الطريقة المريدية في السينغال ومؤسسها أحمادو بامبا الخادم
ومؤسسها أحمادو بامبا الخادم
1
كتب: الطاهر عموش
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
حيثما تجولت في ربوع السينغال هذا البلد المسلم الذي يقع جنوب الصحراء
الكبرى في غرب القارة الافريقية تجد صور رجل يلبس "الشاش" الافريقي
والعباية البيضاء ويغطي جزءا من وجهه، إنه أحمدو بامبا. الصورة تقابلك في
الباصات وفي سيارات الأجرة وفي مداخل السكنات وفي المتاجر، إنه مؤسس
الطريقة السينغالية التي تعرف باسم "المريدية".
وإذا كان من المشهور ان الطرق الصوفية في افريقيا جنوب الصحراء قد لعبت
دورا كبيرا في ترسيخ قدم الاسلام في هذه المنطقة من العالم، إلا أن هذه
الطريقة لها شكل خاص بل ربما "سر" تميزت به حتى اشتهرت وذاع صيتها بين
سكان تلك المناطق. الناس في السينغال يقولون بأن أكثر الشخصيات شهرة في
بلدهم ليسوا رجال السياسة وإنما رجال الطرق الذين يمتد تأثيرهم إلى مختلف
حقول وفضاءات المجتمع السينغالي. وهذه الطرق الصوفية في السينغال تلعب
دورا موازيا وشبيها بدور الحركات الإسلامية في البلاد العربية، بل ربما
يتفوق عليها في كثير من الأحيان بالنظر إلى قوة نفوذها واحكام تنظيمها
وانتشارها الأفقي والعمودي في نسيج المجتمع، وتغللها في مختلف المؤسسات
والادارات.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ضريح أحمدو بامبا في مسجده بمدينة توبة
وتعتبر مدينة توبة (Touba) التي تضم ظريح الشيخ المؤسس من اهم المدن
الدينية في هذه المنطقة، وأكثرها شهرة ومزارا سنويا لعشرات الآلاف من
المريدين الذي يتوافدون عليها من مختلف جهات السينغال ومن غيرها من الدول
المجاورة.
لقد عانق السنغاليون الإسلام مبكرا بداية من القرن الرابع الهجري، ولم يحل
القرن العشرون حتى كان السينغال كله قد ترك الديانات الوثنية واعتنق
الاسلام. لكن الدين هنا ليس مجرد علاقة ايمانية فردية بين الانسان وربه
ولكنه مناخ اجتماعي شامل، وروابط تنظيمية تؤطرها الطرق الصوفية. فكل مواطن
في السينغال هو بحكم النشأة عضو في احدى الطرق الصوفية التي يحفل بها
المجتمع. فالتدين ليس سائبا بل هو مؤطر بهذه المؤسسات الشعبية ذات التأثير
العظيم على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية.
هناك ثلاث طرق مشهورة في السينغال:
أولها الطريقة القادرية الأقدم من حيث النشأة في السينغال ولكنها الأقل أتباعا.
وثانيها الطريقة التجانية التي تأسست في الجزائر، ولديها أتباع في معظم افريقيا الغربية.
وثالها الطريقة المريدية وهي الطريقة الوحيدة التي يرجع تأسيسها لشخصية
سنغالية، وهو الشيخ أحمدو بامبا مباكي، واسمه الحقيقي محمد ابن محمد ابن
حبيب الله، وقد ولد سنة 1272 هجرية الموافق لسنة 1855 الميلادية، في قرية
صغيرة أسسها جده تسمى "مباكي باول". تلقى تعليمه الأول على يد أعضاء أسرته
ومنهم خاله وأبوه الذي كان مدرس اللغة العربية. ثم زاول التعليم إلى جانب
والده إلى غاية 1882 والتي توافق مطلع القرن الهجري الجديد 1300 هـ، وهي
عادة سنوات تشكل منعطف في تاريخ الدعوات الدينية باعتبار الحديث الذي يقول
أن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مئة من يجدد لها أمر دينها.
وكان الشيخ بامبا صاحب مواهب نادرة فقد نشط كثيرا في مجال التأليف وعرف
بكثرة مؤلفاته في ميادين الفقه والتربية وعلوم اللغة. وقد بدا رحلة
التأليف كما يبدأ المبتدؤون بالتقليد والتركيب خاصة القصائد الرجزية
والمنظومات التعليمية الأولى مثل "الجوهر النفيس" في الفقه و"مواهب
القدوس" الذي نظم فيها كتاب "أم البراهين" للشيخ السنوسي، ونظم "جذبة
الصغار" ونظم "ملين الصدور".
وتقول الرواية أن الشيخ أحمدو بامبا بدأ دعوته في مطلع القرن الهجري
الرابع عشر، وقد لقيت دعوته استجابة واسعة من طرف كثير من القبائل، خاصة
أنه جمع بين قوة الشخصية وكثافة الانتاج العلمي الأمر الذي أعطاه شهرة
واسعة وفي نفس الوقت جلب له اهتمام السلطات الفرنسية الاستعمارية التي
بدأت تضايقه.
والمتأمل في سيرة هذا الرجل ودوره في بلاده السينغال سيكتشف براعة نادرا
ما ميزت رجال الطرق الصوفية، حيث عمد إلى تأسيس المدن واعطائها التسميات
الدينية التي رسخت كثيرا من المفاهيم في القبائل الأمية وحملت ما بقي من
الوثنيين على الدخول في الاسلام. فقد أسس قرية دار السلام سنة 1884 وأسس
دار المرنين سنة 1886 وكان حلمه الكبير تأسيس مدينة كبيرة حتى يجعل منها
نواة الدعوة متأسيا بسيرة رسول الله الذي انتقل إلى المدينة المنورة وكانت
مركز دعوته. وهذه المدينة التي سماها "توبة" قريبا من دار القدوس تحولت
إلى ما يشبه المدينة المقدسة، وقد حرص شخصيا على تخطيط اهم مرافقها
الحيوية لتجمع بين الديني والدنيوي وقد تطورت وازدهرت على يد خلفائه حتى
تكاد تضاهي اليوم العاصمة دكار.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مسجد الشيخ بامبا في مدينة توبة
وهذا المنحى الدنيوي كان بمثابة تجديد في مسار الطرق الصوفية التقليدية في
بلاد أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لم يكتف بامبا فقط بالنواحي الروحية بل
اهتم أيضا بالعالم الدينوي، وقسم طريق السالك إلى الله عبر مسارات ثلاث:
الكسب: لكسب رزقه اليومي، والمجاهدة: لمجاهدة نفسه، والخدمة: لخدمة أهل
الشريعة. ولذلك كان الشيخ بامبا يسمي نفسه خادم الرسول، أو الخادم.
وموضوعي الكسب والخدمة هو الذي جعل الطريقة تنتقل من حركة ذاتية إلى حركة
اجتماعية واسعة النفوذ.
وبالفعل بدا الاستعمار الفرنسي يتوجس خيفة من اتساع رقعة نفوذ هذا الشيخ
الذي عمل بشكل خاص للدفاع عن الإسلام في غرب إفريقيا ضد حملات التبشير
المسيحية وضد الاستعمار بالتوعية الدينية أساسا. وقد أدى كفاحه من أجل
الإسلام إلى تعرضه لسلسلة من عمليات القمع طيلة 32 سنة، فقد قام الفرنسيون
بطرده من السينغال إلى الغابون بتاريخ 18 سبتمبر 1895 ولم يعد إلا بعد
مرور سبع سنوات قضاها في المنطقة الاستوائية داعيا إلى الله حيث عاد إلى
السينغال بتاريخ 11 نوفمبر 1902 ولكن سرعان ما طرد مرة أخرى في العام الذي
يليه عندما استأنف نشاطه الدعوي. ولما استدعاه الحاكم الفرنسي رد بكلمة
مشهور: "أنا عبد الله ولا أعترف بأية سلطة إلا سلطة الله" وحينئذ قام 150
عسكري بالهجوم على مقره واعتقاله مجددا ليتم ارساله إلى الاقامة الجبرية
في موريطانيا. وبعد سنوات من الصراع السلمي مع الاستعمار، وكان الشيخ
بامبا وحده بمثابة جيش عرمرم يتدفق علما وتربية وتعليما على مواطني بلده
حاول الاستعمار الفرنسي ان يستميله إليه وسلمه وسام جوقة الشرف فرفض الشيخ
أن يلبسه، امعانا في اضهار خلافه وعداوته للاستعمار.
والمريدية عبارة عن مجموعة من الشعائر الدينية وقواعد للسلوك مستمدة من
الصوفية ومن خبرة الرجل وقدرته على التنظيم والهيكلة، وإن كان الغاية من
المريدية هي سمو الروح ولكنها أيضا تطلب من المريدين أن يكونوا سامين في
الدنيا أيضا والشيخ أحمدو بامبا الذي كان يتمتع بثقافة دينية هائلة وله
باع طويل في التاليف وملم بشكل كبير بالتراث العربي الإسلامي يقسم الشيوخ
إلى أنواع ثلاثة في كتابه "حكمة الخادم": شيخ تعليم وشيخ تربية وشيخ
حقيقة. هكذا، على المنتمي للزاوية المريدية أن يطور روحانيته بالإيمان
والإحسان، وان يطور دنياه بالعمل والكسب.
ومن أقواله في نظم "مسالك الجنان" ما يعكس فلسفته التي جمعت بين الفقه والتربية وبين العلم والعمل:
العلم عند العلماء ينقسم
ظاهره المصلح للأعمال
ثمت تقديم الفتى الفقه على
ومن تفقه بلا تصوف
ومن يكن بعكس ذا فإنه
ومن لفقه وتصوف جمع
ولتعلمن بأن علما وعمل
ظاهرا وباطنا سرا كتم
وباطنه المصلح للأحوال
تصوف وجوبه قد انجلى
فذو تفسق طريح فاعرف
إلى تزندق آمالوا شأنه
فهو الذي حق له أن يتبع
هما وسيلة السعادة أجل
واليوم نجد المريدين وخدام الرسول من أتباع هذه الطريقة منتشرين في كل
مجالات الحياة ومنتظمين في جمعيات اجتماعية وفي الاحزاب السياسية ويشتغلون
خاصة بالتجارة. حتى أن أهم الشخصيات التجارية تنتمي إلى هذه الطريقة وعلى
رأسهم الرئيس السينغالي عبد الله وادي. ويعزو انصار هذه الطريقة النجاح
الذي حققوه في عالم الاعمال إلى مدى ارتباطهم بالمثل العليا مثل الاخلاص
والصدق في المعاملة والوفاء بالعهود وهي المثل التي دعا لها الشيخ بامبا
وفي نفس الوقت إلى القدرات الهائلة على التنظيم وروح الجماعة والتضامن
السائد بين المريدين. وهم ينقلون عن شيخ الطريقة قوله أن التحقيق الحقيقي
للمثل العليا يتم داخل المجتمع وليس خارجه.
ويتم الحديث عما يسمى بـ "الباول باول" أو "نديامبور نديامبور" وهم
المريديون والطلبة الذي حققوا نجاحات في عالم الأعمال، حتى وكأن العملية
هي شكل من المنهجية المتبعة والتي لا تتمثل فقط في حب هؤلاء للعمل
وتفانيهم فيه بحسب تعاليم الشيخ ولكن نتيجة الاعمال المشتركة التي يقوم
بها المريدون بينهم وبين الأتباع داخل الطريقة وهو ما عزز من الدور
الاجتماعي لهذه الطريقة الفريدة من نوعها.
عندما يزور المرء سوق "سانداغ" وهو أكبر سوق في العاصمة داكار سيجد ان في
كل محل تجاري للمريد هناك خلية نحل من العاملين المتضامنين فيما بينهم. بل
إن الحديث يتجاوز ذلك إلى وجود بنوك غير رسمية التي تديرها المريدية
بطريقتها الخاصة، والتي تقوم بدور الادخار والقرض مع احترام دقيق للقواعد
الشرعية، وثقة متبادلة يعز ان توجد حتى مع البنوك الرسمية. وكل ذلك يتأتى
من قوة الترابط القائمة بين أنصار هذه الطريقة، والعلاقات الروحية القوية
التي نشأت بينهم.
وحتى في حالة الخصومات التي عادة ما تنشأ في نطاق الأعمال فإن الشيخ الذي
يكون قد قدم بركته للمؤسسة يتدخل بكل حكمة وروية لفض النزاع عن طريق
التراضي وتحكيم القواعد الشرعية. وتكون أحكامه نافذة بأفضل من أي قرار
يصدر من محكمة عادية. فالشيوخ في هذه الطريقة لا يكتفون فقط بالدور الروحي
ولكن يتجاوزنه إلى الدور الاجتماعي وحتى السياسي. فهم يزوجون من يحتاج إلى
الزواج، ويعالجون من يحتاج إلى العلاج ويمارسون القضاء الاجتماعي للصلح
بين الناس.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرئيس السينغالي عبد الله وادي يجلس بالقرب من الخليفة الحالي للمريدية
إن طريقة المريدية رغم انها في قالب صوفي من حيث الشكل لكنها أقرب إلى
مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني المعاصر مثل جمعيات الرعاية الاجتماعية
ومؤسسات النشاط الاقتصادي التضامني والحركات السياسية المطلبية رغم انه
مضى على وجودها أكثر من مئة عام، فهي لم تركز نشاطها فقط على الجوانب
الروحية والعلاقات الخاصة بالنفس البشرية بل قامت بعمل غير مسبوق عندما
ثمنت دور العمل والعلم، وشكلت انظمة اجتماعية فاعلة في نشاط المجتمع وفي
حيويته النظامية. بل إن الدارسين للاقتصاد السينغالي يعتبرون المريدية هي
التنظيم الاجتماعي الأهم الذي أعاد قيمة العمل إلى نصابها الحقيقي، وقام
بتثمينها بشكل غير مشهود من طرف بقية المؤسسات الاجتماعية.
وأهم تجسيد لهذه الفلسفة الخاصة هي مدينة توبة التي تحولت إلى مركز
اقتصادي بكثافة سكانية تقدر بأكثر من 250 الف نسمة، وبنية تحتية هي الأهم
بعد العاصمة دكار. فالمريدية هي حركة روحية وشبكة اجتماعية وحركة
اقتصادية. وربما الأقرب إليها هو حركة النور التركية، التي تأسست على يد
بديع الزمان النورسي ولكنها تطورت وتعمقت على يد أتباعه ومريديه حتى تحولت
إلى واحدة من أكبر الجماعات الاسلامية حضورا في العالم الاسلامي الشمالي
خصوصا في مناطق تركيا وبلدان الاتحاد السوفياتي سابقا. وهي أيضا معروفة
بسمتها الروحي ونشاطها الاقتصادي الحيوي.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر