[center]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه القديم فلا أول لوجوده، الدائم الكريم فلا آخر لبقائه ولا نهاية لجوده، الملك حقًا فلا تدرك العقول حقيقة كنهه، أحمده على ما أولى من نعمه، وأصلي على رسوله محمد سيد العرب والعجم، المبعوث إلى جميع الأمم، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ومصابيح الظُّلم، صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم وعظّم.
وبعد: فهذه نبذة عن حياة محمد المصطفى بن عبد الودود:
هو الشريف العلامة الصالح، مالئ الدنيا بمآثره الحسنة الجمة، وشاغل قلوب الناس بجوده، وأخلاقه الفاضلة، المثالية، مهاجر طيبة الغراء: محمد المصطفى بن عبد الودود بن عبد الوهاب بن حبيب بن الحاج احمد بن الحاج امحمد بن عبد الوهاب الملقب (الحاج الأكبر) بن سيدي أحمد الملقب (الدميس) بن عبد الوهاب بن عبد المنعم بن سيدي عمارة بن ابراهيم بن أعمر بن الولي السائح عامر الهامل، الشريف الشهير، والغوث الكبير، المعروف بأبي السباع. بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه القديم فلا أول لوجوده، الدائم الكريم فلا آخر لبقائه ولا نهاية لجوده، الملك حقًا فلا تدرك العقول حقيقة كنهه، أحمده على ما أولى من نعمه، وأصلي على رسوله محمد سيد العرب والعجم، المبعوث إلى جميع الأمم، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ومصابيح الظُّلم، صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم وعظّم.
وبعد: فهذه نبذة عن حياة محمد المصطفى بن عبد الودود:
ميلاده ونشأته:
ولد الشريف الرضى محمد المصطفى بن عبد الودود سنة 1246هـ/1830م بضاحية من ضواحي مراكش، وقد أنجبته الشريفة الفاضلة سكينة بنت أبوه بن سيد السيد بن الحاج امحمد بن الحاج احمد، الجد الجامع للزوجين الكريمين: (عبد الودود وسكينه)، كما يجتمع محمد المصطفى مع والدتها المعلومه بنت محمد المختار بن سيد السيد، في جدهما الجامع الحاج احمد. يقول أحمدو بن محمدا بن البشير ناظما أمهاته:
أَمَّا مُحَمْدُ الْمُصْطَفَى فَأُمُّهُ ... سُكَيْنَةٌ إِلَى الْعُلَى تَضُمُّهُ
تُنْمَى إِلَى إِبُّوهَ مِقْبَاسِ النَّدِي ... وَقَوْمُهُ مِنْ أَهْلِ سِيدِ السِّيِّدِ
وَأُمُّهَا الْمَعْلُومَ بِنْتُ الْمُرْتَضَى ... مُحَمَّدِ الْمُخْتَارِ وَالْعَدْلِ الرِّضَى
وَأَهْلُ سِيدِ السِّيِّدِ الْمِفْضَالِ ... قَبِيـلُـهُ لآلِئُ الَّلآلِي
ثُمَّ الرِّضَى أَبُو الْكِرَامِ الأَرْبَعَهْ ... عَلَى الْوِلاَ عَبْدُ الْوَدُودِ فَاسْمَعَهْ
لِلْحَاجِ أَحْمَدَ الشَّرِيفِ يَنْتَمِي ... وَذَا لإِدْمَيْسَ الشَّهِيرِ الْعَلَمِ
وقد تربى في بيته بيت العلم، والتدين والمكارم، والمثل العليا، والسؤدد، أحسن تربية، وتقمص جميع الأخلاق الفاضلة التي ورثها من أبويه الشريفين، وتعود على الأريحية الهاشمية منذ نعومة أظافره، وقد عرف بالتواضع والزهد وطيب السريرة والصدق والورع والعبادة.
وقد درس في محيط أسرته العلمي القرآن العظيم، وتعلم العلوم الشرعية، وتضلع من الثقافة الإسلامية العامة، إلا أنه لم يفكر في الجلوس للتعليم في وطنه الأم، بل إن طموحه ظل منحصرا في التوجه إلى دار الهجرة النبوية المشرفة: المدينة المنورة - وكانت نفسه تتوق دائما إلى تحقيق ذلك الحلم، الذي بدأ يساور نفسه منذ أن صار يافعا، وشاء الله تعالى أن تتحقق له تلك الأمنية، ففي سنة 1306هـ/1888م خرج مع رجلين من أفاضل أبناء عمه الشرفاء السباعيين صحبة وفد موريتاني متوجه نحو الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وسنة العمرة، ويتألف الوفد من اثني عشر رجلا من بينهم العلامة الشهير، والصالح، الشاعر الكبير: البشير بن أمباريكي اليدمسي نسبا والألفغي، الشمشوي عصبا، الذي أعطانا عن الجميع تفصيلا في نظمه المعروف برحلة البشير بن
امباريكي، التي منها هذه الأبيات:
وَصُحْـبَـتِي ثَلاَثَةٌ أَقْرَانِي ... مِنَ الأَمَاجِـدِ بَنِي دَيْـمَانِ
وَمِنْ بَنِي الْقَاضِي الأَفَاضِلِ الْغُرَرْ ... مُحَمَّدٌ مَحْمُودُ خِلِّيَ الأَبَرْ
وَمِنْ بَنِي سِـبَاعٍ السَّـــرَاةِ ... ثَلاَثَـةٌ وَسَيِّـدٌ بُسَاتِـي
وَعَلَوِيَّـــانِ مُـهَذَّبَــانِ ... وَمِنْ دَكَانَ مَعَنَا سُودَانِي
وَصَاحِبُ النَّظْمِ هُوَ الثَّانِي عَشَرْ ... تَابَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ رَبُّ الْبَشَرْ
وبعد تأدية فريضة الحج، وسنة العمرة، وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد إلى المغرب، ومكث به فترة قصيرة من الزمن، إلا أن نفسه ما انفكت تحن إلى الحرمين الشريفين وإلى الروضة المشرفة متمثلة بقول الشاعر العارف المحب عبد الرحيم البرعي:
مِنيِّ السَّلاَمُ عَلَى الْقَبْرِ الَّذِي اعْتَكَفَتْ ... فِيهِ الْعُلَى وَانْتَهَتْ فِيهِ النِّهَايَاتُ
وَجَادَ طَيْبَةَ مُرْفَضٌّ يَلُوحُ بِهِ ... زَهْرُ الرِّيَاضِ وَتَخْضَرُّ الْبَشَامَاتُ
أَرْضٌ سَمَتْ بِرَسُولِ اللهِ أَشْرَفِ مَنْ ... تَشَرَّفَتْ فِيهِ آبَاءٌ وَأُمَّاتُ
مَتَى أَرَى النُّورَ مِنْ أَرْجَاءِ قُبَّتِهِ ... مِنِّي تُبَاشِرُنِي مِنْهُ الْبِشَارَاتُ
فَإِنْ وَلِهْتُ إِلَى قَبْرِ ابْنِ آمِنَةٍ ... فَهْوَ الَّذِي خُتِمَتْ فِيهِ الرِّسَالاَتُ
ذَاكَ الْحَبِيبُ الَّذِي يَرْجُو عَوَاطِفَهُ ... وَبِرَّهُ الْخَلْقُ أَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتُ
وقوله:
هِيَ الْعِيسُ نُولِيهَا الْحَنِينَ فَتَسْعَدُ ... وَنَزْجُرُهَا نَحْوَ الْحَبِيبِ فَتَصْعَدُ
يُذَكِّرُهَا الْحَادِي بِجِيرَةِ طَيْبَةٍ ... فَيَأْخُذُهَا شَوْمٌ مُقِيمٌ وَمُقْعِدُ
وَإِنْ سَمِعَتْ سَجْعَ الْحَمَامِ تَذَكَّرَتْ ... بِسَلْعٍ حَمَامَاتٍ تَبِيتُ تُغَرِّدُ
وَإِنْ وُقِدَتْ نَارٌ بِأُحْدٍ تَبَادَرَتْ ... إِلَيْهَا وَفِي أَحْشَائِهَا النَّارُ تُوقَدُ
فَلاَ تَذْكُرَا يَا صَاحِبَيَّ لَهَا الْحِمَى ... وَلاَ جِيرَةً خَلُّوا الْغُوَيْرَ فَأَنْجَدُوا
وَلَكِنْ عِدَاهَا بِالْحِجَازِ وَأَحْمَدٍ ... فَمَا قَصْدُهَا إِلاَّ الْحِجَازُ وَأَحْمَدُ
سَرَتْ فَرَأَتْ مِنْ نَحْوِ بَدْرٍ عَلَى الرُّبَى ... طَلاَئِعَ بَدْرٍ نُورُهُ يَتَصَعَّدُ
وَدَانَتْ ثَنِيَاتِ الْوَدَاعِ فَهَاجَهَا ... نَسِيمٌ حِجَازِيٌّ يَهُبُّ وَيَرْكُدُ
وقول ابن الفارض:
يَا سَاكِنِي الْبَطْحَاءِ هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ ... أَحْيَا بِهَا يَا سَاكِنِي الْبَطْحَاءِ
إِنْ يَنْقَضِي صَبْرِي فَلَيْسَ بِمُنْقَضٍ ... وَجْدِي الْقَدِيمُ بِكُمْ وَلاَ بُرَحَائِي
وَلَئِنْ جَفَا الْوَسْمِيُّ مَاحِلَ تُرْبِكُمْ ... فَمَدَامِعِي تُرْبِي عَلَى الأَنْوَاءِ
وَا حَسْرَتِي ضَاعَ الزَّمَانُ وَلَمْ أَفُزْ ... مِنْكُمْ أُهَيْلَ مَوَدَّتِي بِلِقَاءِ
وَمَتَى يُؤَمِّلُ رَاحَةً مَنْ عُمْرُهُ ... يَوْمَانِ يَوْمُ قِلًى وَيَوْمُ تَنَاءِ
وَحَيَاتِكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَهْيَ لِي ... قَسَمٌ لَقَدْ كَلِفَتْ بِكُمْ أَحْشَائِي
حُبِّيكُمُ فِي النَّاسِ أَضْحَى مَذْهَبِي ... وَهَوَاكُمُ دِيـنِي وَعَقْدُ لِوَائِي
و في سنة:1313هـ/1895م ودع أهله وذويه بعد أن ترك لهم مآثر خالدة وصيتا ذائعا ومكانة عظيمة في مجتمعهم وأوصاهم بمضمون قول الحكيم:
أَطِيعُوا وَجِدُّوا وَلاَ تَكْسَلُوا ... فَأَنْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونْ
وَلاَ تَهْجَعُوا فَالأَكَابِرُ كَانُوا ... قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونْ
وأوصى ابنه محمد عبد الله بالتقوى وعدم الاتكال على النسب متمثلا بقول الشاعر:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فيِ كُلِّ حَالَةٍ ... وَلاَ تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإِسْلاَمُ سَلْمَانَ فَارِسٍ ... وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبْ
ثم توجه عائدا إلى الديار المقدسة تشيعه قلوب الجميع متمثلة بقول القائل:
إِنْ كُنْتَ لَسْتَ مَعِي فَالذِّكْرُ مِنْكَ هُنَا ... يَرْعَاكَ قَلْبِي وَإِنْ غُيِّبْتَ عَنْ بَصَرِي
الْعَيْنُ تَفْقِدُ مَنْ تَهْوَى وَتُبْصِرُهُ ... وَنَاظِرُ الْقَلْبِ لاَ يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ
وقد مر في هذا السفر بدولة السودان العربية، التي تزوج فيها بامرأة أنجبت له ابنا، وبنتا، بقيا هناك. وبعد فترة من المقام في السودان توجه صوب الحرمين الشريفين، حيث أدى شعائر الحج، والعمرة مرة ثانية، ومن ثم توجه نحو طيبة المشرفة، حيث ألقى عصا ترحاله، وعاش فيها بقية حياته الطيبة التي أنشد لسان حالها مخاطبا من أراد التعرف عليه هنالك:
إِذَا غَابَ أَصْلُ الْمَرْءِ عَنْكَ فَفِعْلُهُ ... دَلِيلٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي غَابَ وَاضِحُ
وَحَسْبُكَ مِنْهُ فِي الدِّلاَلَةِ شَاهِدٌ ... فَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ رَاشِحُ
وظل متمثلا بقول الشاعر:
مَا فِي الْمُقَامِ لِذِي عَقْلٍ وَذِي أَدَبٍ ... مِنْ رَاحَةٍ فَدَعِ الأَوْطَانَ وَاغْتَرِبِ
سَافِرْ تَجِدْ عِوَضًا عَمَّنْ تُفَارِقُهُ ... وَانْصَبْ فَإِنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إِنِّي رَأَيْتُ وُقُوفَ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ ... إِنْ سَالَ طَابَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
وَالأُسْدُ لَوْلاَ فِرَاقُ الْغَابِ مَا قَنَصَتْ ... وَالسَّهْمُ لَوْلاَ فِرَاقُ الْقَوْسِ لَمْ يُصِبِ
وَالشَّمْسُ لَوْ وَقَفَتْ فيِ الْفُلْكِ دَائِمَةً ... لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ
وَالْبَدْرُ لَوْلاَ أُفُولٌ مِنْهُ مَا نَظَرَتْ ... إِلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ عَيْنُ مُرْتَقِبِ
وَالتِّبْرُ كَالتُّرْبِ مُلْقًى فِي أَمَاكِنِهِ ... وَالْعُودُ فِي أَرْضِهِ نَوْعٌ مِنَ الْحَطَبِ
فَإِنْ تَغَرَّبَ هَذَا عَزَّ مَطْلَبُهُ ... وَإِنْ أَقَامَ فَلاَ يَعْلُو عَلَى رُتَبِ
........... يتبع ...........
أَمَّا مُحَمْدُ الْمُصْطَفَى فَأُمُّهُ ... سُكَيْنَةٌ إِلَى الْعُلَى تَضُمُّهُ
تُنْمَى إِلَى إِبُّوهَ مِقْبَاسِ النَّدِي ... وَقَوْمُهُ مِنْ أَهْلِ سِيدِ السِّيِّدِ
وَأُمُّهَا الْمَعْلُومَ بِنْتُ الْمُرْتَضَى ... مُحَمَّدِ الْمُخْتَارِ وَالْعَدْلِ الرِّضَى
وَأَهْلُ سِيدِ السِّيِّدِ الْمِفْضَالِ ... قَبِيـلُـهُ لآلِئُ الَّلآلِي
ثُمَّ الرِّضَى أَبُو الْكِرَامِ الأَرْبَعَهْ ... عَلَى الْوِلاَ عَبْدُ الْوَدُودِ فَاسْمَعَهْ
لِلْحَاجِ أَحْمَدَ الشَّرِيفِ يَنْتَمِي ... وَذَا لإِدْمَيْسَ الشَّهِيرِ الْعَلَمِ
وقد تربى في بيته بيت العلم، والتدين والمكارم، والمثل العليا، والسؤدد، أحسن تربية، وتقمص جميع الأخلاق الفاضلة التي ورثها من أبويه الشريفين، وتعود على الأريحية الهاشمية منذ نعومة أظافره، وقد عرف بالتواضع والزهد وطيب السريرة والصدق والورع والعبادة.
وقد درس في محيط أسرته العلمي القرآن العظيم، وتعلم العلوم الشرعية، وتضلع من الثقافة الإسلامية العامة، إلا أنه لم يفكر في الجلوس للتعليم في وطنه الأم، بل إن طموحه ظل منحصرا في التوجه إلى دار الهجرة النبوية المشرفة: المدينة المنورة - وكانت نفسه تتوق دائما إلى تحقيق ذلك الحلم، الذي بدأ يساور نفسه منذ أن صار يافعا، وشاء الله تعالى أن تتحقق له تلك الأمنية، ففي سنة 1306هـ/1888م خرج مع رجلين من أفاضل أبناء عمه الشرفاء السباعيين صحبة وفد موريتاني متوجه نحو الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وسنة العمرة، ويتألف الوفد من اثني عشر رجلا من بينهم العلامة الشهير، والصالح، الشاعر الكبير: البشير بن أمباريكي اليدمسي نسبا والألفغي، الشمشوي عصبا، الذي أعطانا عن الجميع تفصيلا في نظمه المعروف برحلة البشير بن
امباريكي، التي منها هذه الأبيات:
وَصُحْـبَـتِي ثَلاَثَةٌ أَقْرَانِي ... مِنَ الأَمَاجِـدِ بَنِي دَيْـمَانِ
وَمِنْ بَنِي الْقَاضِي الأَفَاضِلِ الْغُرَرْ ... مُحَمَّدٌ مَحْمُودُ خِلِّيَ الأَبَرْ
وَمِنْ بَنِي سِـبَاعٍ السَّـــرَاةِ ... ثَلاَثَـةٌ وَسَيِّـدٌ بُسَاتِـي
وَعَلَوِيَّـــانِ مُـهَذَّبَــانِ ... وَمِنْ دَكَانَ مَعَنَا سُودَانِي
وَصَاحِبُ النَّظْمِ هُوَ الثَّانِي عَشَرْ ... تَابَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ رَبُّ الْبَشَرْ
وبعد تأدية فريضة الحج، وسنة العمرة، وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد إلى المغرب، ومكث به فترة قصيرة من الزمن، إلا أن نفسه ما انفكت تحن إلى الحرمين الشريفين وإلى الروضة المشرفة متمثلة بقول الشاعر العارف المحب عبد الرحيم البرعي:
مِنيِّ السَّلاَمُ عَلَى الْقَبْرِ الَّذِي اعْتَكَفَتْ ... فِيهِ الْعُلَى وَانْتَهَتْ فِيهِ النِّهَايَاتُ
وَجَادَ طَيْبَةَ مُرْفَضٌّ يَلُوحُ بِهِ ... زَهْرُ الرِّيَاضِ وَتَخْضَرُّ الْبَشَامَاتُ
أَرْضٌ سَمَتْ بِرَسُولِ اللهِ أَشْرَفِ مَنْ ... تَشَرَّفَتْ فِيهِ آبَاءٌ وَأُمَّاتُ
مَتَى أَرَى النُّورَ مِنْ أَرْجَاءِ قُبَّتِهِ ... مِنِّي تُبَاشِرُنِي مِنْهُ الْبِشَارَاتُ
فَإِنْ وَلِهْتُ إِلَى قَبْرِ ابْنِ آمِنَةٍ ... فَهْوَ الَّذِي خُتِمَتْ فِيهِ الرِّسَالاَتُ
ذَاكَ الْحَبِيبُ الَّذِي يَرْجُو عَوَاطِفَهُ ... وَبِرَّهُ الْخَلْقُ أَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتُ
وقوله:
هِيَ الْعِيسُ نُولِيهَا الْحَنِينَ فَتَسْعَدُ ... وَنَزْجُرُهَا نَحْوَ الْحَبِيبِ فَتَصْعَدُ
يُذَكِّرُهَا الْحَادِي بِجِيرَةِ طَيْبَةٍ ... فَيَأْخُذُهَا شَوْمٌ مُقِيمٌ وَمُقْعِدُ
وَإِنْ سَمِعَتْ سَجْعَ الْحَمَامِ تَذَكَّرَتْ ... بِسَلْعٍ حَمَامَاتٍ تَبِيتُ تُغَرِّدُ
وَإِنْ وُقِدَتْ نَارٌ بِأُحْدٍ تَبَادَرَتْ ... إِلَيْهَا وَفِي أَحْشَائِهَا النَّارُ تُوقَدُ
فَلاَ تَذْكُرَا يَا صَاحِبَيَّ لَهَا الْحِمَى ... وَلاَ جِيرَةً خَلُّوا الْغُوَيْرَ فَأَنْجَدُوا
وَلَكِنْ عِدَاهَا بِالْحِجَازِ وَأَحْمَدٍ ... فَمَا قَصْدُهَا إِلاَّ الْحِجَازُ وَأَحْمَدُ
سَرَتْ فَرَأَتْ مِنْ نَحْوِ بَدْرٍ عَلَى الرُّبَى ... طَلاَئِعَ بَدْرٍ نُورُهُ يَتَصَعَّدُ
وَدَانَتْ ثَنِيَاتِ الْوَدَاعِ فَهَاجَهَا ... نَسِيمٌ حِجَازِيٌّ يَهُبُّ وَيَرْكُدُ
وقول ابن الفارض:
يَا سَاكِنِي الْبَطْحَاءِ هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ ... أَحْيَا بِهَا يَا سَاكِنِي الْبَطْحَاءِ
إِنْ يَنْقَضِي صَبْرِي فَلَيْسَ بِمُنْقَضٍ ... وَجْدِي الْقَدِيمُ بِكُمْ وَلاَ بُرَحَائِي
وَلَئِنْ جَفَا الْوَسْمِيُّ مَاحِلَ تُرْبِكُمْ ... فَمَدَامِعِي تُرْبِي عَلَى الأَنْوَاءِ
وَا حَسْرَتِي ضَاعَ الزَّمَانُ وَلَمْ أَفُزْ ... مِنْكُمْ أُهَيْلَ مَوَدَّتِي بِلِقَاءِ
وَمَتَى يُؤَمِّلُ رَاحَةً مَنْ عُمْرُهُ ... يَوْمَانِ يَوْمُ قِلًى وَيَوْمُ تَنَاءِ
وَحَيَاتِكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَهْيَ لِي ... قَسَمٌ لَقَدْ كَلِفَتْ بِكُمْ أَحْشَائِي
حُبِّيكُمُ فِي النَّاسِ أَضْحَى مَذْهَبِي ... وَهَوَاكُمُ دِيـنِي وَعَقْدُ لِوَائِي
و في سنة:1313هـ/1895م ودع أهله وذويه بعد أن ترك لهم مآثر خالدة وصيتا ذائعا ومكانة عظيمة في مجتمعهم وأوصاهم بمضمون قول الحكيم:
أَطِيعُوا وَجِدُّوا وَلاَ تَكْسَلُوا ... فَأَنْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونْ
وَلاَ تَهْجَعُوا فَالأَكَابِرُ كَانُوا ... قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونْ
وأوصى ابنه محمد عبد الله بالتقوى وعدم الاتكال على النسب متمثلا بقول الشاعر:
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فيِ كُلِّ حَالَةٍ ... وَلاَ تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الإِسْلاَمُ سَلْمَانَ فَارِسٍ ... وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيفَ أَبَا لَهَبْ
ثم توجه عائدا إلى الديار المقدسة تشيعه قلوب الجميع متمثلة بقول القائل:
إِنْ كُنْتَ لَسْتَ مَعِي فَالذِّكْرُ مِنْكَ هُنَا ... يَرْعَاكَ قَلْبِي وَإِنْ غُيِّبْتَ عَنْ بَصَرِي
الْعَيْنُ تَفْقِدُ مَنْ تَهْوَى وَتُبْصِرُهُ ... وَنَاظِرُ الْقَلْبِ لاَ يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ
وقد مر في هذا السفر بدولة السودان العربية، التي تزوج فيها بامرأة أنجبت له ابنا، وبنتا، بقيا هناك. وبعد فترة من المقام في السودان توجه صوب الحرمين الشريفين، حيث أدى شعائر الحج، والعمرة مرة ثانية، ومن ثم توجه نحو طيبة المشرفة، حيث ألقى عصا ترحاله، وعاش فيها بقية حياته الطيبة التي أنشد لسان حالها مخاطبا من أراد التعرف عليه هنالك:
إِذَا غَابَ أَصْلُ الْمَرْءِ عَنْكَ فَفِعْلُهُ ... دَلِيلٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي غَابَ وَاضِحُ
وَحَسْبُكَ مِنْهُ فِي الدِّلاَلَةِ شَاهِدٌ ... فَكُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ رَاشِحُ
وظل متمثلا بقول الشاعر:
مَا فِي الْمُقَامِ لِذِي عَقْلٍ وَذِي أَدَبٍ ... مِنْ رَاحَةٍ فَدَعِ الأَوْطَانَ وَاغْتَرِبِ
سَافِرْ تَجِدْ عِوَضًا عَمَّنْ تُفَارِقُهُ ... وَانْصَبْ فَإِنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إِنِّي رَأَيْتُ وُقُوفَ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ ... إِنْ سَالَ طَابَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
وَالأُسْدُ لَوْلاَ فِرَاقُ الْغَابِ مَا قَنَصَتْ ... وَالسَّهْمُ لَوْلاَ فِرَاقُ الْقَوْسِ لَمْ يُصِبِ
وَالشَّمْسُ لَوْ وَقَفَتْ فيِ الْفُلْكِ دَائِمَةً ... لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ
وَالْبَدْرُ لَوْلاَ أُفُولٌ مِنْهُ مَا نَظَرَتْ ... إِلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ عَيْنُ مُرْتَقِبِ
وَالتِّبْرُ كَالتُّرْبِ مُلْقًى فِي أَمَاكِنِهِ ... وَالْعُودُ فِي أَرْضِهِ نَوْعٌ مِنَ الْحَطَبِ
فَإِنْ تَغَرَّبَ هَذَا عَزَّ مَطْلَبُهُ ... وَإِنْ أَقَامَ فَلاَ يَعْلُو عَلَى رُتَبِ
........... يتبع ...........
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر