بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى..و سلام على عباده الذين اصطفى..وبعد ...
فقدا سئلتُ: في " ابن عربي، ما حاله ؟ وفي رجل أمر بإحراق كتبه وقال: إنه أكفر من اليهود، والنصارى، ومن أدعى لله ولدا " ؟ فما يلزمه في ذلك ؟
قد اختلف الناس قديما وحديثا في ابن عربي: ففرقة تعتقد ولايته. وهي المصيبة . و من هذه الفرقة الشيختاج الدين بن عطاء الله من أئمة المالكية والشيخ عفيف الدين اليافعي من أئمة الشافعية.فإنهما بالغا في الثناء عليه، و وصفاه بالمعرفة. وفرقة تعتقد ضلاله ومنهم طائفة كبيرة من الفقهاء. وفرقة شكت في أمره ومنهم الحافظ الذهبي في الميزان .
وعن الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الحط عليه ووصفه بأنه القطب. و الجمع بينهما: ما أشار إليه تاج الدين بن عطاء الله في " لطائف المنن ": أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية. فلما حج الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين قبل أن يدخل بيته، وأقراه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فخضع الشيخ عز الدين لذلك، ولزم مجلس الشاذلي من حينئذ، وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لمَّا فهم طريقتهم على وجهها. وصار يحضر معهم مجالس السماع.
وقد سئل شيخنا شيخ الإسلام، بقية المجتهدين شرف الدين المناوي عن ابن عربي، فأجاب بما حاصله: إن السكوتَ عنه أسلم؛ وهذا هو اللائق بكل وَرِع يخشى على نفسه.
والقول الفصل عندي في ابن عربي طريقه لا يرضاها فِرْقَتَا أهل العصر: لا من يعتقده، ولا من يحط ّ عليه. و هي: اعتقادُ وِلايَته، وتحريم النظر في كُتُبِه . فقد نُقِلَ عنه هو أنه قال:{ نحن قوم يحرم النظر في كتبنا. وذلك أن الصوفية تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها. فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفَر وكفَّرهم.} نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال : إنه شبيه بالمتشابه بالقرآن والسنة.
و من حمله على ظاهره كفر، وله معنى سوى المتعارَف عليه منه. فمن حمل آيات الوجه، واليدين، والعين، والاستواء، على معانيها المتعارفة كفر قطعاً.
والمتصدي لكتبه تدل أن ابن عربي لم يخفْ من سوء الحساب، وأن يقال له: هل ثبت عندك في نص أنه كافر ؟ فإن قال: { كتبه تدل على كفره }. أَلأول: أن يُقالَ له: هل ثبت عندك بالطريق المقبول في نقل الأخبار أنه قال هذهالكلمة بعينها ؟ وأنه قصد بها معناها المتعارف ؟
والأول: لا سبيل إليه؛ لعدم مُستَنَدٍ يُعْتمد عليه في ذلك. ولا عبرة بالاستفاضة الآن.وعلى تقدير ثبوت أصل الكتاب عنه؛ فلا بدّ من ثبوت كلِّ كلمة كلمة؛ لاحتمالأن يُدَسَّ في الكتاب ما ليس من كلامه من عَدُوٍّ أو مُلْحِد.وهذا " شرحالتنبيه " للجيلي ، مشحون بغرائب لا تعرف في المذهب. وقد اعْتُذِرَ عنه؛ بأنهلعلَّ بعض الأعداء دسَّ فيه ما أفسده حسدا.
والثاني: وهو أنه قصد بهذه الكلمة ( كذا ) لا سبيل إليه أيضا.ومن ادعاه كفر؛ لأنه منأمور القلب، التي لا يطَّلع عليها إلا الله.
و قد سال بعض أكابر العلماء بعضالصوفية في عصره: ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يُسْتَبْشَعُظاهرُها ؟فقال: غيرةً على طريقنا هذا أن يَدَّعيه من لا يحسنه، ويدخل فيه من ليس من أهله.
و المتصدي للنظر في كتب ابن عربي، أو أقرأها غيره..لم ينصح نفسه، ولا غيره؛ بل ضرَّ نفسه، وضرَّ المسلمين كل الضرر، لا سيما إن كان من القاصرين في علوم الشرع، والعلوم الظاهرة؛ فإنه يَضِل، ويُضِل..
و على تقدير أن يكون المُقرىء عارفا؛ فليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب الصوفية. ولا
يؤخذ هذا العلم من الكتب.
و ما أحسن قول بعض الأولياء لرجل – وقد سأله أن يقرأ عليه " تائية ابن الفارض " – فقال له:
دع عنك هذا.. مَن جاع جُوعَ القوم، وسهر سهرَهم، رأى ما رأَوْا..
والواجب على الشاب المستَفْتَى عنه: التوبة، والاستغفار..والخضوع لله تعالى، والإنابة إليه؛ حذراً من أن يكون آذى وليًّا لله، فيؤذِن الله بحرب. فإن امتنع من ذلك، وصمَّم َ، فكفاه عقوبة الله تعالى عن عقوبة المخلوقين.وماذا عسى أن يصنع فيه الحاكم أو غيره..هذا جوابي في ذلك. والله أعلم.
و قد أثنى عليه جماعة منهم:
قال الشيخ العارف صفي الدين بن أبي المنصور في " رسالته ": رأيت بدمشق الشيخ الإمام الوحيد، العالم العامل: مُحْيِي الدين بن عربي. وكان من أكبر علماء الطريق، جمع بين سائر العلوم الكَسْبِيَّة، وما قرأ من العلوم الوهبية. وشهرته عظيمة، وتصانيفه كثيرة. وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا.. لا يكترث الوجود مقبلا كان أو مُعرضًا، وله أتباع علماء، أرباب مواجيد، وتصانيف، وكان بينه وبين سيدي أبي العباس الحرار إخاء ورفقة في السياحات – رضي الله عنهما – آمين.
و قال في موضع آخر من " الرسالة ": كتب الشيخ محيي الدين بن عربي كتابا من دمشق إلى أبي العباس الحرار قال فيه: يا أخي أخبرني بما تجده لك من الفتح. فقال لي الشيخ: اكتب: جرت أمور غريبة النظر، عجيبة الخبر. فكتب إليه ابن عربي: توجه إليَّ بها بباطنك أُجبْك عنها بباطني. فعزَّ ذلك على الشيخ منه، وقال لي: اكتب له: أُشْهدت الأولياء دائرة مستديرة في وسطها اثنان: أحدهما – الشيخ أبو الحسن بن الصباغ. والآخر – رجل أندلسي. فقيل لي: أحد هذين هو " الغوث "، فرفع الأندلسي رأسه أولا فتحقَّقته، فوقفت إليه، وسألته سؤالا بغير حرف ولا صوت، فأجابني بنفثة نفثَها، فأخذت منه جوابي، وسرت لسائر دائرة الأولياء، أخذ منها كل ولي بقسطه. فإن كنت يا أخي بهذه المثابة، تحدثت معك عن مصر. فلم يعد يكتب له من ذلك شيئا.
و قال الشيخ عبد الغفار القوصي في كتابه " الوحيد ". قال: حدثني الشيخ عبد الغفار المنوفي خادم الشيخ محيي الدين بن عربي قال : كان الشيخ يمشي، وإنسان يسبهُ، وهو ساكت لا يرد عليه. فقال: سيدي، ما تنظر إلى هذا ؟ ، فققلت: لمن يقول ؟ ، فقال:قول لك. فقال: ما يسبني أنا، قلت: كيف ؟ قال: هذا تصوَّرت له صفات ذميمة؛ فهو يسب تلك الصفات، وما أنا موصوف بها.
قال الشيخ عبد الغفار: ولقد حكى لي الشيخ عبد العزيز عن ابن عربي حكايات من هذا الجنس وغيره، مع ما يتكلم الناس فيه، ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في الكتب وما تأولوها.
قال: وحكى لي الشيخ عبد العزيز: أن شخصاً كان بدمشق، فرض على نفسه أن يلعن ابن عربي كل يوم عَقب كل صلاة عشر مرات، فتوقف لأنه مات، وحضر ابن عربي مع الناس جنازته، ثم رجع وجلس في بيت بعض أصحابه، وتوجه إلى القبلة، فلما جاء وقط الغداء أُحْضِرَ إليه الغداء، فلم يأكل، ولم يزل على حاله متوجها، يصلي الصلوات، ويتوجه إلى ما بعد العشاء الآخرة، فالتفت وهو مسرور، وطلب الطعام، فقيل له في ذلك، فقال: الْتزمت مع الله ألاَّ آكل ولا أشرب حتى يغفر لهذا الرجل الذي كان يلعنني، فبقيت كذلك، وذكرت له سبعين ألف << لا إله إلا الله >>، ورأيته وقد غفر له.
قال الشيخ عبد الغفار:
و حكى لي الشيخ عبد العزيز عنه حكايات ٍ تدل على عظم شأنه، وكشف إطلاعه قال: وحكى الإمام محب الدين الطبري شيخ الحرم بمكة عن والدته – وكانت من الصالحات – أنها ربما أنكرت على ابن عربي كلاماً قاله في معنى " الكعبة ". قالت : فرأيت الكعبة تطوف بابن عربي .
وقال: وقد كان وقع بين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وبين الشيخ محيي الدين بن عربي.
أخبر الشيخ عبد العزيز ذلك؛ لأن الشيخ عز الدين كان ينكر ظاهر الحكم.
و حكى عن خادم الشيخ عز الدين أنه دخل إلى الجامع بدمشق، فقال "الخادم" للشيخ عز الدين: أنت وعدتني أن تُرِيَنِي << القطب >>. فقال له: ذلك هو << القطب >>، وأشار إلى ابن عربي وهو جالس، والحلقة عليه. فقال له: يا سيدي وأنت تقول فيه ما تقول ؟ فقال: هو القطب. فكرر عليه القول، وهو يقول ذلك. فإن لم يكن << القطب >> فلا معارضة في قول الشيخ عز الدين؛ لأنه إنما يحكم عليه بما يبدو من أموره الظاهرة، وحفظ سياج الشرع. والسرائر أمرها إلى الله تعالى يفعل فيها ما يشاء، فقد يطَّلع على محله ورتبته، فلا ينكرهما. وإذا بدا في الظاهر شيء مما لا بعهده الناس في الظاهر أنكره حفظا ً لقلوب الضعفاء، ووقوفاً مع ظاهر الشرع، وما كلف به، فيعطي هذا المقامَ حقًّهُ، وهذا حقَّهُ، والله أعلم. هذا كلام الشيخ عبد الغفار في جمعه بين مقالتي الشيخ عز الدين في حق ابن عربي. وعندي في الجمع أحسن من ذلك، وهو ما أشار إليه الشيخ تاج الدين بن عطاء الله– نفعنا الله به -: أن الشيخ عز الدين كان أوَّلا على طريقة غالب الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على << الصوفية >>. فلما حج الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، وأقرأه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم حسُن اعتقاده في الصوفية، ولزم مجالسهم بعد ذلك؛ فالظاهر أن إنكاره على ابن عربي كان في أول أمره لما كان الشيخ عز الدين أولاً بدمشق. وثناؤه عليه كان بعد ذلك في آخر أمره.
قال الشيخ عبد الغفار:
و قد حكى الثقة عن ابن عربي أن شخصا طلع وهو بغرفة بدمشق، وكان الشيخ عز الدين حاضراً عنده، فقال له ذلك الشخص: إني أقصد الجهة الفلانية، فقال: لا يأخذوك العرب. فقال: لا بُدَّ لي من السفر. فنزل، فإذا الشيخ يقول: هذا البدوي خرج عليه، وأخذ ثيابه، وها هو قد رجع، وجعل يقول: ها هو.. إلى أن قال: يا فلان، قال: نعم. فطلع علينا عرياناً ونحن جلوس مكاننا. قال الشيخ عبد الغفار: وهذا كشف صريح. قال:و قد اشتبه عليَّ الحال في الحاكي: هل هو القاضي جلال الدين ابن السبكي عن قاضي القضاة وجيه الدين البهنسي أم هو الشيخ عبد العزيز ؟ قال: وكلاهما إذا حكيا سواء.
و قال اليافعي في (( الإرشاد )):
اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحققان الربانيان: الشيخ شهاب الدين السُّهْروَرْدي.
و الشيخ محيي الدين بن عربي-رضي الله عنهما - فأطرق كل واحد منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام. فقيل لابن عربي: ما تقول في الشيخ شهاب الدين ؟. قال: مملوء سثَّةً من قَرنه إلى قدمه.. فقيل للسهروردي ما تقول في الشيخ محيي الدين ؟ فقال: بحر الحقائق.
وبلغني عن بعض الشيوخ الكبار العارفين: أنه كان يقرأ عليه أصحابُه كلام ابن عربي ويشرحه، فلما حضرته الوفاة، نهاهم عن مطالعة كتب ابن عربي وقال: أنتم ما تفهمون مراده، ومعاني كلامه.
وسمعت أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي ويقول: هو زِنديق. فقال له يوماً بعض أصحابه: أريد أن تُرِيني القطب.. فأشار إلى ابن عربي وقال: هذاك هو..
فقيل له: فأنت تطعن فيه ؟. فقال: حتى أصونَ ظاهر الشرع، أو كما قال - رضي الله عنه - أخبرني بذلك غير واحد ما بين مشهور بالصلاح، والفضل، ومعروف بالدين ثقة عدل، من أهل الشام، ومن أهل مصر. إلا أن بعضهم روى: << أن تُرِيني ولياً >>. وبعضهم روى << أن تُرِيني القطب >>.
فقدا سئلتُ: في " ابن عربي، ما حاله ؟ وفي رجل أمر بإحراق كتبه وقال: إنه أكفر من اليهود، والنصارى، ومن أدعى لله ولدا " ؟ فما يلزمه في ذلك ؟
قد اختلف الناس قديما وحديثا في ابن عربي: ففرقة تعتقد ولايته. وهي المصيبة . و من هذه الفرقة الشيختاج الدين بن عطاء الله من أئمة المالكية والشيخ عفيف الدين اليافعي من أئمة الشافعية.فإنهما بالغا في الثناء عليه، و وصفاه بالمعرفة. وفرقة تعتقد ضلاله ومنهم طائفة كبيرة من الفقهاء. وفرقة شكت في أمره ومنهم الحافظ الذهبي في الميزان .
وعن الشيخ عز الدين بن عبد السلام: الحط عليه ووصفه بأنه القطب. و الجمع بينهما: ما أشار إليه تاج الدين بن عطاء الله في " لطائف المنن ": أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية. فلما حج الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين قبل أن يدخل بيته، وأقراه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فخضع الشيخ عز الدين لذلك، ولزم مجلس الشاذلي من حينئذ، وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لمَّا فهم طريقتهم على وجهها. وصار يحضر معهم مجالس السماع.
وقد سئل شيخنا شيخ الإسلام، بقية المجتهدين شرف الدين المناوي عن ابن عربي، فأجاب بما حاصله: إن السكوتَ عنه أسلم؛ وهذا هو اللائق بكل وَرِع يخشى على نفسه.
والقول الفصل عندي في ابن عربي طريقه لا يرضاها فِرْقَتَا أهل العصر: لا من يعتقده، ولا من يحط ّ عليه. و هي: اعتقادُ وِلايَته، وتحريم النظر في كُتُبِه . فقد نُقِلَ عنه هو أنه قال:{ نحن قوم يحرم النظر في كتبنا. وذلك أن الصوفية تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها، وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها. فمن حمل ألفاظهم على معانيها المتعارفة بين أهل العلم الظاهر كفَر وكفَّرهم.} نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه وقال : إنه شبيه بالمتشابه بالقرآن والسنة.
و من حمله على ظاهره كفر، وله معنى سوى المتعارَف عليه منه. فمن حمل آيات الوجه، واليدين، والعين، والاستواء، على معانيها المتعارفة كفر قطعاً.
والمتصدي لكتبه تدل أن ابن عربي لم يخفْ من سوء الحساب، وأن يقال له: هل ثبت عندك في نص أنه كافر ؟ فإن قال: { كتبه تدل على كفره }. أَلأول: أن يُقالَ له: هل ثبت عندك بالطريق المقبول في نقل الأخبار أنه قال هذهالكلمة بعينها ؟ وأنه قصد بها معناها المتعارف ؟
والأول: لا سبيل إليه؛ لعدم مُستَنَدٍ يُعْتمد عليه في ذلك. ولا عبرة بالاستفاضة الآن.وعلى تقدير ثبوت أصل الكتاب عنه؛ فلا بدّ من ثبوت كلِّ كلمة كلمة؛ لاحتمالأن يُدَسَّ في الكتاب ما ليس من كلامه من عَدُوٍّ أو مُلْحِد.وهذا " شرحالتنبيه " للجيلي ، مشحون بغرائب لا تعرف في المذهب. وقد اعْتُذِرَ عنه؛ بأنهلعلَّ بعض الأعداء دسَّ فيه ما أفسده حسدا.
والثاني: وهو أنه قصد بهذه الكلمة ( كذا ) لا سبيل إليه أيضا.ومن ادعاه كفر؛ لأنه منأمور القلب، التي لا يطَّلع عليها إلا الله.
و قد سال بعض أكابر العلماء بعضالصوفية في عصره: ما حملكم على أن اصطلحتم على هذه الألفاظ التي يُسْتَبْشَعُظاهرُها ؟فقال: غيرةً على طريقنا هذا أن يَدَّعيه من لا يحسنه، ويدخل فيه من ليس من أهله.
و المتصدي للنظر في كتب ابن عربي، أو أقرأها غيره..لم ينصح نفسه، ولا غيره؛ بل ضرَّ نفسه، وضرَّ المسلمين كل الضرر، لا سيما إن كان من القاصرين في علوم الشرع، والعلوم الظاهرة؛ فإنه يَضِل، ويُضِل..
و على تقدير أن يكون المُقرىء عارفا؛ فليس من طريق القوم إقراء المريدين كتب الصوفية. ولا
يؤخذ هذا العلم من الكتب.
و ما أحسن قول بعض الأولياء لرجل – وقد سأله أن يقرأ عليه " تائية ابن الفارض " – فقال له:
دع عنك هذا.. مَن جاع جُوعَ القوم، وسهر سهرَهم، رأى ما رأَوْا..
والواجب على الشاب المستَفْتَى عنه: التوبة، والاستغفار..والخضوع لله تعالى، والإنابة إليه؛ حذراً من أن يكون آذى وليًّا لله، فيؤذِن الله بحرب. فإن امتنع من ذلك، وصمَّم َ، فكفاه عقوبة الله تعالى عن عقوبة المخلوقين.وماذا عسى أن يصنع فيه الحاكم أو غيره..هذا جوابي في ذلك. والله أعلم.
و قد أثنى عليه جماعة منهم:
قال الشيخ العارف صفي الدين بن أبي المنصور في " رسالته ": رأيت بدمشق الشيخ الإمام الوحيد، العالم العامل: مُحْيِي الدين بن عربي. وكان من أكبر علماء الطريق، جمع بين سائر العلوم الكَسْبِيَّة، وما قرأ من العلوم الوهبية. وشهرته عظيمة، وتصانيفه كثيرة. وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا.. لا يكترث الوجود مقبلا كان أو مُعرضًا، وله أتباع علماء، أرباب مواجيد، وتصانيف، وكان بينه وبين سيدي أبي العباس الحرار إخاء ورفقة في السياحات – رضي الله عنهما – آمين.
و قال في موضع آخر من " الرسالة ": كتب الشيخ محيي الدين بن عربي كتابا من دمشق إلى أبي العباس الحرار قال فيه: يا أخي أخبرني بما تجده لك من الفتح. فقال لي الشيخ: اكتب: جرت أمور غريبة النظر، عجيبة الخبر. فكتب إليه ابن عربي: توجه إليَّ بها بباطنك أُجبْك عنها بباطني. فعزَّ ذلك على الشيخ منه، وقال لي: اكتب له: أُشْهدت الأولياء دائرة مستديرة في وسطها اثنان: أحدهما – الشيخ أبو الحسن بن الصباغ. والآخر – رجل أندلسي. فقيل لي: أحد هذين هو " الغوث "، فرفع الأندلسي رأسه أولا فتحقَّقته، فوقفت إليه، وسألته سؤالا بغير حرف ولا صوت، فأجابني بنفثة نفثَها، فأخذت منه جوابي، وسرت لسائر دائرة الأولياء، أخذ منها كل ولي بقسطه. فإن كنت يا أخي بهذه المثابة، تحدثت معك عن مصر. فلم يعد يكتب له من ذلك شيئا.
و قال الشيخ عبد الغفار القوصي في كتابه " الوحيد ". قال: حدثني الشيخ عبد الغفار المنوفي خادم الشيخ محيي الدين بن عربي قال : كان الشيخ يمشي، وإنسان يسبهُ، وهو ساكت لا يرد عليه. فقال: سيدي، ما تنظر إلى هذا ؟ ، فققلت: لمن يقول ؟ ، فقال:قول لك. فقال: ما يسبني أنا، قلت: كيف ؟ قال: هذا تصوَّرت له صفات ذميمة؛ فهو يسب تلك الصفات، وما أنا موصوف بها.
قال الشيخ عبد الغفار: ولقد حكى لي الشيخ عبد العزيز عن ابن عربي حكايات من هذا الجنس وغيره، مع ما يتكلم الناس فيه، ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في الكتب وما تأولوها.
قال: وحكى لي الشيخ عبد العزيز: أن شخصاً كان بدمشق، فرض على نفسه أن يلعن ابن عربي كل يوم عَقب كل صلاة عشر مرات، فتوقف لأنه مات، وحضر ابن عربي مع الناس جنازته، ثم رجع وجلس في بيت بعض أصحابه، وتوجه إلى القبلة، فلما جاء وقط الغداء أُحْضِرَ إليه الغداء، فلم يأكل، ولم يزل على حاله متوجها، يصلي الصلوات، ويتوجه إلى ما بعد العشاء الآخرة، فالتفت وهو مسرور، وطلب الطعام، فقيل له في ذلك، فقال: الْتزمت مع الله ألاَّ آكل ولا أشرب حتى يغفر لهذا الرجل الذي كان يلعنني، فبقيت كذلك، وذكرت له سبعين ألف << لا إله إلا الله >>، ورأيته وقد غفر له.
قال الشيخ عبد الغفار:
و حكى لي الشيخ عبد العزيز عنه حكايات ٍ تدل على عظم شأنه، وكشف إطلاعه قال: وحكى الإمام محب الدين الطبري شيخ الحرم بمكة عن والدته – وكانت من الصالحات – أنها ربما أنكرت على ابن عربي كلاماً قاله في معنى " الكعبة ". قالت : فرأيت الكعبة تطوف بابن عربي .
وقال: وقد كان وقع بين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وبين الشيخ محيي الدين بن عربي.
أخبر الشيخ عبد العزيز ذلك؛ لأن الشيخ عز الدين كان ينكر ظاهر الحكم.
و حكى عن خادم الشيخ عز الدين أنه دخل إلى الجامع بدمشق، فقال "الخادم" للشيخ عز الدين: أنت وعدتني أن تُرِيَنِي << القطب >>. فقال له: ذلك هو << القطب >>، وأشار إلى ابن عربي وهو جالس، والحلقة عليه. فقال له: يا سيدي وأنت تقول فيه ما تقول ؟ فقال: هو القطب. فكرر عليه القول، وهو يقول ذلك. فإن لم يكن << القطب >> فلا معارضة في قول الشيخ عز الدين؛ لأنه إنما يحكم عليه بما يبدو من أموره الظاهرة، وحفظ سياج الشرع. والسرائر أمرها إلى الله تعالى يفعل فيها ما يشاء، فقد يطَّلع على محله ورتبته، فلا ينكرهما. وإذا بدا في الظاهر شيء مما لا بعهده الناس في الظاهر أنكره حفظا ً لقلوب الضعفاء، ووقوفاً مع ظاهر الشرع، وما كلف به، فيعطي هذا المقامَ حقًّهُ، وهذا حقَّهُ، والله أعلم. هذا كلام الشيخ عبد الغفار في جمعه بين مقالتي الشيخ عز الدين في حق ابن عربي. وعندي في الجمع أحسن من ذلك، وهو ما أشار إليه الشيخ تاج الدين بن عطاء الله– نفعنا الله به -: أن الشيخ عز الدين كان أوَّلا على طريقة غالب الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على << الصوفية >>. فلما حج الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، وأقرأه السلام من النبي صلى الله عليه وسلم حسُن اعتقاده في الصوفية، ولزم مجالسهم بعد ذلك؛ فالظاهر أن إنكاره على ابن عربي كان في أول أمره لما كان الشيخ عز الدين أولاً بدمشق. وثناؤه عليه كان بعد ذلك في آخر أمره.
قال الشيخ عبد الغفار:
و قد حكى الثقة عن ابن عربي أن شخصا طلع وهو بغرفة بدمشق، وكان الشيخ عز الدين حاضراً عنده، فقال له ذلك الشخص: إني أقصد الجهة الفلانية، فقال: لا يأخذوك العرب. فقال: لا بُدَّ لي من السفر. فنزل، فإذا الشيخ يقول: هذا البدوي خرج عليه، وأخذ ثيابه، وها هو قد رجع، وجعل يقول: ها هو.. إلى أن قال: يا فلان، قال: نعم. فطلع علينا عرياناً ونحن جلوس مكاننا. قال الشيخ عبد الغفار: وهذا كشف صريح. قال:و قد اشتبه عليَّ الحال في الحاكي: هل هو القاضي جلال الدين ابن السبكي عن قاضي القضاة وجيه الدين البهنسي أم هو الشيخ عبد العزيز ؟ قال: وكلاهما إذا حكيا سواء.
و قال اليافعي في (( الإرشاد )):
اجتمع الشيخان الإمامان العارفان المحققان الربانيان: الشيخ شهاب الدين السُّهْروَرْدي.
و الشيخ محيي الدين بن عربي-رضي الله عنهما - فأطرق كل واحد منهما ساعة، ثم افترقا من غير كلام. فقيل لابن عربي: ما تقول في الشيخ شهاب الدين ؟. قال: مملوء سثَّةً من قَرنه إلى قدمه.. فقيل للسهروردي ما تقول في الشيخ محيي الدين ؟ فقال: بحر الحقائق.
وبلغني عن بعض الشيوخ الكبار العارفين: أنه كان يقرأ عليه أصحابُه كلام ابن عربي ويشرحه، فلما حضرته الوفاة، نهاهم عن مطالعة كتب ابن عربي وقال: أنتم ما تفهمون مراده، ومعاني كلامه.
وسمعت أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي ويقول: هو زِنديق. فقال له يوماً بعض أصحابه: أريد أن تُرِيني القطب.. فأشار إلى ابن عربي وقال: هذاك هو..
فقيل له: فأنت تطعن فيه ؟. فقال: حتى أصونَ ظاهر الشرع، أو كما قال - رضي الله عنه - أخبرني بذلك غير واحد ما بين مشهور بالصلاح، والفضل، ومعروف بالدين ثقة عدل، من أهل الشام، ومن أهل مصر. إلا أن بعضهم روى: << أن تُرِيني ولياً >>. وبعضهم روى << أن تُرِيني القطب >>.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر