أبو الحسن الشاذلي يشارك في معركة المنصورة ضد الصليبين
هو الإمام على بن عبد الله بن عبد الجبار الذى يمتد نسبه الى الحسن بن على بن أبى طالب ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم .
وقد أجمعت المصادر التي تناولت سيرته وتاريخه أنه : كان كبير المقدار ، عالى المقام ، قال عنه ابن الملقن : الشاذلى نسبة الى شاذلة وهى قرية بأفريقية... نزيل الاسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية .
وقد جاء فى كتاب الطبقات الكبرى للشعرانى انه : قطب الزمان ، الحامل فى وقته لواء اهل العيان ، حجة الصوفية ،علم المهتدين ، زين العارفين ،أستاذ الأكابر ، زمزم الأسرار ، ومعدن الأنوار ، القطب الغوث الجامع أبو الحسن الشاذلي (1) .
كان رضى الله عنه لايرى طريق القوم موقوفه على العزلة والمرقعات او الخرق ، انما كان يراها فى إطار المنهج القرآنى فيلبس الفاخر من الثياب ويتخذ أجود الدواب والخيل والجياد . وكان يعلم اصحابه هذا النهج الرفيع فى فهم الزهد وتذوق التجرد ، فقد دخل عليه مرة أبو العباس المرسى وفى نفسه ان يأكل الخشن ويلبس الخشن ، فقال له :
ياأبا العباس اعرف الله ، وكن كيف شئت ومن عرف ربه فلا عليه ان أكل هنيئا وشرب مريئا . وهو - مع ذلك – الرجل الذى عاش منهج التربية فى جبل زغوان على صورة لا يتحملها إلا الأبطال والكمل من الرجال .
شعر الشيخ الشاذلى بالرغبة الملحة فى القرب من الله وفى ان يستضئ قلبه بنور المعرفة ، وفى ان يكشف الله له الحجب، وتحمل الرغبة فى السفر وانتهى به المطاف الى بغداد ، والتقى بالأولياء الصالحين ومنهم الشيخ ( أبو الفتح الوسطى ) الذي مقامه في الإسكندرية حاليا .
وذات يوم قال له أحد الأولياء فى العراق : إنك تبحث عن القطب مع أن القطب ببلادك ، ارجع الى بلادك تجده ، وعاد أبو الحسن إلى بلاده وأخذ يسأل عن القطب فيقول :
لما قدمت عليه وهو ساكن بمغارة على رأس الجبل ، أغتسلت فى عين بأسفل ذلك الجبل ، وخرجت عن علمى وعملى ، وطلعت اليه فقيراً ، إذا به هابط إلى ، وعلى رأسه قلنسوة من خوص فقال لى: مرحباً بعلى بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر نسبى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال لى : يا على طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك ، فأخذت منا غنى الدنيا والأخرة ، فأخذنى منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى ان فتح الله على بصيرتى (2) .
وكان هذا الشيخ هو العارف بالله عبد السلام ابن مشيش أستاذ الشاذلي ، ويروى ابن عباد فى كتابه المفاخر العليه أن : مقام ابن مشيش فى المغرب كمقام الشافعى فى مصر ، ويذكر أبو الحسن الشاذلي عن أستاذه مايلى : دخل رجل على استاذى فقال له وظف لى وظائف واورادا ، فغضب الشيخ منه وقال له: أرسول انا أوجب الواجبات ؟ .
الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة ، فكن للفرائض حافظاً ، وللمعاصى رافضاً ، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا ، وحب النساء ، وحب الجاه , وإيثار الشهوات ، وأقنع من ذلك كله بما قسم الله لك ، وإذا خرج لك مخرج الرضا فكن لله فيه شاكرا، وإذا خرج لك مخرج الشر فكن عليه صابرا .
ولما حان موعد الفراق خاطب أبو الحسن شيخه ابن مشيش قائلا : ياسيدى اوصنى ، فقال له : ياعلى الله الله ، والناس الناس ، نزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التمايل من قبلهم ، وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض ، وقد تمت ولاية الله عندك ، ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك (3) .
وودع الشيخ أبو الحسن شيخه عبد السلام بن مشيش وقد وضح أمامه الطريق . في عام 642 هـ / 1244م خرج الشيخ أبو الحسن الشاذلي إلى الحج وسافر إلى مصر عبر الإسكندرية وبعد العودة من الحج أقام بتونس فترة ثم وفد إلى مصر ومعه جماعة من العلماء والصالحين وعلى رأسهم الشيخ أبو العباس المرسى وذلك للإقامة الدائمة بها.
يقول الشاذلي: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام ، فقال لي: " يا على.. أنتقل إلى الديار المصرية ، تربى فيها أربعين صديقا" فأتخذ الشاذلي من الإسكندرية مقاماً له ولأصحابه ، ولما نزلوا إلى الإسكندرية نزلوا عند عمود السواري ، وكان ذلك في عهد "الصالح نجم الدين أيوب" (في عصر الدولة الأيوبية) ومن الإسكندرية كتب الشيخ الشاذلي إلى بعض أصدقائه قائلا: "اكتب إليكم من الإسكندرية حرسها الله ، ونحن في سوابغ نعم الله نتقلب".
كان مسكن الشيخ رضي الله عنه في الإسكندرية من أبراج السور ، حبسه السلطان عليه وعلى ذريته وخلته ، وتزوج هناك وولد له أولاد ، منهم الشيخ (شهاب الدين أحمد) و (أبو الحسن على) و (أبو عبد الله محمد شرف الدين) ومن البنات (زينب) ولها أولاد و (عريفة الخير) وتؤكد بعض الروايات أن أبا الحسن الشاذلي خال الشيخ إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه.
لقد كانت إقامته بمصر مصداقاً لما نودي به حينما دخلها ، وفى ذلك يقول الشاذلي: (لما قدمت الديار المصرية ، قيل لي: يا على.. ذهبت أيام المحن, وأقبلت أيام المنن ، عشر بعشر ، اقتداء بجدك صلى الله عليه و سلم).
لم يقصر الشيخ الشاذلي رضي الله عنه نشاطه العلمي والروحي على مدينة الإسكندرية وحدها ، بل كان دائم الرحلة إلى مدن مصر الكبرى ، مثل دمنهور وقد زوج ابنته إلى أحد الفضلاء بها وهو الشيخ (على الدمنهوري) رضي الله عنه ، ثم زار مدينة دمياط والمنصورة وتردد كثيرا على القاهرة
وزار معظم مدن الوجه القبلي أثناء سفراته العديدة إلى الحج ، وقد قال الشيخ بدر الدين بن جماعة: (والله ما حلت البركة بالديار المصرية إلا منذ أن أقام بها الشيخ الشاذلي).
كانت فترة استقراره بمصر فترة استقرار مادي ونفسي ، كما كانت فترة خصبة في مجال الدعوة وفى مجال تربية الرجال.
ولما أستقر الشيخ الشاذلي وصحبه بالإسكندرية اتخذوا داراً في (كوم الدكة) وبدأوا يدعون إلى الله في كل مكان ، حتى قصدهم العلماء ، ولازم مجلسهم الطلاب والمريدون ، وذاع صيتهم في الديار المصرية ، وممن كان يحضر مجلسه العز بن عبد السلام ، وابن دقيق العيد ، والحافظ المنذرى ، وابن الحاجب ، وابن الصلاح ، وابن عصفور ، وغيرهم من الكاملية من القاهرة.
أختار الشيخ أبو الحسن الشاذلي "جامع العطارين" لإلقاء دروسه وعقد حلقات الوعظ والإرشاد فيه، وأقام الشاذلي الشيخ أبا العباس المرسى خليفة بعده، وأذن له في إلقاء الدروس وإرشاد المريدين وتعليم الطلاب ومناظرة العلماء، وتلقين مبادئ وآداب السلوك.
وقد أقام الشاذلي مدرسة صوفية في الإسكندرية سنية الاتجاه لكي تحافظ على روح الدين وروحانيته المشرقة.
أستمر الشيخ يدعو إلى الله في مصر إلى أن كان شهر شوال عام 656هـ / 1258م حيث عقد الشيخ الشاذلي العزم على السفر إلى الأراضي المقدسة للحج ، فصحب معه جماعة من إخوانه وعلى رأسهم الشيخ أبو العباس المرسى ، وأبو العزائم ماضي ، فلما وصل إلى "حميثرة" بصحراء "عيذاب" (الاسم القديم للصحراء الشرقية بمصر) جمع الشيخ أصحابه في إحدى الأمسيات وأوصاهم بأشياء ، وأوصاهم بحزب البحر ، وقال لهم: (حفظوه لأولادكم فإن فيه أسم الله الأعظم).
ثم خلا بأبي العباس المرسى رضي الله عنهما وحده ، وأوصاه بأشياء ، وخصه بما خصه الله بن من البركات ، ثم وجه الحديث لأصحابه قائلا: (إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسى ، فإنه خليفتي من بعدى ، وسيكون له بينكم مقام عظيم ، وهو باب من أبواب الله تعالى).
وبات الشاذلي تلك الليلة متوجهاً إلى الله تعالى ، ذاكراً ، يسمعه أصحابه وهو يقول (إلهي .. إلهي) فلما كان السحر سكن ، فظن أصحابه أنه نام ، فحركوه فوجدوه ميتاً ، وغسله الشيخ أبو العباس المرسى وصلى الجميع عليه ودفن في حميثرة )4(.
أغار الصليبيون على مصر في الحملة الصليبية السابعة سنة 647 هـ ( 1249 مـ) بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا وعند مدينة المنصورة وقعت معركة كبرى وانتصر فيها المسلمون نصراً كبيرا ً ، وكان من أبرز القواد المسلمين ركن الدين بيبرس الذي تولى حكم مصر باسم( الظاهر بيبرس) .
كان أبو الحسن الشاذلي من ابرز القادة الروحيين الذين أسهموا إسهاما كبيرا ً في هذه المعركة الخالدة ، ورغم انه كان كبيراً في السن وقد كف بصره ، فانه لم يتخلف عن أداء واجبه الديني والوطني ، فغادر الاسكندريه إلى المنصورة ، وانضم إلى جماعة من علماء وأولياء زمانه ورجال الدين ، وفى طليعتهم الشيخ (العز بن عبد السلام) و(محي الدين بن سراقة) و(مجد الدين القشيرى) و(مجد الدين الاخميمى) ، كان رجال الدين وعلى رأسهم الشيخ الشاذلي من كبار المجاهدين في المعركة ، وكونوا فريقاً من خيرة الدعاة إلى الجهاد ، يحثون الناس على المشاركة والتبرع للمعركة ، وكانوا يسيرون بين الجنود يشجعونهم ويحرضون على القتال ويبشرون بإحدى الحسينيين : النصر أو الشهادة ، أي عملوا كالجهاز الذي نسميه حديثاً بجهاز الحرب المعنوية (5).
يقول الدكتور عبد الحليم محمود : لقد كان مجرد سيرهم في الحواري والشوارع تذكيراً بالنصر أو الجنة وكان حفزاً للهمم ، وتثبيتاً للإيمان وتأكيدا لصورة الجهاد الإسلامي التي قادها في عصور الإسلام الأولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم (6 ) .
وقد انتهت المعركة بهزيمة ساحقة ، ونصر مؤزر للمؤمنين وتشير المصادر إلى انه أسر أكثر من عشرين ألف جندي وقتل حوالي سبعة آلاف ، وهكذا كان لموقف أبى الحسن الشاذلي أثره العميق ، وعاقبته الطيبة في نفوس الجند ، ومن ثم ندرك أن أبا الحسن الشاذلي رجل فعال في دنيا الناس (7 ) .
المصادر والمراجع :
(1 ) الشعراني : الطبقات الكبرى ص 301 ( دار المعرفة، بيروت ،لبنان 2005 مـ) .
(2 )ابن الصباغ : درة الأسرار ص16 ( دار الحسين الإسلامية ، القاهرة 2002 مـ) .
(3 ) ابن عباد :- المفاخر العلية ص11 -13 ( مطبعة الحسين الإسلامية ، القاهرة )
(4 ) ابن عطاء الله السكندري : لطائف المنن ص48-61 (طبعة دار الحسين الإسلامية 2002 مـ) .
(5 ) دكتور محمد رجائي الطحلاوى : أبا الحسن الشاذلي رحلة الاغتراب من زغوان إلى عيذاب ( مكتبة جاد بالفجالة ، القاهرة 2007 ) .
(6 ) دكتور عبد الحليم محمود : المدرسة الشاذلية ص57 ( طبعة دار المعارف مصر الطبعة الثانية ، 1988 مـ) .
(7 ) دكتور عبد الوهاب فرحات : أبو الحسن الشاذلي ، حياته ومدرسته في التصوف ص 68 (مكتبة مدبولى 2003 مـ القاهرة ).
هو الإمام على بن عبد الله بن عبد الجبار الذى يمتد نسبه الى الحسن بن على بن أبى طالب ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم .
وقد أجمعت المصادر التي تناولت سيرته وتاريخه أنه : كان كبير المقدار ، عالى المقام ، قال عنه ابن الملقن : الشاذلى نسبة الى شاذلة وهى قرية بأفريقية... نزيل الاسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية .
وقد جاء فى كتاب الطبقات الكبرى للشعرانى انه : قطب الزمان ، الحامل فى وقته لواء اهل العيان ، حجة الصوفية ،علم المهتدين ، زين العارفين ،أستاذ الأكابر ، زمزم الأسرار ، ومعدن الأنوار ، القطب الغوث الجامع أبو الحسن الشاذلي (1) .
كان رضى الله عنه لايرى طريق القوم موقوفه على العزلة والمرقعات او الخرق ، انما كان يراها فى إطار المنهج القرآنى فيلبس الفاخر من الثياب ويتخذ أجود الدواب والخيل والجياد . وكان يعلم اصحابه هذا النهج الرفيع فى فهم الزهد وتذوق التجرد ، فقد دخل عليه مرة أبو العباس المرسى وفى نفسه ان يأكل الخشن ويلبس الخشن ، فقال له :
ياأبا العباس اعرف الله ، وكن كيف شئت ومن عرف ربه فلا عليه ان أكل هنيئا وشرب مريئا . وهو - مع ذلك – الرجل الذى عاش منهج التربية فى جبل زغوان على صورة لا يتحملها إلا الأبطال والكمل من الرجال .
شعر الشيخ الشاذلى بالرغبة الملحة فى القرب من الله وفى ان يستضئ قلبه بنور المعرفة ، وفى ان يكشف الله له الحجب، وتحمل الرغبة فى السفر وانتهى به المطاف الى بغداد ، والتقى بالأولياء الصالحين ومنهم الشيخ ( أبو الفتح الوسطى ) الذي مقامه في الإسكندرية حاليا .
وذات يوم قال له أحد الأولياء فى العراق : إنك تبحث عن القطب مع أن القطب ببلادك ، ارجع الى بلادك تجده ، وعاد أبو الحسن إلى بلاده وأخذ يسأل عن القطب فيقول :
لما قدمت عليه وهو ساكن بمغارة على رأس الجبل ، أغتسلت فى عين بأسفل ذلك الجبل ، وخرجت عن علمى وعملى ، وطلعت اليه فقيراً ، إذا به هابط إلى ، وعلى رأسه قلنسوة من خوص فقال لى: مرحباً بعلى بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر نسبى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم قال لى : يا على طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك ، فأخذت منا غنى الدنيا والأخرة ، فأخذنى منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى ان فتح الله على بصيرتى (2) .
وكان هذا الشيخ هو العارف بالله عبد السلام ابن مشيش أستاذ الشاذلي ، ويروى ابن عباد فى كتابه المفاخر العليه أن : مقام ابن مشيش فى المغرب كمقام الشافعى فى مصر ، ويذكر أبو الحسن الشاذلي عن أستاذه مايلى : دخل رجل على استاذى فقال له وظف لى وظائف واورادا ، فغضب الشيخ منه وقال له: أرسول انا أوجب الواجبات ؟ .
الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة ، فكن للفرائض حافظاً ، وللمعاصى رافضاً ، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا ، وحب النساء ، وحب الجاه , وإيثار الشهوات ، وأقنع من ذلك كله بما قسم الله لك ، وإذا خرج لك مخرج الرضا فكن لله فيه شاكرا، وإذا خرج لك مخرج الشر فكن عليه صابرا .
ولما حان موعد الفراق خاطب أبو الحسن شيخه ابن مشيش قائلا : ياسيدى اوصنى ، فقال له : ياعلى الله الله ، والناس الناس ، نزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التمايل من قبلهم ، وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض ، وقد تمت ولاية الله عندك ، ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك (3) .
وودع الشيخ أبو الحسن شيخه عبد السلام بن مشيش وقد وضح أمامه الطريق . في عام 642 هـ / 1244م خرج الشيخ أبو الحسن الشاذلي إلى الحج وسافر إلى مصر عبر الإسكندرية وبعد العودة من الحج أقام بتونس فترة ثم وفد إلى مصر ومعه جماعة من العلماء والصالحين وعلى رأسهم الشيخ أبو العباس المرسى وذلك للإقامة الدائمة بها.
يقول الشاذلي: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام ، فقال لي: " يا على.. أنتقل إلى الديار المصرية ، تربى فيها أربعين صديقا" فأتخذ الشاذلي من الإسكندرية مقاماً له ولأصحابه ، ولما نزلوا إلى الإسكندرية نزلوا عند عمود السواري ، وكان ذلك في عهد "الصالح نجم الدين أيوب" (في عصر الدولة الأيوبية) ومن الإسكندرية كتب الشيخ الشاذلي إلى بعض أصدقائه قائلا: "اكتب إليكم من الإسكندرية حرسها الله ، ونحن في سوابغ نعم الله نتقلب".
كان مسكن الشيخ رضي الله عنه في الإسكندرية من أبراج السور ، حبسه السلطان عليه وعلى ذريته وخلته ، وتزوج هناك وولد له أولاد ، منهم الشيخ (شهاب الدين أحمد) و (أبو الحسن على) و (أبو عبد الله محمد شرف الدين) ومن البنات (زينب) ولها أولاد و (عريفة الخير) وتؤكد بعض الروايات أن أبا الحسن الشاذلي خال الشيخ إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه.
لقد كانت إقامته بمصر مصداقاً لما نودي به حينما دخلها ، وفى ذلك يقول الشاذلي: (لما قدمت الديار المصرية ، قيل لي: يا على.. ذهبت أيام المحن, وأقبلت أيام المنن ، عشر بعشر ، اقتداء بجدك صلى الله عليه و سلم).
لم يقصر الشيخ الشاذلي رضي الله عنه نشاطه العلمي والروحي على مدينة الإسكندرية وحدها ، بل كان دائم الرحلة إلى مدن مصر الكبرى ، مثل دمنهور وقد زوج ابنته إلى أحد الفضلاء بها وهو الشيخ (على الدمنهوري) رضي الله عنه ، ثم زار مدينة دمياط والمنصورة وتردد كثيرا على القاهرة
وزار معظم مدن الوجه القبلي أثناء سفراته العديدة إلى الحج ، وقد قال الشيخ بدر الدين بن جماعة: (والله ما حلت البركة بالديار المصرية إلا منذ أن أقام بها الشيخ الشاذلي).
كانت فترة استقراره بمصر فترة استقرار مادي ونفسي ، كما كانت فترة خصبة في مجال الدعوة وفى مجال تربية الرجال.
ولما أستقر الشيخ الشاذلي وصحبه بالإسكندرية اتخذوا داراً في (كوم الدكة) وبدأوا يدعون إلى الله في كل مكان ، حتى قصدهم العلماء ، ولازم مجلسهم الطلاب والمريدون ، وذاع صيتهم في الديار المصرية ، وممن كان يحضر مجلسه العز بن عبد السلام ، وابن دقيق العيد ، والحافظ المنذرى ، وابن الحاجب ، وابن الصلاح ، وابن عصفور ، وغيرهم من الكاملية من القاهرة.
أختار الشيخ أبو الحسن الشاذلي "جامع العطارين" لإلقاء دروسه وعقد حلقات الوعظ والإرشاد فيه، وأقام الشاذلي الشيخ أبا العباس المرسى خليفة بعده، وأذن له في إلقاء الدروس وإرشاد المريدين وتعليم الطلاب ومناظرة العلماء، وتلقين مبادئ وآداب السلوك.
وقد أقام الشاذلي مدرسة صوفية في الإسكندرية سنية الاتجاه لكي تحافظ على روح الدين وروحانيته المشرقة.
أستمر الشيخ يدعو إلى الله في مصر إلى أن كان شهر شوال عام 656هـ / 1258م حيث عقد الشيخ الشاذلي العزم على السفر إلى الأراضي المقدسة للحج ، فصحب معه جماعة من إخوانه وعلى رأسهم الشيخ أبو العباس المرسى ، وأبو العزائم ماضي ، فلما وصل إلى "حميثرة" بصحراء "عيذاب" (الاسم القديم للصحراء الشرقية بمصر) جمع الشيخ أصحابه في إحدى الأمسيات وأوصاهم بأشياء ، وأوصاهم بحزب البحر ، وقال لهم: (حفظوه لأولادكم فإن فيه أسم الله الأعظم).
ثم خلا بأبي العباس المرسى رضي الله عنهما وحده ، وأوصاه بأشياء ، وخصه بما خصه الله بن من البركات ، ثم وجه الحديث لأصحابه قائلا: (إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسى ، فإنه خليفتي من بعدى ، وسيكون له بينكم مقام عظيم ، وهو باب من أبواب الله تعالى).
وبات الشاذلي تلك الليلة متوجهاً إلى الله تعالى ، ذاكراً ، يسمعه أصحابه وهو يقول (إلهي .. إلهي) فلما كان السحر سكن ، فظن أصحابه أنه نام ، فحركوه فوجدوه ميتاً ، وغسله الشيخ أبو العباس المرسى وصلى الجميع عليه ودفن في حميثرة )4(.
أغار الصليبيون على مصر في الحملة الصليبية السابعة سنة 647 هـ ( 1249 مـ) بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا وعند مدينة المنصورة وقعت معركة كبرى وانتصر فيها المسلمون نصراً كبيرا ً ، وكان من أبرز القواد المسلمين ركن الدين بيبرس الذي تولى حكم مصر باسم( الظاهر بيبرس) .
كان أبو الحسن الشاذلي من ابرز القادة الروحيين الذين أسهموا إسهاما كبيرا ً في هذه المعركة الخالدة ، ورغم انه كان كبيراً في السن وقد كف بصره ، فانه لم يتخلف عن أداء واجبه الديني والوطني ، فغادر الاسكندريه إلى المنصورة ، وانضم إلى جماعة من علماء وأولياء زمانه ورجال الدين ، وفى طليعتهم الشيخ (العز بن عبد السلام) و(محي الدين بن سراقة) و(مجد الدين القشيرى) و(مجد الدين الاخميمى) ، كان رجال الدين وعلى رأسهم الشيخ الشاذلي من كبار المجاهدين في المعركة ، وكونوا فريقاً من خيرة الدعاة إلى الجهاد ، يحثون الناس على المشاركة والتبرع للمعركة ، وكانوا يسيرون بين الجنود يشجعونهم ويحرضون على القتال ويبشرون بإحدى الحسينيين : النصر أو الشهادة ، أي عملوا كالجهاز الذي نسميه حديثاً بجهاز الحرب المعنوية (5).
يقول الدكتور عبد الحليم محمود : لقد كان مجرد سيرهم في الحواري والشوارع تذكيراً بالنصر أو الجنة وكان حفزاً للهمم ، وتثبيتاً للإيمان وتأكيدا لصورة الجهاد الإسلامي التي قادها في عصور الإسلام الأولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم (6 ) .
وقد انتهت المعركة بهزيمة ساحقة ، ونصر مؤزر للمؤمنين وتشير المصادر إلى انه أسر أكثر من عشرين ألف جندي وقتل حوالي سبعة آلاف ، وهكذا كان لموقف أبى الحسن الشاذلي أثره العميق ، وعاقبته الطيبة في نفوس الجند ، ومن ثم ندرك أن أبا الحسن الشاذلي رجل فعال في دنيا الناس (7 ) .
المصادر والمراجع :
(1 ) الشعراني : الطبقات الكبرى ص 301 ( دار المعرفة، بيروت ،لبنان 2005 مـ) .
(2 )ابن الصباغ : درة الأسرار ص16 ( دار الحسين الإسلامية ، القاهرة 2002 مـ) .
(3 ) ابن عباد :- المفاخر العلية ص11 -13 ( مطبعة الحسين الإسلامية ، القاهرة )
(4 ) ابن عطاء الله السكندري : لطائف المنن ص48-61 (طبعة دار الحسين الإسلامية 2002 مـ) .
(5 ) دكتور محمد رجائي الطحلاوى : أبا الحسن الشاذلي رحلة الاغتراب من زغوان إلى عيذاب ( مكتبة جاد بالفجالة ، القاهرة 2007 ) .
(6 ) دكتور عبد الحليم محمود : المدرسة الشاذلية ص57 ( طبعة دار المعارف مصر الطبعة الثانية ، 1988 مـ) .
(7 ) دكتور عبد الوهاب فرحات : أبو الحسن الشاذلي ، حياته ومدرسته في التصوف ص 68 (مكتبة مدبولى 2003 مـ القاهرة ).
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر