبه» هكذا رواه في كتاب التوحيد, ومنهم من يسقط ذكر محمد الذهلي ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح, وقد رواه مسلم والنسائي أيضاً من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال به.
    (حديث آخر) قال البخاري في كتاب الصلاة, وقال عبيد الله عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء, فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد, حتى يفرغ منها ثم كان يقرأ سورة أخرى معها, وكان يصنع ذلك في كل ركعة: فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى, فإما أن تقرأ بها, وإما تدعها وتقرأ بأخرى, فقال: ما أنا بتاركها, إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت, وإن كرهتم تركتكم, وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره, فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال: «يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة» قال إني أحبها, قال: «حبك إياها أدخلك الجنة».
    هكذا رواه البخاري تعليقاً مجزوماًبه. وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي, عن عبيد الله بن عمر فذكر بإسناده مثله سواء, ثم قال الترمذي: غريب من حديث عبيد الله عن ثابت. قال: وروى مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة {قل هو الله أحد} قال: «إن حبك إياها أدخلك الجنة» وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلاً, فقال: حدثنا أبو النضر, حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحب هذه السورة {قل هو الله أحد} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبك إياها أدخلك الجنة».
    (حديث في كونها تعدل ثلث القرآن) قال البخاري: حدثنا إسماعيل, حدثنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها, فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» زاد إسماعيل بن جعفر عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي سعيد قال: أخبرني أخي قتادة بن النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه البخاري أيضاً عن عبد الله بن يوسف والقعنبي, ورواه أبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به, وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين عن إسماعيل بن جعفر عن مالك به.
    (حديث آخر) قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص, حدثنا أبي حدثنا الأعمش, حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة» فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله. فقال: «الله الواحد الصمد ثلث القرآن» تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي والضحاك بن شرحبيل الهمداني المشرقي, كلاهما عن أبي سعيد, قال الفربري: سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله قال: قال أبو عبد الله البخاري عن إبراهيم مرسل وعن الضحاك مسند.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, قال: بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بقل هو الله أحد, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن ـ أو ثلثه ـ».
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا حُيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول: ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة» ؟ فقالوا: وهل يستطيع ذلك أحد ؟ قال: فإن {قل هو الله أحد} ثلث القرآن. قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال: «صدق أبو أيوب».
    (حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا يزيد بن كيسان, أخبرني أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» فحشد من حشد ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ {قل هو الله أحد} ثم دخل فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» إني لأرى هذا خبراً جاء من السماء, ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القرآن ألا وإنها تعدل ثلث القرآن» وهكذا رواه مسلم في صحيحه عن محمد بن بشار به. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب, واسم أبي حازم سلمان.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة بن قدامة عن منصور, عن هلال بن يساف, عن الربيع بن خيثم عن عمرو بن ميمون, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فإنه من قرأ {قل هو الله أحد * الله الصمد} في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن» هذا حديث تساعي الإسناد للإمام أحمد ورواه الترمذي والنسائي كلاهما عن محمد بن بشار بندار زاد الترمذي وقتيبة كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي به فصار لهما عشارياً, وفي رواية الترمذي عن امرأة أبي أيوب عن أبي أيوب به, وحسنه ثم قال وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مسعود, وهذا حديث حسن ولا نعلم أحداً روى هذا الحديث أحسن من رواية زائدة, وتابعه على روايته إسرائيل والفضيل بن عياض, وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه.
    (حديث آخر) قال أحمد: حدثنا هشيم عن حصين عن هلال بن يساف, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب أو رجل من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بقل هو الله أحد فكأنما قرأ بثلث القرآن» ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث هشيم عن حصين عن ابن أبي ليلى به. ولم يقع في روايته هلال بن يساف.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس, عن عمرو بن ميمون عن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» وهكذا رواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به. ورواه النسائي في اليوم والليلة من طرق أخر عن عمرو بن ميمون مرفوعاً وموقوفاً.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا بهز, حدثنا بكير بن أبي السميط حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن ؟» قالوا: نعم يا رسول الله نحن أضعف من ذلك وأعجز, قال: «فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقل هو الله أحد ثلث القرآن» ورواه مسلم والنسائي من حديث قتادة به.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا أمية بن خالد, حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم بن أخي بن شهاب عن عمه الزهري, عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف, عن أمه وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{قل هو الله أحد}, تعدل ثلث القرآن» وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن علي عن أمية بن خالد به, ثم رواه من طريق مالك عن الزهري, عن حميد بن عبد الرحمن قوله. ورواه النسائي أيضاً في اليوم والليلة من حديث محمد بن إسحاق عن الحارث بن الفضيل الأنصاري عن الزهري, عن حميد بن عبد الرحمن أن نفراً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حدثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن لمن صلى بها».
    (حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة) قال الإمام مالك بن أنس عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين قال: سمعت أبا هريرة يقول: أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ قل هو الله أحد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت ـ قلت وما وجبت قال ـ الجنة» ورواه الترمذي والنسائي من حديث مالك, وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك, وتقدم حديث «حبك إياها أدخلك الجنة».
    (حديث في تكرار قراءتها) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا قطر بن بشير, حدثنا عيسى بن ميمون القرشي, حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدل ثلث القرآن» هذا إسناد ضعيف وأجود منه.
    (حديث آخر) قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا الضحاك بن مخلد, حدثنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أبي أسيد, عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه قال: أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا, فخرج فأخذ بيدي فقال: «قل» فسكت. قال «قل» قلت: ما أقول ؟ قال «قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً, تكفيك كل يوم مرتين» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن أبي ذئب به. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد رواه النسائي من طريق أخرى عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر فذكره ولفظه «تكفك كل شيء».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:31

    (حديث آخر في ذلك) قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى, حدثني ليث بن سعد, حدثني الخليل بن مرة عن الأزهر بن عبد الله عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله واحداً أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له كفواً أحد,, عشر مرات كتب الله له أربعين ألف ألف حسنة» تفرد به أحمد والخليل بن مرة, ضعفه البخاري وغيره بمرة.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فائدة عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة» فقال عمر: إذاً نستكثر يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكثر وأطيب» تفرد به أحمد ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال: حدثنا عبد الله بن زيد, حدثنا حيوة, حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد, قال الدارمي: وكان من الأبدال أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة, ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة, ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة» فقال عمر بن الخطاب: إذاً نكثر قصورنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الله أوسع من ذلك» وهذا مرسل جيد.
    قال الترمذي: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه, ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة, فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب عز وجل: يا عبدي ادخل على يمينك الجنة» ثم قال غريب من حديث ثابت, وقد روي من غير هذا الوجه عنه, وقال أبو بكر البزار: حدثنا سهل بن بحر, حدثنا حبان بن أغلب, حدثنا أبي, حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة حط الله عنه ذنوب مائتي سنة» ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر والأغلب بن تميم, وهما متقاربان في سوء الحفظ.
    (حديث آخر) في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة. قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا عبد الأعلى, حدثنا بشر بن منصور عن عمر بن شيبان عن أبي شداد عن جابر بن عبد الله: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء, وزوج من الحور العين حيث شاء, من عفا عن قاتله, وأدى ديناً خفياً, وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات: قل هو الله أحد» قال: فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله, قال «أو إحداهن».
    (حديث) في قراءتها عند دخول المنزل. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري, حدثنا محمد بن الفرج, حدثنا محمد بن ال***قان عن مروان بن سالم عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير, عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران» إسناده ضعيف.
    (حديث) في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال. قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي, حدثنا يزيد بن هارون عن العلاء أبي محمد الثقفي. قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور, لم نرها طلعت فيما مضى بمثله, فأتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا جبريل مالي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثله فيما مضى ؟» قال: إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي, مات بالمدينة اليوم فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: «وفيم ذلك ؟» قال: كان يكثر قراءة قل هو الله أحد في الليل وفي النهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال: «نعم» فصلى عليه, وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة من طريق يزيد بن هارون عن العلاء بن محمد وهو متهم بالوضع, والله أعلم.
    (طريق أخرى) قال أبو يعلى: حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله حدثنا عثمان بن الهيثم مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي عن محمود أبي عبد الله عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال مات معاوية بن معاوية الليثي, فتحب أن تصلي عليه ؟ قال: «نعم» فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت, فرفع سريره فنظر إليه فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل بم نال هذه المنزلة من الله تعالى ؟» قال: بحبه قل هو الله أحد, وقراءته إياها ذاهباً وجائياً قائماً وقاعداً وعلى كل حال. ورواه البيهقي من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن عن محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس فذكره, وهذا هو الصواب ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور, وقد روي هذا من طرق أخر تركناها اختصاراً وكلها ضعيفة.
    (حديث آخر) في فضلها مع المعوذتين. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا معاذ بن رفاعة, حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذته بيده فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمن ؟ قال: يا عقبة أخرس لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» قال: ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأني فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم» ؟ قال: قلت بلى جعلني الله فداك. قال: فأقرأني {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم قال: «يا عقبة لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن» قال فما نسيتهن منذ قال لا تنسهن وما بت ليلة قط حتى أقرأهن, قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده, فقلت يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال: «يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك» روى الترمذي بعضه في الزهد من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد, فقال: هذا حديث حسن وقد رواه أحمد من طريق آخر: حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة بن مجاهد اللخمي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله سواء تفرد به أحمد.
    (حديث آخر) في الاستشفاء بهن قال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما, وقرأ فيهما قل هو الله أحد, وقل أعوذ برب الفلق, وقل أعوذ برب الناس, ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده, يفعل ذلك ثلاث مرات» وهكذا رواه أهل السنن من حديث عقيل به.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ
    قد تقدم ذكر سبب نزولها, وقال عكرمة. لما قالت اليهود نحن نعبد عزيراً ابن الله, وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله, وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر, وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان, أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {قل هو الله أحد} يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل, ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله وقوله تعالى: {الله الصمد} قال عكرمة عن ابن عباس: يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده, والشريف الذي قد كمل في شرفه, والعظيم الذي قد كمل في عظمته, والحليم الذي قد كمل في حلمه, والعليم الذي قد كمل في علمه, والحكيم الذي قد كمل في حكمته. وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد, وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار, وقال الأعمش عن شقيق عن أبي وائل {الصمد} السيد الذي قد انتهى سؤدده, ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله.
    وقال مالك عن زيد بن أسلم {الصمد} السيد, وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه, وقال الحسن أيضاً {الصمد} الحي القيوم الذي لا زوال له وقال عكرمة: الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم وقال الربيع بن أنس هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له وهو قوله: {لم يلد ولم يولد} وهو تفسير جيد, وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك وهو صريح فيه, وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعكرمة أيضاً, وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية العوفي والضحاك والسدي {الصمد} الذي لا جوف له. وقال سفيان عن منصور عن مجاهد {الصمد} المصمت الذي لا جوف له, وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضاً {الصمد} نور يتلألأ, روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني, وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده, وقال: حدثني العباس بن أبي طالب, حدثنا محمد بن عمرو بن رومي عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش, حدثنا صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: لا أعلم إلاقد رفعه قال: «الصمد الذي لا جوف له» وهذا غريب جداً والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.
    وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل, هو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده, وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب, وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة. قال مجاهد {ولم يكن له كفواً أحد} يعني لا صاحبة له وهذا كما قال تعالى: {بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} أي هو مالك كل شيء وخالقه فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه, قال الله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً * أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً}.
    وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} وقال تعالى : {وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً, ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون} وفي صحيح البخاري «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم» وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك, وشتمني ولم يكن له ذلك, فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته, وأما شتمه إياي فقوله: «اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد» ورواه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً بمثله تفرد بهما من هذين الوجهين. آخر تفسير سورة الإخلاص, ولله الحمد والمنة.

    تمت سورة الاخلاص
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:31

    سورة الفلق
    قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب إن ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال: أشهد أن رسول الله أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له: {قل أعوذ برب الفلق} فقلتها, قال: {قل أعوذ برب الناس}, فقلتها, فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة, حدثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بهدلة أنهما سمعا زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يحكي المعوذتين من المصحف, فقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «قيل لي قل فقلت» فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عاصم عن زر قال: سألت ابن مسعود عن المعوذتين فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال: «قيل لي فقلت لكم فقولوا» قال أبي: فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نقول.
    وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان, حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش, وحدثنا عاصم عن زر قال: سألت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا, فقال: إني سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قيل لي فقلت» فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري أيضاً والنسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن عبدة وعاصم بن أبي النجود, عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب به. وقال الحافظ أبو يعلي: حدثنا الأزرق بن علي, حدثنا حسان بن إبراهيم, حدثنا الصلت بن بهرام عن إبراهيم عن علقمة قال: كان عبد الله يحكي المعوذتين من المصحف ويقول: إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما. ولم يكن عبد الله يقرأ بهما, ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يحكي المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال الأعمش: وحدثنا عاصم عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لي فقلت» وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء وأن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصاحفه, فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواتر عنده, ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة, فإن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوهما في المصاحف الأئمة ونفذوها إلى سائر الاَفاق كذلك و لله الحمد والمنة. وقد روى مسلم في صحيحه: حدثنا قتيبة, حدثنا جرير عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ورواه أحمد ومسلم أيضاً والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عقبة به, وقال الترمذي: حسن صحيح.
    (طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا ابن جابر عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال لي «يا عقبة ألا تركب» قال: فأشفقت أن تكون معصية, قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنية ثم ركب ثم قال: «يا عقبة ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس» قلت: بلى يا رسول الله, فأقرأني {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما ثم مر بي فقال: «كيف رأيت يا عقيب اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت» ورواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك كلاهما عن ابن جابر به, ورواه أبو داود والنسائي أيضاً من حديث ابن وهب عن ميمون بن صالح عن العلاء بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن عقبة به.
    (طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن, حدثنا سعيد بن أبي أيوب, حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني وأبو مرحوم عن يزيد بن محمد القرشي عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة, ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن علي بن رباح, وقال الترمذي: غريب.
    (طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا محمد بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ بالمعوذتين فإنك لن تقرأ بمثلهما» تفرد به أحمد.
    (طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا حيوة بن شريح, حدثنا بقية حدثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له بغلة شهباء فركبها, فأخذ عقبة يقودها له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ قل أعوذ برب الفلق» فأعادها له حتى قرأها فعرف أني لم أفرح بها جداً فقال: «لعلك تهاونت بها ؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها» ورواه النسائي عن عمرو بن عثمان عن بقية به, ورواه النسائي أيضاً من حديث الثوري عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن نفير عن أبيه عن عقبة بن عامر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فذكر نحوه.
    (طريق أخرى) قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر, سمعت النعمان عن زياد أبي الأسد عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}.
    (طريق أخرى) قال النسائي: أخبرنا قتيبة, حدثنا الليث عن أبي عجلان عن سعيد المقبري عن عقبة بن عامر قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عقبة قل» قلت: ماذا أقول ؟ فسكت عني ثم قال «قل» قلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال «قل أعوذ برب الفلق» فقرأتها حتى أتيت على آخرها, ثم قال: «قل فقلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال: «قل أعوذ برب الناس» فقرأتها ثم أتيت على آخرها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها».
    (طريق أخرى) قال النسائي أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا معاوية عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في صلاة الصبح.
    (طريق أخرى) قال النسائي: أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران أسلم عن عقبة بن عامر قال اتبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدميه فقلت: أقرئني سورة هود أو سورة يوسف فقال: «لن تقرأ شيئاً أنفع عند الله من قل أعوذ برب الفلق».
    (حديث آخر) قال النسائي: أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو الأوزاعي عن يحيى عن ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي عبد الله عن ابن عائش الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ابن عائش ألا أدلك ـ أو ألا أخبرك ـ بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون» قال: بلى يا رسول الله. قال: «قل أعوذ برب الفلق ـ وقل أعوذ برب الناس هاتان السورتان» فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.
    وقد تقدم في رواية صدي بن عجلان وفروة بن مجاهد عنه «ألا أعلمك ثلاث سور لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلهن «قل هو الله أحد ـ و ـ قل أعوذ برب الفلق ـ و ـ قل أعوذ برب الناس}».
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا الجريري عن أبي العلاء قال: قال رجل كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر والناس يعتقبون وفي الظهر قلة, فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي, فلحقني فضرب منكبي فقال: «قل أعوذ برب الفلق» فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأتها معه ثم قال: «قل أعوذ برب الناس» فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأتها معه فقال: «إذا صليت فاقرأ بهما» الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر والله أعلم. ورواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية به.
    (حديث آخر) قال النسائي: أخبرنا محمد بن المثنى, حدثنا محمد بن جعفر عن عبد الله بن سعيد, حدثني يزيد بن رومان عن عقبة بن عامر عن عبد الله الأسلمي هو ابن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال: «قل» فلم أدر ما أقول ثم قال لي «قل» قلت: «هو الله أحد» ثم قال لي: قل. قلت {أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} حتى فرغت منها ثم قال لي «قل» قلت: {أعوذ برب الناس} حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا فتعوذ وما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:32

    حديث آخر) قال النسائي: أنبأنا عمرو بن علي أبو حفص, حدثنا بدل, حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة عن سعيد الجريري, حدثنا أبو نضرة عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ يا جابر» قلت: وما أقرأ بأبي أنت وأمي ؟ قال «اقرأ {قل أعوذ برب الفلق} ـ و ـ {قل أعوذ برب الناس}» فقرأتهما فقال: «اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهن» وتقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهن وينفث في كفيه, ويمسح بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده, وقال الإمام مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث, فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيده عليه رجاء بركتها, ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة, ومن حديث ابن القاسم وعيسى بن يونس وابن ماجه من حديث معن وبشر بن عمر ثمانيتهم عن مالك به. وتقدم في آخر سورة {ن} من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنسان, فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما, رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه, وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ * مِن شَرّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرّ النّفّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو أحمد الزبيري, حدثنا حسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الفلق الصبح, وقال العوفي عن ابن عباس {الفلق} الصبح, وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن محمد بن عقيل والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي, وابن زيد ومالك عن زيد بن أسلم مثل هذا, قال القرظي وابن زيد وابن جرير: وهي كقوله تعالى: {فالق الإصباح} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الفلق} الخلق, وكذا قال الضحاك: أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله, وقال كعب الأحبار {الفلق} بيت في جهنم, إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره, ورواه ابن أبي حاتم, ثم قال: حدثنا أبي, حدثنا سهيل بن عثمان عن رجل سماه, عن السدي, عن زيد بن علي, عن آبائه أنهم قالوا {الفلق} جب في قعر جهنم عليه غطاء, فإذا كشف عنه, خرجت منه نار تضج منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه, وكذا روي عن عمرو بن عنبسة وابن عباس والسدي وغيرهم.
    وقد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر, فقال ابن جرير: حدثني إسحاق بن وهب الواسطي, حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي, حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني عن شعيب بن صفوان, عن محمد بن كعب القرظي, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الفلق جب في جهنم مغطى» إسناده غريب ولا يصح رفعه. وقال أبو عبد الرحمن الحبلي {الفلق} من أسماء جهنم, وقال ابن جرير: والصواب القول الأول إنه فلق الصبح, وهذا هو الصحيح, وهو اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى. وقوله تعالى: {من شر ما خلق} أي من شر جميع المخلوقات, وقال ثابت البناني والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق {ومن شر غاسق إذا وقب} قال مجاهد: غاسق الليل إذا وقب غروب الشمس, حكاه البخاري عنه, وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه, وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وخصيف والحسن وقتادة: إذا وقب الليل إذا أقبل بظلامه. وقال الزهري {ومن شر غاسق إذا وقب} الشمس إذا غربت, وعن عطية وقتادة: إذا وقب الليل إذا ذهب, وقال أبو المهزم عن أبي هريرة {ومن شر غاسق إذا وقب} الكوكب, وقال ابن زيد: كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا, وكانت الأسقام والطواعين تكبر عند وقوعها, وترتفع عند طلوعها.
    قال ابن جرير: ولهؤلاء من الاَثار ما حدثني نصر بن علي, حدثني بكار بن عبد الله بن أخي همام, حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن شر غاسق إذا وقب ـ النجم الغاسق» (قلت) وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, قال ابن جرير وقال آخرون: هو القمر. (قلت) وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد: حدثناأبو داود الحفري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن أبي سلمة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمرحين طلع وقال: «تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب» ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به. وقال الترمذي حديث حسن صحيح ولفظه «تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب» ولفظ النسائي «تعوذي با لله من شر هذا, هذا الغاسق إذا وقب» قال أصحاب القول الأول: وهو آية الليل إذا ولج هذا لا ينافي قولنا لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه, وكذلك النجوم لا تضيء إلا بالليل فهو يرجع إلى ما قلناه والله أعلم.
    وقوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك: يعني السواحر, قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد. وقال ابن جرير: حدثناابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية الحية والمجانين, وفي الحديث الاَخر أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد ؟ فقال «نعم» فقال: باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك, ومن شر كل حاسد وعين, الله يشفيك, ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر, ثم عافاه الله تعالى وشفاه ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم, وجعل تدميرهم في تدبيرهم وفضحهم, ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر, بل كفى الله وشفى وعافى. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياماً. قال: فجاءه جبريل فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك وعقد لك في بئر كذا وكذا, فأرسل إليها من يجيء بها, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها فجاءه بها فحللها, قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال, فما ذكر ذلك لليهودي, ولا رآه في وجهه حتى مات, ورواه النسائي عن هناد عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير.
    وقال البخاري في كتاب الطب من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أول من حدثنا به ابن جريج يقول: حدثني آل عروة عن عروة, فسألت هشاماً عنه, فحدثنا عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن, قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال: «يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والاَخر عند رجلي, فقال الذي عند رأسي للاَخر: ما بال الرجل ؟ قال: مطبوب, قال: ومن طبه, قال لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً, قال: وفيم ؟ قال: في مشط ومشاقة, قال: وأين ؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان» قالت: فأتى البئر حتى استخرجه فقال: «هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين» قال: فاستخرج فقلت: أفلا تنشرت ؟ فقال: «أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً».
    وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان وفيه قالت حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله, وعنده فأمر بالبئر فدفنت, وذكر أنه رواه عن هشام أيضاً ابن أبي الزناد والليث بن سعد, وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير, ورواه أحمد عن عفان عن وهيب عن هشام به. ورواه الإمام أحمد أيضاً عن إبراهيم بن خالد عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لبث النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي, فأتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والاَخر عند رجليه, فقال أحدهما للاَخر: ما باله ؟ قال: مطبوب, قال: ومن طبه ؟ قال: لبيد بن الأعصم, وذكر تمام الحديث. وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره, قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه, فأعطاها اليهود فسحروه فيها.
    وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم, ثم دسها في بئر لبني زريق يقال له ذروان, فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن, وجعل يذوب ولا يدري ما عراه, فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان, فجلس أحدهما عند رأسه والاَخر عند رجليه, فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل ؟ قال: طب, قال: وما طب ؟ قال: سحر ؟ قال: ومن سحره ؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: وبم طبه ؟ قال: بمشط ومشاطة قال: وأين هو ؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف قشر الطلع, والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح, فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً, وقال: «يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي» ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء, ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه, وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر, فأنزل الله تعالى السورتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة, ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة, فقام كأنما نشط من عقال وجعل جبريل عليه السلام يقول: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين, الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شراً» هكذا أورده بلا إسناد وفيه غرابة, وفي بعضه نكارة شديدة ولبعضه شواهد مما تقدم, والله أعلم.

    تمت سورة الفلق
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6906
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير - صفحة 9 Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الأحد 21 يونيو - 20:32

    سورة الناس
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ * مَلِكِ النّاسِ * إِلَـَهِ النّاسِ * مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ * الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ * مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ
    هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية, فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له, فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس, وهو الشيطان الموكل بالإنسان, فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهداً في الخيال, والمعصوم من عصمه الله.
    وقد ثبت في الصحيح أنه «ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه» قالوا: وأنت يا رسول الله ؟ قال: «نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير», وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف, وخروجه معها ليلاً ليردها إلى منزلها, فلقيه رجلان من الأنصار, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ـ أو قال شراً», وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنامحمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس, وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس» غريب.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت تعس الشيطان, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب, تفرد به أحمد إسناده جيد قوي, وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب, وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي حدثناالضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فالتبس به كما يلتبس الرجل بدابته, فإذا سكن له زنقه أو ألجمه» قال أبو هريرة رضي الله عنه: وأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلاً كذا لا يذكر الله, وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل, تفرد به أحمد. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {الوسواس الخناس}
    قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم, فإذا سها وغفل وسوس,فإذا ذكر الله خنس, وكذا قال مجاهد وقتادة وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح, فإذا ذكر الله خنس. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: {الوسواس} قال: هو الشيطان يأمر فإذاأطيع خنس.
    وقوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس} هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن ؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً, وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى: {من الجنة والناس} هل هو تفصيل لقوله: {الذي يوسوس في صدور الناس} ثم بينهم فقال: {من الجنة والناس} وهذا يقوي القول الثاني وقيل لقوله: {من الجنة والناس} تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً}.
    وكما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي, حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: «يا أبا ذر هل صليت ؟» قلت: لا قال: «قم فصل» قال: فقمت فصليت ثم جلست فقال: «يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن» قال: فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال: «نعم» قال: فقلت يا رسول الله الصلاة ؟ قال: «خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر» قلت يا رسول الله فالصوم قال: «فرض مجزىء وعند الله مزيد» قلت: يا رسول الله فالصدقة ؟ قال: «أضعاف مضاعفة» قلت: يا رسول الله فأيها أفضل, قال: «جهد من مقل أو سر إلى فقير» قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال: «آدم». قلت: يا رسول الله ونبياً كان ؟ قال: نعم نبي مكلم» قلت: يا رسول اللهكم المرسلون ؟ قال «ثلثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً» وقال مرة: «خمسة عشر» قلت: يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم, قال «آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}».
    ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به وقد أخرج هذا الحديث مطولاً جداً أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر ولفظ آخر مطول جداً. فا لله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به.)

    تمت سورة الناس

    وتم القرأن كاملا والحمد لله

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر - 10:44