من قبائل الجهاد « قبيلة المغاربة كما تحدث عنها : اتيليو تروتسي »
لم تكن كل تقديراتنا سليمة ففي نفوس المغاربة الذين اعتادوا منذ أحقاب على القتال
والصراع في الصحراء تكمن النية في المقاومة العنيدة لزحفنا أو على الأقل
الاستعداد للأحداث الجديدة التي لا تستسلم لها دون مقاومة ' 1
تعتبر قبيلة ' المغاربة ' إحدى أهم وأكبر قبائل الجهاد .. أشاد بها وبشجاعة رجالها البواسل أغلب قادة إيطاليا الذين أرخو لفترة المقاومة الوطنية التي امتدت لأكثر من عشرين عاما .. والحديث عنها وعن جهادها بالذات يطول ويتشعب .. والمرء مرغم منذ البداية على أن يختصره بالقدر الذي تتسع له هذه الزاوية المحدودة .. من هنا سأكتفي بالإشارة البسيطة إلى ما ذكره بحقها أحد قادة إيطاليا ومؤرخيها .. ممن أعجبوا بها وببسالة رجالها وقوة إرادتهم وهم يواجهون القوات الإيطالية .. بشجاعة نادرة ويمنعونها من بسط سيطرتها على المناطق التي يتواجدون عليها .. حتى في السنوات الأخيرة من الجهاد : ' وهكذا اتضحت حتى في النهاية .. في الشهر الأخير من عام : 1929 الضرورات التالية : 1. فصل قضية المغاربة عن قضية الواحات .
2 .اعتبار العمليات الحربية المتعلقة بهما أعمالا حربية متميزة منفصلة رغم ترابطها .
3. تقديم العمليات ضد المغاربة على العمليات الخاصة باحتلال الواحات ' .................ص : 202
وهـا هـو والي برقة : ' اتيليو تروتسي ' يروي لنا بنفسه حكايته مع قبيلة المغاربة .. التي تحدث عنها في مواضع عدة من كتابه ( برقـة الخضراء ) وخصص لها الفصل السابع بكاملـه تحت عنـوان : إخضاع المغاربة .
والمطالع لكتابه هذا .. لا يسعه إلا أن ينحني إجلال وإكبارا لهذه القبيلة المجاهدة تقديرا لدورها الكبير الذي لعبته أثناء فترة جهادنا البطولي .. هذا الدور الذي أرغم ' تروتسي ' على أن يقول عنها في أواخر سني الجهاد : ' حقا إن المغاربة يمثلون في القطاع الواقع بين اجدابيا والعقيلة ومرادة وجالو أكثر المخاطر إثارة للقلق وأكثر القوى جدارة بالاعتبار .. وتعتبر قبيلتهم أشد قبيلة محاربة في برقة .. ويقال إنهم في تبرمهم بالخضوع بسبب البداوة الفارطة كان من الصعب في كل زمن وفي أي حكم جرهم إلى الطاعة ' ..ص: 201
المجاهدون يملون شروطهم
كانت الحكومة الإيطالية تفضل التهدئة السلمية على المواجهة العسكرية .. كانت كثيرا ما تعرض على زعماء هذه القبيلة .. المبادرة تلو الأخرى تجنبا منها للخيار المسلح .. لكن شروط أولئك الرجال الأفذاذ كانت أكبر مما يحتمل ساسة إيطاليا المستبدون المتغطرسون .
فبعد فشل كل محاولاتها العسكرية ..اضطرت الحكومة الإيطالية إلى إرسال المبعوثين لفتح باب التفاوض مع زعماء هذه القبيلة .. لا لإخضاعها بالكامل بل من أجل إعادة ربط الصلات التجارية على أقل تقدير .. لأنهم وكمــا يقــول :
' لقد تعمدت الإفاضة ، عن الإعداد لهذا الجهد الموجه لقبيلة المغاربة .. تحت الاسم العــام ( مفاوضات ) التي يرفضها الكثيرون رفضا مسبقا وينظرون إليها على أنها إجراء خطير ومضر بالهيبة والكرامة الوطنية '................................................. ص: 145
وتطرق أيضا إلى الحديث ، عن الاتجاه العام الذي تسلكه هذه القبيلة ، وشيخها الكبير صالح الأطيوش .. ردا على محاولة السلطات الإيطالية المتكررة ، للنيل من كرامتها والحد من حريتها .. وأشار بالخصوص إلى أن ممثليها كانوا ' قد سلموا عريضة صيغت فيها مطالبهم واقتراحاتهم بطريقة متعالية وتشف عن التطاول والوقاحة إن لم تكن دليلا واضحا على الجهالة المتعجرفة ' ......................... ص: 158
والآن .. يحسن بنا أن نطالع شروط تلك الوثيقة التي تحدث عنها ' تروتسي ' وقال بأنها أغضبت السلطات الإيطالية .. لما تضمنته بنود متعالية وغير مقبولة .. لم يتردد زعماء الجهاد في إملائها على الإيطاليين بكرامة وشرف ودونما تخاذل أو تهاون :
1. إخطار مسبق لكل من ينوي التوجه إلى مناطقنا قادما إليها من المناطق الخاضعة للحكومة .
2. إيقاف العدوان في برقة بشطريها وفي الجبل .
3. أن لا يسمح بدخول سوق اجدابيا إلا لمن كان مزودا بإذن من أحد الشيوخ المعينين لهذا الغرض من الأهالي المحددين لدي الحكومة .
4. إحضار تجار إلى إجدابيا ببضائع أكثر وفرة .
5. إعفاء الراغبين في المتاجرة من الضرائب الجمركية .
6. يعمل بهذه الشروط لمدة ثلاثة أشهر ، يتم خلالها عقد اجتماع رسمي للتفاهم ، هذه مطالبنا ونطلب ردا مقابلا للاحتفاظ به كوثيقة يدوية حتى سقوط الموعد المحدد ..... ص: 158 - 159
هذه هي الشروط التي أغضبت سلطات الاحتلال .. أغضبتهم لأنها أولا : تعكس القوة المعنوية والعسكرية التي يمثلها الخصم .. ولأنها ثانيا : تمثل حالة الضعف التي يعاني منها المحتل .. إلى الحد الذي أرغمت فيه إلى طلب الصلح والمهادنة حتى في أواخر سني الجهاد .
وإذا علمنا بأن هذه الوثيقة التي عرض من خلالها زعماء الجهاد شروطهم بتعالي وتعجرف كما يقول .. كانت قد قدمت خلال الاجتماع الذي عقد بتاريخ : ( 11 / 07 / 1927 ف ) .. أدركنا مدى خيبة الأمل التي منيت بها إيطاليا بعد صراع مضني وطويل لم تتمكن خلاله من إخضاع هذه المنطقة التي يطالب زعماؤها بإخطارهم مسبقا عن كل قادم إليها من المناطق المحتلة كشرط أول لبدء مفاوضات السلام معهم .
الخوف من المواجهة
لم تكن الحكومة الإيطالية ترغب في مواجهة هذه القبيلة مواجهة مسلحة .. كانت دائما تفضل الجنوح إلى الحل السلمي .. ومن أجل ذلك قدمت العديد من المشاريع السلمية بغية إخضاعها وتهدئتها لتشتيت قواها والقضاء عليها .. وفي هذا يقول المؤلف : ' إن الرغبة في مواجهة قبيلة المغاربة مواجهة مسلحة دون إغفال أية وسيلة سياسية تصلح لتهدئتها .. أو على الأقل تفتيت وتشتيت تشكيلاتها المعادية لنا .. سيؤدي في النهاية إلى إنقاص المجهود الحربي الذي سيكون حتما في أوانه المناسب ' ............................................ص: 142
ويعترف بخطورة المأزق الذي كانت تعانية السلطات الإيطالية .. حيث تواجه حربا جهادية يقودها عمر المختار في الشرق .. وأخرى يقودها صالح الأطيوش زعيم هذه القبيلة في الغرب :
' لم يكن يتوفر لدي في الجبل .. وضع هادئ مطمئن يسمح لي باقتطاع – لمدة غير محددة - نسبة عالية من القوات العاملة فيه والتي هي نفسها بعد عام من العمليات المضنية القاسية غير صالحة للتغلب على الثوار ' .....................................ص: 204
وربمــا كان سبب هذا الخوف ، المترسب في نفوسهم حيال مواجهة هذه القبيلة .. يرجع في أساسه - كما يقــول - إلى عدم قدرتهم على مواجهة رجال هذه القبيلة تارة .. وعدم ملاءمة الظروف ، لتلك المواجهة تارة أخــرى : ' يظل لدى قبيلة المغاربة الاقتناع بأنه .. لن يكون في مقدور القوات الإيطالية مطلقا التغلب على أدوارهم المعروفة بأنها لا تهزم ' ....................................ص: 136
التفكير في المواجهة
وإنه لشرف عظيم لنا ولهذه القبيلة بالذات .. أن يعترف أحد ولاة المستعمرين بأن حكومته كانت ولا تزال في أواخر سني الجهاد .. تفكر وترغب في مهادنة هذه القبيلة التي ما برحت تقاتلهم على مساحات شاسعة .. من خلال أرض شبه صحراوية منبسطة ومكشوفة .. تجعل من السهل على طيران العدو مهمة اكتشاف تشكيلاتها المسلحة واقتناص مقاتليها من الجو قبل مواجهتهم على الأرض .. رغم ذلك كله .. بقيت هذه القبيلة تقض مضاجع المستعمرين وحائلا كما يقول ' تروتسي ' دون توحيد المستعمرتين برقة وطرابلس : ' مواجهة قبيلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين '................................................. ......ص: 201
ومن أجل تحقيق هذا الهدف .. الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال .. يذكر المؤلف أن وزارة الحرب الإيطالية وضعت في اعتبارها وتقديرها منذ سنة ( 1925 ) أمكانية الوصول إلى تحقيق الوحدة الساحلية بين الولايتين الليبيتين ، وصاغت من أجل ذلك خطة عمل تضمنت تقديرا صحيحا لمشكلة الجبل الأخضــر .. وذلك بـتأكيد السيادة الإيطالية ، على الجبل والتهدئة الكاملة لسكانـه .. ومـن ثــم التفــرغ التــام : ' لمواجهة مشكلة المغاربة ' أو كما يقول في موضع آخـر ' حل مشكلة المغاربة '
وذكــر إلى أن إمكانية القيام بمشروع منسق من العمليات ، في المستعمرتين قد أعيد درسهــا من قبل الوزير ' فدرزوني ' دراسة عملية بأكثر مما تم في الماضي .. وأنه تم تحديد الطلب الجديد للدراسة الشاملة .
ولم يكن خطر هذه القبيلة ، يطال المستعمرين في أراضيها التي تمتد من سرت غربا إلى اجدابيا شرقا وحسب .. بل في أماكن أخرى .. وقد أشار في مواضع عدة إلى هجمات المجاهدين المتكررة على الحدود الشرقية لولاية طرابلس .. وهو هنا يذكر امتداد خطرهم إلى الجنوب أيضا فيقول : ' الهدف المراد بلوغه يتكون تقريبا من المواقع النافعة الموجودة على خط عرض ( 29 ) أي سلسلة واحات الجفرة وزلة ومرادة وأوجلة وجالو .. ولكن القفز نحو الجنوب سيؤدي حتما إلى الاصطدام بالمغاربة ' .............................ص: 203
أهداف المواجهة
تماما كما كانت إيطاليا وحتى أواخر سني الجهاد .. عاجزة عن بسط سيطرتها على كامل الجبل الأخضر .. الذي كان مسرحا لعمليات عمر المختار ورفاقه .. كانت أيضا عاجزة عن بسط سيطرتها على الأراضي التي تحت سيطرت صالح الأطيوش ورفاقه من أبناء هذه القبيلة .. وأدركنا أيضا كم كان النصر قريبا .. قريبا جدا .. فقط لو تضافرت كل جهود المخلصين من أبناء الوطن .. لتحقيق هذه الغاية التي لم تكن بعيدة المنال .
وتأكيدا على ذلك .. بتطرق ' تروتسي ' إلى ذكر الأهداف المراد تحقيقها من خلال تلك العمليات التي خطط لها بدقة متناهية .. حيث لخصها في التالي :
1. وصل المستعمرتين برقة وطرابلس والربط الدائم والمباشر بينهما .
2. إبعاد التهديدات المتمثلة في هجمات ثوار ( المغاربة ) على حدود ولاية طرابلس الشرقية.........................ص: 203
ويشير كذلك إلى ما تم بحثه مع وزير المستعمرات بشأن عمليات ما يسمى بخط عرض ( 29 ) :
' لقد بحثت عمليات خط عرض ( 29 ) أكثر من مرة مع الوزير .. وقد تمت على أسس جديدة من الإيضاحات .. صياغة المشروع المؤرخ في : 18 .06 .1927 .. وهو المشروع الذي أكد على حل مشكلة المغاربة أولا .. ثم التقدم بعد ذلك في احتلال الواحات .. وذلك أنه ليس مما يتفق مع الواقع القبول بإمكانية استبعاد المغاربة .. أو عزلهم باحتلال مراده وجالوا وهي أماكن تبعد 200 ك .. عن موطن الإقامة العادية لقبيلة محاربة تتوفر على كامل الفعالية ' ........................ص: 204
ويكرر لمرات ومرات ذكر الهدف ذاته .. والمتمثل في توحيد المستعمرتين ( برقه وطرابلس ) هذا الهدف الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال : ' كان العزم على مواجهة مشكلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين وقد تضمنه برنامج عمل قامت الوزارة بإبلاغه إلى حكومة برقة منذ : 09. 12. 1925 .. ولكن لاعتبارات متعددة تأجل تنفيذ هذه الخطة حتى نهاية الشهر العاشر من سنة : 1926 .. حيث أصدرت الحكومة الأمر بإعداد مشروع عمليات عسكرية لاحتلال مناطق خليج سرت من الساحل حتى خط واحات : سوكنة / زلة / مرادة / أوجله / جالوا / بقصد حل مشكلة المغاربة .. ويمكن أن يؤخذ من ذلك العرض .. أن الوزارة كانت تعتقد بإمكانية حل مشكلة المغاربة عن طريق التطويق العسكري الذي ستواجهه القبيلة نفسها نتيجة للعمليات العسكرية التي تنطلق من العقيلة وتؤدي فيما بعد إلى احتلال مرادة و أوجلة وجالو و جخرة ، وكان ذلك في رأيي خطأ كبيرا .. لاحظته على الفور في المشروع الأول بتاريخ : 30 .12 . 1926 ، قائلا : إن التغلب على المغاربة واحتلال الواحات ، قضيتان منفصلتان متميزتان بصفة تامة .. وإذا كان ثمة علاقة بينهما ، فهي ماثلة في واقع أن حل المشكلة الأولى ، يساعد على حل الثانية ' ................................ص: 201
الإعداد للمواجهة
واستعدادا لهذه المواجهة التي كانوا يحسبون لها ألف حساب .. يتطرق المؤلف إلى ذكر ما دار في اجتماع روما الأول الذي جمع واليي طرابلس وبرقة مع وزير المستعمرات .. وذلك لحل هذه المعضلة التي أرقتهم طويلا : ' وقد أدى اجتماع الوزير بالواليين ( والي طرابلس ووالي برقة ) الذي عقد في روما في : 30.10 .1927 إلى توضيح أكثر لوجهات النظر الخاصة بكل الأطراف المعنية وفوق كل شئ تحديد الأسس الرئيسية وحدود التعاون بين قوات برقة وطرابلس .. وقد ظل محددا آنذاك أن تقوم جيوش المستعمرتين في المرحلة الأولى بالعمل ضد قبيلة المغاربة ... وفي المرحلة التالية إلى احتلال الواحات .. حيث تخرج في المرحلة الأولى حشود من القوات الموجودة ببرقة بالتعاون مع حشود من القوات الموجودة بطرابلس بهدف مهاجمة قبيلة المغاربة ' ........................... ص: 205
لم تكن كل تقديراتنا سليمة ففي نفوس المغاربة الذين اعتادوا منذ أحقاب على القتال
والصراع في الصحراء تكمن النية في المقاومة العنيدة لزحفنا أو على الأقل
الاستعداد للأحداث الجديدة التي لا تستسلم لها دون مقاومة ' 1
تعتبر قبيلة ' المغاربة ' إحدى أهم وأكبر قبائل الجهاد .. أشاد بها وبشجاعة رجالها البواسل أغلب قادة إيطاليا الذين أرخو لفترة المقاومة الوطنية التي امتدت لأكثر من عشرين عاما .. والحديث عنها وعن جهادها بالذات يطول ويتشعب .. والمرء مرغم منذ البداية على أن يختصره بالقدر الذي تتسع له هذه الزاوية المحدودة .. من هنا سأكتفي بالإشارة البسيطة إلى ما ذكره بحقها أحد قادة إيطاليا ومؤرخيها .. ممن أعجبوا بها وببسالة رجالها وقوة إرادتهم وهم يواجهون القوات الإيطالية .. بشجاعة نادرة ويمنعونها من بسط سيطرتها على المناطق التي يتواجدون عليها .. حتى في السنوات الأخيرة من الجهاد : ' وهكذا اتضحت حتى في النهاية .. في الشهر الأخير من عام : 1929 الضرورات التالية : 1. فصل قضية المغاربة عن قضية الواحات .
2 .اعتبار العمليات الحربية المتعلقة بهما أعمالا حربية متميزة منفصلة رغم ترابطها .
3. تقديم العمليات ضد المغاربة على العمليات الخاصة باحتلال الواحات ' .................ص : 202
وهـا هـو والي برقة : ' اتيليو تروتسي ' يروي لنا بنفسه حكايته مع قبيلة المغاربة .. التي تحدث عنها في مواضع عدة من كتابه ( برقـة الخضراء ) وخصص لها الفصل السابع بكاملـه تحت عنـوان : إخضاع المغاربة .
والمطالع لكتابه هذا .. لا يسعه إلا أن ينحني إجلال وإكبارا لهذه القبيلة المجاهدة تقديرا لدورها الكبير الذي لعبته أثناء فترة جهادنا البطولي .. هذا الدور الذي أرغم ' تروتسي ' على أن يقول عنها في أواخر سني الجهاد : ' حقا إن المغاربة يمثلون في القطاع الواقع بين اجدابيا والعقيلة ومرادة وجالو أكثر المخاطر إثارة للقلق وأكثر القوى جدارة بالاعتبار .. وتعتبر قبيلتهم أشد قبيلة محاربة في برقة .. ويقال إنهم في تبرمهم بالخضوع بسبب البداوة الفارطة كان من الصعب في كل زمن وفي أي حكم جرهم إلى الطاعة ' ..ص: 201
المجاهدون يملون شروطهم
كانت الحكومة الإيطالية تفضل التهدئة السلمية على المواجهة العسكرية .. كانت كثيرا ما تعرض على زعماء هذه القبيلة .. المبادرة تلو الأخرى تجنبا منها للخيار المسلح .. لكن شروط أولئك الرجال الأفذاذ كانت أكبر مما يحتمل ساسة إيطاليا المستبدون المتغطرسون .
فبعد فشل كل محاولاتها العسكرية ..اضطرت الحكومة الإيطالية إلى إرسال المبعوثين لفتح باب التفاوض مع زعماء هذه القبيلة .. لا لإخضاعها بالكامل بل من أجل إعادة ربط الصلات التجارية على أقل تقدير .. لأنهم وكمــا يقــول :
' لقد تعمدت الإفاضة ، عن الإعداد لهذا الجهد الموجه لقبيلة المغاربة .. تحت الاسم العــام ( مفاوضات ) التي يرفضها الكثيرون رفضا مسبقا وينظرون إليها على أنها إجراء خطير ومضر بالهيبة والكرامة الوطنية '................................................. ص: 145
وتطرق أيضا إلى الحديث ، عن الاتجاه العام الذي تسلكه هذه القبيلة ، وشيخها الكبير صالح الأطيوش .. ردا على محاولة السلطات الإيطالية المتكررة ، للنيل من كرامتها والحد من حريتها .. وأشار بالخصوص إلى أن ممثليها كانوا ' قد سلموا عريضة صيغت فيها مطالبهم واقتراحاتهم بطريقة متعالية وتشف عن التطاول والوقاحة إن لم تكن دليلا واضحا على الجهالة المتعجرفة ' ......................... ص: 158
والآن .. يحسن بنا أن نطالع شروط تلك الوثيقة التي تحدث عنها ' تروتسي ' وقال بأنها أغضبت السلطات الإيطالية .. لما تضمنته بنود متعالية وغير مقبولة .. لم يتردد زعماء الجهاد في إملائها على الإيطاليين بكرامة وشرف ودونما تخاذل أو تهاون :
1. إخطار مسبق لكل من ينوي التوجه إلى مناطقنا قادما إليها من المناطق الخاضعة للحكومة .
2. إيقاف العدوان في برقة بشطريها وفي الجبل .
3. أن لا يسمح بدخول سوق اجدابيا إلا لمن كان مزودا بإذن من أحد الشيوخ المعينين لهذا الغرض من الأهالي المحددين لدي الحكومة .
4. إحضار تجار إلى إجدابيا ببضائع أكثر وفرة .
5. إعفاء الراغبين في المتاجرة من الضرائب الجمركية .
6. يعمل بهذه الشروط لمدة ثلاثة أشهر ، يتم خلالها عقد اجتماع رسمي للتفاهم ، هذه مطالبنا ونطلب ردا مقابلا للاحتفاظ به كوثيقة يدوية حتى سقوط الموعد المحدد ..... ص: 158 - 159
هذه هي الشروط التي أغضبت سلطات الاحتلال .. أغضبتهم لأنها أولا : تعكس القوة المعنوية والعسكرية التي يمثلها الخصم .. ولأنها ثانيا : تمثل حالة الضعف التي يعاني منها المحتل .. إلى الحد الذي أرغمت فيه إلى طلب الصلح والمهادنة حتى في أواخر سني الجهاد .
وإذا علمنا بأن هذه الوثيقة التي عرض من خلالها زعماء الجهاد شروطهم بتعالي وتعجرف كما يقول .. كانت قد قدمت خلال الاجتماع الذي عقد بتاريخ : ( 11 / 07 / 1927 ف ) .. أدركنا مدى خيبة الأمل التي منيت بها إيطاليا بعد صراع مضني وطويل لم تتمكن خلاله من إخضاع هذه المنطقة التي يطالب زعماؤها بإخطارهم مسبقا عن كل قادم إليها من المناطق المحتلة كشرط أول لبدء مفاوضات السلام معهم .
الخوف من المواجهة
لم تكن الحكومة الإيطالية ترغب في مواجهة هذه القبيلة مواجهة مسلحة .. كانت دائما تفضل الجنوح إلى الحل السلمي .. ومن أجل ذلك قدمت العديد من المشاريع السلمية بغية إخضاعها وتهدئتها لتشتيت قواها والقضاء عليها .. وفي هذا يقول المؤلف : ' إن الرغبة في مواجهة قبيلة المغاربة مواجهة مسلحة دون إغفال أية وسيلة سياسية تصلح لتهدئتها .. أو على الأقل تفتيت وتشتيت تشكيلاتها المعادية لنا .. سيؤدي في النهاية إلى إنقاص المجهود الحربي الذي سيكون حتما في أوانه المناسب ' ............................................ص: 142
ويعترف بخطورة المأزق الذي كانت تعانية السلطات الإيطالية .. حيث تواجه حربا جهادية يقودها عمر المختار في الشرق .. وأخرى يقودها صالح الأطيوش زعيم هذه القبيلة في الغرب :
' لم يكن يتوفر لدي في الجبل .. وضع هادئ مطمئن يسمح لي باقتطاع – لمدة غير محددة - نسبة عالية من القوات العاملة فيه والتي هي نفسها بعد عام من العمليات المضنية القاسية غير صالحة للتغلب على الثوار ' .....................................ص: 204
وربمــا كان سبب هذا الخوف ، المترسب في نفوسهم حيال مواجهة هذه القبيلة .. يرجع في أساسه - كما يقــول - إلى عدم قدرتهم على مواجهة رجال هذه القبيلة تارة .. وعدم ملاءمة الظروف ، لتلك المواجهة تارة أخــرى : ' يظل لدى قبيلة المغاربة الاقتناع بأنه .. لن يكون في مقدور القوات الإيطالية مطلقا التغلب على أدوارهم المعروفة بأنها لا تهزم ' ....................................ص: 136
التفكير في المواجهة
وإنه لشرف عظيم لنا ولهذه القبيلة بالذات .. أن يعترف أحد ولاة المستعمرين بأن حكومته كانت ولا تزال في أواخر سني الجهاد .. تفكر وترغب في مهادنة هذه القبيلة التي ما برحت تقاتلهم على مساحات شاسعة .. من خلال أرض شبه صحراوية منبسطة ومكشوفة .. تجعل من السهل على طيران العدو مهمة اكتشاف تشكيلاتها المسلحة واقتناص مقاتليها من الجو قبل مواجهتهم على الأرض .. رغم ذلك كله .. بقيت هذه القبيلة تقض مضاجع المستعمرين وحائلا كما يقول ' تروتسي ' دون توحيد المستعمرتين برقة وطرابلس : ' مواجهة قبيلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين '................................................. ......ص: 201
ومن أجل تحقيق هذا الهدف .. الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال .. يذكر المؤلف أن وزارة الحرب الإيطالية وضعت في اعتبارها وتقديرها منذ سنة ( 1925 ) أمكانية الوصول إلى تحقيق الوحدة الساحلية بين الولايتين الليبيتين ، وصاغت من أجل ذلك خطة عمل تضمنت تقديرا صحيحا لمشكلة الجبل الأخضــر .. وذلك بـتأكيد السيادة الإيطالية ، على الجبل والتهدئة الكاملة لسكانـه .. ومـن ثــم التفــرغ التــام : ' لمواجهة مشكلة المغاربة ' أو كما يقول في موضع آخـر ' حل مشكلة المغاربة '
وذكــر إلى أن إمكانية القيام بمشروع منسق من العمليات ، في المستعمرتين قد أعيد درسهــا من قبل الوزير ' فدرزوني ' دراسة عملية بأكثر مما تم في الماضي .. وأنه تم تحديد الطلب الجديد للدراسة الشاملة .
ولم يكن خطر هذه القبيلة ، يطال المستعمرين في أراضيها التي تمتد من سرت غربا إلى اجدابيا شرقا وحسب .. بل في أماكن أخرى .. وقد أشار في مواضع عدة إلى هجمات المجاهدين المتكررة على الحدود الشرقية لولاية طرابلس .. وهو هنا يذكر امتداد خطرهم إلى الجنوب أيضا فيقول : ' الهدف المراد بلوغه يتكون تقريبا من المواقع النافعة الموجودة على خط عرض ( 29 ) أي سلسلة واحات الجفرة وزلة ومرادة وأوجلة وجالو .. ولكن القفز نحو الجنوب سيؤدي حتما إلى الاصطدام بالمغاربة ' .............................ص: 203
أهداف المواجهة
تماما كما كانت إيطاليا وحتى أواخر سني الجهاد .. عاجزة عن بسط سيطرتها على كامل الجبل الأخضر .. الذي كان مسرحا لعمليات عمر المختار ورفاقه .. كانت أيضا عاجزة عن بسط سيطرتها على الأراضي التي تحت سيطرت صالح الأطيوش ورفاقه من أبناء هذه القبيلة .. وأدركنا أيضا كم كان النصر قريبا .. قريبا جدا .. فقط لو تضافرت كل جهود المخلصين من أبناء الوطن .. لتحقيق هذه الغاية التي لم تكن بعيدة المنال .
وتأكيدا على ذلك .. بتطرق ' تروتسي ' إلى ذكر الأهداف المراد تحقيقها من خلال تلك العمليات التي خطط لها بدقة متناهية .. حيث لخصها في التالي :
1. وصل المستعمرتين برقة وطرابلس والربط الدائم والمباشر بينهما .
2. إبعاد التهديدات المتمثلة في هجمات ثوار ( المغاربة ) على حدود ولاية طرابلس الشرقية.........................ص: 203
ويشير كذلك إلى ما تم بحثه مع وزير المستعمرات بشأن عمليات ما يسمى بخط عرض ( 29 ) :
' لقد بحثت عمليات خط عرض ( 29 ) أكثر من مرة مع الوزير .. وقد تمت على أسس جديدة من الإيضاحات .. صياغة المشروع المؤرخ في : 18 .06 .1927 .. وهو المشروع الذي أكد على حل مشكلة المغاربة أولا .. ثم التقدم بعد ذلك في احتلال الواحات .. وذلك أنه ليس مما يتفق مع الواقع القبول بإمكانية استبعاد المغاربة .. أو عزلهم باحتلال مراده وجالوا وهي أماكن تبعد 200 ك .. عن موطن الإقامة العادية لقبيلة محاربة تتوفر على كامل الفعالية ' ........................ص: 204
ويكرر لمرات ومرات ذكر الهدف ذاته .. والمتمثل في توحيد المستعمرتين ( برقه وطرابلس ) هذا الهدف الذي حالت هذه القبيلة دون تحقيقه لسنوات طوال : ' كان العزم على مواجهة مشكلة المغاربة بقصد تحقيق الوحدة الساحلية بين المستعمرتين وقد تضمنه برنامج عمل قامت الوزارة بإبلاغه إلى حكومة برقة منذ : 09. 12. 1925 .. ولكن لاعتبارات متعددة تأجل تنفيذ هذه الخطة حتى نهاية الشهر العاشر من سنة : 1926 .. حيث أصدرت الحكومة الأمر بإعداد مشروع عمليات عسكرية لاحتلال مناطق خليج سرت من الساحل حتى خط واحات : سوكنة / زلة / مرادة / أوجله / جالوا / بقصد حل مشكلة المغاربة .. ويمكن أن يؤخذ من ذلك العرض .. أن الوزارة كانت تعتقد بإمكانية حل مشكلة المغاربة عن طريق التطويق العسكري الذي ستواجهه القبيلة نفسها نتيجة للعمليات العسكرية التي تنطلق من العقيلة وتؤدي فيما بعد إلى احتلال مرادة و أوجلة وجالو و جخرة ، وكان ذلك في رأيي خطأ كبيرا .. لاحظته على الفور في المشروع الأول بتاريخ : 30 .12 . 1926 ، قائلا : إن التغلب على المغاربة واحتلال الواحات ، قضيتان منفصلتان متميزتان بصفة تامة .. وإذا كان ثمة علاقة بينهما ، فهي ماثلة في واقع أن حل المشكلة الأولى ، يساعد على حل الثانية ' ................................ص: 201
الإعداد للمواجهة
واستعدادا لهذه المواجهة التي كانوا يحسبون لها ألف حساب .. يتطرق المؤلف إلى ذكر ما دار في اجتماع روما الأول الذي جمع واليي طرابلس وبرقة مع وزير المستعمرات .. وذلك لحل هذه المعضلة التي أرقتهم طويلا : ' وقد أدى اجتماع الوزير بالواليين ( والي طرابلس ووالي برقة ) الذي عقد في روما في : 30.10 .1927 إلى توضيح أكثر لوجهات النظر الخاصة بكل الأطراف المعنية وفوق كل شئ تحديد الأسس الرئيسية وحدود التعاون بين قوات برقة وطرابلس .. وقد ظل محددا آنذاك أن تقوم جيوش المستعمرتين في المرحلة الأولى بالعمل ضد قبيلة المغاربة ... وفي المرحلة التالية إلى احتلال الواحات .. حيث تخرج في المرحلة الأولى حشود من القوات الموجودة ببرقة بالتعاون مع حشود من القوات الموجودة بطرابلس بهدف مهاجمة قبيلة المغاربة ' ........................... ص: 205
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر