من معاني الحج
مقال لفضيلة الإمام العلامة علي جمعة بجريدة الأهرام بتاريخ 30/10/2010
يتميز الحج بمعان سامية وحكم شريفة عالية تدعونا للتأمل في أركانه وأفعاله, والنظر في نتائجه وآثاره, وهي في الجملة تطهير الأبدان وتزكية النفوس, فأفعال الحج كلها تربية عملية على الطاعة التامة لله رب العالمين, والإخلاص في العبودية له، والامتثال لأمره, فضلا عن شمولها لكثيرٍ من المعاني التي تسهم في بناء مجتمع إسلامي متكامل, ووحدة عضوية وروحية مترابطة. ومن تلك المعاني العظيمة:
(1) التجرد: فالحج ينأى بالإنسان عن هموم الحياة وتعلقه بها لتصفو نفسه وتسمو روحانيته فيزداد قربا من الله, وأولى خطوات هذا التجرد هي الإحرام, الذي يعني التجرد من كل ما سوى الله, وأسوتنا في هذا التجرد وذلك التعلق ما فعله وقاله أبو الأنبياء إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم:37].
والحاج في هذه الحالة من التجرد لله يتشبه بالملائكة في التجرد المحض للخير, قال الله تعالى فيهم: {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التَّحريم:6] وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: «التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين, والتجرد للشر دون التلافي سجية الشياطين, والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين; فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان, والمتجرد للشر شيطان, والمتلافي للشر بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنسان» (الإحياء 3/105).
وعندما يكون المرء أقرب للملائكة ينبذ الرفث ويهجر الفسوق ويتزود بخير زاد, كما قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197], وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (صحيح البخاري 2/553).
(2) المداومة بعض الوقت على أعمال الآخرة: ومظهر ذلك الذكر والتلبية ,فعندما يتجرد القلب لله يعرف القصد والغاية, فلا يقطعه عنه قاطع, ولا يشغله عنه شاغل, فيلهج لسانه بذكر الله عز وجل ودعائه وتلبيته, فلا نسمع إلا صدى التلبية وأصوات التكبير التي تبين أن هذه الأمة في حقيقتها إنما تكبر الله, وتستصغر كل شيء سواه, وتتحقق بذلك واقعا, فتبتهج الخلائق من حول الحجاج فتشدو أجمل الألحان وأصدقها: «لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك», ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا ومن هاهنا» (الترمذي3/410)، وهذا الذكر يؤدي إلى شحن القلوب وغمرها بفيوض الإيمان, وإلى تقوية الصدور باليقين والتجرد لرب العالمين.
(3) التقاء الأرض بالسماء: ففي ظل هذه الروح العامرة بالذكر تلتقي الأرض بالسماء حين تقع عين المرء على الكعبة المشرفة ويعلم أن الدعاء عندها مطلوب ومستجاب; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله, إن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم» (سنن ابن ماجه 2/966), قال المناوي: «وعند رؤية الكعبة يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها, ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها, فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب, والأول أقرب» (فيض القدير 3/339).
وفي الطواف بالبيت تشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش وأيضا الطائفين حول البيت المعمور في السماء السابعة, وما القصد طواف الجسم, بل طواف القلب بذكر الرب سبحانه. وفي التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم طلب القرب حبا وشوقا للبيت ولرب البيت, وتبركا بالمماسة وبالإلحاح في طلب المغفرة.
وفي السعي بين الصفا والمروة مضاهاة تردد العبد بفناء الملك ذهابا ومجيئا إظهارا للخلوص في الخدمة, ورجاء للملاحظة بعين الرحمة, والتجاء إلى من بيده الضر والمنفعة.
(4) الشعور بالانتماء لأمة مترامية الأطراف مترابطة الأواصر: وذلك يوم وقوف الحجيج جميعا بعرفة في صعيدٍ واحد ووقتٍ واحد, ساعتها يدرك الإنسان أن تكاليف الشرع سهلة المنال; إذ السالكون والوافدون من كل فجٍ عميق, تحقيقا لوعد الله تعالى لخليله إبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27], وفي هذا تذكرة بيوم الحشر واجتماع الأمم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول,وفي ذكر ذلك إلزام القلب الضراعة والابتهال إلي الله عز وجل ورجاء الحشر في زمرة الفائزين, فالموقف مهيب وشريف,والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب النقية. وفي هذا الموقف تتضح لنا قيمة الوحدة والتآلف والتراحم بين أفراد هذه الأمة التي هي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
(5) الفأل الحسن برفع الأذى: حيث نجد الحاج بعد رمي الجمرات والنحر والحلق أو التقصير في راحة نفسية كبيرة, استبشارا بأنه كما أزال عن جسده الدرن والأذى الجسماني, أن يمن الله عليه بالتخلص من درن الذنوب والخطايا والأذى النفساني.
(6) اقتران الشهادتين: ففي الحج أيضا صورة من صور اقتران شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, حين يهفو الحجيج إلى المدينة المنورة شوقًا لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, فهو من دلنا إلى الطريق المستقيم, وأرشدنا إلى ذلك الفضل العظيم, فزيارة المدينة النبوية لها شأن كبير في الدلالة على ارتباط الشهادتين, والاعتراف بالجميل لسيد الخلق وخاتم المرسلين, على ما أسداه إلينا من معروف فكنا بفضل الله من المسلمين. وصدق من قال: فذو العرش محمود وهذا محمد.
مقال لفضيلة الإمام العلامة علي جمعة بجريدة الأهرام بتاريخ 30/10/2010
يتميز الحج بمعان سامية وحكم شريفة عالية تدعونا للتأمل في أركانه وأفعاله, والنظر في نتائجه وآثاره, وهي في الجملة تطهير الأبدان وتزكية النفوس, فأفعال الحج كلها تربية عملية على الطاعة التامة لله رب العالمين, والإخلاص في العبودية له، والامتثال لأمره, فضلا عن شمولها لكثيرٍ من المعاني التي تسهم في بناء مجتمع إسلامي متكامل, ووحدة عضوية وروحية مترابطة. ومن تلك المعاني العظيمة:
(1) التجرد: فالحج ينأى بالإنسان عن هموم الحياة وتعلقه بها لتصفو نفسه وتسمو روحانيته فيزداد قربا من الله, وأولى خطوات هذا التجرد هي الإحرام, الذي يعني التجرد من كل ما سوى الله, وأسوتنا في هذا التجرد وذلك التعلق ما فعله وقاله أبو الأنبياء إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم:37].
والحاج في هذه الحالة من التجرد لله يتشبه بالملائكة في التجرد المحض للخير, قال الله تعالى فيهم: {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التَّحريم:6] وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: «التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقربين, والتجرد للشر دون التلافي سجية الشياطين, والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميين; فالمتجرد للخير ملك مقرب عند الملك الديان, والمتجرد للشر شيطان, والمتلافي للشر بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنسان» (الإحياء 3/105).
وعندما يكون المرء أقرب للملائكة ينبذ الرفث ويهجر الفسوق ويتزود بخير زاد, كما قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197], وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (صحيح البخاري 2/553).
(2) المداومة بعض الوقت على أعمال الآخرة: ومظهر ذلك الذكر والتلبية ,فعندما يتجرد القلب لله يعرف القصد والغاية, فلا يقطعه عنه قاطع, ولا يشغله عنه شاغل, فيلهج لسانه بذكر الله عز وجل ودعائه وتلبيته, فلا نسمع إلا صدى التلبية وأصوات التكبير التي تبين أن هذه الأمة في حقيقتها إنما تكبر الله, وتستصغر كل شيء سواه, وتتحقق بذلك واقعا, فتبتهج الخلائق من حول الحجاج فتشدو أجمل الألحان وأصدقها: «لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك», ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا ومن هاهنا» (الترمذي3/410)، وهذا الذكر يؤدي إلى شحن القلوب وغمرها بفيوض الإيمان, وإلى تقوية الصدور باليقين والتجرد لرب العالمين.
(3) التقاء الأرض بالسماء: ففي ظل هذه الروح العامرة بالذكر تلتقي الأرض بالسماء حين تقع عين المرء على الكعبة المشرفة ويعلم أن الدعاء عندها مطلوب ومستجاب; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله, إن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم» (سنن ابن ماجه 2/966), قال المناوي: «وعند رؤية الكعبة يحتمل أن المراد أول ما يقع بصر القادم إليها عليها, ويحتمل أن المراد ما يشمل دوام مشاهدتها, فما دام إنسان ينظر إليها فباب السماء مفتوح والدعاء مستجاب, والأول أقرب» (فيض القدير 3/339).
وفي الطواف بالبيت تشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش وأيضا الطائفين حول البيت المعمور في السماء السابعة, وما القصد طواف الجسم, بل طواف القلب بذكر الرب سبحانه. وفي التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم طلب القرب حبا وشوقا للبيت ولرب البيت, وتبركا بالمماسة وبالإلحاح في طلب المغفرة.
وفي السعي بين الصفا والمروة مضاهاة تردد العبد بفناء الملك ذهابا ومجيئا إظهارا للخلوص في الخدمة, ورجاء للملاحظة بعين الرحمة, والتجاء إلى من بيده الضر والمنفعة.
(4) الشعور بالانتماء لأمة مترامية الأطراف مترابطة الأواصر: وذلك يوم وقوف الحجيج جميعا بعرفة في صعيدٍ واحد ووقتٍ واحد, ساعتها يدرك الإنسان أن تكاليف الشرع سهلة المنال; إذ السالكون والوافدون من كل فجٍ عميق, تحقيقا لوعد الله تعالى لخليله إبراهيم: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27], وفي هذا تذكرة بيوم الحشر واجتماع الأمم وتحيرهم في ذلك الصعيد الواحد بين الرد والقبول,وفي ذكر ذلك إلزام القلب الضراعة والابتهال إلي الله عز وجل ورجاء الحشر في زمرة الفائزين, فالموقف مهيب وشريف,والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب النقية. وفي هذا الموقف تتضح لنا قيمة الوحدة والتآلف والتراحم بين أفراد هذه الأمة التي هي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
(5) الفأل الحسن برفع الأذى: حيث نجد الحاج بعد رمي الجمرات والنحر والحلق أو التقصير في راحة نفسية كبيرة, استبشارا بأنه كما أزال عن جسده الدرن والأذى الجسماني, أن يمن الله عليه بالتخلص من درن الذنوب والخطايا والأذى النفساني.
(6) اقتران الشهادتين: ففي الحج أيضا صورة من صور اقتران شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, حين يهفو الحجيج إلى المدينة المنورة شوقًا لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, فهو من دلنا إلى الطريق المستقيم, وأرشدنا إلى ذلك الفضل العظيم, فزيارة المدينة النبوية لها شأن كبير في الدلالة على ارتباط الشهادتين, والاعتراف بالجميل لسيد الخلق وخاتم المرسلين, على ما أسداه إلينا من معروف فكنا بفضل الله من المسلمين. وصدق من قال: فذو العرش محمود وهذا محمد.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر