بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على آخر الأنبياء والمرساين ، المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا ونبينا محمد ، وعلي آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان علي ملته وسنته إلي يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين .
وبعـــــــد
ففي أطروحتنا هذه نخاطب غير المسلمين ،، ممن لايعرفون عن الإسلام ولا رسول الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم إلا ما تلقوه علي أيدي بني جلدتهم ، فاختلط أمامهم الحابل بالنابل ، ما بين ضال فاجر ، يذيع أضاليله جهرا بتعصب مقيت . وما بين كاره جاحد ، ينفث سمومه نفثا لطيفا ، فيغلف باطله وأضاليله بغلالة رقيقة من الحق ، يتواري خلفها متظاهرا بالإنصاف ،
وهذا الصنف أخطر من سابقه كثيرا ، لأنه يضع السم في العسل ، ويمزج بينهما مزجا دقيقا ، فلا يفطن لمكره وخبث فعله إلا قليلون ، ثم هناك صنف ثالث يكتب عن الإسلام ورسول الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فيجمع بين الغث والسمين ، والرخيص والثمين ، وكأنه حاطب ليل ،
وهذا الصنف أيضا لا تخلو سريرته من كراهية للإسلام دفينة . وإذن،، فإن التعريف بالإسلام وبنبي الإسلام صلي الله عليه وسلم بهذه الألسن والأقلام من غير المسلمين ، ما كان ــ ولن يكون ــ صحيحا أبدا ،، وإن شئت فقل إنما هو في ظاهره وفحواه تشويه لحقيقة الإسلام ونبي الإسلام صلي الله عليه وسلم ، بهدف بذرالكراهية في صدور المتلقين وقلوبهم ، فضلا عن عقولهم وألبابهم . ومن هنا تكون الإساءة إلي الإسلام ، وإلي نبي الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بصورها المتنوعة ، وفي أوقاتها المختلفة .
وفي هذا الصدد قال برناردشو متأسفاً : "مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام" .
ومع كل هذا ، فليس من العدل والإنصاف ــ ونحن ندين بدين العدل والإنصاف ــ أن نغض الطرف عن ذكر بعض الألسن والأقلام التي ذهبت تعرف حقيقة الإسلام ونبي الإسلام صلي الله عليه وسلم تعريفا منصفا ، فصدقت ، وحق لها أن نذكرها ونشيد بها . ولايخفانا ــ كما هو ثابت في واقع الحال ــ أن كثيرا من هذا الصنف الأخير قد أسلم عن اقتناع تام ، ويقين لاريب فيه . فهنيئا لهم .
وبناء علي ما سبق ،، فإن الأمر ــ والحال كذلك ــ يفرض علينا نحن المسلمين أن نعرض حقيقة الإسلام وسيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، بلساننا نحن وبأقلامنا نحن ،،،، وعليه ،، فإن وسائل العرض وصور التقديم لهذا الأمر الجليل متنوعة ومتعددة ، يكمل بعضها بعضا . وما سطور أطروحتي بتوفيق الله تعالي إلا بعض منها . ثم إنه في مجمل الأمر وغايته امتثال وتحقيق لقول الله تعالي : { ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125
أما الإساءة إلي نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإلي الإسلام ، تلك التي نراها ونسمعها بين الآن والآخر من بعض الضالين والمغضوب عليهم والمشركين والكافرين ،، ممن عميت أبصارهم وعمهت بصائرهم فليست بجديدة ولا حديثة ،،، بل هي قديمة قدم الإسلام نفسه ، منذ أن جهر نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم بأمر ربه سبحانه وتعالى .
بل يمكن القول إن الإساءة في حد ذاتها قد تعدت شخصه صلى الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك ، فتوجهت إلى ذات الله سبحانه وتعالى !!!! اقرأ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ربه تعالى في الحديث القدسي إذ يقول :
" شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني ، أما شتمه إياي فقوله : إن لي ولدا ، وأنا الله الواحد الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ، وأما تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته " .
رواه أحمد والنسائي والبخاري في صحيحه .
ثم إن التاريخ سجل صورا كثيرة من الإساءة إلي نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم في عصر النبوة مما قام به الكافرون ،، استهزاء وكراهية وعداء ومقاطعة ، حتي وصل الأمر إلى المواجهة بآلات الحرب والقتال .
وإذن فالأمر ليس جديدا ولا حديثا ، بل هو متجدد بين الحين والحين ، ما بقى الخير والشر ، وما بقي الحق والباطل ، وما بقى مؤمن وكافر ، وما بقيت الدنيا ،
وإذ تخرج المخلوقات الضالة رؤوسها من الجحور، وتنفث سمومها من الصدور ، بين الحين والحين ،، فتتجدد الإساءة .
لذلك ،، فإن الخطاب في هذا الصدد ينبغي أن يوجه إلى شقين :
أما الشق الأول ، فهو موجه إلى إخواننا المؤمنين ، الذين يدينون بلا إله إلا الله محمد رسول الله في كل بقاع الأرض .
لعلها فرصة سانحة يقيضها ربنا تبارك وتعالى لنا بهذه الصورة وعلى هذا النحو .
ولعلها فرصة عظيمة يجب توظيفها توظيفا صحيحا للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وسنته الشريفة ، باعتباره صاحب الرسالة الخاتم للناس أجمعين .
ولعلها فرصة مواتية لتحقيق ذلك قولا وفعلا في إطار شريعته وسنته صلوات الله وسلامه عليه . ولعلها فرصة أتيحت لتصحيح مسارنا نحو تربية أولادنا وتعليمهم الدروس والعبر من مثل هذه الهجمات ــ إذ أن أسبابها منا ومنهم ــ ثم علاجها منا بنهج محكم مثمر .
فأسبابها منا ، لا تخرج عن تقصيرنا في تطبيق شريعتنا إفراطا وتفريطا ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وأسبابها منهم ، لا تخرج عن كفرهم وضلالهم ،، مع تقدمهم وتأخرنا ، وهجومهم ضلالا و غرورا وغطرسة ، ودفاعنا تأخرا وخورا وعجزا وخذلانا .
وإنها لحقائق واقعة ، لا محيص عن الاعتراف بها ،، ولابد من علاجها بتصحيحها ، ما دام في جسد كل مسلم روح تسري ونفس يتردد وقلب يخفق .
وقبل أن تهدأ الغضبة الحقة ، وتفتر العزمة ، من بعد أن ثارت الثورات ونظمت التظاهرات والمؤتمرات ، وقوطعت المنتجات ، وأعلنت الاقتراحات ، وظهرت بوادر الاعتذارات ، وغير ذلك مما يأذن به الله ويشاء .
بداية ،، يهمنا أن نقرر أن المسلم الحق في أقرب تعريف له ،، هو ذلك الشخص ، صاحب الفكر السليم والسلوك القويم ، الذي يجسد التوحيد الخالص لله تعالي ، الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه، متبعا شريعته وسنته إيمانا واحتسابا ، عقيدة خالصة لا لبس فيها ، ودعوة مخلصة لله رب العالمين .
وأما الشق الثاني من الخطاب فموجه إلي الآخر ،،،،،، علي أن مواجهته لها أكثر من باب ،،،،،،، فهؤلاء الذين نراهم الآن ،،،،،،، منهم أئمتهم وصناديدهم المضلون الفجرة ، الكافرون الغَدَرَة ،،، ومنهم المضللون المغترون ، المنقادون لأئمتهم وصناديدهم .
وهؤلاء وأولئك ، قلة وكثرة ،، علينا مواجهتهم ، كلا حسب موقعه ،،،،
فأنت حين تناظر صنديدا مضلا ، تأتي له ببيان بليغ وأدلة دامغة ، تدحض به قالته وإضلاله،، وحين تخاطب مضللا منقادا ،، بيانك تجاهه يختلف عن بيانك الأول .
وكلاهما نطلق عليه لفظ الآخر ، وهؤلاء وأولئك باب يمثل أحد وجهي الآخر .
أما الوجه الثاني من الآخر ، فلا يقل أهمية عن سابقه ،
إنهم الناشئة من أولادهم ، الذين يربيهم آباؤهم على كراهيتنا وعداوتنا حقدا وضلالا وإضلالا ، فينفثون في عقولهم السموم ،،،،،
وحينئذ أنت في منافسة عظيمة .
إما أن ينتصر آباؤهم المضلون ، فينجحون في تنشئة أولادهم مثلهم ، وعلى معتقداتهم وقواعدهم وسياساتهم ، وكلها تخالفك وتقاومك وتحاربك ،،،، وإما أن تنجح أنت في أن تغرس فيهم بذورا تدعوهم إلى قبول النظر في فكرك ودراسة معتقدك ، ولو بعين محايدة ،، فإذا سنحت من بعد ذلك سانحة ، فلن تجد تعصبا مقيتا ، أو رفضا تاما ، أو انغلاقا كاملا ، ومن ثم عداءا سافرا ،،، بل قد تبصر الأعين ، وتنجلي السحب ، ويزال الران من على القلوب ، وتكون الهداية من الله رب العالمين ، وما ذلك على الله بعسير .
{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الأنعام 125.
وهي جهود واجبة لا بد لها من تخطيط محكم ، وتنفيذ مخلص ،،، والإمكانات في سبيل ذلك ، على مستوى العالم الإسلامي الكبير كثيرة ومتنوعة ، ولكن يعوزها ترتيب الأولويات ، وتوظيف الإمكانات ، وتحديد المهام ، ثم متابعة النتائج بموضوعية مخلصة هادفة .
إن عرض الفكر الإسلامي ونشره صحيحا في أرض غير مسلمة ، له ضوابطه وأصوله في ظل ظروفه ومتطلباته ، فضلا عن تنظيمه وتنفيذه .
فيا أخي المسلم المؤمن ، أنت أعلم من غيرك بكيفية الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه وشريعته ، والدعوة إليها ، إيمانا ويقينا واحتسابا لوجه الله رب السموات والأراضين .
ابدأ بنفسك ،، فلن يغير الله ما بك حتى تغير ما بها ، ولن تعدم الكيفية ، ولن تضل الطريق ، ابدأ مخلصا نيتك ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا .
إن الكلام الذي ينبغي توجيهه إليك لا يخفى عليك ،،،، ولا أدق ولا أصدق ولا أبلغ من مصحفك الذي في بيتك ، ارجع إليه ، وكفى به هاديا مرشدا .
وقبل أن يضيق بي المقام ، أبادر فأدعو هذا الآخر ، موجها إليه خطابا موضوعيا هادئا ، يفصل بحق التعريف بنبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وبدعوته وسيرته الشريفة ،،
والأمل أن تقرأ من هذا الآخر بعين محايدة ، فإذا كان الأمر حقا – وهو حق لا شك فيه – إلتقينا ، أما إذا كانت الأخرى ، فإن العيب ولا شك مني ، بتقصيري أو بإخفاقي في الإقناع وإظهار الحق المبين .
فيا أيها الآخر ،،،،،،
في البداية ندعوك ، لتجلس إلينا ،، فتستمع إلي قولنا نحن عن أنفسنا ، لا قول غيرنا عنا ، حيث نبين لك من نحن ، وما هي ثوابتنا ، وأين أنت منا ، وكيف ننظر إليك ، وما هو واجبنا تجاهك ، ومتى نلتقي ، ومتي نفترق ، وما هي نتائج ذلك من وجهة نظرنا نحن المسلمين ،،،،
هي دعوة نوجهها إليك ، نخاطب فيها عقلك قبل وجدانك ،،،، فعقلك هو الأولى بالمخاطبة في هذا المقام ،، وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من قراءة عرضنا لتاريخنا الصادق .
فنحن الأولي بالحديث عن أنفسنا ، ونحن الأحق والأجدر بتقديم بعضا من حقائق الإسلام العظيمة .
ثم إن هناك من المعطيات ما نشترك فيها معا ، هى فى حد ذاتها بعض مبررات دعوتك و اللقاء معك ، والجلوس معا على منضدة واحدة ،
هذه المعطيات كثيرة ومتنوعة ،،، منها ،
أننا جميعا أبناء آدم ، وأننا الآن متعاصرون يجمعنا زمان واحد ، باعتبار القرية الدولية الواحدة ،
وأننا جميعا تحكمنا قوانين دولية مشتركة ، باعتبار الأسرة الدولية الواحدة ،
وأننا جميعا ــ آحادا وجماعات ــ نحب الإستزادة لأنفسنا من الخيرات ،
وأننا جميعا نكره أن يسلبنا غيرنا ما نملكه ،
وبهذه الثوابت ــ وكثير غيرها ــ يكون المبرر المنطقي في الجلوس معا لبدء حوار عقلي منطقي هاديء،
فهلم إلي الجلوس معنا علي هذه المنضدة ، لعلنا ــ كما نرجو ونأمل ــ أن نقوم متعانقين متحابين ، ليس بيننا ثمة اختلاف ،
وأما إذا كانت الأخري ــ والتي نكرهها ــ فالأمر لن يزيد عن مجرد اختلاف في وجهات نظر ، يجب أن يغلفه إطار من الإحترام المتبادل بيننا ، والذي لايمنع من التعاون في كثير من المجالات الأخري ،
هلم إلي الجلوس معا ، نشرع في مد جسور التعارف المباشر بيننا علي بصيرة ، بما لذلك من آثار إيجابية عظيمة وهامة للغاية ،
هلم إلي الجلوس معا لنترك لأبنائنا ، وللأجيال التالية من بعدنا أرضا طيبة ، وسماء صافية ، وجوا نقيا ، فينعمون ، ويتنعمون ، ويذكروننا بالثناء الصادق ، والدعاء المخلص ،
هلم إلي الجلوس معا لبذر الخير وغرسه لنا ولأبنائنا من بعدنا قبل فوات الأوان ،
يا أيها الآخر ،،،،،،
سنبدأ لك بالتعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم من خلال التاريخ الصادق المحقق ، الذي لا يختلف عليه اثنان ،
وقبل أن نشرع معك ولك في التعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، يجدر بنا أن نتفق ونؤكد علي بعض الأساسيات العامة ، والهامة ،
• ليكن حوارنا موضوعيا ، لاسبيل فيه إلي الدخول في متاهات الجدل السوفسطائي العقيم ،
• ليكن حوارنا منطقيا ، نبنيه معا علي حجج صحيحة ، وبراهين ساطعة ،
• ليكن حوارنا هادفا ، ينشد الحق والصدق ،
• ليكن حوارنا مدعاة إلي التآلف والتواد ، بدلا من التباغض والشحناء .
• ليكن حوارنا في إطار من الصبر ، بعيدا عن الملل ، فالأمر جلل ، وقد يحتاج إلي لقاءات كثيرة .
فإن كان إسهاب أو تفصيل ، فهو في خدمة الموضوع ومن لوازم عناصره .
فإذا اتفقنا سويا علي ذلك ، بدأنا لك بتمهيد لازم ، يتبعه التفصيل والبسط والشرح ،،،الخ
علي أنني سأترك نهاية هذه الأطروحة مفتوحة ،،،،، بمعني خلوها من فصل ( الخاتمة ) ، إذ الأمر كما قلنا آنفا أمر جلل ، يحتاج إلي لقاءات كثيرة ، وما أطروحتي إلا لبنة في صرح عظيم ، سبقتها لبنات وتتبعها لبنات بمشيئة رب العالمين .
التمهيد
يا أيها الآخر . . .
تقوم حقيقة أمرنا نحن المسلمين علي ثوابت من الحقائق ، أساسها القرآن الكريم ، آخر الكتب السماوية ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نزله ربنا سبحانه وتعالي علي آخر الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، لهداية الخلق أجمعين . ثم إن هناك ثوابت أخري من الحقائق سجلها لنا التاريخ الموثق المحقق الصادق ،
وفي هذا الصدد ، اخترع علماؤنا المسلمون من السلف الصالح علما هاما نافعا ، هو علم ( الجرح والتعديل ) ،
ولن نقع في دائرة المبالغة ، إذا قررنا أن هذا العلم يتفرد به المسلمون ،
وهو علم معروف للقاصي والداني ، لاينكره إلا جاحد ، أو جاهل .
ذهب أوائلنا فيه إلي البحث عن المصداقية في أتم معانيها ، وبخاصة في السنة النبوية ، إذ تسجل أقوال نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ، الصحيحة ، من حيث السند ، ومن حيث المتن ،
ووضعوا لذلك الشروط الثابتة المحددة ، والمعايير الدقيقة المحكمة ،
وقاسوا عليه ، ووازنوا ، وتحققوا ، وتثبتوا ،
فما وجدوه صحيحا ، ( تحققت فيه سندا ومتنا كل الشروط ) ، صنفوه تحت اسم الصحيح ،
وما وجدوه مفتقرا إلي هذه الشروط ، أو إلي بعضها ، أدرجوه تحت مسميات أخري معلومة ،
وعليه ،، فقد وجدت كتب في الإسلام استند أصحابها إلي هذا العلم ، فطبقوا معاييره بكل دقة وإحكام ، ومن ثم أخرجوا لنا نتاجهم العظيم صحيحا لاشك فيه ،
ومثال ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالي ،
فنتيجة لعبقريته الفذة و لحذقه المدهش ، ودقته الصادقة المخلصة في عمله ، أخرج لنا كتابه الخالد :
( الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسننه وأيامه ) لذا ،،، فنحن حين نستشهد ببعض ما ورد في صحيح البخاري ــ علي سبيل المثال ــ إنما نتمثل بشواهد ، لا يتطرق إليها ثمة شك أو إرتياب في صحتها أوفي مصداقيتها ، سندا ومتنا ،
فقد كفانا هذا الرجل العظيم مؤنة البحث عن المصداقية ، ومشقة البحث والدرس والتمييز بين الصحيح وبين غيره من الأحاديث الأقل منه رتبة .
ولم يكن الإمام البخاري وحده في ذلك ، بل جاء من بعده من قلده في هذا السبيل ، وسلك مسلكه ، ومن ثم أخرج لنا نتاجه وتراثه ،
ثم إننا من بعد ذلك معشر المسلمين ، علي وجه العموم ، حين ننظر في أي جانب من جوانب السيرة النبوية ، وبناء علي معايير علم ( الجرح والتعديل ) فضلا عن تخريج كتب الصحاح لهذا الجانب ، نتبين بكل يسر وسهولة ما في هذا الأمر من صح أو خطأ أو غلط ،
إن الثوابت والرواسخ التي سجلها لنا التاريخ الموثق ، وحفظها لنا السلف الصالح ، كلها صحيحة ومحققة ، لاشبهة فيها ، ولاريب في مصداقيتها ،
وهذا الأمر ليس من قبيل التشدق بمصفوف الكلام ، ونافلة القول ، وترصيع البيان ،
هذا الأمر ، يمثل حقيقة أساسية ، صادقة ، مثل مصداقية الأرقام ، تماما بتمام ،
وعليه ، ، ،
فما سنطرحه من قول أو دليل أو برهان ، من هذه الصحاح، علي سبيل الإستشهاد به ، لن يتعدي الصدق قيد أنملة ،
لآننا نأخذه من تاريخ موثق محقق صادق صحيـــــــــــــــــح ،
هذه واحدة ،،،
أما الثانية ،،
فيجدر بنا أن نقدم لك أيها الآخر ، قبل كل شيء ، الأدلة الدامغة والبراهين الساطعة علي صدق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
فإذا تحقق لك صدقه ، ومصداقيته ، قبلت قوله الصادق ، وبحثت في أمره من باب قبول أمره ، و الأخذ عنه ، والتأسي به ، لا من باب رفضه ، أو إنكاره ، أو الرد عليه .
وإذن ،،،،،
فأنت في سبيل خطوات متوالية علي طريق واضحة ،
تتحقق من صحة السيرة النبوية ، ومصداقيتها ، علميا ،
ثم تتحقق من وقوع الحدث في السيرة النبوية ، تاريخيا ،
ثم تنظر في قول هذا النبي الصادق صلي الله عليه وسلم ، أو فعله أو تقريره ،
وهنا ، ، ،
يمكنك أن تقارن ، بين ما عرفته منا حديثا ، وبين ما تراكم عندك من قديم ،
اقرأ أولا التاريخ الصحيح غير المزيف ، وانظر فيه بقلب سليم وفكر عاقل ،
وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من قراءة تاريخنا الصادق المحقق الموثق .
الموضوع
والآن ،،،،، وقد انتهينا من التمهيد ، يمكننا أن ندخل في صلب موضوعنا الذي اخترنا له عنوان ( هذا هو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،، يا أيها الآخر ) ،،
نقول هدانا الله وإياك :
السلام عليكم ،
وهو كما تري تحية القدوم ، نطرحها عليك ،
وهي ـ، إن كنت لا تعلم ــ دعوة الإسلام وتحية المسلمين ،
ثم نقول :
بسم الله الرحمن الرحيم ،
وهو استفتاح خطابنا إليك ، بل و استفتاح كل أعمالنا وأقوالنا ،،
وهي ــ إن كنت لاتعلم ـــ لها دلالات ومنافع كثيرة لاحصر لها ، و قد يخرجنا البحث فيها عن صلب موضوعنا ،
علي أنها بداية هامة ، حثنا نبينا محمد صلي الله عليه وسلم علي الإستفتاح بها في كل أمورنا
ثم نقول :
الحمد لله رب العالمين ،
وهي كما تري جملة من القول ، تحقق أمرين اثنين ،
الأول :
الإعتراف بربوبية الله تعالي لكل العالمين ، كل المخلوقات ، ما علمنا منها ، وما لم نعلم ، وماهو بها أعلم .
الثاني :
تقديم الحمد الذي يشتمل علي معني الشكر لله تعالي ، علي كل النعم التي خلقها لنا لننعم بها في كل أحوالنا علي وجه العموم ، وهي أكثر من أن تحصي أو تعد ،
والحمد ــ فضلا عن ذلك ــ استجلاب المزيد من هذه النعم ،
فكلما شكرت المنعم ، ازداد تفضلا عليك بالمزيد من نعمه وآلائه . .
ثم نقول :
اللهم صل علي سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،
وهو قول ، وإن لم يكن الآن ذا محل أو دلالة عندك ،
فهو أمر ذو بال ، وأهمية ، ودلالات جليلة عندنا نحن المسلمين ، بما ستراه لاحقا إن شاء الله تعالي .
ثم نقول :
وبعد ،
وهي كلمة نفصل بها بين الإستهلال ، وبين الدخول في موضوع الخطاب ،
وهي كلمة عربية صرفة ، يندر أن توجد في لغة أخري من لغات البشر في دنيا الناس أجمعين .
ثم نقول :
يا ايها الآخر،،،،
هذا هو الخطاب الأول إليك ، سيتبعه خطابات أخري بمشيئة الله تعالي
وفيه ،،
نبدأ بالبحث في سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
ونبحث في التاريخ الموثق المحقق عن أصله و نشأته وحياته ، قبل أن يخبرنا أنه نبي مرسل من عند الله رب العالمين ،
نسبه وأصله ونشأته
وهذه النقطة ، وإن كانت ليست محل إنكار من أحد ، لصحة وقوعها تاريخيا ، إلا أنها هامة ولازمة للتعريف به صلي الله عليه وسلم ،
ولذلك ، وبناء علي ثوابت التاريخ الصحيح ، فهي تحتاج إلي بسط وسرد كثير من الوقائع والأحداث .
وهنا يجدر بنا أن نعلمك بنسبه الكريم ،،،،،، فهو :
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، هذا هو نسبه صلي الله عليه وسلم ، وأمه هي السيدة كريمة الحسب والنسب : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ، وفي حكيم هذا يجتمع نسب أبيه مع نسب أمه ، [ وافهم تغنم ]
لقد كان محمد صلي الله عليه وسلم شريفا حسيبا نسيبا ، فحق له إذن الإعتزاز والفخار ، كل الإعتزاز وكل الفخار ،
فهو عربي قرشي هاشمي ،
وإن شئت ،، قلت هو هاشمي قرشي عربي ،
عربي : ينتهي نسبه إلي عدنان من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام
وقرشي : من قبيلة قريش من نسل عدنان ، التي سكنت مكة المكرمة ، التي يتوسط موقعها بين اليمن في الجنوب ، والشام في الشمال .
وقد ثبت حديثا أن مكة المكرمة هي مركز الكرة الأرضية .
وقريش هي القبيلة التي حازت سدانة الكعبة ، تراث أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام ، قبلة كل القبائل العربية جميعا ،
وهي القبيلة التي صار موطنها ( مكة المكرمة ) ، مركز الحياة الإقتصادية في الجاهلية ، في شبه الجزيرة العربية .
وهي القبيلة التي توسعت في تجاراتها نحو الشمال والجنوب ، بل والمشرق والمغرب في رحلتي الشتاء والصيف ، فحازت العلاقات الوطيدة مع كثير من أفراد ورؤساء القبائل والحكام والأمراء في تلك البلاد والأماكن ،
وهي القبيلة التي صارت لغتها ( العربية ) ، اللغة الفصحي ( المصفاة ) المشتركة بين جميع القبائل العربية ،
وقد سماها بعض علمائنا المعاصرين باسم ( اللغة الموحدة ) .
وهي أيضا القبيلة التي صار موطنها مركزا للحياة الأدبية :
[ سوق عكاظ ، في ضواحي مكة المكرمة ، حيث تجتمع فيها القبائل سنويا مدة عشرين يوما ، من هلال ذي القعدة إلي العشرين منه ، ويأتي إليها الشعراء بالجيد من أشعارهم ، ويأتي الخطباء بالبليغ من الخطب ، ويتناظرون ويتبارون ويتنافسون ويتحاكمون في ذلك إلي حكم حكيم ، مرضي بحكمه وتقريره ، فيفاضل بين المتنافسين ،،
ومن هنا تنتشر أجود البضائع الأدبية المنطوقة شعرا ونثرا .
هذا فضلا عن تبادل السلع العينية الأخري .
ثم ينتقلون من بعد سوق عكاظ إلي أخري مشابهة لها ، هي سوق مجنة في ( العشر الأواخر من ذي القعدة ،
ثم يجتمعون في سوق ذي المجاز في يوم تروية الحجيج ( الثامن من ذي الحجة ) .
وفي المجنة وذي المجاز يتم المتنافسون من الشعراء والخطباء ما فاتهم في عكاظ .]
و قريش هي القبيلة التي قلت عداواتها مع غيرها من القبائل العربية إلي أبعد الحدود نتيجة لكل العوامل السابقة ، ،
بل يمكن القول إنها كانت علاقات حميمة طيبة تعدت المنافع إلي الصداقات .
هذه هي قبيلة قريش التي توالدت منها عشرة بطون من بينها بنو عبد مناف ، تلك التي كان من فروعها، بل ذؤابتها بنو هاشم ، رهط نبينا محمد صلي الله عليه وسلم .
وإذن فنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ذو أصل عال منيف ، لايتطرق معه ثمة شك في إحساسه بصغار أو افتقاده لمزية النسب الرفيع ،
فلو كان مجهول الهوية أو وضيع النسب ، لكان هذا مبررا للقذف فيه من الضالين الشانئين ، باعتباره نقصا يحارب من أجل محوه ، أو إخفائه ،
سجل التاريخ الصادق المحقق الموثق أن نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ولد يتيما ( لم ير أباه ) ، وكان ذلك في عام سمي عام الفيل ، نسبة إلي الفيلة التي اصطحبها أبرهة الأشرم معه ليغزو مكة ، بهدف هدم الكعبة ، وصرف الناس عن الحج إليها ، وقد فشلت هذه الغزوة تماما بإرادة الله تعالي ، دون جهد قرشي يذكر ،،،،، فمن ذا الذى يكفل اليتيم ؟ كفله جده عبد المطلب ، شيخ بني هاشم آنذاك ، وأحد عظماء ووجهاء قريش جميعها ، واستمرت تلك الكفالة طيلة ثماني سنين ،
وفي هذه الفترة وقعت لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم أحداث كثيرة ، يلزم أن نشير إلي بعضها بإيجاز ،،
بعدما ولد ، أرسلت به أسرته إلي البادية ليسترضع فيها ، كعادة أهل الحواضر في ذلك العهد ، ،،،،
ففي البادية الجو الصحي الصافي النقي ، واللغة العربية الخالصة ، بينما تفتقر إليها الحواضر علي وجه العموم ،،، وهي أمور كانت هامة ومطلوبة للولدان الصغار آنذاك ،
وكانت مرضعته هي السيدة حليمة السعدية ، من بني سعد ، إحدي القبائل التي تقطن البادية ( فى خارج مكة ) والتي تشتهر بنقاء لسانها العربي الفصيح ،
بعدما أتم مرحلة البادية ، ورجع إلي أسرته في ربوع مكة المكرمة ، حيث كفالة جده عبد المطلب ،، أخذته أمه السيدة آمنة إلي يثرب حيث قبر أبيه (عبد الله ) ،
وفي أثناء رجوعها به إلي مكة ، ماتت في الأبواء ( بين يثرب ومكة ) ، وقد كان عمره آنئذ ست سنوات ، فصار من يومها يتيم الأب والأم .
وما لبث جده عبد المطلب من بعد ذلك أن مات ، حيث كان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ابن ثمان ،
وهكذا تنقلت به الأحوال ، حتي وصل إلي كفالة عمه أبي طالب بن عبد المطلب ،، التاجر ، متوسط الحال ، كثير العيال ،،، فكان هذا اليتيم مصدر بركة عظيمة واضحة ، حلت ببيت أبي طالب
ولم يكن ليتمه في طفولته شأن يذكر بصدد تكوين عقدة نفسية بشكل أو بآخر ، فلقد كان أكرم يتيم ، تحوطه عناية أهله وذويه ، ممن يحتلون السيادة والوجاهة في قبيلة قريش ذات السيادة والوجاهة علي مستوي قبائل العرب قاطبة .
ورعي نبينا محمد صلي الله عليه وسلم الغنم ، وهو أمر ذو شأن كبير في تكوين الشخصية بدنيا ونفسيا ،
( يؤكد مؤرخو السير علي أنه ما من نبي إلا ورعي الغنم ) ،
فراعي الغنم يتعامل طيلة وقته مع حيوانات عجماوات ، تفتقر إلي الرعاية الرشيدة ، بما فيها من صبر ورحمة وشجاعة وقوة وتحمل مشاق كثيرة ، إلي جانب الإنفراد الشخصي بالنفس معظم الوقت ، وما في ذلك من متسع زمني ومكاني للتأمل ، والسمو الروحي الذي قلما يتهيأ بذات النسبة عند غير راعى الغنم ،
وفي رحلة تجارية إلي الشام اصطحب أبو طالب ابن أخيه نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم معه ،، وهناك رآه أحد الرهبان الذين انقطعوا للعبادة ، ممن قرءوا ودرسوا الكتب ، وما فيها من نبوءات صادقة ، فتفرس فيه ، واستفسر عن أحواله ، وتنبأ له بعظم شأنه ، وأوصي أبا طالب بالمزيد من المحافظة عليه ، وبخاصة من اليهود ،
وشارك نبينا محمد صلي الله عليه وسلم قومه في قتالهم في حرب الفجار ،، وهو غلام يافع ، حمية للحق ، وردا للبغي والظلم ،
وحضر نبينا محمد صلي الله عليه وسلم حلف الفضول ( الثاني ) وشارك فيه ، ومدحه فيما بعد ذلك ، لما تضمنه من نصرة المظلوم ، والتعاون في سبيل الحق والخير ،
امتنع نبينا محمد صلي الله عليه وسلم تماما عن مقارفة الرذائل ، وكره عبادة التماثيل والأصنام ، وارتكاب الفواحش ، ومن أهمها الزنا وشرب الخمر ومجالس اللهو،، وما أشبه ،، وكلها أمور كانت شائعة في مجتمع هذا العصر ، بين كثير من الناس ، دون غضاضة أو تثريب أو مؤاخذة ، مما يؤصل لدينا ويؤكد لنا علي فكرة هامة ، ألا وهي رعاية الله تعالي له ، وتربيته علي عينه ، طاهرا نقيا تمام الطهارة والنقاء ، بعيدا عن أدران الذنوب ، ونجاسات الآثام ، مما يحسب له صلي الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق ، التي أعلن يوما أنه إنما بعث ليتممها ، وأنه قد أدبه ربه فأحسن تأديبه ،
صادق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وصافي كثيرين ممن اشتهروا بالشيم النبيلة والأخلاق الحسنة والسمعة الطيبة .
وكأن الأمر لا يخرج عن مصداق القول المأثور ( الطيور علي أشكالها تقع ) إذ لاشك في تأثير الصديق في صديقه ، وتأثره به ، حتي ليصير كلاهما وجها للآخر ، وإنما يعرف الخل من خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل .
أطلق المكيون علي نبينا محمد صلي الله عليه وسلم لقب الصادق الأمين لما اشتهر به بينهم من مكارم الأخلاق .
والصدق والأمانة عليها مدار الأمر كله في دنيا الناس ، إذ ليس من نتاجهما ثمة شر أو ضر مطلقا ، بل هما بوتقة كل خير ، وأس كل فضيلة ، وإنهما لشيمتان ساميتان لا تطلقان علي غير فاقدهما مطلقا ،
أما وقد لقب بهما نبينا محمد صلي الله عليه وسلم منذ صغره ، وبين قريش جميعا ، فقد حازهما تماما ،،،،،، ثم إنه لم يفقدهما مطلقا طيلة حياته ،
وهو أمر في غاية الأهمية ، حين النظر إلي أقواله وأفعاله وتقريراته ، وبخاصة حين يعلن أنه نبي مرسل من رب العالمين ،
لما اختلفت بطون قريش في وضع الحجر الأسود في مكانه ( في أثناء إعادة بناء الكعبة ) باعتباره شرفا عظيما خالدا لمن يقوم به ، ووصل الأمر إلي ذروة الإختلاف ،،
اقترح بعضهم أن يحتكموا إلي أول من يدخل عليهم ، وكان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم هو ذاك ،،،
لم يكتفوا باعلان الرضا به ، والإمتثال لحكمه بحسب اتفاقهم ،
بل إنهم أعلنوا فرحهم واكتمال قناعتهم برأيه الصائب وحكمه العادل ، فنفذوه طواعية عن اقتناع تام ، دون مجرد التفكير من أحدهم ـــ علي كثرتهم ، وعظم الأمر ــ في إبداء رفض أو استدراك أو تعديل .
ولم يكن كل هذا إلا لإجماعهم علي أنه حقا ( الصادق الأمين ) ،
لما ذاعت شهرته بلقب الصادق الأمين ، طمحت إليه عيون أصحاب الأموال ،،،، ومن المعلوم أن رأس المال جبان ، يبحث دوما عن الأمن والأمان ، قبل تحقيق المكاسب والمنافع ،
وهل هناك أعظم من الصدق والأمانة ملاذا وسياجا مباركا للأموال في نظر التجار ؟
لذلك أوكلت إليه السيدة خديجة القرشية ــ إحدي صواحب الأموال والتجارة في قريش ـ مهمة التجارة بمالها في رحلة صيفية إلي الشمال ، حيث سوق بصري آنذاك ، فكانت رحلة موفقة مباركة ، دونتها كتب السيرة النبوية الموثقة ، وسجلت فيها وقائع كريمة ، كانت بمثابة مقدمة ميمونة مباركة لزواج ميمون مبارك ، الزوج هو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، والزوجة هي السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها .
أثمر هذا الزواج الميمون المبارك ولدين وأربع بنات ،،، لم يتطلع نبينا محمد صلي الله عليه وسلم في خلال هذه الفترة كلها ( حوالي ربع قرن من الزمان ) ــ والتي حازت مدة شبابه وكهولته ــ إلي الزواج من غيرها ،، علي غير عادة معاصريه آنئذ ، إذ كان غيره يجمع بين الإثنتين والثلاث ، ووصل أمر بعضهم إلي الجمع بين عشر زوجات ،
وهو أمر لاينبغي لنا مطلقا إلا التوقف عنده ، واللبث خلاله ، والنظر فيه ،
فقد تزوج نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية القرشية رضي الله عنها وأرضاها ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ومكثت زوجة له بمفردها إلي أن انتقلت إلي جوار ربها ، وقد تجاوز الخمسين من عمره الشريف ، لم يتزوج عليها ، ولم يفكر في ذلك البتة ، بل كان هو نعم الزوج لها ، كما كانت هي نعم الزوج له ، لقد فرغ نبينا محمد صلي الله عليه وسلم في خلال زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها من كل شبه آثارالشبيبة الجنسية ، والتي يزعم البعض تخرصا وضلالا تأثيرها عليه حين تعددت زيجاته من بعد هجرته إلي المدينة المنورة ، مع أنه قد تخطي الخمسين من عمره الشريف !!!! لقد تجاوز نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بموت السيدة خديجة فترة الشباب ، التي هي مظنة الباه وظرف الأوار الجنسي في عمر الرجال ،
ومع ذلك لم يسلم نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من هذا الإفتراء الجهول الخبيث ، علي غير ما يقتضيه المنطق الصحيح غير المعوج ، أويقبله اللب السليم العاقل غير الغافل ، فضلا عن مخالفته الصريحة لتاريخه المثالي المعتدل من قبل ، مما يؤكد فيهم علي محض الكراهية ، وتغلغل الحقد ، وعمق الضلال ، والبعد عن الصدق والواقعية ، وعدم البحث بأعين بصيرة ، وأفهام واعية في الأسباب والظروف التي اتفقت لذلك ، ألا ساء ما يفترون ،،
يا أيها الآخر،،،،،،،،،،
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم :
" ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن " . النحل 125
وإذن فهو أمر إلهي منه سبحانه وتعالي ، اشتمل علي كيفية تنفيذه ، ،
وعليه ،،
فامتثالا للأمر الإلهي ، وفي إطار ما بينه لنا من وسيلة إلي ذلك ، ندعوك أيها الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة ،،
دعنا نسرد بعضا من سيرة نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن ولد إلى أن لحق بربه تعالي في وقفات تأمل وتدبر ،، لعلها تنير لك الطريق .
يا أيها الآخر ،،،،،، ما بالك بإنسان تسمع عنه أن لقبه الصادق الأمين ،، لقبه به معاصروه كبيرا وصغيرا ؟ أليس ذلك مما يلفت النظر ويستوقف الفكر ؟ نعم ،،، كان لقبه الصادق الأمين .
الصدق والأمانة ،، كلاهما مزية عظيمة ،، عليها مدار الخلق السوي والسلوك المثالي في دنيا الناس ، فمن اشتهر بهما كان ولا بد محلا للاحترام والتوقير والمشورة والاقتداء ، ولم لا ،، والصدق والأمانة خصلتان ومزيتان لا يأتي منهما إلا الخير والفضل ؟
قال ابن الجوزي رحمه الله : وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: { فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر } الحجر 94 فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } الشعراء 214، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ،، فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد ، فاجتمعوا إليه ،،،،
فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام ، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ } إلى آخر السورة..
يا أيها الآخر ،،،،،، يذكر التاريخ أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهر بدعوته بأمر من الله تعالى وعادته قريش ،، جاءه وافدهم ،،،،
هذا الوافد عرض عليه عروضا متعددة متنوعة ،،، لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل منها شيئا ، لكانت دعوته إلى الله تعالي محل نظر ، وربما تحول القول له عند البعض إلى مظنة القول عليه .
هل تدري ماذا كانت العروض ؟
[ لو كان هذا الذي يأتيك رئيٌ ، أتينا لك بأعظم الأطباء لتشفى ] [ لو كنت تريد من النساء شيئا ، زوجناك من تختار من أحسن فتياتنا وبناتنا ، بما في ذلك من جمال وشرف ونسب ]
[ لو كنت تريد مالا ، جمعنا لك من أموالنا ما تصير به أغنى رجل في مكة ]
فإذا تركنا النظر في العروض السابقة ، فعلينا الاهتمام بهذا العرض الأهم ،،،،،،، إذ قال وافد قريش : [ لو كنت تريد ملكا ،،، ملكناك علينا ] .
يا الله . . .
هل هناك أسخى من هذا العرض ؟ لا .
علما بأن قريش في مكة آنذاك ، لها السيادة على قبائل العرب جميعا ، بحكم خدمتهم لبيت الله الحرام ،، الذي يقدسه العرب من كل القبائل ، وبحكم تجاراتهم الواسعة مختلفة الجهات إلى الشمال والجنوب ، لاسيما رحلتي الشتاء والصيف ، وأيضا بحكم علاقاتهم المتعددة والمتنوعة مع كل جيرانهم من أفراد وقبائل وشعوب ودول .
ومع ذلك ،،،
[ لو كنت تريد ملكا ،،، ملكناك علينا ] .
هي مساومة ،، ما أغلاها وما أثمنها لو قبلها نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي مساومة ،، ما أغلاها وما أثمنها لو ترك ما يدعو إليه وملك قريشا .
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .
الحقيقة أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بدعوته بأمر ربه تعالي ،، لا ليملك أو ليترأس كما ظن أبو الوليد ، أو كما يظن من هو على شاكلته .
وهل هناك أكثر أو أعظم أو أسخى مما عُرض عليه ؟ نعم .
إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
لذا . . . لم يقاطعه نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من مقالته وعروضه، ثم سأله ، أوقد فرغت ؟ فلما قال : نعم ، قال له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : إذن فاسمع ،،،، وتلا قرآن ربه .
لا يفوتنا أن نركز القول في أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حينئذ في هذا اليوم كان في الأربعينيات من عمره الشريف ، وهي سن ،،، قصارى الآمال فيها أن يكون أخا لملك ، أو صهرا له أو حتى نديما له ، أما وقد عرض عليه الملك ذاته ، فهذا شيء لا يجدر إغفاله أو تركه أو عدم النظر فيه
رفض الملك على قريش ـــ أهل مكة ــ ، ليكون عبدا لله ورسوله الخاتم .
هذا هو نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بر بقسمه الذي أقسمه لعمه أبي طالب ذات يوم : { والله ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ، ما تركته ، حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه } .
وما قيمة الشمس والقمر بجانب الرسالة ؟
بل وما قيمة السموات والأرض بما فيهن بجانب الرسالة ؟
إنها الحقيقة التي هي أعمق من ذلك بكثير . إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
أخرج أبو نعيم من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، قال : أقبل الوليد بن المغيرة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه يسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش ، فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا سحر ، ولا بهُذاء مثل الجنون ، وان قوله لمن كلام الله .
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي من طريق عكرمة ، و سعيد عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن وشرف فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقوم به ، فقال : بل أنتم ، فقولوا لأسمع . فقالوا : نقول كاهن . فقال : ما هو بكاهن ، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره . فقالوا : نقول : مجنون . فقال : وما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قالوا : فنقول: شاعر . قال : فما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر . قالوا : فنقول : ساحر. قال : فما هو ساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده . فقالوا : ما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله ،، إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمعذق ، وإن فرعه لجنى ،فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر . فتقولوا : هذا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه ، وبين المرء وبين أخيه ، وبين المرء وبين زوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عند ذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ، فأنزل الله عز وجل في النفر الذين كانوا معه ، ويصفون له القول في رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله : { الذين جعلوا القرآن عضين } أي أصنافا { فوربك لنسألنهم أجمعين } أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس ، قال : وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .
يا أيها الآخر ،،،،، لو طالعت التاريخ الصادق غير المحرف أو المزعوم ، لتأكدت من أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من بين البشر الذي دونت سيرته كلها ، بكل تفاصيلها ، دونما تحريف أو تغيير أو سهو أو إغفال ،،،، ومع ذلك كله ،،، لم توجد في كل هذا العمر المبارك ، الذي امتد ثلاثة وستين عاما أية غلطة أو سقطة أو مثلبة أو نقيصة ، بل على العكس والنقيض من ذلك تماما بتمام ، فكلها صدق وأمانة وعفة ونبل وشهامة وقوة وشجاعة ومروءة وفتوة وإحسان ووفاء ورحمة وفصاحة وبلاغة وبركة ،،،، وكل ما يندرج تحت عنوان مكارم الأخلاق .
أتدري لماذا ؟
لأنه صفوة الخلق ، ورسول الله الخاتم ، ورحمته المهداة للعالمين . هي حقائق موثقة سجلها التاريخ الصادق ، عليك بمطالعتها بفكر سليم عاقل ، خال من الشوائب ، ثم احكم .
يا أيها الآخر ،،،،،، هاك مثال في الأمانة ،،،، وهو خلق عظيم من مكارم الأخلاق ،،، جدير بالالتفات إليه ، والتوقف إزاءه بكل حاسة وجارحة ،، يوم أن أزمع الهجرة من مكة المكرمة ،، من بعد أن وصل مع قريش إلى الطريق المسدودة ، خلف عليا بن أبي طالب في مكة . أتدري لماذا ؟
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
اقرأها مرة أخرى . . . ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
نعم ،،، ودائع القرشيين كانت عنده ، مع كل هذه الخصومة والمخالفة في العقيدة ،،،،، عادوه إلى الحد الذي أزمع معه الخروج من بين ظهرانيهم ، هجرة إلى بلد آخر ،،، ومع ذلك ،، ما وجدو
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على آخر الأنبياء والمرساين ، المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا ونبينا محمد ، وعلي آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان علي ملته وسنته إلي يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين .
وبعـــــــد
ففي أطروحتنا هذه نخاطب غير المسلمين ،، ممن لايعرفون عن الإسلام ولا رسول الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم إلا ما تلقوه علي أيدي بني جلدتهم ، فاختلط أمامهم الحابل بالنابل ، ما بين ضال فاجر ، يذيع أضاليله جهرا بتعصب مقيت . وما بين كاره جاحد ، ينفث سمومه نفثا لطيفا ، فيغلف باطله وأضاليله بغلالة رقيقة من الحق ، يتواري خلفها متظاهرا بالإنصاف ،
وهذا الصنف أخطر من سابقه كثيرا ، لأنه يضع السم في العسل ، ويمزج بينهما مزجا دقيقا ، فلا يفطن لمكره وخبث فعله إلا قليلون ، ثم هناك صنف ثالث يكتب عن الإسلام ورسول الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فيجمع بين الغث والسمين ، والرخيص والثمين ، وكأنه حاطب ليل ،
وهذا الصنف أيضا لا تخلو سريرته من كراهية للإسلام دفينة . وإذن،، فإن التعريف بالإسلام وبنبي الإسلام صلي الله عليه وسلم بهذه الألسن والأقلام من غير المسلمين ، ما كان ــ ولن يكون ــ صحيحا أبدا ،، وإن شئت فقل إنما هو في ظاهره وفحواه تشويه لحقيقة الإسلام ونبي الإسلام صلي الله عليه وسلم ، بهدف بذرالكراهية في صدور المتلقين وقلوبهم ، فضلا عن عقولهم وألبابهم . ومن هنا تكون الإساءة إلي الإسلام ، وإلي نبي الإسلام نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بصورها المتنوعة ، وفي أوقاتها المختلفة .
وفي هذا الصدد قال برناردشو متأسفاً : "مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام" .
ومع كل هذا ، فليس من العدل والإنصاف ــ ونحن ندين بدين العدل والإنصاف ــ أن نغض الطرف عن ذكر بعض الألسن والأقلام التي ذهبت تعرف حقيقة الإسلام ونبي الإسلام صلي الله عليه وسلم تعريفا منصفا ، فصدقت ، وحق لها أن نذكرها ونشيد بها . ولايخفانا ــ كما هو ثابت في واقع الحال ــ أن كثيرا من هذا الصنف الأخير قد أسلم عن اقتناع تام ، ويقين لاريب فيه . فهنيئا لهم .
وبناء علي ما سبق ،، فإن الأمر ــ والحال كذلك ــ يفرض علينا نحن المسلمين أن نعرض حقيقة الإسلام وسيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، بلساننا نحن وبأقلامنا نحن ،،،، وعليه ،، فإن وسائل العرض وصور التقديم لهذا الأمر الجليل متنوعة ومتعددة ، يكمل بعضها بعضا . وما سطور أطروحتي بتوفيق الله تعالي إلا بعض منها . ثم إنه في مجمل الأمر وغايته امتثال وتحقيق لقول الله تعالي : { ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل 125
أما الإساءة إلي نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإلي الإسلام ، تلك التي نراها ونسمعها بين الآن والآخر من بعض الضالين والمغضوب عليهم والمشركين والكافرين ،، ممن عميت أبصارهم وعمهت بصائرهم فليست بجديدة ولا حديثة ،،، بل هي قديمة قدم الإسلام نفسه ، منذ أن جهر نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم بأمر ربه سبحانه وتعالى .
بل يمكن القول إن الإساءة في حد ذاتها قد تعدت شخصه صلى الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك ، فتوجهت إلى ذات الله سبحانه وتعالى !!!! اقرأ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ربه تعالى في الحديث القدسي إذ يقول :
" شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني ، أما شتمه إياي فقوله : إن لي ولدا ، وأنا الله الواحد الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ، وأما تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته " .
رواه أحمد والنسائي والبخاري في صحيحه .
ثم إن التاريخ سجل صورا كثيرة من الإساءة إلي نبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم في عصر النبوة مما قام به الكافرون ،، استهزاء وكراهية وعداء ومقاطعة ، حتي وصل الأمر إلى المواجهة بآلات الحرب والقتال .
وإذن فالأمر ليس جديدا ولا حديثا ، بل هو متجدد بين الحين والحين ، ما بقى الخير والشر ، وما بقي الحق والباطل ، وما بقى مؤمن وكافر ، وما بقيت الدنيا ،
وإذ تخرج المخلوقات الضالة رؤوسها من الجحور، وتنفث سمومها من الصدور ، بين الحين والحين ،، فتتجدد الإساءة .
لذلك ،، فإن الخطاب في هذا الصدد ينبغي أن يوجه إلى شقين :
أما الشق الأول ، فهو موجه إلى إخواننا المؤمنين ، الذين يدينون بلا إله إلا الله محمد رسول الله في كل بقاع الأرض .
لعلها فرصة سانحة يقيضها ربنا تبارك وتعالى لنا بهذه الصورة وعلى هذا النحو .
ولعلها فرصة عظيمة يجب توظيفها توظيفا صحيحا للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وسنته الشريفة ، باعتباره صاحب الرسالة الخاتم للناس أجمعين .
ولعلها فرصة مواتية لتحقيق ذلك قولا وفعلا في إطار شريعته وسنته صلوات الله وسلامه عليه . ولعلها فرصة أتيحت لتصحيح مسارنا نحو تربية أولادنا وتعليمهم الدروس والعبر من مثل هذه الهجمات ــ إذ أن أسبابها منا ومنهم ــ ثم علاجها منا بنهج محكم مثمر .
فأسبابها منا ، لا تخرج عن تقصيرنا في تطبيق شريعتنا إفراطا وتفريطا ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وأسبابها منهم ، لا تخرج عن كفرهم وضلالهم ،، مع تقدمهم وتأخرنا ، وهجومهم ضلالا و غرورا وغطرسة ، ودفاعنا تأخرا وخورا وعجزا وخذلانا .
وإنها لحقائق واقعة ، لا محيص عن الاعتراف بها ،، ولابد من علاجها بتصحيحها ، ما دام في جسد كل مسلم روح تسري ونفس يتردد وقلب يخفق .
وقبل أن تهدأ الغضبة الحقة ، وتفتر العزمة ، من بعد أن ثارت الثورات ونظمت التظاهرات والمؤتمرات ، وقوطعت المنتجات ، وأعلنت الاقتراحات ، وظهرت بوادر الاعتذارات ، وغير ذلك مما يأذن به الله ويشاء .
بداية ،، يهمنا أن نقرر أن المسلم الحق في أقرب تعريف له ،، هو ذلك الشخص ، صاحب الفكر السليم والسلوك القويم ، الذي يجسد التوحيد الخالص لله تعالي ، الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه، متبعا شريعته وسنته إيمانا واحتسابا ، عقيدة خالصة لا لبس فيها ، ودعوة مخلصة لله رب العالمين .
وأما الشق الثاني من الخطاب فموجه إلي الآخر ،،،،،، علي أن مواجهته لها أكثر من باب ،،،،،،، فهؤلاء الذين نراهم الآن ،،،،،،، منهم أئمتهم وصناديدهم المضلون الفجرة ، الكافرون الغَدَرَة ،،، ومنهم المضللون المغترون ، المنقادون لأئمتهم وصناديدهم .
وهؤلاء وأولئك ، قلة وكثرة ،، علينا مواجهتهم ، كلا حسب موقعه ،،،،
فأنت حين تناظر صنديدا مضلا ، تأتي له ببيان بليغ وأدلة دامغة ، تدحض به قالته وإضلاله،، وحين تخاطب مضللا منقادا ،، بيانك تجاهه يختلف عن بيانك الأول .
وكلاهما نطلق عليه لفظ الآخر ، وهؤلاء وأولئك باب يمثل أحد وجهي الآخر .
أما الوجه الثاني من الآخر ، فلا يقل أهمية عن سابقه ،
إنهم الناشئة من أولادهم ، الذين يربيهم آباؤهم على كراهيتنا وعداوتنا حقدا وضلالا وإضلالا ، فينفثون في عقولهم السموم ،،،،،
وحينئذ أنت في منافسة عظيمة .
إما أن ينتصر آباؤهم المضلون ، فينجحون في تنشئة أولادهم مثلهم ، وعلى معتقداتهم وقواعدهم وسياساتهم ، وكلها تخالفك وتقاومك وتحاربك ،،،، وإما أن تنجح أنت في أن تغرس فيهم بذورا تدعوهم إلى قبول النظر في فكرك ودراسة معتقدك ، ولو بعين محايدة ،، فإذا سنحت من بعد ذلك سانحة ، فلن تجد تعصبا مقيتا ، أو رفضا تاما ، أو انغلاقا كاملا ، ومن ثم عداءا سافرا ،،، بل قد تبصر الأعين ، وتنجلي السحب ، ويزال الران من على القلوب ، وتكون الهداية من الله رب العالمين ، وما ذلك على الله بعسير .
{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الأنعام 125.
وهي جهود واجبة لا بد لها من تخطيط محكم ، وتنفيذ مخلص ،،، والإمكانات في سبيل ذلك ، على مستوى العالم الإسلامي الكبير كثيرة ومتنوعة ، ولكن يعوزها ترتيب الأولويات ، وتوظيف الإمكانات ، وتحديد المهام ، ثم متابعة النتائج بموضوعية مخلصة هادفة .
إن عرض الفكر الإسلامي ونشره صحيحا في أرض غير مسلمة ، له ضوابطه وأصوله في ظل ظروفه ومتطلباته ، فضلا عن تنظيمه وتنفيذه .
فيا أخي المسلم المؤمن ، أنت أعلم من غيرك بكيفية الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه وشريعته ، والدعوة إليها ، إيمانا ويقينا واحتسابا لوجه الله رب السموات والأراضين .
ابدأ بنفسك ،، فلن يغير الله ما بك حتى تغير ما بها ، ولن تعدم الكيفية ، ولن تضل الطريق ، ابدأ مخلصا نيتك ، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا .
إن الكلام الذي ينبغي توجيهه إليك لا يخفى عليك ،،،، ولا أدق ولا أصدق ولا أبلغ من مصحفك الذي في بيتك ، ارجع إليه ، وكفى به هاديا مرشدا .
وقبل أن يضيق بي المقام ، أبادر فأدعو هذا الآخر ، موجها إليه خطابا موضوعيا هادئا ، يفصل بحق التعريف بنبينا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وبدعوته وسيرته الشريفة ،،
والأمل أن تقرأ من هذا الآخر بعين محايدة ، فإذا كان الأمر حقا – وهو حق لا شك فيه – إلتقينا ، أما إذا كانت الأخرى ، فإن العيب ولا شك مني ، بتقصيري أو بإخفاقي في الإقناع وإظهار الحق المبين .
فيا أيها الآخر ،،،،،،
في البداية ندعوك ، لتجلس إلينا ،، فتستمع إلي قولنا نحن عن أنفسنا ، لا قول غيرنا عنا ، حيث نبين لك من نحن ، وما هي ثوابتنا ، وأين أنت منا ، وكيف ننظر إليك ، وما هو واجبنا تجاهك ، ومتى نلتقي ، ومتي نفترق ، وما هي نتائج ذلك من وجهة نظرنا نحن المسلمين ،،،،
هي دعوة نوجهها إليك ، نخاطب فيها عقلك قبل وجدانك ،،،، فعقلك هو الأولى بالمخاطبة في هذا المقام ،، وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من قراءة عرضنا لتاريخنا الصادق .
فنحن الأولي بالحديث عن أنفسنا ، ونحن الأحق والأجدر بتقديم بعضا من حقائق الإسلام العظيمة .
ثم إن هناك من المعطيات ما نشترك فيها معا ، هى فى حد ذاتها بعض مبررات دعوتك و اللقاء معك ، والجلوس معا على منضدة واحدة ،
هذه المعطيات كثيرة ومتنوعة ،،، منها ،
أننا جميعا أبناء آدم ، وأننا الآن متعاصرون يجمعنا زمان واحد ، باعتبار القرية الدولية الواحدة ،
وأننا جميعا تحكمنا قوانين دولية مشتركة ، باعتبار الأسرة الدولية الواحدة ،
وأننا جميعا ــ آحادا وجماعات ــ نحب الإستزادة لأنفسنا من الخيرات ،
وأننا جميعا نكره أن يسلبنا غيرنا ما نملكه ،
وبهذه الثوابت ــ وكثير غيرها ــ يكون المبرر المنطقي في الجلوس معا لبدء حوار عقلي منطقي هاديء،
فهلم إلي الجلوس معنا علي هذه المنضدة ، لعلنا ــ كما نرجو ونأمل ــ أن نقوم متعانقين متحابين ، ليس بيننا ثمة اختلاف ،
وأما إذا كانت الأخري ــ والتي نكرهها ــ فالأمر لن يزيد عن مجرد اختلاف في وجهات نظر ، يجب أن يغلفه إطار من الإحترام المتبادل بيننا ، والذي لايمنع من التعاون في كثير من المجالات الأخري ،
هلم إلي الجلوس معا ، نشرع في مد جسور التعارف المباشر بيننا علي بصيرة ، بما لذلك من آثار إيجابية عظيمة وهامة للغاية ،
هلم إلي الجلوس معا لنترك لأبنائنا ، وللأجيال التالية من بعدنا أرضا طيبة ، وسماء صافية ، وجوا نقيا ، فينعمون ، ويتنعمون ، ويذكروننا بالثناء الصادق ، والدعاء المخلص ،
هلم إلي الجلوس معا لبذر الخير وغرسه لنا ولأبنائنا من بعدنا قبل فوات الأوان ،
يا أيها الآخر ،،،،،،
سنبدأ لك بالتعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم من خلال التاريخ الصادق المحقق ، الذي لا يختلف عليه اثنان ،
وقبل أن نشرع معك ولك في التعريف بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، يجدر بنا أن نتفق ونؤكد علي بعض الأساسيات العامة ، والهامة ،
• ليكن حوارنا موضوعيا ، لاسبيل فيه إلي الدخول في متاهات الجدل السوفسطائي العقيم ،
• ليكن حوارنا منطقيا ، نبنيه معا علي حجج صحيحة ، وبراهين ساطعة ،
• ليكن حوارنا هادفا ، ينشد الحق والصدق ،
• ليكن حوارنا مدعاة إلي التآلف والتواد ، بدلا من التباغض والشحناء .
• ليكن حوارنا في إطار من الصبر ، بعيدا عن الملل ، فالأمر جلل ، وقد يحتاج إلي لقاءات كثيرة .
فإن كان إسهاب أو تفصيل ، فهو في خدمة الموضوع ومن لوازم عناصره .
فإذا اتفقنا سويا علي ذلك ، بدأنا لك بتمهيد لازم ، يتبعه التفصيل والبسط والشرح ،،،الخ
علي أنني سأترك نهاية هذه الأطروحة مفتوحة ،،،،، بمعني خلوها من فصل ( الخاتمة ) ، إذ الأمر كما قلنا آنفا أمر جلل ، يحتاج إلي لقاءات كثيرة ، وما أطروحتي إلا لبنة في صرح عظيم ، سبقتها لبنات وتتبعها لبنات بمشيئة رب العالمين .
التمهيد
يا أيها الآخر . . .
تقوم حقيقة أمرنا نحن المسلمين علي ثوابت من الحقائق ، أساسها القرآن الكريم ، آخر الكتب السماوية ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نزله ربنا سبحانه وتعالي علي آخر الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، لهداية الخلق أجمعين . ثم إن هناك ثوابت أخري من الحقائق سجلها لنا التاريخ الموثق المحقق الصادق ،
وفي هذا الصدد ، اخترع علماؤنا المسلمون من السلف الصالح علما هاما نافعا ، هو علم ( الجرح والتعديل ) ،
ولن نقع في دائرة المبالغة ، إذا قررنا أن هذا العلم يتفرد به المسلمون ،
وهو علم معروف للقاصي والداني ، لاينكره إلا جاحد ، أو جاهل .
ذهب أوائلنا فيه إلي البحث عن المصداقية في أتم معانيها ، وبخاصة في السنة النبوية ، إذ تسجل أقوال نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته ، الصحيحة ، من حيث السند ، ومن حيث المتن ،
ووضعوا لذلك الشروط الثابتة المحددة ، والمعايير الدقيقة المحكمة ،
وقاسوا عليه ، ووازنوا ، وتحققوا ، وتثبتوا ،
فما وجدوه صحيحا ، ( تحققت فيه سندا ومتنا كل الشروط ) ، صنفوه تحت اسم الصحيح ،
وما وجدوه مفتقرا إلي هذه الشروط ، أو إلي بعضها ، أدرجوه تحت مسميات أخري معلومة ،
وعليه ،، فقد وجدت كتب في الإسلام استند أصحابها إلي هذا العلم ، فطبقوا معاييره بكل دقة وإحكام ، ومن ثم أخرجوا لنا نتاجهم العظيم صحيحا لاشك فيه ،
ومثال ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالي ،
فنتيجة لعبقريته الفذة و لحذقه المدهش ، ودقته الصادقة المخلصة في عمله ، أخرج لنا كتابه الخالد :
( الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسننه وأيامه ) لذا ،،، فنحن حين نستشهد ببعض ما ورد في صحيح البخاري ــ علي سبيل المثال ــ إنما نتمثل بشواهد ، لا يتطرق إليها ثمة شك أو إرتياب في صحتها أوفي مصداقيتها ، سندا ومتنا ،
فقد كفانا هذا الرجل العظيم مؤنة البحث عن المصداقية ، ومشقة البحث والدرس والتمييز بين الصحيح وبين غيره من الأحاديث الأقل منه رتبة .
ولم يكن الإمام البخاري وحده في ذلك ، بل جاء من بعده من قلده في هذا السبيل ، وسلك مسلكه ، ومن ثم أخرج لنا نتاجه وتراثه ،
ثم إننا من بعد ذلك معشر المسلمين ، علي وجه العموم ، حين ننظر في أي جانب من جوانب السيرة النبوية ، وبناء علي معايير علم ( الجرح والتعديل ) فضلا عن تخريج كتب الصحاح لهذا الجانب ، نتبين بكل يسر وسهولة ما في هذا الأمر من صح أو خطأ أو غلط ،
إن الثوابت والرواسخ التي سجلها لنا التاريخ الموثق ، وحفظها لنا السلف الصالح ، كلها صحيحة ومحققة ، لاشبهة فيها ، ولاريب في مصداقيتها ،
وهذا الأمر ليس من قبيل التشدق بمصفوف الكلام ، ونافلة القول ، وترصيع البيان ،
هذا الأمر ، يمثل حقيقة أساسية ، صادقة ، مثل مصداقية الأرقام ، تماما بتمام ،
وعليه ، ، ،
فما سنطرحه من قول أو دليل أو برهان ، من هذه الصحاح، علي سبيل الإستشهاد به ، لن يتعدي الصدق قيد أنملة ،
لآننا نأخذه من تاريخ موثق محقق صادق صحيـــــــــــــــــح ،
هذه واحدة ،،،
أما الثانية ،،
فيجدر بنا أن نقدم لك أيها الآخر ، قبل كل شيء ، الأدلة الدامغة والبراهين الساطعة علي صدق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
فإذا تحقق لك صدقه ، ومصداقيته ، قبلت قوله الصادق ، وبحثت في أمره من باب قبول أمره ، و الأخذ عنه ، والتأسي به ، لا من باب رفضه ، أو إنكاره ، أو الرد عليه .
وإذن ،،،،،
فأنت في سبيل خطوات متوالية علي طريق واضحة ،
تتحقق من صحة السيرة النبوية ، ومصداقيتها ، علميا ،
ثم تتحقق من وقوع الحدث في السيرة النبوية ، تاريخيا ،
ثم تنظر في قول هذا النبي الصادق صلي الله عليه وسلم ، أو فعله أو تقريره ،
وهنا ، ، ،
يمكنك أن تقارن ، بين ما عرفته منا حديثا ، وبين ما تراكم عندك من قديم ،
اقرأ أولا التاريخ الصحيح غير المزيف ، وانظر فيه بقلب سليم وفكر عاقل ،
وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من قراءة تاريخنا الصادق المحقق الموثق .
الموضوع
والآن ،،،،، وقد انتهينا من التمهيد ، يمكننا أن ندخل في صلب موضوعنا الذي اخترنا له عنوان ( هذا هو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،، يا أيها الآخر ) ،،
نقول هدانا الله وإياك :
السلام عليكم ،
وهو كما تري تحية القدوم ، نطرحها عليك ،
وهي ـ، إن كنت لا تعلم ــ دعوة الإسلام وتحية المسلمين ،
ثم نقول :
بسم الله الرحمن الرحيم ،
وهو استفتاح خطابنا إليك ، بل و استفتاح كل أعمالنا وأقوالنا ،،
وهي ــ إن كنت لاتعلم ـــ لها دلالات ومنافع كثيرة لاحصر لها ، و قد يخرجنا البحث فيها عن صلب موضوعنا ،
علي أنها بداية هامة ، حثنا نبينا محمد صلي الله عليه وسلم علي الإستفتاح بها في كل أمورنا
ثم نقول :
الحمد لله رب العالمين ،
وهي كما تري جملة من القول ، تحقق أمرين اثنين ،
الأول :
الإعتراف بربوبية الله تعالي لكل العالمين ، كل المخلوقات ، ما علمنا منها ، وما لم نعلم ، وماهو بها أعلم .
الثاني :
تقديم الحمد الذي يشتمل علي معني الشكر لله تعالي ، علي كل النعم التي خلقها لنا لننعم بها في كل أحوالنا علي وجه العموم ، وهي أكثر من أن تحصي أو تعد ،
والحمد ــ فضلا عن ذلك ــ استجلاب المزيد من هذه النعم ،
فكلما شكرت المنعم ، ازداد تفضلا عليك بالمزيد من نعمه وآلائه . .
ثم نقول :
اللهم صل علي سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،
وهو قول ، وإن لم يكن الآن ذا محل أو دلالة عندك ،
فهو أمر ذو بال ، وأهمية ، ودلالات جليلة عندنا نحن المسلمين ، بما ستراه لاحقا إن شاء الله تعالي .
ثم نقول :
وبعد ،
وهي كلمة نفصل بها بين الإستهلال ، وبين الدخول في موضوع الخطاب ،
وهي كلمة عربية صرفة ، يندر أن توجد في لغة أخري من لغات البشر في دنيا الناس أجمعين .
ثم نقول :
يا ايها الآخر،،،،
هذا هو الخطاب الأول إليك ، سيتبعه خطابات أخري بمشيئة الله تعالي
وفيه ،،
نبدأ بالبحث في سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ،
ونبحث في التاريخ الموثق المحقق عن أصله و نشأته وحياته ، قبل أن يخبرنا أنه نبي مرسل من عند الله رب العالمين ،
نسبه وأصله ونشأته
وهذه النقطة ، وإن كانت ليست محل إنكار من أحد ، لصحة وقوعها تاريخيا ، إلا أنها هامة ولازمة للتعريف به صلي الله عليه وسلم ،
ولذلك ، وبناء علي ثوابت التاريخ الصحيح ، فهي تحتاج إلي بسط وسرد كثير من الوقائع والأحداث .
وهنا يجدر بنا أن نعلمك بنسبه الكريم ،،،،،، فهو :
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، هذا هو نسبه صلي الله عليه وسلم ، وأمه هي السيدة كريمة الحسب والنسب : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ، وفي حكيم هذا يجتمع نسب أبيه مع نسب أمه ، [ وافهم تغنم ]
لقد كان محمد صلي الله عليه وسلم شريفا حسيبا نسيبا ، فحق له إذن الإعتزاز والفخار ، كل الإعتزاز وكل الفخار ،
فهو عربي قرشي هاشمي ،
وإن شئت ،، قلت هو هاشمي قرشي عربي ،
عربي : ينتهي نسبه إلي عدنان من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام
وقرشي : من قبيلة قريش من نسل عدنان ، التي سكنت مكة المكرمة ، التي يتوسط موقعها بين اليمن في الجنوب ، والشام في الشمال .
وقد ثبت حديثا أن مكة المكرمة هي مركز الكرة الأرضية .
وقريش هي القبيلة التي حازت سدانة الكعبة ، تراث أبي الأنبياء ابراهيم عليه السلام ، قبلة كل القبائل العربية جميعا ،
وهي القبيلة التي صار موطنها ( مكة المكرمة ) ، مركز الحياة الإقتصادية في الجاهلية ، في شبه الجزيرة العربية .
وهي القبيلة التي توسعت في تجاراتها نحو الشمال والجنوب ، بل والمشرق والمغرب في رحلتي الشتاء والصيف ، فحازت العلاقات الوطيدة مع كثير من أفراد ورؤساء القبائل والحكام والأمراء في تلك البلاد والأماكن ،
وهي القبيلة التي صارت لغتها ( العربية ) ، اللغة الفصحي ( المصفاة ) المشتركة بين جميع القبائل العربية ،
وقد سماها بعض علمائنا المعاصرين باسم ( اللغة الموحدة ) .
وهي أيضا القبيلة التي صار موطنها مركزا للحياة الأدبية :
[ سوق عكاظ ، في ضواحي مكة المكرمة ، حيث تجتمع فيها القبائل سنويا مدة عشرين يوما ، من هلال ذي القعدة إلي العشرين منه ، ويأتي إليها الشعراء بالجيد من أشعارهم ، ويأتي الخطباء بالبليغ من الخطب ، ويتناظرون ويتبارون ويتنافسون ويتحاكمون في ذلك إلي حكم حكيم ، مرضي بحكمه وتقريره ، فيفاضل بين المتنافسين ،،
ومن هنا تنتشر أجود البضائع الأدبية المنطوقة شعرا ونثرا .
هذا فضلا عن تبادل السلع العينية الأخري .
ثم ينتقلون من بعد سوق عكاظ إلي أخري مشابهة لها ، هي سوق مجنة في ( العشر الأواخر من ذي القعدة ،
ثم يجتمعون في سوق ذي المجاز في يوم تروية الحجيج ( الثامن من ذي الحجة ) .
وفي المجنة وذي المجاز يتم المتنافسون من الشعراء والخطباء ما فاتهم في عكاظ .]
و قريش هي القبيلة التي قلت عداواتها مع غيرها من القبائل العربية إلي أبعد الحدود نتيجة لكل العوامل السابقة ، ،
بل يمكن القول إنها كانت علاقات حميمة طيبة تعدت المنافع إلي الصداقات .
هذه هي قبيلة قريش التي توالدت منها عشرة بطون من بينها بنو عبد مناف ، تلك التي كان من فروعها، بل ذؤابتها بنو هاشم ، رهط نبينا محمد صلي الله عليه وسلم .
وإذن فنبينا محمد صلي الله عليه وسلم ذو أصل عال منيف ، لايتطرق معه ثمة شك في إحساسه بصغار أو افتقاده لمزية النسب الرفيع ،
فلو كان مجهول الهوية أو وضيع النسب ، لكان هذا مبررا للقذف فيه من الضالين الشانئين ، باعتباره نقصا يحارب من أجل محوه ، أو إخفائه ،
سجل التاريخ الصادق المحقق الموثق أن نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ولد يتيما ( لم ير أباه ) ، وكان ذلك في عام سمي عام الفيل ، نسبة إلي الفيلة التي اصطحبها أبرهة الأشرم معه ليغزو مكة ، بهدف هدم الكعبة ، وصرف الناس عن الحج إليها ، وقد فشلت هذه الغزوة تماما بإرادة الله تعالي ، دون جهد قرشي يذكر ،،،،، فمن ذا الذى يكفل اليتيم ؟ كفله جده عبد المطلب ، شيخ بني هاشم آنذاك ، وأحد عظماء ووجهاء قريش جميعها ، واستمرت تلك الكفالة طيلة ثماني سنين ،
وفي هذه الفترة وقعت لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم أحداث كثيرة ، يلزم أن نشير إلي بعضها بإيجاز ،،
بعدما ولد ، أرسلت به أسرته إلي البادية ليسترضع فيها ، كعادة أهل الحواضر في ذلك العهد ، ،،،،
ففي البادية الجو الصحي الصافي النقي ، واللغة العربية الخالصة ، بينما تفتقر إليها الحواضر علي وجه العموم ،،، وهي أمور كانت هامة ومطلوبة للولدان الصغار آنذاك ،
وكانت مرضعته هي السيدة حليمة السعدية ، من بني سعد ، إحدي القبائل التي تقطن البادية ( فى خارج مكة ) والتي تشتهر بنقاء لسانها العربي الفصيح ،
بعدما أتم مرحلة البادية ، ورجع إلي أسرته في ربوع مكة المكرمة ، حيث كفالة جده عبد المطلب ،، أخذته أمه السيدة آمنة إلي يثرب حيث قبر أبيه (عبد الله ) ،
وفي أثناء رجوعها به إلي مكة ، ماتت في الأبواء ( بين يثرب ومكة ) ، وقد كان عمره آنئذ ست سنوات ، فصار من يومها يتيم الأب والأم .
وما لبث جده عبد المطلب من بعد ذلك أن مات ، حيث كان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ابن ثمان ،
وهكذا تنقلت به الأحوال ، حتي وصل إلي كفالة عمه أبي طالب بن عبد المطلب ،، التاجر ، متوسط الحال ، كثير العيال ،،، فكان هذا اليتيم مصدر بركة عظيمة واضحة ، حلت ببيت أبي طالب
ولم يكن ليتمه في طفولته شأن يذكر بصدد تكوين عقدة نفسية بشكل أو بآخر ، فلقد كان أكرم يتيم ، تحوطه عناية أهله وذويه ، ممن يحتلون السيادة والوجاهة في قبيلة قريش ذات السيادة والوجاهة علي مستوي قبائل العرب قاطبة .
ورعي نبينا محمد صلي الله عليه وسلم الغنم ، وهو أمر ذو شأن كبير في تكوين الشخصية بدنيا ونفسيا ،
( يؤكد مؤرخو السير علي أنه ما من نبي إلا ورعي الغنم ) ،
فراعي الغنم يتعامل طيلة وقته مع حيوانات عجماوات ، تفتقر إلي الرعاية الرشيدة ، بما فيها من صبر ورحمة وشجاعة وقوة وتحمل مشاق كثيرة ، إلي جانب الإنفراد الشخصي بالنفس معظم الوقت ، وما في ذلك من متسع زمني ومكاني للتأمل ، والسمو الروحي الذي قلما يتهيأ بذات النسبة عند غير راعى الغنم ،
وفي رحلة تجارية إلي الشام اصطحب أبو طالب ابن أخيه نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم معه ،، وهناك رآه أحد الرهبان الذين انقطعوا للعبادة ، ممن قرءوا ودرسوا الكتب ، وما فيها من نبوءات صادقة ، فتفرس فيه ، واستفسر عن أحواله ، وتنبأ له بعظم شأنه ، وأوصي أبا طالب بالمزيد من المحافظة عليه ، وبخاصة من اليهود ،
وشارك نبينا محمد صلي الله عليه وسلم قومه في قتالهم في حرب الفجار ،، وهو غلام يافع ، حمية للحق ، وردا للبغي والظلم ،
وحضر نبينا محمد صلي الله عليه وسلم حلف الفضول ( الثاني ) وشارك فيه ، ومدحه فيما بعد ذلك ، لما تضمنه من نصرة المظلوم ، والتعاون في سبيل الحق والخير ،
امتنع نبينا محمد صلي الله عليه وسلم تماما عن مقارفة الرذائل ، وكره عبادة التماثيل والأصنام ، وارتكاب الفواحش ، ومن أهمها الزنا وشرب الخمر ومجالس اللهو،، وما أشبه ،، وكلها أمور كانت شائعة في مجتمع هذا العصر ، بين كثير من الناس ، دون غضاضة أو تثريب أو مؤاخذة ، مما يؤصل لدينا ويؤكد لنا علي فكرة هامة ، ألا وهي رعاية الله تعالي له ، وتربيته علي عينه ، طاهرا نقيا تمام الطهارة والنقاء ، بعيدا عن أدران الذنوب ، ونجاسات الآثام ، مما يحسب له صلي الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق ، التي أعلن يوما أنه إنما بعث ليتممها ، وأنه قد أدبه ربه فأحسن تأديبه ،
صادق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وصافي كثيرين ممن اشتهروا بالشيم النبيلة والأخلاق الحسنة والسمعة الطيبة .
وكأن الأمر لا يخرج عن مصداق القول المأثور ( الطيور علي أشكالها تقع ) إذ لاشك في تأثير الصديق في صديقه ، وتأثره به ، حتي ليصير كلاهما وجها للآخر ، وإنما يعرف الخل من خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل .
أطلق المكيون علي نبينا محمد صلي الله عليه وسلم لقب الصادق الأمين لما اشتهر به بينهم من مكارم الأخلاق .
والصدق والأمانة عليها مدار الأمر كله في دنيا الناس ، إذ ليس من نتاجهما ثمة شر أو ضر مطلقا ، بل هما بوتقة كل خير ، وأس كل فضيلة ، وإنهما لشيمتان ساميتان لا تطلقان علي غير فاقدهما مطلقا ،
أما وقد لقب بهما نبينا محمد صلي الله عليه وسلم منذ صغره ، وبين قريش جميعا ، فقد حازهما تماما ،،،،،، ثم إنه لم يفقدهما مطلقا طيلة حياته ،
وهو أمر في غاية الأهمية ، حين النظر إلي أقواله وأفعاله وتقريراته ، وبخاصة حين يعلن أنه نبي مرسل من رب العالمين ،
لما اختلفت بطون قريش في وضع الحجر الأسود في مكانه ( في أثناء إعادة بناء الكعبة ) باعتباره شرفا عظيما خالدا لمن يقوم به ، ووصل الأمر إلي ذروة الإختلاف ،،
اقترح بعضهم أن يحتكموا إلي أول من يدخل عليهم ، وكان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم هو ذاك ،،،
لم يكتفوا باعلان الرضا به ، والإمتثال لحكمه بحسب اتفاقهم ،
بل إنهم أعلنوا فرحهم واكتمال قناعتهم برأيه الصائب وحكمه العادل ، فنفذوه طواعية عن اقتناع تام ، دون مجرد التفكير من أحدهم ـــ علي كثرتهم ، وعظم الأمر ــ في إبداء رفض أو استدراك أو تعديل .
ولم يكن كل هذا إلا لإجماعهم علي أنه حقا ( الصادق الأمين ) ،
لما ذاعت شهرته بلقب الصادق الأمين ، طمحت إليه عيون أصحاب الأموال ،،،، ومن المعلوم أن رأس المال جبان ، يبحث دوما عن الأمن والأمان ، قبل تحقيق المكاسب والمنافع ،
وهل هناك أعظم من الصدق والأمانة ملاذا وسياجا مباركا للأموال في نظر التجار ؟
لذلك أوكلت إليه السيدة خديجة القرشية ــ إحدي صواحب الأموال والتجارة في قريش ـ مهمة التجارة بمالها في رحلة صيفية إلي الشمال ، حيث سوق بصري آنذاك ، فكانت رحلة موفقة مباركة ، دونتها كتب السيرة النبوية الموثقة ، وسجلت فيها وقائع كريمة ، كانت بمثابة مقدمة ميمونة مباركة لزواج ميمون مبارك ، الزوج هو نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، والزوجة هي السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها .
أثمر هذا الزواج الميمون المبارك ولدين وأربع بنات ،،، لم يتطلع نبينا محمد صلي الله عليه وسلم في خلال هذه الفترة كلها ( حوالي ربع قرن من الزمان ) ــ والتي حازت مدة شبابه وكهولته ــ إلي الزواج من غيرها ،، علي غير عادة معاصريه آنئذ ، إذ كان غيره يجمع بين الإثنتين والثلاث ، ووصل أمر بعضهم إلي الجمع بين عشر زوجات ،
وهو أمر لاينبغي لنا مطلقا إلا التوقف عنده ، واللبث خلاله ، والنظر فيه ،
فقد تزوج نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية القرشية رضي الله عنها وأرضاها ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ومكثت زوجة له بمفردها إلي أن انتقلت إلي جوار ربها ، وقد تجاوز الخمسين من عمره الشريف ، لم يتزوج عليها ، ولم يفكر في ذلك البتة ، بل كان هو نعم الزوج لها ، كما كانت هي نعم الزوج له ، لقد فرغ نبينا محمد صلي الله عليه وسلم في خلال زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها من كل شبه آثارالشبيبة الجنسية ، والتي يزعم البعض تخرصا وضلالا تأثيرها عليه حين تعددت زيجاته من بعد هجرته إلي المدينة المنورة ، مع أنه قد تخطي الخمسين من عمره الشريف !!!! لقد تجاوز نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بموت السيدة خديجة فترة الشباب ، التي هي مظنة الباه وظرف الأوار الجنسي في عمر الرجال ،
ومع ذلك لم يسلم نبينا محمد صلي الله عليه وسلم من هذا الإفتراء الجهول الخبيث ، علي غير ما يقتضيه المنطق الصحيح غير المعوج ، أويقبله اللب السليم العاقل غير الغافل ، فضلا عن مخالفته الصريحة لتاريخه المثالي المعتدل من قبل ، مما يؤكد فيهم علي محض الكراهية ، وتغلغل الحقد ، وعمق الضلال ، والبعد عن الصدق والواقعية ، وعدم البحث بأعين بصيرة ، وأفهام واعية في الأسباب والظروف التي اتفقت لذلك ، ألا ساء ما يفترون ،،
يا أيها الآخر،،،،،،،،،،
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم :
" ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن " . النحل 125
وإذن فهو أمر إلهي منه سبحانه وتعالي ، اشتمل علي كيفية تنفيذه ، ،
وعليه ،،
فامتثالا للأمر الإلهي ، وفي إطار ما بينه لنا من وسيلة إلي ذلك ، ندعوك أيها الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة ،،
دعنا نسرد بعضا من سيرة نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن ولد إلى أن لحق بربه تعالي في وقفات تأمل وتدبر ،، لعلها تنير لك الطريق .
يا أيها الآخر ،،،،،، ما بالك بإنسان تسمع عنه أن لقبه الصادق الأمين ،، لقبه به معاصروه كبيرا وصغيرا ؟ أليس ذلك مما يلفت النظر ويستوقف الفكر ؟ نعم ،،، كان لقبه الصادق الأمين .
الصدق والأمانة ،، كلاهما مزية عظيمة ،، عليها مدار الخلق السوي والسلوك المثالي في دنيا الناس ، فمن اشتهر بهما كان ولا بد محلا للاحترام والتوقير والمشورة والاقتداء ، ولم لا ،، والصدق والأمانة خصلتان ومزيتان لا يأتي منهما إلا الخير والفضل ؟
قال ابن الجوزي رحمه الله : وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: { فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر } الحجر 94 فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } الشعراء 214، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ،، فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد ، فاجتمعوا إليه ،،،،
فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام ، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ } إلى آخر السورة..
يا أيها الآخر ،،،،،، يذكر التاريخ أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهر بدعوته بأمر من الله تعالى وعادته قريش ،، جاءه وافدهم ،،،،
هذا الوافد عرض عليه عروضا متعددة متنوعة ،،، لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل منها شيئا ، لكانت دعوته إلى الله تعالي محل نظر ، وربما تحول القول له عند البعض إلى مظنة القول عليه .
هل تدري ماذا كانت العروض ؟
[ لو كان هذا الذي يأتيك رئيٌ ، أتينا لك بأعظم الأطباء لتشفى ] [ لو كنت تريد من النساء شيئا ، زوجناك من تختار من أحسن فتياتنا وبناتنا ، بما في ذلك من جمال وشرف ونسب ]
[ لو كنت تريد مالا ، جمعنا لك من أموالنا ما تصير به أغنى رجل في مكة ]
فإذا تركنا النظر في العروض السابقة ، فعلينا الاهتمام بهذا العرض الأهم ،،،،،،، إذ قال وافد قريش : [ لو كنت تريد ملكا ،،، ملكناك علينا ] .
يا الله . . .
هل هناك أسخى من هذا العرض ؟ لا .
علما بأن قريش في مكة آنذاك ، لها السيادة على قبائل العرب جميعا ، بحكم خدمتهم لبيت الله الحرام ،، الذي يقدسه العرب من كل القبائل ، وبحكم تجاراتهم الواسعة مختلفة الجهات إلى الشمال والجنوب ، لاسيما رحلتي الشتاء والصيف ، وأيضا بحكم علاقاتهم المتعددة والمتنوعة مع كل جيرانهم من أفراد وقبائل وشعوب ودول .
ومع ذلك ،،،
[ لو كنت تريد ملكا ،،، ملكناك علينا ] .
هي مساومة ،، ما أغلاها وما أثمنها لو قبلها نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي مساومة ،، ما أغلاها وما أثمنها لو ترك ما يدعو إليه وملك قريشا .
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .
الحقيقة أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بدعوته بأمر ربه تعالي ،، لا ليملك أو ليترأس كما ظن أبو الوليد ، أو كما يظن من هو على شاكلته .
وهل هناك أكثر أو أعظم أو أسخى مما عُرض عليه ؟ نعم .
إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
لذا . . . لم يقاطعه نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من مقالته وعروضه، ثم سأله ، أوقد فرغت ؟ فلما قال : نعم ، قال له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : إذن فاسمع ،،،، وتلا قرآن ربه .
لا يفوتنا أن نركز القول في أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حينئذ في هذا اليوم كان في الأربعينيات من عمره الشريف ، وهي سن ،،، قصارى الآمال فيها أن يكون أخا لملك ، أو صهرا له أو حتى نديما له ، أما وقد عرض عليه الملك ذاته ، فهذا شيء لا يجدر إغفاله أو تركه أو عدم النظر فيه
رفض الملك على قريش ـــ أهل مكة ــ ، ليكون عبدا لله ورسوله الخاتم .
هذا هو نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بر بقسمه الذي أقسمه لعمه أبي طالب ذات يوم : { والله ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ، ما تركته ، حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه } .
وما قيمة الشمس والقمر بجانب الرسالة ؟
بل وما قيمة السموات والأرض بما فيهن بجانب الرسالة ؟
إنها الحقيقة التي هي أعمق من ذلك بكثير . إنها الرسالة . . . رسالة الإسلام .
أخرج أبو نعيم من طريق العوفي ، عن ابن عباس ، قال : أقبل الوليد بن المغيرة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه يسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش ، فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا سحر ، ولا بهُذاء مثل الجنون ، وان قوله لمن كلام الله .
وأخرج ابن إسحاق والبيهقي من طريق عكرمة ، و سعيد عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش ، وكان ذا سن وشرف فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قول بعضكم بعضا ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقوم به ، فقال : بل أنتم ، فقولوا لأسمع . فقالوا : نقول كاهن . فقال : ما هو بكاهن ، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره . فقالوا : نقول : مجنون . فقال : وما هو بمجنون ، ولقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قالوا : فنقول: شاعر . قال : فما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر . قالوا : فنقول : ساحر. قال : فما هو ساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده . فقالوا : ما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله ،، إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لمعذق ، وإن فرعه لجنى ،فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا : ساحر . فتقولوا : هذا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه ، وبين المرء وبين أخيه ، وبين المرء وبين زوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عند ذلك ، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ، فأنزل الله عز وجل في النفر الذين كانوا معه ، ويصفون له القول في رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله : { الذين جعلوا القرآن عضين } أي أصنافا { فوربك لنسألنهم أجمعين } أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس ، قال : وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .
يا أيها الآخر ،،،،، لو طالعت التاريخ الصادق غير المحرف أو المزعوم ، لتأكدت من أن نبينا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من بين البشر الذي دونت سيرته كلها ، بكل تفاصيلها ، دونما تحريف أو تغيير أو سهو أو إغفال ،،،، ومع ذلك كله ،،، لم توجد في كل هذا العمر المبارك ، الذي امتد ثلاثة وستين عاما أية غلطة أو سقطة أو مثلبة أو نقيصة ، بل على العكس والنقيض من ذلك تماما بتمام ، فكلها صدق وأمانة وعفة ونبل وشهامة وقوة وشجاعة ومروءة وفتوة وإحسان ووفاء ورحمة وفصاحة وبلاغة وبركة ،،،، وكل ما يندرج تحت عنوان مكارم الأخلاق .
أتدري لماذا ؟
لأنه صفوة الخلق ، ورسول الله الخاتم ، ورحمته المهداة للعالمين . هي حقائق موثقة سجلها التاريخ الصادق ، عليك بمطالعتها بفكر سليم عاقل ، خال من الشوائب ، ثم احكم .
يا أيها الآخر ،،،،،، هاك مثال في الأمانة ،،،، وهو خلق عظيم من مكارم الأخلاق ،،، جدير بالالتفات إليه ، والتوقف إزاءه بكل حاسة وجارحة ،، يوم أن أزمع الهجرة من مكة المكرمة ،، من بعد أن وصل مع قريش إلى الطريق المسدودة ، خلف عليا بن أبي طالب في مكة . أتدري لماذا ؟
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
اقرأها مرة أخرى . . . ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
نعم ،،، ودائع القرشيين كانت عنده ، مع كل هذه الخصومة والمخالفة في العقيدة ،،،،، عادوه إلى الحد الذي أزمع معه الخروج من بين ظهرانيهم ، هجرة إلى بلد آخر ،،، ومع ذلك ،، ما وجدو
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر