بسم الله الرحمن الرحيم
حفظ النسب من مقاصد الشرع الشريف ، و قد تنوعت طرقه في إثبات الأنساب ، و حمايتها من عوامل الضياع و الادعاء . و قد تنوعت وسائل الناس في حفظ الأنساب ، فهناك من اعتمد على الروايات ، و هناك من نحت اسمه منسوباً إلى قبيلته على أحجار المقابر و غيرها ، و هناك من ذكر المآثر و الأجداد العظام في قصائد الشعر ، و هناك من كتب و صنف في أنساب قومه ، و من بين تلك الوسائل : وسيلة صنع " شجرة النسب " ، فما هي " شجرة النسب " ؟ و ما معنى " الشجرة " في الاصطلاح ؟ و من أول من صنع الشجرة ؟ و ما آدابها و أحكامها ؟
هذه الرسالة المختصرة تجيب عن شيء من تلك التساؤلات ، و يحاول مؤلفها من خلال جملها التأصيل لمصطلح " شجرة النسب " . و قد كانت الرسالة على النحو الآتي :
- الأصل اللغوي .
- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة " .
- الشجرة و ما يرادفها عند النسابين .
- أولية التشجير في النسب لمن ؟
- التشجير صنعة لها آداب .
ـ آداب و أحكام في صنع الشجرة .
ـ خطوات عمل الشجرة .
- الفروق بين المبسوط و المشجر في النسب .
- حكم العمل بالشجرات ؟
و الله تعالى من وراء القصد .
- الأصل اللغوي :
جاء في القران الكريم :" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم .. " . و قوله :" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .. " ، و قوله :" و لا تقربا هذه الشجرة .. " ، و غير ذلك من المواضع .
قال ابن فارس :" الشين و الجيم و الراء أصلان متداخلان ، يقرب بعضهما من بعض ، و لا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض ، و من علو في شيء و ارتفاع " أهـ[1] .
و قد ورد في " السنة " ما يدل على تمثيل النبي صلى الله عليه وعلى آله و سلم للإنسان بالخط على الأرض ، ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : خطَّ النبي صلى الله عليه و على آله و سلم خطَّاً مربعاً ، و خطَّ خطَّاً في الوسط خارجاً منه ، و خط خططاً صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال :" هذا الإنسان ، و هذا أجله محيط به - أو : قد أحاط به - ، و هذا الذي هو خارج أمله ، و هذه الخطط الصغار الأعراض ، فإنْ أخطأه هذا نهشه هذا ، و إن أخطأه هذا نهشه هذا " [2].
و ورد في "السنة المطهرة" أيضاً ما يدل على تشبيه الإنسان ببعض أنواع الشجر ، فورد تمثيل المؤمن بـ"النخلة " ، و " خامة الزرع " ، و ورد تمثيل الكافر و المنافق بـ"شجرة الأرز " ، و " الريحان " ، و غير ذلك من الآثار .
و ذكر أحمد تيمور في " معجم الألفاظ العامية " أن العامة ، تقول للشجرة " :" سجرة ، و لكنها تطلق الشجرة على الحشيش كناية ، و يقولون : فلانٌ بيشجَّر ، أي : يدخن الحشيش ؛ كأنهم جعلوه اسماً بالغلبة " [3].
قلت : فكأن هذا هو أصل استعمال العامة الآن للفظ :" السجارة " في :" لفائف الدخان الخبيث " .
- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة " :
توارد جمعٌ من أرباب الفنون و المعارف على استخدام هذا اللفظ و ما يقاربه ، ليدللوا به على معانٍ تخصهم . من أولئكم : معاشر النسابين ، و الشعراء ، و الصوفية ، والأطباء .
و الاستعمال عندهم لمصطلح " شجرة النسب " على النحو الآتي :
1_ مفهوم " الشجرة " ، و " المشجر " عند النسابين .
تقدم أن " ش ج ر " أصلان متداخلان يدلان على : تداخل ، و ارتفاع . و من هنا حكى بعضهم أن مأخذ " التشجير " مأخوذ من :" السبط " ، و هو :" ضربٌ من الشجر ، فجعل الأب الذي يجمعهم كالشجر الذي يتفرع عنه الأغصان الكثيرة ، ولذلك ينقش شكل الشجر في الأنساب " ، قاله ابن فندق البيهقي [4].
و مع أن الشجرة تستخدم في ألفاظ و كلام النسابين كثيراً ، إلا أنني لم أعثر على من عرفها تعريفاً اصطلاحياً ، فكأنهم اكتفوا بما هو متقرر من معناها اللغوي . و يمكن للمرء أن يقول " شجرة النسب " : ورقة مفردة في نسب قوم ما دون غيرهم ، منسوبين إلى رجل واحد ، فرعت أنسابهم من أعلى أو أسفل على هيئة شجرة أو ما يشبهها ، يتبين من النظر فيها اسم كل فرد و عقبه ، و كيفية اتصال نسبه بذلك الرجل .
و قد يطلق على " الشجرة " أنها :" كتاب " ، كما وقع في كلام أبي حامد الغزالي في " فضائح الباطنية "[5] ، و كما في " اللباب "[6] لابن الأثير ، حيث نصَّا على :" كتاب الشجرة " ، لما ذكرا نسب إسماعيل بن جعفر ، و ربما قصدا " المشجر " ، لأنه على هيئة كتاب ، و سيأتي الحديث عنه بعد قليل .
و قال بعضهم : إن طريقة أهل الشام و الحجاز في كتابة الشجرة من أعلى إلى أسفل ، و أهل العراق بالعكس [7]. و المعروف من عادة أهل الحجاز في شجراتهم القديمة و الحديثة أنها من أسفل إلى أعلى . و قد اطلعت على بعض الشجرات الحديثة لأهل فلسطين و غيرها من بلاد الشام ، فرأيتها من أعلى إلى أسفل ، فيبدو أن هذا من عادة أهل الشام فحسب ، على أنها مخالفة للأصل اللغوي لمادة " شجر " ، إذ الشجر ينبت من أسفل إلى أعلى لا العكس .
تنبيه : المقصود من الشجرة عند معاشر النسابين وصل الأسماء من أسفل إلى أعلى بـ :" بـــن " ، ثم يذكرون الأسماء ، هذا هو المتبادر ، و هو الذي يوجد في شجرات النسابة ، كشجرة أبي قناع ، و شجرات الزبيدي و غيرهما ، و لا يرسمون أوراق الشجر مجردة ، و يضعون فيها الأسماء ، كما هي عادة كثير من العصريين ، فهذا خلاف عمل المتقدمين ، و الأولى متابعة من تقدم ، فإن إثبات لفظ " بن " من سنن العرب ، و تركها من عادة العجم ، فلا ينبغي تركها في كتابة الأنساب .
و بسبر كلام متقدمي النسابين نجد ألفاظاً مقاربة للفظ " الشجرة " ، و هي تحتاج إلى تبيين و توضيح لضرورة ضبط الاصطلاح . فمن ذلك :
1. جريدة النسب : كقولهم – مثلاً - في جرائد العلوية[8] : " جريدة الري " ، و " جريدة نسابور " ، و " جريدة طبرستان " ، و " جريدة أصفهان " ، و " جريدة الكوفة العتيقة " [9] ، و " جريدة البصرة العتيقة "[10] ، و " جريدة شيراز "[11] ، و "جريدة بغداد"[12] . و استعمل هذا اللفظ حتى أصبح للحمام :" دفاتر بأنسابها ، كأنساب العرب " . و قد بالغ العبيديون القرامطة في العناية بالحمام حتى :" أفردوا له ديواناً و جرائد بالأنساب " .
و هذه الجرد يحتمل أن تكون على هيئة " الديوان " - إذا اعتبرنا الأصل اللغوي لمادة " جرد " - فهي إثبات مجرد لأسماء من ينتسب إلى فلان و أسماء آبائهم كما في " ديوان الجند " ، و " ديوان عمر " ، و نحو ذلك . و في كلام بعضهم ما يشير إلى أن هناك فرقاً بين " الجريدة " ، و " الشجرة "[13] . وهذا هو المناسب لمعنى مادة " جرد " ، فإنَّ " الجيم والراء و الدال أصلٌ واحد ، و هو بدو ظاهر الشيء حيث لا يستره ساتر .. " [14] ، فتكون " جريدة النسب " إذاً كالديوان الذي تسجل فيه الأسماء ظاهرة ، فتعرف من أولها ، فلا تحتاج إلى نظر خاص ، كما يحصل لمن ينظر في " الشجرة " ، فإنه يحتاج أن ينظر في الأصول و البطون و يتابع تسلسلها لمعرفة مكان شخص ما فيها .
و لهذا قد يذكر النسابون في " جرائدهم " بعض أسماء من لا يتحققون أمره ، لكنهم لا يثبتونه في " المشجرات "[15] .
و قد يسمي بعض النسابة مشجراتهم بديوان النسب ، و هم إنما يعنون " الشجرة " ، و لكن هذا قليل فيهم ، و لم أجده إلا لأبي القاسم علي بن الحسن بن محمد بن علي بن أبي جعفر محمد بن علي المرتضى ، فإنه ألف مشجرة سماها :" ديوان النسب " ، نقله ابن عنبة عن ابن معية في " عمدة الطالب " [16].
2. مُشَجَّر النسب : يحلى باللام أحياناً ، فيقال : " المشجر في النسب " . و هو إما أن يكون تأليفه ابتداءً على هيئة مشجر ، أو أن يعمد أحد النسابين إلى كتاب مبسوط في النسب ، فيشجره [17] .
و جرت العادة عندهم أن يكون – المشجر - على هيئة كتاب ، حتى ربما وصل إلى مجلدات ، يتصل الخط فيها ، في أعلى أول صفحة بالصفحات التي تليها حتى يصل إلى آخر الكتاب . قال ابن الطقطقي :" المشجر الضابط فيه أن يكون بـ:" ابن " متصلة بالنون كيف تقلبت بها الحال في جهاتها الست[18] ؛ وربما امتدت الخطة الواحدة في مجلدات كثيرة فما سلم اتصالها بالنون فليس بضائر اختلاف أحوالها ، ... " . أهـ .
3. المبسوط . و هو كتاب منثور في النسب . كنسب قريش للزبيري ، و نسب ابن الكلبي ، و جمهرة النسب لابن حزم ، و عمدة الطالب لابن عنبة ، و أمثال ذلك . و سيأتي الفرق بينه و بين المشجر.
و قد انتفع بطريقة التشجير هذه ، فألَّفَ الشيخ أحمد أبو الخير المكي مشجراً سماه :" مشجر الأسانيد " ، قال الكتاني عنه : " ذكر فيه أسانيد الكتب الستة والموطأ و مسند الدارمي والشمائل ، وتنوع أسانيده لابن حجر و الحجار وابن البخاري والدمياطي والتنوخي والبلقيني و ابن الجزري و غيرهم من كبار المسندين ، وهو مشجر عجيب على نسق غريب جعله دوائر ، و كل دائرة يكتب فيها اسم راوٍ ، و يصلها بأخرى يكتب داخلها اسم الراوي عنه ، وهكذا إلى اسم جامعه الشيخ أحمد أبي الخير ، وهو عندي بخط جامعه ، و هبنيه بمكة المكرمة ، جزاه الله خيراً ، أرويه عنه " . أهـ[19] .
و كانت من طرائق الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله إبان تدريسه للحديث في " الجامعة الاسلامية " كتابته للأسانيد و المتابعات و بيان الطرق على هيئة التشجير .
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر