النّبِيّ أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىَ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاّ أَن تَفْعَلُوَاْ إِلَىَ أَوْلِيَآئِكُمْ مّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً
قد علم الله تعالى شفقة رسوله على أمته ونصحة لهم, فجعله أولى بهم من أنفسهم, وحكمه فيهم كان مقدماً على اختيارهم لأنفسهم, كما قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وفي الصحيح «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إِليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين». وفي الصحيح أيضاً أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله, والله لأنت أحب إِلي من كل شيء إلا من نفسي, فقال صلى الله عليه وسلم «لا يا عمر حتى أكون أحب إِليك من نفسك» فقال: يا رسول الله, والله لأنت أحب إِلي من كل شيء حتى من نفسي, فقال صلى الله عليه وسلم «الاَن ياعمر» ولهذا قال تعالى في هذه الاَية {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
وقال البخاري عند هذه الاَية الكريمة: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح, حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من مؤمن إِلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والاَخرة, اقرؤوا إِن شئتم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا, وإِن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه» تفرد به البخاري ورواه أيضاً في الاستقراض, وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن فليح به مثله, ورواه أحمد من حديث أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه, فأيما رجل مات وترك ديناً فإِليّ, ومن ترك مالاً فهو لورثته» ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل به نحوه.
وقال تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} أي في الحرمة والاحترام, والتوقير والإكرام والإعظام, ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إِلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع, وإِن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين كما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه في المختصر, وهو من باب إِطلاق العبارة لا إِثبات الحكم, وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين ؟ فيه قولان للعلماء رضي الله عنهم, ونص الشافعي رضي الله عنه على أنه يقال ذلك, وهل يقال لهن أمهات المؤمنين فيدخل النساء في جمع المذكر السالم تغييباً ؟ وفيه قولان, صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لا يقال ذلك, وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي رضي الله عنه. وقد روي عن أبي كعب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قرآ {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}. وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن, وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي رضي الله عنه, حكاه البغوي وغيره, واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي, حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم, عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم, فإِذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها, ولا يستطب بيمينه». وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة. وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث ابن عجلان, والوجه الثاني أنه لا يقال ذلك, واحتجوا بقوله تعالى: {ماكان محمد أبا أحد من رجالكم}.
وقوله تعالى: {وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} أي في حكم الله {من المؤمنين والمهاجرين} أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار, وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم, كما قال ابن عباس وغيره: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذا قال سعيد بن جبير وغيره من السلف والخلف. وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثاً عن الزبير بن العوام فقال: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي من ساكني بغداد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار {وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض} وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا ولا أموال لنا, فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم وأورثناهم, فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد, وآخى عمر رضي الله عنه فلاناً, وآخى عثمان رضي الله عنه رجلاً من بني زريق بن سعد الزرقي, ويقول بعض الناس غيره, قال الزبير رضي الله عنه: وواخبت أنا كعب بن مالك فجئته فابتعلته, فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى, والله يابني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الاَية فينا معشر قريش والأنصار خاصة, فرجعنا إِلى مواريثنا.
وقوله تعالى: {إِلا أن تفعلوا إِلى أوليائكم معروفاً} أي ذهب الميراث وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية. وقوله تعالى: {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} أي هذا الحكم, وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض, حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول الذي لا يبدل ولا يغير, قاله مجاهد وغير واحد, وإِن كان تعالى قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة وهو يعلم أنه سينسخه إِلى ماهو جار في قدره الأزلي وقضائه القدري الشرعي, والله أعلم.
** وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً * لّيَسْأَلَ الصّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً
يقول الله تعالى مخبراً عن أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إِقامة دين الله تعالى, وإِبلاغ رسالته والتعاون والتناصر والاتفاق, كما قال تعالى: {وإِذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إِصري ؟ قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إِرسالهم, وكذلك هذا, ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة وهم أولو العزم, وهو من باب عطف الخاص على العام, وقد صرح بذكرهم أيضاً في هذه الاَية, وفي قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إِليك وما وصينا به إِبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا} فذكر الطرفين, والوسط الفاتح, والخاتم, ومن بينهما على الترتيب, فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها, كما قال تعالى: {وإِذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} فبدأ في هذه الاَية بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه, ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة الدمشقي, حدثنا محمد بن بكار, حدثنا سعيد بن بشير, حدثني قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وإِذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} الاَية. قال النبي صلى الله عليه وسلم «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم» سعيد بن بشير فيه ضعف, وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً وهو أشبه, ورواه بعضهم عن قتاده موقوفاً: والله علم.
وقال أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أبو أحمد حدثنا حمزة الزيات, حدثنا عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم. موقوف وحمزة فيه ضعف, وقد قيل إِن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم عليه الصلاة والسلام, كما قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ورفع أباهم آدم, فنظر إِليهم يعني ذريته, وأن فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك, فقال: رب لو سويت بين عبادك, فقال: إِني أحببت أن أشكر, ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور, وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة, وهو الذي يقول الله تعالى: {وإِذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} وهذا قول مجاهد أيضاً, وقال ابن عباس: الميثاق الغليظ العهد.
وقوله تعالى: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} قال مجاهد: المبلغين المؤدين عن الرسل. وقوله تعالى: {وأعد للكافرين} أي من أممهم {عذاباً أليماً} أي موجعاً فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم, ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء, وإِن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين, فما جاءت به الرسل هو الحق, ومن خالفهم فهو على الضلال.
يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَآءُوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَاْ
يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإِحسانه إِلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إِياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا, وذلك عام الخندق, وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور. وقال موسى بن عقبة وغيره: كان في سنة أربع, وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بن النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إِلى خيبر, منهم سلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع, خرجوا إِلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم, ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة, فأجابوهم إِلى ذلك, ثم خرجوا إِلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً, وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدها أبو سفيان صخر بن حرب, وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر, والجميع قريب من عشرة آلاف, فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم, أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة ممايلي الشرق, وذلك بإِشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه, فعمل المسلمون فيه واجتهدوا, ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر, وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات. وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد, ونزلت طائفة منهم أعالي أرض المدينة, كما قال الله تعالى: {إِذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو ثلاثة آلاف, وقيل سبعمائة, فأسندوا ظهورهم إِلى سلع ووجوههم إِلى نحو العدو, والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجال أن تصل إِليهم, وجعل النساء والذراري في آطام المدينة, وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة, ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل, فذهب إِليهم حيي بن أخطب النضري, فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالؤوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال, كما قال الله تبارك وتعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً} ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر, إِلا أنهم لا يصلون إِليهم ولم يقع بينهم قتال, إِلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري وكان من الفرس الشجعان المشهورين في الجاهلية, ركب ومعه فوارس, فاقتحموا الخندق وخلصوا إِلى ناحية المسلمين, فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إِليه, فيقال إِنه لم يبرز أحد فأمر علياً رضي الله عنه فخرج إِليه فتجاولا ساعة ثم قتله علي رضي الله عنه, فكان علامة النصر.
ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء, ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار, حتى ارتحلوا خائبين خاسرين, كما قال الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إِذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً} قال مجاهد: وهي الصبا, ويؤيده الحديث الاَخر: «نصرت بالصبا, وأهلكت عاد بالدبور» وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا داود عن عكرمة قال قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت الشمال: إِن الحرة لا تسري بالليل, قال: فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا. ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن حفص بن غياث, عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما, فذكره وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب, حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إِلى المدينة, فقال: أئتنا بطعام ولحاف, قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال «من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا» قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء, فجعلت لاألقى أحداً إِلا أمرته بالرجوع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما يلوي أحد منهم عنق, قال: وكان معي ترس لي, فكانت الريح تضربه علي, وكان فيه حدي, قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إِلى الأرض.
وقوله {وجنوداً لم تروها} هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف, فكان رئيس كل قبيلة يقول: يا بني فلان إِلي, فيجتمعون إِليه, فيقول: النجاء, النجاء لما ألقى الله عز وجل في قلوبهم من الرعب. وقال محمد بن إِسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ياأبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال: نعم يا ابن أخي, قال: وكيف كنتم تصنعون ؟ قال: والله لقد كنا نجهد, قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض, ولحملناه على أعناقنا. قال: قال حذيفة رضي الله عنه: ياابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم با لخندق, وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ ـ يشترط له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ـ أدخله الله الجنة» قال: فما قام رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إِلينا فقال مثله, فما قام منا رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إِلينا فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ؟ ـ يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة ـ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة» فما قام من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد, فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني, فقال صلى الله عليه وسلم «ياحذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون, ولا تحدثنّ شيئاً حتى تأتينا».
قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله عز وجل تفعل بهم ما تفعل, لا تقر لهم قراراً ولا ناراً ولا بناء, فقام أبو سفيان فقال يامعشر قريش, لينظر كل امرىء من جليسه, قال حذيفة رضي الله عنه: فأخذت بيد الرجل إِلى جنبي فقلت: من أنت ؟ فقال: أن فلان بن فلان, ثم قال أبو سفيان: يامعشر قريش إِنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف, وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من هذه الريح ما ترون, والله ما تطمئن لنا قدر ولاتقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء, فارتحلوا فإِني مرتحل, ثم قام إِلى جمله وهو معقول فجلس عليه, ثم ضربه فوثب به على ثلاث, فما أطلق عقاله إِلا وهو قائم, ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلي أن لاتحدث شيئاً حتى تأتيني لو شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة رضي الله عنه: فرجعت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل, فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح علي طرف المرط, ثم ركع وسجد, وإِني لفيه, فلما سلم أخبرته الخبر, وسمعت غطفان بما فعلت قريش, فانشمروا راجعين إِلى بلادهم.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن إِبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجال: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت, فقال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة» فلم يجبه منا أحد, ثم الثانية ثم الثالثة مثله, ثم قال صلى الله عليه وسلم «ياحذيفة قم فأتنا بخبر من القوم» فلم أجد بداً إِذ دعاني باسمي أن أقوم فقال: «ائتني بخبر القوم ولاتذعرهم علي» قال: فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم, فإِذا أبو سفيان يَصْلي ظهره بالنار, فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه, ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم علي, ولو رميته لأصبته, قال: فرجعت كأنما أمشي في حمام, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت, فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها, فلم أزل نائماً حتى الصبح, فلما أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يانومان».
يتبع
.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر