بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على حبيبنا المصطفى رحمة للعالمين سيدنا محمد
كثر الحديث مؤخرا في مقالات نشرت في الانترنت حول تاريخ السباعيين السبعة، بمقال تحت عنوان "حقائق و تواريخ حول الشهداء السبعة" و استدل الكاتب على مزاعمه بروايات و كتب و مصادر عربية و أجنبية و هي المصادر التي بحثت فيها شخصيا و هو ما دفعني إلى تسليط بعض الأضواء على تاريخ هذه المنطقة و ربط أحداثها بسياقاتها التاريخية و استخلاص النتائج و لم يكن الدافع هو التنقيص من أي كان حيا أو ميتا و إنما تحدوني الأمانة العلمية و الموضوعية و التاريخية لأعرض للموضوع من ثلاثة محاور: المحور الأول كرونولوجيا التواجد البرتغالي بالمغرب و بالسواحل الأطلسية، و المحور الثاني ظروف و ملابسات نشأة الدولة السعدية و علاقتها بمنطقة الساقية الحمراء و المحور الثالث يعنى بظروف وفاة أبناء أبي السباع بين التحريف و الواقع.
المحور الأول: كرونولوجيا التواجد البرتغالي بالمغرب و الشواطئ الأطلسية (1421-1547).
بدأ اهتمام البرتغاليين بالسواحل الأطلسية منذ سنة 1421 مع هنري الملاح و كان الهدف من ذلك هو الحصول على العبيد و الذهب إذ كان أول من اجتاز رأس بوجدور سنة 1434 هو جيل اينيس Gil Eannes، و هذه المحاولات مهدت الطريق لاحقا و بالضبط سنة 1436 لألفونصو كونسالفيسAlfonso Gonçalves الذي اشترى مجموعة من العبيد من قبائل صنهاجة على الساحل الأطلسي.
و في الفترة الممتدة ما بين 1443 و 1446 قاد البرتغاليون 15 حملة استكشافية أرسلت إلى شواطئ وادي الذهب في إطار تجارة العبيد و الذهب، و خلال هذه الفترة تم اكتشاف جزيرة أركوين Arguin جنوب الرأس الأبيض Cabo Blanco حيث أقام البرتغاليون مركزا تجاريا.
و خلال سنة 1445 غامر البرتغالي خوايو فيرنانديز João Fernandezو دخل إلى عمق الأراضي الموريتانية و بالضبط إلى ودان، لكنه اعتقل و أخذ كرهينة من قبل قبائل صنهاجة، و مكث عندهم 7 أشهر بعدها نقل إلى أوروبا عادات قبائل الصحراء.
و نظرا للغارات المتوالية لقبائل صنهاجة فقد تقرر سنة 1449 تقسيم مناطق النفوذ بين إمارة قشتالة في الشمال (رأس كير) قرب أكادير، و البرتغاليين جنوب (رأس بوجدور).
و خلال سنة 1487 مارس البحارة البرتغاليون تجارة العبيد و الذهب و أحضروا معهم كميات من الذهب و حوالي ألف من الرقيق.
و كانوا يقايضون العبيد بالقمح و الأقمشة و الخيول إلى جانب هذه التجارة مارسوا الصيد البحري و كانوا يجففون الأسماك.
1505 قام البرتغاليون ببناء مركز تجاري هو سانتا كروس دي أكوير Santa Cruz de Aguer قرب أكادير حاليا باتفاق مع قبائل ماسة.
و في سنة 1508 تم احتلال آسفي و بناء مركز حصن منيع من طرف البرتغاليين.
1513 تم احتلال الجديدة (مازاكان) ثم أزمور.
و خلال سنة 1517 استولى البرتغاليون على Santa Cruz de Mar Pequeña لكن الاسبانيين طردوا البرتغاليين منها و أعادوا بناء الميناء من جديد.
و في سنة 1541 تم الهجوم على ميناء أكادير و تدميره من طرف قوات السعديين.
و يتضح من خلال هذه الأحداث أن البرتغاليين لم يتجاوزوا الثغور ولم يكن باستطاعتهم التوغل داخل الأعماق و بالأحرى الدخول في معارك مع السكان المحليين بعيدا عن السواحل بحوالي 200 كلم، و هذا ما يضحد الروايات الضعيفة السند بخصوص ما أورده كاتب المقال.
المحور الثاني: ظروف و ملابسات نشأة الدولة السعدية و علاقتها بالساقية الحمراء.
أما بخصوص الدولة السعدية فليعلم الباحث المحترم أنه و على اثر تدهور الدولة الوطاسية بايعت قبائل سوس محمد بن عبد الرحمان القائم بأمر الله لما عرف فيه من شرف في نوفمبر 1510/ شعبان 916هـ. و ذلك لمجابهة التغلغل البرتغالي في السواحل المغربية. وفي هذا الإطار شن أول هجوم على حصن فونتي الخاضع لنفوذ البرتغاليين في 18 غشت 1511 الموافق 23 جمادى الأولى 917هـ. و بعد ذلك بخمس سنوات أي 1516م/922هـ فتح محمد القائم بأمر الله السعدي تارودانت ليتخذها قاعدة لهجماته على حصن أكادير. غير أنه توفي في 923هـ ليخلفه ابنه أبو العباس أحمد الأعرج الذي تمكن من دخول مراكش وطرد الوطاسيين منها في يناير 1525 الموافق لربيع الأول 931هـ . و يعتبر أهم انجاز قام به أحمد الأعرج هو قتل أكبر العملاء البرتغاليين المدعو يحيى بن تعففت وسحق الجيش البرتغالي الذي تراجعت فلوله إلى مدينة آسفي، و كان من نتائج هذه المعركة تخلي البرتغاليين عن سياسة التوسع و استبدالها بسياسة الجلاء عن بعض الموانئ التي يصعب الاحتفاظ بها. و هذا ما يفسر إستراتيجية البرتغاليين بشأن حصن أكادير بعد اشتداد الخناق عليهم من طرف محمد الشيخ السعدي و جلائهم عنه في 12 مارس 1541 الموافق ل 14 ذو القعدة 947هـ .
و لكن أحمد الأعرج شغل في نزاع مع أخيه محمد الشيخ بعد أن اتهمه هذا الأخير بالتقاعس عن مواجهة الوطاسيين خصوصا بعد صلح بوعقبة سنة 943هـ/1536م الذي قسم المغرب إلى شمال للوطاسيين و جنوب للسعديين. وقد اشتد الخلاف بين الأخوة و تدخل للصلح بين الطرفين مجموعة من شيوخ الزاوية الجزولية و تحديدا الشيخ سيدي رحال البودالي الكوشي، و هذا ما يفند رواية أسر الشيخ من طرف البرتغاليين، غير أن محمد الشيخ تمكن من أسر أخيه أحمد الأعرج و الزج به في السجن سنة 951هـ/1544م. و بعد ذلك باشر محمد الشيخ عملية بسط سيطرته على باقي المغرب بمساعدة أبناءه محمد الحران و عبد القادر.
و لعل أهم ما يميز سياسة محمد الشيخ السعدي هو تقسيمها إلى مستويين داخلي و خارجي، فداخليا شن حربا شعواء ضد شيوخ الزوايا و رجال الصوفية فيما يعرف تاريخيا بـ "امتحان الزوايا".
أما خارجيا فقد عرفت هذه المرحلة الانتقالية من الدولة السعدية مواجهة محمد الشيخ السعدي لأطماع كل من المسيحيين و الأتراك. يجمع المؤرخون على أنه أعطى الأولوية لمواجهة الأتراك في الحدود الشرقية للمغرب نظرا لتدخلاتهم لإفشال الدولة الناشئة و كذا محاولاتهم السلمية لفرض تبعية المغرب للسلطنة العثمانية.
في حين نجد أن محمد الشيخ قد كف عن القيام بمناوشات لاسترجاع الثغور المحتلة.
فباستثناء محاصرة عبد الله الغالب للبريجة (الجديدة) نجد أن هذا السلطان السعدي يمالئ الإسبان و يغض الطرف عنهم على الأقل ليستولوا على حجرة بادس بالقرب من مليلية حتى لا يجد الأتراك الذين كانت سفنهم آنذاك تصول و تجول في الحوض الغربي للبحر البيض المتوسط منفذا يتسربون منه إلى المغرب.
و هذا ما يثبت أن الدولة السعدية –في بداية تأسيسها- و بسبب انشغالاتها الداخلية و الخارجية لم تدخل في أية معارك في عمق الصحراء بالساقية الحمراء مع البرتغاليين.
المحور الثالث: وفاة أبناء أبي السباع بين التحريف و الواقع.
إن ربط وفاة أبناء أبي السباع السبعة بالبرتغاليين أو السعديين لا يقوم على دليل علمي قاطع.
ذلك أن المؤرخ الانجليزي طوني هودجز Tony Hodges يورد في كتابه عن تاريخ الصحراء الغربية Historical Dictionary of Western Sahara أن أول من عرًف بالسباعيين المدفونين إلى جانب ضريح الشيخ سيدي أحمد العروسي هم العروسيون أنفسهم و لا أحد قبلهم.
أما الكاتب و الباحث الاسباني كارو باروخا Caro Baroja فقد ذكر في كتابه دراسات عن الصحراء Estudios Saharianos بأن أبناء أبي السباع السبعة هم مريدون و أتباع للشيخ سيدي أحمد العروسي و قد قدموا الى الساقية الحمراء لملاحقته في اطار ما كان يعرف حينها بامتحان الزويا، حيث أن الشيخ سيدي أحمد العروسي أسس زاوية صوفية بالساقية الحمراء ذاع صيتها و كثر أتباعها إلى درجة أن صاحب كتاب "ملتقط الرحلة" قدم من فاس إلى الساقية الحمراء، و زار الشيخ فرأى من كراماته ما يبهر الألباب و تحير له القلوب...
أما الجنود الذين جاءوا إليه من أجل ملاحقته فقد اختاروا العيش معه و التتلمذ عليه إلى أن وافاهم الأجل فقام بدفنهم في مكان مسجده العتيق.
و أما الحديث عن جيش من أبناء أبي السباع أرسله السلطان أبو العباس أحمد الأعرج لمحاربة البرتغاليين لا يستقيم و الحقيقة، لأن نفوذ الأعرج لم يتجاوز مدينة مراكش و كان منشغلا باستتباب أمور الدولة السعدية الناشئة و محاربة الوطاسيين. ذلك أن الدولة لم يكتمل تأسيسها إلا بعد 14 سنة من تحركات أبي العباس أحمد الأعرج أي بتاريخ 1554م.
فأي جهاد إذن قاده الأعرج في تخوم الساقية الحمراء؟
و ضد من؟ ضد البرتغاليين الذين لم يتجاوزوا الشواطئ الأطلسية لفترات وجيزة من التاريخ؟
ثم إن العضو "عبد الحفيظ" استند إلى الكاتب F. de la Chapelle لكننا باستقرائنا و تحليلنا لما أورده الكاتب في الصفحة 75 نجد أنه أي المؤرخ ينسب الرواية إلى السيد مولاي أحمد العويس السباعي من أولاد البكار، و لم يعتمد في ذلك على مصدر تاريخي موثوق، أضف إلى ذلك التناقض حول شخص Somida فتارة يقال انه قائد برتغالي و تارة يقال أنه قائد محلي متعاون مع البرتغال، و هذا التناقض يفقد الرواية مصداقيتها و ينزع عنها ثوب الصحة و وجاهة المنطق.
ثم يحق للباحث أن يطرح التساؤل التالي هل توفرت لدى قبيلة أبناء أبي السباع بداية القرن السادس عشر ميلادي ظروف و مقومات قبيلة عتيدة في الساقية الحمراء ذات قوة و شوكة عسكرية حتى تطرد البرتغاليين من السواحل الأطلسية ؟
متى و كيف تم ذلك؟ و ما هي الأسانيد؟
ألم يذكر المؤرخ الانجليزي طوني هودجز Tony Hodgesفي كتابه القاموس التاريخي للصحراء الغربية Historical Dictionary of Western Sahara في الصفحة 265 و 266 أن أولاد أبي السباع لم يدخلوا إقليم الصحراء إلا في بداية القرن الثامن عشر الميلادي و ذلك اثر تمرد قادوه آنذاك ضد السلطان مولاي إسماعيل العلوي، مم اضطر المخزن إلى تنظيم حملة ضدهم قادت اغلب بطون القبيلة إلي هجرة جماعية عن أرضهم التقليدية نواحي مراكش إلى الصحراء ؟
إن كتابة التاريخ تتطلب الدقة و الموضوعية و الأمانة العلمية، أما الكتابة حسب الأهواء و المغالطات ذات الأهداف و المقاصد الدعائية، فهي أقرب إلى الهراء منها إلى الحقيقة التاريخية و الموضوعية العلمية.
و الكلام عن أبناء أبي السباع السبعة يقودنا إلى حقيقة ثابتة لا مراء فيها و هي أن الأمر يتعلق بجنود شبان مغمورين فلا أسماؤهم معروفة و لا أنسابهم معلومة لدى الدارسين و بالأحرى أن يكونوا أجدادا لقبيلة بأكملها و أن يموتوا في معركة واحدة.
و حتى و إن افترضنا جدلا أن لهم أحفادا، فأين كان هؤلاء الأحفاد الأبرار قبل سنة 2005؟ أم إن نزعة خلق الزوايا التي تولدت لدى البعض أخيرا هي من أسال هذا المداد الكثير؟
إن أجداد أبناء أبي السباع موجودون فعلا في كل من الأطلس الصغير (الهامل)، و في القصابي (أعمر و عمران)، و منطقة الخنابيب قرب آكلو (أولاد النومر) و كذلك في موريتانيا.
أما الحديث عن أجداد سقطوا شهداء في منطقة الطويحيل فلا يجد له الباحثون أي سند، و أغلب المراجع التي يسردها الكاتب فلا يمكن الاطمئنان إليها من وجهة نظر التاريخ لأنها مصادر محلية و لا توجد أسانيد تعززها من مصادر المؤرخين العرب أو الأجانب، بل هي روايات كتبها سباعيون لا يمكن الاعتداد بها على الإطلاق.
و الطويحيل ليس إلا ربوة صغيرة تقع جنوب روضة الشيخ سيدي أحمد العروسي بحوالي 15 كلم، و ليست رافدا كما يزعم العضو "عبد الحفيظ".
إن الغرض من هذه التوضيحات تفنيد المزاعم الكثيرة التي نشرت هنا و هناك و الهدف منها هو تكذيب الروايات التي ليس لها سند في التاريخ و التي لا تستقيم و المنطق السليم.
المصادر و المراجع المعتمدة في البحث
د. محمد حجي، "الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين"، جزء 1، ص ص 42-45.
المصادر الأصلية لتاريخ المغرب، المجموعة الأولى، البرتغال، م2، ص 450.
المصدر نفسه، م1، ص 255، ص 334.
الترجمان، للزياني، ص 345.
المصادر الأصلية لتاريخ المغرب،، فرنسا، هامش، ص 440.
المصدر نفسه، البرتغال، م2، ص 93.
Maurice Barbier “Le conflit du Sahara Occidental”, Edition L’Harmattan, 1982, 419 pages
Mercer John, «Spanish Sahara », London, George Allen and Unwin, 1976, 264 pages
Mercer John, “The Cycle of Invasion and unification in the Western Sahara”, London, Oxford University Press, African Affairs, 1976
Robert Ricard, “Sur les relations des Canaries et la Berbérie au XVI siècle”, Revue Africaine 71, 3e et 4e trimestres 1930, pp. 207-224
Robert Ricard, « Recherches sur les relations des îles Canaries et de la Berbérie au XVI siècle », Hespéris 21, 1935, pp. 79-129
Sur les expéditions européennes jusqu’au milieu du XIX siècle, cf. F. de La Chapelle, art. cité, pp. 69-70 ;John Mercer, op. cit, pp. 76-102
Robert Ricard, « Les Portugais et le Sahara Atlantique au XV siècle », Hespéris 11, 1930, pp. 97-110
Les chroniques laissées par le Portugais Gomes Eannes De Azurara, « Chronica do descobrimenso e.conquista de Guiné » (1452-53), introduction et notes de Santarem, Paris, Aillaud, 1841, XXV- 473 p
Vénitien Alvise Ca Da Mosto, Relation des voayages à la côte occidentale d’afrique (1455-1457), publié par Charles Schefer, Paris, Leroux, 1895, XIX – 206 p
Le Traité de Tordesillas, signé en 1494 par l’Espagne et le Portugal, accordait aux Espagnols la côteafricaine en face des Canaries, du cap Bojador à l’oued Massa (près d’Agadir), et aux Portugais, la côte au sud du cap Bojador et au nord de l’oued Massa
Les Espagnols à Santa Cruz de Mar Pequeña, cf. John Mercer, op. cit, pp. 84-90
Via de Morla, « España en el Africa Occidental », la primera ocupación de la costa del Mar Menor de Berberia por los Españoles (1476-1524), Africa 23 (354), juin 1971, pp. 231-235
Tony Hodges, “Historical Dictionary of Western Sahara”, London, The Scarecrow Press Inc., 1982, pp. 265-266
.Julio Caro Baroja, “Estudios Saharianos”, Ediciones Jucar, 1990
F. de la Chapelle, “Esquisse d’une histoire du Sahara Occidental”, Hespéris Tamuda, 1930, T. IX 1er trimestre, p. 75
و الصلاة و السلام على حبيبنا المصطفى رحمة للعالمين سيدنا محمد
كثر الحديث مؤخرا في مقالات نشرت في الانترنت حول تاريخ السباعيين السبعة، بمقال تحت عنوان "حقائق و تواريخ حول الشهداء السبعة" و استدل الكاتب على مزاعمه بروايات و كتب و مصادر عربية و أجنبية و هي المصادر التي بحثت فيها شخصيا و هو ما دفعني إلى تسليط بعض الأضواء على تاريخ هذه المنطقة و ربط أحداثها بسياقاتها التاريخية و استخلاص النتائج و لم يكن الدافع هو التنقيص من أي كان حيا أو ميتا و إنما تحدوني الأمانة العلمية و الموضوعية و التاريخية لأعرض للموضوع من ثلاثة محاور: المحور الأول كرونولوجيا التواجد البرتغالي بالمغرب و بالسواحل الأطلسية، و المحور الثاني ظروف و ملابسات نشأة الدولة السعدية و علاقتها بمنطقة الساقية الحمراء و المحور الثالث يعنى بظروف وفاة أبناء أبي السباع بين التحريف و الواقع.
المحور الأول: كرونولوجيا التواجد البرتغالي بالمغرب و الشواطئ الأطلسية (1421-1547).
بدأ اهتمام البرتغاليين بالسواحل الأطلسية منذ سنة 1421 مع هنري الملاح و كان الهدف من ذلك هو الحصول على العبيد و الذهب إذ كان أول من اجتاز رأس بوجدور سنة 1434 هو جيل اينيس Gil Eannes، و هذه المحاولات مهدت الطريق لاحقا و بالضبط سنة 1436 لألفونصو كونسالفيسAlfonso Gonçalves الذي اشترى مجموعة من العبيد من قبائل صنهاجة على الساحل الأطلسي.
و في الفترة الممتدة ما بين 1443 و 1446 قاد البرتغاليون 15 حملة استكشافية أرسلت إلى شواطئ وادي الذهب في إطار تجارة العبيد و الذهب، و خلال هذه الفترة تم اكتشاف جزيرة أركوين Arguin جنوب الرأس الأبيض Cabo Blanco حيث أقام البرتغاليون مركزا تجاريا.
و خلال سنة 1445 غامر البرتغالي خوايو فيرنانديز João Fernandezو دخل إلى عمق الأراضي الموريتانية و بالضبط إلى ودان، لكنه اعتقل و أخذ كرهينة من قبل قبائل صنهاجة، و مكث عندهم 7 أشهر بعدها نقل إلى أوروبا عادات قبائل الصحراء.
و نظرا للغارات المتوالية لقبائل صنهاجة فقد تقرر سنة 1449 تقسيم مناطق النفوذ بين إمارة قشتالة في الشمال (رأس كير) قرب أكادير، و البرتغاليين جنوب (رأس بوجدور).
و خلال سنة 1487 مارس البحارة البرتغاليون تجارة العبيد و الذهب و أحضروا معهم كميات من الذهب و حوالي ألف من الرقيق.
و كانوا يقايضون العبيد بالقمح و الأقمشة و الخيول إلى جانب هذه التجارة مارسوا الصيد البحري و كانوا يجففون الأسماك.
1505 قام البرتغاليون ببناء مركز تجاري هو سانتا كروس دي أكوير Santa Cruz de Aguer قرب أكادير حاليا باتفاق مع قبائل ماسة.
و في سنة 1508 تم احتلال آسفي و بناء مركز حصن منيع من طرف البرتغاليين.
1513 تم احتلال الجديدة (مازاكان) ثم أزمور.
و خلال سنة 1517 استولى البرتغاليون على Santa Cruz de Mar Pequeña لكن الاسبانيين طردوا البرتغاليين منها و أعادوا بناء الميناء من جديد.
و في سنة 1541 تم الهجوم على ميناء أكادير و تدميره من طرف قوات السعديين.
و يتضح من خلال هذه الأحداث أن البرتغاليين لم يتجاوزوا الثغور ولم يكن باستطاعتهم التوغل داخل الأعماق و بالأحرى الدخول في معارك مع السكان المحليين بعيدا عن السواحل بحوالي 200 كلم، و هذا ما يضحد الروايات الضعيفة السند بخصوص ما أورده كاتب المقال.
المحور الثاني: ظروف و ملابسات نشأة الدولة السعدية و علاقتها بالساقية الحمراء.
أما بخصوص الدولة السعدية فليعلم الباحث المحترم أنه و على اثر تدهور الدولة الوطاسية بايعت قبائل سوس محمد بن عبد الرحمان القائم بأمر الله لما عرف فيه من شرف في نوفمبر 1510/ شعبان 916هـ. و ذلك لمجابهة التغلغل البرتغالي في السواحل المغربية. وفي هذا الإطار شن أول هجوم على حصن فونتي الخاضع لنفوذ البرتغاليين في 18 غشت 1511 الموافق 23 جمادى الأولى 917هـ. و بعد ذلك بخمس سنوات أي 1516م/922هـ فتح محمد القائم بأمر الله السعدي تارودانت ليتخذها قاعدة لهجماته على حصن أكادير. غير أنه توفي في 923هـ ليخلفه ابنه أبو العباس أحمد الأعرج الذي تمكن من دخول مراكش وطرد الوطاسيين منها في يناير 1525 الموافق لربيع الأول 931هـ . و يعتبر أهم انجاز قام به أحمد الأعرج هو قتل أكبر العملاء البرتغاليين المدعو يحيى بن تعففت وسحق الجيش البرتغالي الذي تراجعت فلوله إلى مدينة آسفي، و كان من نتائج هذه المعركة تخلي البرتغاليين عن سياسة التوسع و استبدالها بسياسة الجلاء عن بعض الموانئ التي يصعب الاحتفاظ بها. و هذا ما يفسر إستراتيجية البرتغاليين بشأن حصن أكادير بعد اشتداد الخناق عليهم من طرف محمد الشيخ السعدي و جلائهم عنه في 12 مارس 1541 الموافق ل 14 ذو القعدة 947هـ .
و لكن أحمد الأعرج شغل في نزاع مع أخيه محمد الشيخ بعد أن اتهمه هذا الأخير بالتقاعس عن مواجهة الوطاسيين خصوصا بعد صلح بوعقبة سنة 943هـ/1536م الذي قسم المغرب إلى شمال للوطاسيين و جنوب للسعديين. وقد اشتد الخلاف بين الأخوة و تدخل للصلح بين الطرفين مجموعة من شيوخ الزاوية الجزولية و تحديدا الشيخ سيدي رحال البودالي الكوشي، و هذا ما يفند رواية أسر الشيخ من طرف البرتغاليين، غير أن محمد الشيخ تمكن من أسر أخيه أحمد الأعرج و الزج به في السجن سنة 951هـ/1544م. و بعد ذلك باشر محمد الشيخ عملية بسط سيطرته على باقي المغرب بمساعدة أبناءه محمد الحران و عبد القادر.
و لعل أهم ما يميز سياسة محمد الشيخ السعدي هو تقسيمها إلى مستويين داخلي و خارجي، فداخليا شن حربا شعواء ضد شيوخ الزوايا و رجال الصوفية فيما يعرف تاريخيا بـ "امتحان الزوايا".
أما خارجيا فقد عرفت هذه المرحلة الانتقالية من الدولة السعدية مواجهة محمد الشيخ السعدي لأطماع كل من المسيحيين و الأتراك. يجمع المؤرخون على أنه أعطى الأولوية لمواجهة الأتراك في الحدود الشرقية للمغرب نظرا لتدخلاتهم لإفشال الدولة الناشئة و كذا محاولاتهم السلمية لفرض تبعية المغرب للسلطنة العثمانية.
في حين نجد أن محمد الشيخ قد كف عن القيام بمناوشات لاسترجاع الثغور المحتلة.
فباستثناء محاصرة عبد الله الغالب للبريجة (الجديدة) نجد أن هذا السلطان السعدي يمالئ الإسبان و يغض الطرف عنهم على الأقل ليستولوا على حجرة بادس بالقرب من مليلية حتى لا يجد الأتراك الذين كانت سفنهم آنذاك تصول و تجول في الحوض الغربي للبحر البيض المتوسط منفذا يتسربون منه إلى المغرب.
و هذا ما يثبت أن الدولة السعدية –في بداية تأسيسها- و بسبب انشغالاتها الداخلية و الخارجية لم تدخل في أية معارك في عمق الصحراء بالساقية الحمراء مع البرتغاليين.
المحور الثالث: وفاة أبناء أبي السباع بين التحريف و الواقع.
إن ربط وفاة أبناء أبي السباع السبعة بالبرتغاليين أو السعديين لا يقوم على دليل علمي قاطع.
ذلك أن المؤرخ الانجليزي طوني هودجز Tony Hodges يورد في كتابه عن تاريخ الصحراء الغربية Historical Dictionary of Western Sahara أن أول من عرًف بالسباعيين المدفونين إلى جانب ضريح الشيخ سيدي أحمد العروسي هم العروسيون أنفسهم و لا أحد قبلهم.
أما الكاتب و الباحث الاسباني كارو باروخا Caro Baroja فقد ذكر في كتابه دراسات عن الصحراء Estudios Saharianos بأن أبناء أبي السباع السبعة هم مريدون و أتباع للشيخ سيدي أحمد العروسي و قد قدموا الى الساقية الحمراء لملاحقته في اطار ما كان يعرف حينها بامتحان الزويا، حيث أن الشيخ سيدي أحمد العروسي أسس زاوية صوفية بالساقية الحمراء ذاع صيتها و كثر أتباعها إلى درجة أن صاحب كتاب "ملتقط الرحلة" قدم من فاس إلى الساقية الحمراء، و زار الشيخ فرأى من كراماته ما يبهر الألباب و تحير له القلوب...
أما الجنود الذين جاءوا إليه من أجل ملاحقته فقد اختاروا العيش معه و التتلمذ عليه إلى أن وافاهم الأجل فقام بدفنهم في مكان مسجده العتيق.
و أما الحديث عن جيش من أبناء أبي السباع أرسله السلطان أبو العباس أحمد الأعرج لمحاربة البرتغاليين لا يستقيم و الحقيقة، لأن نفوذ الأعرج لم يتجاوز مدينة مراكش و كان منشغلا باستتباب أمور الدولة السعدية الناشئة و محاربة الوطاسيين. ذلك أن الدولة لم يكتمل تأسيسها إلا بعد 14 سنة من تحركات أبي العباس أحمد الأعرج أي بتاريخ 1554م.
فأي جهاد إذن قاده الأعرج في تخوم الساقية الحمراء؟
و ضد من؟ ضد البرتغاليين الذين لم يتجاوزوا الشواطئ الأطلسية لفترات وجيزة من التاريخ؟
ثم إن العضو "عبد الحفيظ" استند إلى الكاتب F. de la Chapelle لكننا باستقرائنا و تحليلنا لما أورده الكاتب في الصفحة 75 نجد أنه أي المؤرخ ينسب الرواية إلى السيد مولاي أحمد العويس السباعي من أولاد البكار، و لم يعتمد في ذلك على مصدر تاريخي موثوق، أضف إلى ذلك التناقض حول شخص Somida فتارة يقال انه قائد برتغالي و تارة يقال أنه قائد محلي متعاون مع البرتغال، و هذا التناقض يفقد الرواية مصداقيتها و ينزع عنها ثوب الصحة و وجاهة المنطق.
ثم يحق للباحث أن يطرح التساؤل التالي هل توفرت لدى قبيلة أبناء أبي السباع بداية القرن السادس عشر ميلادي ظروف و مقومات قبيلة عتيدة في الساقية الحمراء ذات قوة و شوكة عسكرية حتى تطرد البرتغاليين من السواحل الأطلسية ؟
متى و كيف تم ذلك؟ و ما هي الأسانيد؟
ألم يذكر المؤرخ الانجليزي طوني هودجز Tony Hodgesفي كتابه القاموس التاريخي للصحراء الغربية Historical Dictionary of Western Sahara في الصفحة 265 و 266 أن أولاد أبي السباع لم يدخلوا إقليم الصحراء إلا في بداية القرن الثامن عشر الميلادي و ذلك اثر تمرد قادوه آنذاك ضد السلطان مولاي إسماعيل العلوي، مم اضطر المخزن إلى تنظيم حملة ضدهم قادت اغلب بطون القبيلة إلي هجرة جماعية عن أرضهم التقليدية نواحي مراكش إلى الصحراء ؟
إن كتابة التاريخ تتطلب الدقة و الموضوعية و الأمانة العلمية، أما الكتابة حسب الأهواء و المغالطات ذات الأهداف و المقاصد الدعائية، فهي أقرب إلى الهراء منها إلى الحقيقة التاريخية و الموضوعية العلمية.
و الكلام عن أبناء أبي السباع السبعة يقودنا إلى حقيقة ثابتة لا مراء فيها و هي أن الأمر يتعلق بجنود شبان مغمورين فلا أسماؤهم معروفة و لا أنسابهم معلومة لدى الدارسين و بالأحرى أن يكونوا أجدادا لقبيلة بأكملها و أن يموتوا في معركة واحدة.
و حتى و إن افترضنا جدلا أن لهم أحفادا، فأين كان هؤلاء الأحفاد الأبرار قبل سنة 2005؟ أم إن نزعة خلق الزوايا التي تولدت لدى البعض أخيرا هي من أسال هذا المداد الكثير؟
إن أجداد أبناء أبي السباع موجودون فعلا في كل من الأطلس الصغير (الهامل)، و في القصابي (أعمر و عمران)، و منطقة الخنابيب قرب آكلو (أولاد النومر) و كذلك في موريتانيا.
أما الحديث عن أجداد سقطوا شهداء في منطقة الطويحيل فلا يجد له الباحثون أي سند، و أغلب المراجع التي يسردها الكاتب فلا يمكن الاطمئنان إليها من وجهة نظر التاريخ لأنها مصادر محلية و لا توجد أسانيد تعززها من مصادر المؤرخين العرب أو الأجانب، بل هي روايات كتبها سباعيون لا يمكن الاعتداد بها على الإطلاق.
و الطويحيل ليس إلا ربوة صغيرة تقع جنوب روضة الشيخ سيدي أحمد العروسي بحوالي 15 كلم، و ليست رافدا كما يزعم العضو "عبد الحفيظ".
إن الغرض من هذه التوضيحات تفنيد المزاعم الكثيرة التي نشرت هنا و هناك و الهدف منها هو تكذيب الروايات التي ليس لها سند في التاريخ و التي لا تستقيم و المنطق السليم.
المصادر و المراجع المعتمدة في البحث
د. محمد حجي، "الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين"، جزء 1، ص ص 42-45.
المصادر الأصلية لتاريخ المغرب، المجموعة الأولى، البرتغال، م2، ص 450.
المصدر نفسه، م1، ص 255، ص 334.
الترجمان، للزياني، ص 345.
المصادر الأصلية لتاريخ المغرب،، فرنسا، هامش، ص 440.
المصدر نفسه، البرتغال، م2، ص 93.
Maurice Barbier “Le conflit du Sahara Occidental”, Edition L’Harmattan, 1982, 419 pages
Mercer John, «Spanish Sahara », London, George Allen and Unwin, 1976, 264 pages
Mercer John, “The Cycle of Invasion and unification in the Western Sahara”, London, Oxford University Press, African Affairs, 1976
Robert Ricard, “Sur les relations des Canaries et la Berbérie au XVI siècle”, Revue Africaine 71, 3e et 4e trimestres 1930, pp. 207-224
Robert Ricard, « Recherches sur les relations des îles Canaries et de la Berbérie au XVI siècle », Hespéris 21, 1935, pp. 79-129
Sur les expéditions européennes jusqu’au milieu du XIX siècle, cf. F. de La Chapelle, art. cité, pp. 69-70 ;John Mercer, op. cit, pp. 76-102
Robert Ricard, « Les Portugais et le Sahara Atlantique au XV siècle », Hespéris 11, 1930, pp. 97-110
Les chroniques laissées par le Portugais Gomes Eannes De Azurara, « Chronica do descobrimenso e.conquista de Guiné » (1452-53), introduction et notes de Santarem, Paris, Aillaud, 1841, XXV- 473 p
Vénitien Alvise Ca Da Mosto, Relation des voayages à la côte occidentale d’afrique (1455-1457), publié par Charles Schefer, Paris, Leroux, 1895, XIX – 206 p
Le Traité de Tordesillas, signé en 1494 par l’Espagne et le Portugal, accordait aux Espagnols la côteafricaine en face des Canaries, du cap Bojador à l’oued Massa (près d’Agadir), et aux Portugais, la côte au sud du cap Bojador et au nord de l’oued Massa
Les Espagnols à Santa Cruz de Mar Pequeña, cf. John Mercer, op. cit, pp. 84-90
Via de Morla, « España en el Africa Occidental », la primera ocupación de la costa del Mar Menor de Berberia por los Españoles (1476-1524), Africa 23 (354), juin 1971, pp. 231-235
Tony Hodges, “Historical Dictionary of Western Sahara”, London, The Scarecrow Press Inc., 1982, pp. 265-266
.Julio Caro Baroja, “Estudios Saharianos”, Ediciones Jucar, 1990
F. de la Chapelle, “Esquisse d’une histoire du Sahara Occidental”, Hespéris Tamuda, 1930, T. IX 1er trimestre, p. 75
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر