آل الجماعي، رأيناهم يخاطبون في الوثائق بأوصاف آل البيت وتولى واحد منهم نقابة اشراف القدس و خوطبوا بأوصاف السيادة
و أغلب الظنّ أنّهم أشراف من البطون لأنّ بينهم و بين أشراف بلاد الشام مصاهرات كثيرة
و بعد أن لفت نظري أحد الأخوة لأصلهم الكنانيّ قمت بتجميع بعض المعلومات عن نسبهم الكناني العدناني و تاريخ أسرتهم الكريم .
تنتسب عائلة الجماعي الخطيب الى :
ابن جماعة هو محمد بن إبراهيم سعدالله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين، أبو عبدالله من (639 هـ، 733 هـ). قاض من العلماء بالحديث وسائر علوم الدين. ولد في حماة وولي الحكم والخطابة بالقدس ثم القضاء بمصر فالشام فمصر حتى شاخ وعمي ومات. من مؤلفاته الكثيرة المنهل الروي في الحديث النبوي و كشف المعاني في المتشابه من المثاني و مسند الأجناد في آلات الجهاد.
بَدر الدّين ابن جماعة حَياته العلميّة وآثاره
لم يكن بدر الدين ابن جماعة سوى واحد من الأعلام الأفذاذ الذين عرفهم تاريخ العلم، بل قل كان رأس أسرة ضمت نفراً من علماء العرب الذين بسطوا جناح المعرفة على مصر والشام، وكان كل واحد منهم يعرف باسم "ابن جماعة" تخليداً لذكرى العالم المعلم الذي قدمته مدينة حماة، وتأكيداً على أهمية الدور العلمي الذي قام به في عواصم الوطن العربي: دمشق، والقدس، والقاهرة. فمن هو عميد هذه الأسرة العلمية ـ وماهي آثاره؟...
هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم الكناني الشافعي، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه بدر الدين. ويعرف منسوباً إلى جده الرابع "جماعة"، وقد ذكر بدر الدين نسبه مفصلاً في آخر ورقة من ورقات كتابه "المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي"، مرفوعاً إلى قبيلة كنانة العربية(1).
ويذكر أصحاب التراجم أن بدر الدين ابن جماعة ولد بحماة سنة 639 هـ، باتفاق جميع الروايات(2)، خلا رواية ابن القاضي صاحب درة الحجال فقد جعلها سنة 649هـ، والصواب ما ذكرناه أولاً(4).
وقد تسنى لبدر الدين أن يعيش في كنف أبيه برهان الدين إبراهيم حياة علمية راقية، ذلك أن أباه كان فقيهاً متصوفاً متعبداً، مراقباً لله في حاله ومقاله(4)، وهو شيخ البيانية في زمانه(5)، فنشأ بدر الدين على طريقة أبيه محمولاً على جناح العلم والتصوف سنوات عمر مديد.
أما شيوخه الذين سمع منهم وروى عنهم في حماة ودمشق والقدس والقاهرة فهم كثرة نذكر منهم: جمال الدين ابن مالك صاحب الألفية في النحو، والقاضي تقي الدين ابن رزين الحموي(6)، ومسند الشام ابن أبي اليسر، وابن عزون، وابن عبد الله(7)، وابن مسلمة، وابن القسطلاني، وأصحاب البصيري(، كما روى عن شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري الحموي وأنشد في كتبه من مستحسن شعره(9). وقد خرّج علم الدين البرازالي مشيخة ابن جماعة في كتاب طبع في بيروت مؤخراً بتحقيق الدكتور موفق بن عبد الله.
ولما أتم بدر الدين تحصيله العلمي انصرف إلى التدريس والإفتاء، فقد ذكر أنه كان يدرس بالقيمرية في دمشق(10)، وأنه أفتى في سن مبكرة، ولما عرضت فتواه على الشيخ محيي الدين النووي استحسن ما أجاب به(11). أما السبكي صاحب الطبقات ـ وهو أحد تلامذة بدر الدين ـ فقد ذكر أنه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه(12)، وكفى بالسبكي شاهداً على فضل بدر الدين ابن جماعة وعلو منزلته العلمية.
وقد انتدب ابن جماعة إلى القضاء والخطابة في القدس ودمشق والقاهرة، وبقي قاضياً للقضاة في مصر وحدها خمساً وعشرين سنة، ولما استغنى لم يأخذ على القضاء أجراً معلوماً، مقتدياً بشيخه تقي الدين ابن رزين الحموي(13). ويبدو أن أجمل أيامه في القضاء كانت في دمشق والقدس، حيث كان بعيداً عن مركز السلطة، آمناً على دينه، سالماً من الكيد والحسد. وكثيراً ماكان القضاة يتعرضون للعزل والنقل بسبب وقوفهم إلى جانب الحق، وعدم استجابتهم لأهواء السلاطين. وفي شعر ابن جماعة إشارة إلى ذلك هي في غاية البيان والإحسان. يقول:
يالهف نفسي لو تدوم خطابتي
بالجامع الأقصى وجامع جلَّق
ماكان أهنأ عيشنا وألذّه
فيها.. وذاك طراز عمري لو بقي
الدين فيه سالم من هفوة
والرزق فوق كفاية المسترزق
والناس كلهمُ صديق صاحب
داعٍ.. وطالب دعوة بترفق(14)
وقد أكسبته حياة القضاء الطويلة علماً لا ينضب معينه، وخبرة واسعة في دنيا الناس، وفهماً عميقاً لفنون الرواية والدراية، فانصرف يؤلف الكتب في قواعد الحكم والأحكام الفقهية، وفي أصول البحث والمناظرة والتربية. ولربما نظم الشطر ليزيح عن صدره معتلجاً أو وجداً منبعثاً.. حتى كف بصره، وثقل سمعه، فأعفى نفسه من القضاء، غير أنه لم ينقطع عن التدريس. وكان بيته المطل على نهر النيل موئلاً يقصده أهل العلم والأدب، فيسمعون ويتبركون، إلى أن وافاه الأجل سنة 733هـ، عن عمر يناهز الرابعة والتسعين، ودفن بالقرافة في القاهرة، قريباً من الإمام الشافعي، وكانت جنازته حافلة هائلة(15).
وقد تعاقب أبناؤه وحفدته من بعده على خطابة المسجد الأقصى وإعادة المدرسة الصلاحية في القدس، والقضاء في مصر والشام أكثر من قرن ونصف من الزمن، وكلهم يعرف باسم "ابن جماعة"، وآخر من ذكر القاضي مجير الدين الحنبلي ـ وهو من أعلام القرن العاشر الهجري ـ من أفراد هذه الأسرة العلمية: الخطيب محب الدين ابن جماعة وأخوه شيخ الإسلام نجم الدين(16).
أما تلامذة بدر الدين ابن جماعة فنكاد لا نحصي لهم عدداً، وإن منهم من تقصر دونه أعناق الطامحين، ويكفي أن نذكر المسند الكبير برهان الدين الشامي(17)، وعبد الوهاب السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى (18)، وعبد العزيز ابن جماعة قاضي القضاة في مصر والشام فلذة كبده وقرة عينه.. وآخرين غيرهم أتى على ذكرهم أصحاب التراجم.
وحياة ابن جماعة المديدة جعلته معاصراً لأحداث عديدة، فقد شهد سقوط دولة بني العباس في بغداد على أيدي المغول، ومرحلة التراجع الصليبي، وغروب شمس بني أيوب عن مصر والشام، وقيام حكم المماليك فيهما.. وما تبع ذلك من اصطراع على السلطة، حتى أن الملك الناصر محمد بن قلاوون ـ بعد استعادته سلطته للمرة الثالثة ـ عاتب ابن جماعة قائلاً: يا قاضي.. كيف تفتي المسلمين بقتالي؟.. فأجابه ابن جماعة: معاذ الله أن تكون الفتوى كذلك، إنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتي(19).
ونحن نستطيع من خلال هذه المحاورة أن نستظهر كيف كان ولاة الأمر يوظفون القضاء لخدمة مآربهم السياسية متوسلين إلى ذلك بالخدع اللفظية، على أن مكانة ابن جماعة، كان تحول دون الإيقاع به، فقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره: القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ(20)، وابن جماعة هو الذي يقول:
لم أطلب العلم للدنيا التي ابتغيت
من المناصب أو للجاه والمال
لكن متابعة الأسلاف فيه كما
كانوا فقدّر ماقد كان من حالي(21).
وقد أجمع أصحاب التراجم على حسن سيرة ابن جماعة وصفاء سريرته وزهده وتقشفه في كل شيء مأكلاً وملبساً ومركباً، وأثنى عليه كثير ممن عاصره، وشهدوا بصحة أحكامه ويمن أيامه، وفهمه وعلمه. وإذا كانت المعاصرة حجاباً كما يقال، إلا أنها لم تحجب صورة العالم الذي بسط إحسانه على أجيال تتابعت وأحقاب توالت. وحسب ابن جماعة شرفاً شهادة معاصريه من أقرانه وإخوانه، وأساتيذه وتلاميذه:
قال السبكي: محدث فقيه، ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه(22).
وقال الصفدي: كان قوي المشاركة في علوم الحديث والفقه والأصول والتفسير، خطيباً تام الشكل ذا تعبد وأوراد(23).
وقال ابن الوردي: كان ينطوي على دين وتعبد، وتصون وتصوف، وعقل ووقار، وجلالة وتواضع.. حمدت سيرته، ورزق القبول من الخاص والعام.. ومحاسنه كثير(24).
وقال ابن كثير: ولي الحكم والخطابة بالقدس الشريف، ثم نقل إلى قضاء مصر في الأيام الأشرفية.. ثم ولي قضاء الشام، وجمع له معه الخطابة ومشيخة الشيوخ وتدريس العادلية.. كل هذا مع الرئاسة والديانة.. وله التصانيف الفائقة النافعة(25).
آثار ابن جماعة العلمية
ترك بدر الدين ابن جماعة عدداً من المؤلفات العلمية، وهي في جملتها لم تزل مخطوطة، وإن منها ماهو ضائع مفقود شأن الكثرة الكاثرة من تراث العرب الضخم، ولم يطبع من آثاره إلا القليل، وسوف نشير إلى واحد منها ونفصل فيه القول لكونه مرجعاً هاماً من مراجع أصول البحث العلمي والتربوي.
وقد تتبعت آثار ابن جماعة في كتب التراجم، وتأكدت من صحة نسبتها إليه ثم قمت بتصنيفها على أبواب العلم المعروفة، أما شعره فقد عثرت على مقطعات منه، وهي بالتأكيد لا تنقع غليل الباحث، ومن المرجح أنه غير مجموع، إذ لم أقف على ذكر ديوانه في أي مرجع اعتمدت عليه عند إعداد هذا البحث، وفيما يلي ثبت بمؤلفات ابن جماعة:
آ ـ في علوم القرآن:
1 ـ كشف المعاني عن متشابه المثاني: ذكره السبكي في طبقاته ونقل عنه، كما ذكره صاحب تاريخ حماة، والبغدادي في إيضاح المكنون وفي هدية العارفين. أما صاحب الأعلام فقد ذكره باسم "كشف المعاني في المتشابه من المثاني"، وأشار إلى أن الكتاب مخطوط(26).
وتذكر النشرة الإخبارية عن الأنشطة العلمية الإسلامية ـ العدد الخامس أن السيد عبد الغفار بدر الدين قد قام بتحقيق هذا الكتاب وحصل به على الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1401هـ.
2 ـ غرة التبيان لمن لم يسم في القرآن: يذكر صاحب الأعلام هذه التسمية المفصلة للكتاب، بينما يسميه صاحب الأنس الجليل "غرر البيان"، ويسميه صاحب معجم المؤلفين "غرر التبيان"، والكتاب مخطوط كما يقول صاحب الأعلام(27).
3 ـ غرر البيان لمبهمات القرآن: اختلف أصحاب التراجم في تسمية هذا الكتاب، فقد تفرد صاحب الأعلام بالتسمية المذكورة آنفاً، مشيراً إلى أنه مخطوط، وأنا أميل إلى هذه التسمية وأرجحها، لأن الزركلي معروف بضبطه وحسن تثبته.
أما صاحب الأنس الجليل وصاحب هدية العارفين فيذكر أنه باسم "غرر التبيان لمهمات القرآن ومن الواضح أن هناك تصحيفاً واختصاراً.
وللبغدادي إشارة في إيضاح المكنون إلى كتاب باسم "غرر البيان في تفسير القرآن" لابن جماعة، وأرى أنه ليس كتاباً آخر، بل هو الكتاب السابق نفسه، والتشابه بين التسميتين واضح الدلالة من غير ريب(28).
4 ـ الفوائد اللائحة من سورة الفاتحة: أتى على ذكر هذا الكتاب صاحب الأنس الجليل، وصاحب إيضاح المكنون وهدية العارفين، وصاحب معجم المؤلفين، والتسمية متفق عليها(29).
5 ـ الرد على المشبهة: يفند ابن جماعة في كتابه أقاويل المشبهة في قوله تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[(30)، وقد نوه عنه صاحب كشف الظنون، كما أشار إليه صاحب هدية العارفين(31)...
6 ـ التنزيه في إبطال حجج التشبيه: ذكره البغدادي في هدية العارفين متفرداً(32).
ب ـ في علوم الحديث:
7 ـ المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، لخص فيه ابن جماعة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح المتوفى 643هـ، وزاد عليه من فرائد الفوائد وزوائد القواعد، ورتبه على مقدمة وأربعة أطراف. وتشمل المقدمة على معرفة المتن والسند والإسناد والحديث والخير. أما الأطراف فهي:
1 ـ الكلام على المتن وأقسامه وأنواعه.
2 ـ الكلام في السند وما يتعلق به.
3 ـ كيفية تحمل الحديث وطرقه وكتابته وضبطه وروايته وآداب طالبه وراويه.
4 ـ في أسماء الرجال وطبقات العلماء وما يتصل بذلك.
و أغلب الظنّ أنّهم أشراف من البطون لأنّ بينهم و بين أشراف بلاد الشام مصاهرات كثيرة
و بعد أن لفت نظري أحد الأخوة لأصلهم الكنانيّ قمت بتجميع بعض المعلومات عن نسبهم الكناني العدناني و تاريخ أسرتهم الكريم .
تنتسب عائلة الجماعي الخطيب الى :
ابن جماعة هو محمد بن إبراهيم سعدالله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين، أبو عبدالله من (639 هـ، 733 هـ). قاض من العلماء بالحديث وسائر علوم الدين. ولد في حماة وولي الحكم والخطابة بالقدس ثم القضاء بمصر فالشام فمصر حتى شاخ وعمي ومات. من مؤلفاته الكثيرة المنهل الروي في الحديث النبوي و كشف المعاني في المتشابه من المثاني و مسند الأجناد في آلات الجهاد.
بَدر الدّين ابن جماعة حَياته العلميّة وآثاره
لم يكن بدر الدين ابن جماعة سوى واحد من الأعلام الأفذاذ الذين عرفهم تاريخ العلم، بل قل كان رأس أسرة ضمت نفراً من علماء العرب الذين بسطوا جناح المعرفة على مصر والشام، وكان كل واحد منهم يعرف باسم "ابن جماعة" تخليداً لذكرى العالم المعلم الذي قدمته مدينة حماة، وتأكيداً على أهمية الدور العلمي الذي قام به في عواصم الوطن العربي: دمشق، والقدس، والقاهرة. فمن هو عميد هذه الأسرة العلمية ـ وماهي آثاره؟...
هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم الكناني الشافعي، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه بدر الدين. ويعرف منسوباً إلى جده الرابع "جماعة"، وقد ذكر بدر الدين نسبه مفصلاً في آخر ورقة من ورقات كتابه "المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي"، مرفوعاً إلى قبيلة كنانة العربية(1).
ويذكر أصحاب التراجم أن بدر الدين ابن جماعة ولد بحماة سنة 639 هـ، باتفاق جميع الروايات(2)، خلا رواية ابن القاضي صاحب درة الحجال فقد جعلها سنة 649هـ، والصواب ما ذكرناه أولاً(4).
وقد تسنى لبدر الدين أن يعيش في كنف أبيه برهان الدين إبراهيم حياة علمية راقية، ذلك أن أباه كان فقيهاً متصوفاً متعبداً، مراقباً لله في حاله ومقاله(4)، وهو شيخ البيانية في زمانه(5)، فنشأ بدر الدين على طريقة أبيه محمولاً على جناح العلم والتصوف سنوات عمر مديد.
أما شيوخه الذين سمع منهم وروى عنهم في حماة ودمشق والقدس والقاهرة فهم كثرة نذكر منهم: جمال الدين ابن مالك صاحب الألفية في النحو، والقاضي تقي الدين ابن رزين الحموي(6)، ومسند الشام ابن أبي اليسر، وابن عزون، وابن عبد الله(7)، وابن مسلمة، وابن القسطلاني، وأصحاب البصيري(، كما روى عن شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري الحموي وأنشد في كتبه من مستحسن شعره(9). وقد خرّج علم الدين البرازالي مشيخة ابن جماعة في كتاب طبع في بيروت مؤخراً بتحقيق الدكتور موفق بن عبد الله.
ولما أتم بدر الدين تحصيله العلمي انصرف إلى التدريس والإفتاء، فقد ذكر أنه كان يدرس بالقيمرية في دمشق(10)، وأنه أفتى في سن مبكرة، ولما عرضت فتواه على الشيخ محيي الدين النووي استحسن ما أجاب به(11). أما السبكي صاحب الطبقات ـ وهو أحد تلامذة بدر الدين ـ فقد ذكر أنه ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه(12)، وكفى بالسبكي شاهداً على فضل بدر الدين ابن جماعة وعلو منزلته العلمية.
وقد انتدب ابن جماعة إلى القضاء والخطابة في القدس ودمشق والقاهرة، وبقي قاضياً للقضاة في مصر وحدها خمساً وعشرين سنة، ولما استغنى لم يأخذ على القضاء أجراً معلوماً، مقتدياً بشيخه تقي الدين ابن رزين الحموي(13). ويبدو أن أجمل أيامه في القضاء كانت في دمشق والقدس، حيث كان بعيداً عن مركز السلطة، آمناً على دينه، سالماً من الكيد والحسد. وكثيراً ماكان القضاة يتعرضون للعزل والنقل بسبب وقوفهم إلى جانب الحق، وعدم استجابتهم لأهواء السلاطين. وفي شعر ابن جماعة إشارة إلى ذلك هي في غاية البيان والإحسان. يقول:
يالهف نفسي لو تدوم خطابتي
بالجامع الأقصى وجامع جلَّق
ماكان أهنأ عيشنا وألذّه
فيها.. وذاك طراز عمري لو بقي
الدين فيه سالم من هفوة
والرزق فوق كفاية المسترزق
والناس كلهمُ صديق صاحب
داعٍ.. وطالب دعوة بترفق(14)
وقد أكسبته حياة القضاء الطويلة علماً لا ينضب معينه، وخبرة واسعة في دنيا الناس، وفهماً عميقاً لفنون الرواية والدراية، فانصرف يؤلف الكتب في قواعد الحكم والأحكام الفقهية، وفي أصول البحث والمناظرة والتربية. ولربما نظم الشطر ليزيح عن صدره معتلجاً أو وجداً منبعثاً.. حتى كف بصره، وثقل سمعه، فأعفى نفسه من القضاء، غير أنه لم ينقطع عن التدريس. وكان بيته المطل على نهر النيل موئلاً يقصده أهل العلم والأدب، فيسمعون ويتبركون، إلى أن وافاه الأجل سنة 733هـ، عن عمر يناهز الرابعة والتسعين، ودفن بالقرافة في القاهرة، قريباً من الإمام الشافعي، وكانت جنازته حافلة هائلة(15).
وقد تعاقب أبناؤه وحفدته من بعده على خطابة المسجد الأقصى وإعادة المدرسة الصلاحية في القدس، والقضاء في مصر والشام أكثر من قرن ونصف من الزمن، وكلهم يعرف باسم "ابن جماعة"، وآخر من ذكر القاضي مجير الدين الحنبلي ـ وهو من أعلام القرن العاشر الهجري ـ من أفراد هذه الأسرة العلمية: الخطيب محب الدين ابن جماعة وأخوه شيخ الإسلام نجم الدين(16).
أما تلامذة بدر الدين ابن جماعة فنكاد لا نحصي لهم عدداً، وإن منهم من تقصر دونه أعناق الطامحين، ويكفي أن نذكر المسند الكبير برهان الدين الشامي(17)، وعبد الوهاب السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى (18)، وعبد العزيز ابن جماعة قاضي القضاة في مصر والشام فلذة كبده وقرة عينه.. وآخرين غيرهم أتى على ذكرهم أصحاب التراجم.
وحياة ابن جماعة المديدة جعلته معاصراً لأحداث عديدة، فقد شهد سقوط دولة بني العباس في بغداد على أيدي المغول، ومرحلة التراجع الصليبي، وغروب شمس بني أيوب عن مصر والشام، وقيام حكم المماليك فيهما.. وما تبع ذلك من اصطراع على السلطة، حتى أن الملك الناصر محمد بن قلاوون ـ بعد استعادته سلطته للمرة الثالثة ـ عاتب ابن جماعة قائلاً: يا قاضي.. كيف تفتي المسلمين بقتالي؟.. فأجابه ابن جماعة: معاذ الله أن تكون الفتوى كذلك، إنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتي(19).
ونحن نستطيع من خلال هذه المحاورة أن نستظهر كيف كان ولاة الأمر يوظفون القضاء لخدمة مآربهم السياسية متوسلين إلى ذلك بالخدع اللفظية، على أن مكانة ابن جماعة، كان تحول دون الإيقاع به، فقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره: القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ(20)، وابن جماعة هو الذي يقول:
لم أطلب العلم للدنيا التي ابتغيت
من المناصب أو للجاه والمال
لكن متابعة الأسلاف فيه كما
كانوا فقدّر ماقد كان من حالي(21).
وقد أجمع أصحاب التراجم على حسن سيرة ابن جماعة وصفاء سريرته وزهده وتقشفه في كل شيء مأكلاً وملبساً ومركباً، وأثنى عليه كثير ممن عاصره، وشهدوا بصحة أحكامه ويمن أيامه، وفهمه وعلمه. وإذا كانت المعاصرة حجاباً كما يقال، إلا أنها لم تحجب صورة العالم الذي بسط إحسانه على أجيال تتابعت وأحقاب توالت. وحسب ابن جماعة شرفاً شهادة معاصريه من أقرانه وإخوانه، وأساتيذه وتلاميذه:
قال السبكي: محدث فقيه، ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه(22).
وقال الصفدي: كان قوي المشاركة في علوم الحديث والفقه والأصول والتفسير، خطيباً تام الشكل ذا تعبد وأوراد(23).
وقال ابن الوردي: كان ينطوي على دين وتعبد، وتصون وتصوف، وعقل ووقار، وجلالة وتواضع.. حمدت سيرته، ورزق القبول من الخاص والعام.. ومحاسنه كثير(24).
وقال ابن كثير: ولي الحكم والخطابة بالقدس الشريف، ثم نقل إلى قضاء مصر في الأيام الأشرفية.. ثم ولي قضاء الشام، وجمع له معه الخطابة ومشيخة الشيوخ وتدريس العادلية.. كل هذا مع الرئاسة والديانة.. وله التصانيف الفائقة النافعة(25).
آثار ابن جماعة العلمية
ترك بدر الدين ابن جماعة عدداً من المؤلفات العلمية، وهي في جملتها لم تزل مخطوطة، وإن منها ماهو ضائع مفقود شأن الكثرة الكاثرة من تراث العرب الضخم، ولم يطبع من آثاره إلا القليل، وسوف نشير إلى واحد منها ونفصل فيه القول لكونه مرجعاً هاماً من مراجع أصول البحث العلمي والتربوي.
وقد تتبعت آثار ابن جماعة في كتب التراجم، وتأكدت من صحة نسبتها إليه ثم قمت بتصنيفها على أبواب العلم المعروفة، أما شعره فقد عثرت على مقطعات منه، وهي بالتأكيد لا تنقع غليل الباحث، ومن المرجح أنه غير مجموع، إذ لم أقف على ذكر ديوانه في أي مرجع اعتمدت عليه عند إعداد هذا البحث، وفيما يلي ثبت بمؤلفات ابن جماعة:
آ ـ في علوم القرآن:
1 ـ كشف المعاني عن متشابه المثاني: ذكره السبكي في طبقاته ونقل عنه، كما ذكره صاحب تاريخ حماة، والبغدادي في إيضاح المكنون وفي هدية العارفين. أما صاحب الأعلام فقد ذكره باسم "كشف المعاني في المتشابه من المثاني"، وأشار إلى أن الكتاب مخطوط(26).
وتذكر النشرة الإخبارية عن الأنشطة العلمية الإسلامية ـ العدد الخامس أن السيد عبد الغفار بدر الدين قد قام بتحقيق هذا الكتاب وحصل به على الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1401هـ.
2 ـ غرة التبيان لمن لم يسم في القرآن: يذكر صاحب الأعلام هذه التسمية المفصلة للكتاب، بينما يسميه صاحب الأنس الجليل "غرر البيان"، ويسميه صاحب معجم المؤلفين "غرر التبيان"، والكتاب مخطوط كما يقول صاحب الأعلام(27).
3 ـ غرر البيان لمبهمات القرآن: اختلف أصحاب التراجم في تسمية هذا الكتاب، فقد تفرد صاحب الأعلام بالتسمية المذكورة آنفاً، مشيراً إلى أنه مخطوط، وأنا أميل إلى هذه التسمية وأرجحها، لأن الزركلي معروف بضبطه وحسن تثبته.
أما صاحب الأنس الجليل وصاحب هدية العارفين فيذكر أنه باسم "غرر التبيان لمهمات القرآن ومن الواضح أن هناك تصحيفاً واختصاراً.
وللبغدادي إشارة في إيضاح المكنون إلى كتاب باسم "غرر البيان في تفسير القرآن" لابن جماعة، وأرى أنه ليس كتاباً آخر، بل هو الكتاب السابق نفسه، والتشابه بين التسميتين واضح الدلالة من غير ريب(28).
4 ـ الفوائد اللائحة من سورة الفاتحة: أتى على ذكر هذا الكتاب صاحب الأنس الجليل، وصاحب إيضاح المكنون وهدية العارفين، وصاحب معجم المؤلفين، والتسمية متفق عليها(29).
5 ـ الرد على المشبهة: يفند ابن جماعة في كتابه أقاويل المشبهة في قوله تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[(30)، وقد نوه عنه صاحب كشف الظنون، كما أشار إليه صاحب هدية العارفين(31)...
6 ـ التنزيه في إبطال حجج التشبيه: ذكره البغدادي في هدية العارفين متفرداً(32).
ب ـ في علوم الحديث:
7 ـ المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، لخص فيه ابن جماعة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح المتوفى 643هـ، وزاد عليه من فرائد الفوائد وزوائد القواعد، ورتبه على مقدمة وأربعة أطراف. وتشمل المقدمة على معرفة المتن والسند والإسناد والحديث والخير. أما الأطراف فهي:
1 ـ الكلام على المتن وأقسامه وأنواعه.
2 ـ الكلام في السند وما يتعلق به.
3 ـ كيفية تحمل الحديث وطرقه وكتابته وضبطه وروايته وآداب طالبه وراويه.
4 ـ في أسماء الرجال وطبقات العلماء وما يتصل بذلك.
عدل سابقا من قبل الشريف الباسل في الخميس 5 نوفمبر - 21:05 عدل 1 مرات
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر