بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
اليكم
من كتاب
الرحله الحجازيه
اصدار دار الوثاثق القوميه
بمصر- القاهره
لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا خديوي مصر
جده عام 1906
=========
قال البكري في معجمه(( جده بضم اوله ساحل مكه سميت بذلك لأنها حاضرة البحر والجدة من البحر والنهر مايلي البر وأصل الجدة الطريق الممتد)) واهل البلاد يسمونها الان جدة بكسر الجيم. ويسميها المصريون جدة بفتحها. وكلها علي ما اري تسميه صحيحه: لأن الجدة بالكسر اليمن والسعاده. وهذا الثغر بلا شك منه الماده التي تقوم بحياة هذه البلاد كلها وأي شيء اسعد مما يقوم بحياه الانسان ووجوده. كما ان الجدة بالفتح الطريق الواسعه. وليس من طريق في بلاد الحجاز أوسع من هذه.وهي واقعه علي الساحل الشرقي للبحر الاحمر علي 39 درجه وعشر دقائق من الطول الشرقي وعلي 21 درجه و28 دقيقه من العرض الشمالي . وقد كانت قريه صغيره في باديء امرها يسكنها وما حولها قضاعه قبل الاسلام فلما كانت سنه 26 للهجره في خلافه سيدنا عثمان رضي الله عنه اشتكي الناس له الشده التي يعانونها في ميناء الشعيبيه لكثره ما فيها من الشعاب التي كانت تعوق سير السفن بها . وقالوا له ان في شمالها مكانا خيرا منها. فذهب عثمان اليه في جمع من قومه ليعاينه بنفسه فوجده حقيقه احسن من الاولي فأمر بجعله ثغرا لمكه . وسموه جدة0 ومما يذكر عن عثمان رضي الله عنه عند قدومه الي هذا المكان . انه نزل الي البحر فاغتسل وأمر قومه بالاغتسال فيه كذلك وأن يتخذوا المئزر عليهم: وهو ما يزعم الافرنج أنه من مدنيتهم. والشعيبيه الان قريه صغيره علي مسافه عشرين كيلو مترا من جنوب جده وبعضهم يذكرها بلفظ الشعيبه: قال كثير يصف ابلا تسير في ملاتريم( مكان بحضر موت) .
سأتك وقد أجدبها البكور...............غداة البين من اسمأ عير
كأن حمولها بملا تريم..................سفين بالشعيبه ما تسير
ومن ثم اخذت جدة تزيد في عمرانها وتعظم في اهميتها حتي اصبحت أكبر ثغر في بلاد العرب.
وساحل جده كله شعاب صخريه يتخللها شعاب مرجانيه حمراء وسوداء(اليسر)
وتري علي سطح الماء في كثير من جهاته اوراق نبات مائي شكله اشبه شيء بالبشنينفي بحيرات مصر . وهذا النبات لونه احمر قاتم ويوجد بكثره علي شاطيء الخليج العربي . وربما كان له تأثيره علي مايعيش في وجوه من الاصداف الحمراء والاسماك المرجانيه التي توجد فيه بكثره لتغذيتها منه. وربما اتت من ذلك تسميته بالبحر الاحمر.ويساعد علي تسميته ذلك اللون السنجابي الذي يشاهد قبل شروق الشمس فيما يلي الشاطيء من مياه البحر عند انحسار كتله المياه عنه وقت الجزر الذي يحصل فيه يوميا : حيث يتراءي لك الشعب علي طول الشاطيء ضاربا في البحر بلونه الاحمر الذي يتشرب بالزرقه شيئا فشيئا حتي يتصل بكتله الماء الكبري.
ومما يذكر بهذه المناسبه انا رأينا ان اهل جده يميلون الي اللباس الاحمر لا فرق في ذلك بين كبيرهم وصغيرهم . وربما كان ذلك من تأثير الوسط الذي يعيشون فيه : فتراهم يشدون علي وسطهم حزاما احمر ويضعون علي رأسهم شالا من لونه . وكثيرا ما تري صبيانهم يلبسون جلابيب بيضاء وعليها صديريه حمراء : حتي الطبقه العاليه منهم يكثر في لباسهم اللون الوردي او ما يقرب منه.
ويحيط بجده سور له خمسه اضلع : فالغربي منها علي البحر وطوله 576 متر . والبحري 675 متر والشرقي الجنوبي 315 متر والجنوبي 810 متر .
وفي كل ضلع من اضلاع هذا السور باب . والباب الشرقي يسمي باب مكه وعلي جداره من الخارج رنك منقوش في الحجر وعلي جانبه اسم السلطان الغوري ملك مصر . وهو اتلذي بني هذا السور سنه 915 لمنع الافرنج ( الذي كانوا ابتدءوا استعمار الشرق)من طلوعهم الي جده.
وقد افاد فائده تذكر في منع البرتغاليين من الدخول اليها سنه 948 وأصلتها قلعتها هذه الصغيره نارا حاميه فروا منها الي مراكبهم تاركين ماكان معهم من الذخائر . كما نالت ايضا من الو.....حين حصارهم لجده سنه 1218 الا انها لم تكن تؤدي وظيفتها في ضرب المراكب الانجليزيه لها سنه 1274: وسبب ذلك ان احد رعايا الانجليز كان يملك مركبا شراعيا بجدة وكان يرفع عليها العلم الانجليزي فبدله بالعلم العثماني . فخنق ذلك قنصل الانجليز ونزل الي المركب وأنزل العلم العثماني بالقوه والاهانه . فلما بلغ الناس هذا الامر كبرعليهم وهاج له الرعاع وقصدوا منزله وقتلوه مع القنصل الفرنساوي وبعض الافرنج ونهبوا دورهم . فأتت مراكب الافرنج وضربت جدة . فحضروا الي مكه واتفقوا مع الاميرال علي عمل تحقيق كانت نتيجته شنق نحو 15 نفرا من الاهالي في سوق جده . ونفي كثيرين من كبرائها. وغرامه الدوله نظير الاموال التي ادعت رعايا الدول الاجنبيه انها فقدتها في هذه الفتنه .
وفي سنه 1311 ساق الانجليز مراكبهم مره اخري الي مياه هذا الثغر عندما قتل الاعراب وكيل القنصل الانجليزي وجرحوا وكيلي القنصل الفرنساوي والروسي . وكانوا تجاوزوا الحد المضروب لهم خارج البلد . وكلهم مسلمون من الاهالي الذين لم يحسنوا سيرتهم مع اخوانهم من مواطنيهم ارتكانا الي الحمايه الاجنبيه. فحضر الشريف عون من مكه لهذا الامر الذي انتهي بالصلح وسفر المراكب من غير ضرب.
وشوارع جده لا نظام فيها وهي تحتوي علي نحو 3500 منزل مبنيه بالحجر الجبلي الذي يأتون به من الجبال القريبه . او اتلحجر الائي الذي يأتون به من شعاب البحروه خفيف جدا وفي غايه المتانه الا ان خطره جسيم وضرره عظيم لأنه قابل للألتهاب بسرعه لما يحتويه من الماده الفصفوريه التي توجد فيه بكثره . ومساكنها كمساكن مدن الحجاز(مكه والمدينه) وهي اشبه بمساكن مصر عهد المماليك( وفي سوق السلاح كثير منها).
اعني ان بها غرفا كبيره ولواوين واسعه ذات سقوف عاليه ولها شبابيك طويله عريضه علي شطل المشربيات يسمونها الرواشن( مفردها روشن وهي كلمه فارسيه معناها المنور). وشغلها الخشبي يشبه ما يسمونه بالمنقور او المنجور واكثرها من النوع المسمي بالشيش. وقد رأيت في بعض بيوت هذه المدينه منزلا وجهته 15 متر وفيها تسعه رواشن كبيره . ولا شك ان هذه المنافذ الواسعه موافقه جدا للبلاد الحاره.ولذلك تري النظام الجديد في العمارات المصريه يرجع الي هذا النمط كما تراه في اغلب المباني الحديثه لا سيما في الاحياء الافرنجيه وعلي الاخص في مصر الجديده التي هي شكل مجمل مكمل من الاشكال المصريه القديمه.
ولمحمد علي باشا في هذه المدينه مبان مثيره: منها دار الولايه . ودار البلديه. وثكنات العساكر وغيرها.
وماء الشرب فيها من الصهاريج القديمه التي تملا من ماء المطر أو العيون الموجوده خارج المدينهوكلما قربت تلك العيون من البحر كانت مياهها ملحه غير صالحه للشرب.
وفيها مواسير كان وضعها عثمان باشا نوري سنه 1302وسيبر الماء فيها من عين الرغامه التي تبعد عن المدينه شرقا بنحو عشرة كيلو مترات . وهي الان مهدمه وقد اهتمت بلديه المدينه باصلاحها ولكن يظهر الن الحكومه لا يمكنها عمارتها الا بمعونه الاهالي وهم لا يساعدون في ذلك لان لهم مصلحه في بيع مياه صهاريجهم علي الحجاج بأثمان باهظه.
علي ان سواد الحجاج لا يشربون اثناء وجودهم في هذه المدينه الا من المياه التي يأتون بها اليهم من الحفر والابار وفضلا عن وساختها فان طعمها يميل الي الملوحه ولولا فضل الله عليهم لهلكوا منها جميعا!!!!!!!!!
وفي هذه المدينه كندانسه لبعض الفرنجه لتكرير مياه البحر وبيعها للناس ولكنها تخربت نهائيا وبلغنا ونحن بجده انهم ارسوا بعض عددها الي الي السويس لاصلاحها فيها .
وجده مركز تجاري كبير ويمكنك ان تقول انها الثغر العمومي للحجاز فمنها صادراته واليها وارداته. وتجارتها تكاد تنحصر في اصداف الؤلؤ والمرجان واليسر والسبح والاقمشه الحريريه والعطر والعطاره والبقاله الجافه وزالقرب والجلود وتالسجاجيد وجميع ما يهم الحاج . وتجارتهاالرئيسيه في الحبوب خصوصا القمح والدقيق الذين عليهما مدار حياه اهل البلاد العربيه من ادناها الي اقصاها . وهي تأتي اليها من الهند ومصر والشام والعجم والجاوه وغيرها. وسوق المدينه تمتد علي طولها من الجهه الجنوبيه الي اشماليه التي تنتهي بمساكن قاصل الدول . وهي احسن مافي المدينه من ابنيه وأخص منها بالذكر منزل الوكاله الروسيه الذي هو علي الطف مثال وأجمل هندان لما فيه من المشربيات والطنف( البلكونات) التي تمثل ابهه الشكل العربي القديم بما يخيل الي الرائي انه امام قصر الرصافه في بغداد . وتجاه هذا المنزل نقطه بوليس وبجوارها مكان البوسته وهو غرفه صغيره يقطعها حاجز خشبي بسيط يقصل بين العمال وارباب الاعمال والي جوارها مكان التلغراف .
وتجار مكه من اهلين وحضارم وهنود واعجام وبخاريين واروام تراهم يعملون في هذا الوسط ولا تروج تجارتهم الا في موسم الحج. ولاحد الاروام في جنوب المدينه وابور( ماكينه) يدار بالبترول لطحن الغلال وأجره الكيله الجداويه ( مقداها ثلاث اقات) ثلاثه قروش مجيديه ومع هذا فأن صاحبه علي الدوام تراه يصرخ مستغيثا من قله المكسب وكثره مايصرفونه في سبيل ادارته .
وتعداد اهل المدينه لم يحصل بقفه رسميه . وهم يبلغون خمسين الفا علي اضبط تقدير : منهم عشره الاف من الاجانب المسلمين بين فرس وحضارم وهنود وبخاريين اما الفرنجه فيبلغ عددهم مائه او يزيدون قليلا واغلبهم من الاروام . وثروه البلاد تقريبا في ايدي هؤلاء الاغراب وتقدر ثروه بعضهم بنحو مليون من الجنيهات لانهم يجدون ويكدون ولهم نشاط غريب في بابه . حتي الشيالين والفلايكيه في هذه المدينه تجدهم في الغالب من الحضارم او العبيد.
وفي جده مدرستان مدرسه الاصلاح وفيها نحو ثمانين تلميذا ويصرف عليها من تبرعات الاهالي . والمدرسه الرشديه وهي للحكومه وفيها نحو مائه وعشرين تلميذا . ولا يدرس فيها الا شيء بسيط من الحساب والكتابه والقراءه العربيه والتركيه. وعلي كل حال فانهما اقل من التعليم من مكاتب الاوقاف بمصر. وقد رأيت في سوق المدينه لوحه مكتوبا عليها( جريده الاصلاح ومطبعتها) فسألت عنها فعلمت انها ابتدأت عملها بعد اعلان الدستور العثماني ولكنها لم تجد رواجا فاضطر صاحبها الي اغلاقها . وقفل محررها (التركي) راجعا الي الاستانه . اما المطبعه الان فليس لها من عمل يذكر.
وسكان جده خليط كما اسلفنا وقد اثرت فيهم طبيعه هذا الاقليم فغلبت عليهم حال البداوه فيما يختص بالتعليم الذي ليس لهم فيه حظ يذكر اللهم الا ما كان يوصل الي كتابه خطاب او مزاوله قليل من الحساب . وفي المدينه اربعه مساجد . المسجد الحنفي-والشافعي- والمالكي- ومسجد سيدي عكاشه وهو اكبرها وفيها اجزخانه صغيره ويقال بها نزلا صغيرا (لوكانده) في ميدان الجمرك ولكني لم اره.
وحكومه المدينه محصوره في القائمقام ووكيل الشريف وهو الان حضره صاحب السري الوجيه السيد محمد نصيف : والاول مختص بأعمال الحكومه الماليه المنحصره في اعمال الجمارك غالبا. وتقدر هذه الايرادات بنحو خمسين الف جنيه عثماني في السنه علي الاكثر والثاني قائم بجميع الاشغال المختصه بالعرب كما ان امر القوه العسكريه موكول الي قومندانها : وقد كان والي الحجاز يسكن اولا في قد ولكن نقل مركزه في نحو سنه 1280 الي مكه لاهميتها.
وفي موسم الحج تجد في جده حركه مستديمه لا تنقطع ليلا ولا نهارا من الحجاج الذين وصلوا اليها وجدوا علي ابواب جمركها مطوفيهم او وكلاءهم في انتظارهم وهم بنادون ياحاج فلان او ياحجاج فلان (يعنون المطوف) فيعرف الحاج اسم مطوفه فينادي عليهوهو في هذه الشده فيبادر الي مساعدته ويأخذ منه ورقه جوازه( باسبورت) ليعلم عليها من قلم الجوازات ثم يسير معه الي منزل يقيم به يوما او يومين يصلح فيهما من شأنه في نظير اجر يدفعه لصاحبه ثم يؤجر حميره او جماله ويسافر الي مكه بعد ان يشتري شقادفه كان لها ضروره عنده ومتوسط ثمن الشقدف جنيه انجليزي وأجرة الهجين أو الحمار جنيه الي مكه وكذلك جمل الحمل. أما جمل الشقدف فتصل اجرته في الغالب ضعف ذلك.
........................
الي هنا
مع تحيات
السيد الغازي
مصر- المنصوره
وبه نستعين
اليكم
من كتاب
الرحله الحجازيه
اصدار دار الوثاثق القوميه
بمصر- القاهره
لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا خديوي مصر
جده عام 1906
=========
قال البكري في معجمه(( جده بضم اوله ساحل مكه سميت بذلك لأنها حاضرة البحر والجدة من البحر والنهر مايلي البر وأصل الجدة الطريق الممتد)) واهل البلاد يسمونها الان جدة بكسر الجيم. ويسميها المصريون جدة بفتحها. وكلها علي ما اري تسميه صحيحه: لأن الجدة بالكسر اليمن والسعاده. وهذا الثغر بلا شك منه الماده التي تقوم بحياة هذه البلاد كلها وأي شيء اسعد مما يقوم بحياه الانسان ووجوده. كما ان الجدة بالفتح الطريق الواسعه. وليس من طريق في بلاد الحجاز أوسع من هذه.وهي واقعه علي الساحل الشرقي للبحر الاحمر علي 39 درجه وعشر دقائق من الطول الشرقي وعلي 21 درجه و28 دقيقه من العرض الشمالي . وقد كانت قريه صغيره في باديء امرها يسكنها وما حولها قضاعه قبل الاسلام فلما كانت سنه 26 للهجره في خلافه سيدنا عثمان رضي الله عنه اشتكي الناس له الشده التي يعانونها في ميناء الشعيبيه لكثره ما فيها من الشعاب التي كانت تعوق سير السفن بها . وقالوا له ان في شمالها مكانا خيرا منها. فذهب عثمان اليه في جمع من قومه ليعاينه بنفسه فوجده حقيقه احسن من الاولي فأمر بجعله ثغرا لمكه . وسموه جدة0 ومما يذكر عن عثمان رضي الله عنه عند قدومه الي هذا المكان . انه نزل الي البحر فاغتسل وأمر قومه بالاغتسال فيه كذلك وأن يتخذوا المئزر عليهم: وهو ما يزعم الافرنج أنه من مدنيتهم. والشعيبيه الان قريه صغيره علي مسافه عشرين كيلو مترا من جنوب جده وبعضهم يذكرها بلفظ الشعيبه: قال كثير يصف ابلا تسير في ملاتريم( مكان بحضر موت) .
سأتك وقد أجدبها البكور...............غداة البين من اسمأ عير
كأن حمولها بملا تريم..................سفين بالشعيبه ما تسير
ومن ثم اخذت جدة تزيد في عمرانها وتعظم في اهميتها حتي اصبحت أكبر ثغر في بلاد العرب.
وساحل جده كله شعاب صخريه يتخللها شعاب مرجانيه حمراء وسوداء(اليسر)
وتري علي سطح الماء في كثير من جهاته اوراق نبات مائي شكله اشبه شيء بالبشنينفي بحيرات مصر . وهذا النبات لونه احمر قاتم ويوجد بكثره علي شاطيء الخليج العربي . وربما كان له تأثيره علي مايعيش في وجوه من الاصداف الحمراء والاسماك المرجانيه التي توجد فيه بكثره لتغذيتها منه. وربما اتت من ذلك تسميته بالبحر الاحمر.ويساعد علي تسميته ذلك اللون السنجابي الذي يشاهد قبل شروق الشمس فيما يلي الشاطيء من مياه البحر عند انحسار كتله المياه عنه وقت الجزر الذي يحصل فيه يوميا : حيث يتراءي لك الشعب علي طول الشاطيء ضاربا في البحر بلونه الاحمر الذي يتشرب بالزرقه شيئا فشيئا حتي يتصل بكتله الماء الكبري.
ومما يذكر بهذه المناسبه انا رأينا ان اهل جده يميلون الي اللباس الاحمر لا فرق في ذلك بين كبيرهم وصغيرهم . وربما كان ذلك من تأثير الوسط الذي يعيشون فيه : فتراهم يشدون علي وسطهم حزاما احمر ويضعون علي رأسهم شالا من لونه . وكثيرا ما تري صبيانهم يلبسون جلابيب بيضاء وعليها صديريه حمراء : حتي الطبقه العاليه منهم يكثر في لباسهم اللون الوردي او ما يقرب منه.
ويحيط بجده سور له خمسه اضلع : فالغربي منها علي البحر وطوله 576 متر . والبحري 675 متر والشرقي الجنوبي 315 متر والجنوبي 810 متر .
وفي كل ضلع من اضلاع هذا السور باب . والباب الشرقي يسمي باب مكه وعلي جداره من الخارج رنك منقوش في الحجر وعلي جانبه اسم السلطان الغوري ملك مصر . وهو اتلذي بني هذا السور سنه 915 لمنع الافرنج ( الذي كانوا ابتدءوا استعمار الشرق)من طلوعهم الي جده.
وقد افاد فائده تذكر في منع البرتغاليين من الدخول اليها سنه 948 وأصلتها قلعتها هذه الصغيره نارا حاميه فروا منها الي مراكبهم تاركين ماكان معهم من الذخائر . كما نالت ايضا من الو.....حين حصارهم لجده سنه 1218 الا انها لم تكن تؤدي وظيفتها في ضرب المراكب الانجليزيه لها سنه 1274: وسبب ذلك ان احد رعايا الانجليز كان يملك مركبا شراعيا بجدة وكان يرفع عليها العلم الانجليزي فبدله بالعلم العثماني . فخنق ذلك قنصل الانجليز ونزل الي المركب وأنزل العلم العثماني بالقوه والاهانه . فلما بلغ الناس هذا الامر كبرعليهم وهاج له الرعاع وقصدوا منزله وقتلوه مع القنصل الفرنساوي وبعض الافرنج ونهبوا دورهم . فأتت مراكب الافرنج وضربت جدة . فحضروا الي مكه واتفقوا مع الاميرال علي عمل تحقيق كانت نتيجته شنق نحو 15 نفرا من الاهالي في سوق جده . ونفي كثيرين من كبرائها. وغرامه الدوله نظير الاموال التي ادعت رعايا الدول الاجنبيه انها فقدتها في هذه الفتنه .
وفي سنه 1311 ساق الانجليز مراكبهم مره اخري الي مياه هذا الثغر عندما قتل الاعراب وكيل القنصل الانجليزي وجرحوا وكيلي القنصل الفرنساوي والروسي . وكانوا تجاوزوا الحد المضروب لهم خارج البلد . وكلهم مسلمون من الاهالي الذين لم يحسنوا سيرتهم مع اخوانهم من مواطنيهم ارتكانا الي الحمايه الاجنبيه. فحضر الشريف عون من مكه لهذا الامر الذي انتهي بالصلح وسفر المراكب من غير ضرب.
وشوارع جده لا نظام فيها وهي تحتوي علي نحو 3500 منزل مبنيه بالحجر الجبلي الذي يأتون به من الجبال القريبه . او اتلحجر الائي الذي يأتون به من شعاب البحروه خفيف جدا وفي غايه المتانه الا ان خطره جسيم وضرره عظيم لأنه قابل للألتهاب بسرعه لما يحتويه من الماده الفصفوريه التي توجد فيه بكثره . ومساكنها كمساكن مدن الحجاز(مكه والمدينه) وهي اشبه بمساكن مصر عهد المماليك( وفي سوق السلاح كثير منها).
اعني ان بها غرفا كبيره ولواوين واسعه ذات سقوف عاليه ولها شبابيك طويله عريضه علي شطل المشربيات يسمونها الرواشن( مفردها روشن وهي كلمه فارسيه معناها المنور). وشغلها الخشبي يشبه ما يسمونه بالمنقور او المنجور واكثرها من النوع المسمي بالشيش. وقد رأيت في بعض بيوت هذه المدينه منزلا وجهته 15 متر وفيها تسعه رواشن كبيره . ولا شك ان هذه المنافذ الواسعه موافقه جدا للبلاد الحاره.ولذلك تري النظام الجديد في العمارات المصريه يرجع الي هذا النمط كما تراه في اغلب المباني الحديثه لا سيما في الاحياء الافرنجيه وعلي الاخص في مصر الجديده التي هي شكل مجمل مكمل من الاشكال المصريه القديمه.
ولمحمد علي باشا في هذه المدينه مبان مثيره: منها دار الولايه . ودار البلديه. وثكنات العساكر وغيرها.
وماء الشرب فيها من الصهاريج القديمه التي تملا من ماء المطر أو العيون الموجوده خارج المدينهوكلما قربت تلك العيون من البحر كانت مياهها ملحه غير صالحه للشرب.
وفيها مواسير كان وضعها عثمان باشا نوري سنه 1302وسيبر الماء فيها من عين الرغامه التي تبعد عن المدينه شرقا بنحو عشرة كيلو مترات . وهي الان مهدمه وقد اهتمت بلديه المدينه باصلاحها ولكن يظهر الن الحكومه لا يمكنها عمارتها الا بمعونه الاهالي وهم لا يساعدون في ذلك لان لهم مصلحه في بيع مياه صهاريجهم علي الحجاج بأثمان باهظه.
علي ان سواد الحجاج لا يشربون اثناء وجودهم في هذه المدينه الا من المياه التي يأتون بها اليهم من الحفر والابار وفضلا عن وساختها فان طعمها يميل الي الملوحه ولولا فضل الله عليهم لهلكوا منها جميعا!!!!!!!!!
وفي هذه المدينه كندانسه لبعض الفرنجه لتكرير مياه البحر وبيعها للناس ولكنها تخربت نهائيا وبلغنا ونحن بجده انهم ارسوا بعض عددها الي الي السويس لاصلاحها فيها .
وجده مركز تجاري كبير ويمكنك ان تقول انها الثغر العمومي للحجاز فمنها صادراته واليها وارداته. وتجارتها تكاد تنحصر في اصداف الؤلؤ والمرجان واليسر والسبح والاقمشه الحريريه والعطر والعطاره والبقاله الجافه وزالقرب والجلود وتالسجاجيد وجميع ما يهم الحاج . وتجارتهاالرئيسيه في الحبوب خصوصا القمح والدقيق الذين عليهما مدار حياه اهل البلاد العربيه من ادناها الي اقصاها . وهي تأتي اليها من الهند ومصر والشام والعجم والجاوه وغيرها. وسوق المدينه تمتد علي طولها من الجهه الجنوبيه الي اشماليه التي تنتهي بمساكن قاصل الدول . وهي احسن مافي المدينه من ابنيه وأخص منها بالذكر منزل الوكاله الروسيه الذي هو علي الطف مثال وأجمل هندان لما فيه من المشربيات والطنف( البلكونات) التي تمثل ابهه الشكل العربي القديم بما يخيل الي الرائي انه امام قصر الرصافه في بغداد . وتجاه هذا المنزل نقطه بوليس وبجوارها مكان البوسته وهو غرفه صغيره يقطعها حاجز خشبي بسيط يقصل بين العمال وارباب الاعمال والي جوارها مكان التلغراف .
وتجار مكه من اهلين وحضارم وهنود واعجام وبخاريين واروام تراهم يعملون في هذا الوسط ولا تروج تجارتهم الا في موسم الحج. ولاحد الاروام في جنوب المدينه وابور( ماكينه) يدار بالبترول لطحن الغلال وأجره الكيله الجداويه ( مقداها ثلاث اقات) ثلاثه قروش مجيديه ومع هذا فأن صاحبه علي الدوام تراه يصرخ مستغيثا من قله المكسب وكثره مايصرفونه في سبيل ادارته .
وتعداد اهل المدينه لم يحصل بقفه رسميه . وهم يبلغون خمسين الفا علي اضبط تقدير : منهم عشره الاف من الاجانب المسلمين بين فرس وحضارم وهنود وبخاريين اما الفرنجه فيبلغ عددهم مائه او يزيدون قليلا واغلبهم من الاروام . وثروه البلاد تقريبا في ايدي هؤلاء الاغراب وتقدر ثروه بعضهم بنحو مليون من الجنيهات لانهم يجدون ويكدون ولهم نشاط غريب في بابه . حتي الشيالين والفلايكيه في هذه المدينه تجدهم في الغالب من الحضارم او العبيد.
وفي جده مدرستان مدرسه الاصلاح وفيها نحو ثمانين تلميذا ويصرف عليها من تبرعات الاهالي . والمدرسه الرشديه وهي للحكومه وفيها نحو مائه وعشرين تلميذا . ولا يدرس فيها الا شيء بسيط من الحساب والكتابه والقراءه العربيه والتركيه. وعلي كل حال فانهما اقل من التعليم من مكاتب الاوقاف بمصر. وقد رأيت في سوق المدينه لوحه مكتوبا عليها( جريده الاصلاح ومطبعتها) فسألت عنها فعلمت انها ابتدأت عملها بعد اعلان الدستور العثماني ولكنها لم تجد رواجا فاضطر صاحبها الي اغلاقها . وقفل محررها (التركي) راجعا الي الاستانه . اما المطبعه الان فليس لها من عمل يذكر.
وسكان جده خليط كما اسلفنا وقد اثرت فيهم طبيعه هذا الاقليم فغلبت عليهم حال البداوه فيما يختص بالتعليم الذي ليس لهم فيه حظ يذكر اللهم الا ما كان يوصل الي كتابه خطاب او مزاوله قليل من الحساب . وفي المدينه اربعه مساجد . المسجد الحنفي-والشافعي- والمالكي- ومسجد سيدي عكاشه وهو اكبرها وفيها اجزخانه صغيره ويقال بها نزلا صغيرا (لوكانده) في ميدان الجمرك ولكني لم اره.
وحكومه المدينه محصوره في القائمقام ووكيل الشريف وهو الان حضره صاحب السري الوجيه السيد محمد نصيف : والاول مختص بأعمال الحكومه الماليه المنحصره في اعمال الجمارك غالبا. وتقدر هذه الايرادات بنحو خمسين الف جنيه عثماني في السنه علي الاكثر والثاني قائم بجميع الاشغال المختصه بالعرب كما ان امر القوه العسكريه موكول الي قومندانها : وقد كان والي الحجاز يسكن اولا في قد ولكن نقل مركزه في نحو سنه 1280 الي مكه لاهميتها.
وفي موسم الحج تجد في جده حركه مستديمه لا تنقطع ليلا ولا نهارا من الحجاج الذين وصلوا اليها وجدوا علي ابواب جمركها مطوفيهم او وكلاءهم في انتظارهم وهم بنادون ياحاج فلان او ياحجاج فلان (يعنون المطوف) فيعرف الحاج اسم مطوفه فينادي عليهوهو في هذه الشده فيبادر الي مساعدته ويأخذ منه ورقه جوازه( باسبورت) ليعلم عليها من قلم الجوازات ثم يسير معه الي منزل يقيم به يوما او يومين يصلح فيهما من شأنه في نظير اجر يدفعه لصاحبه ثم يؤجر حميره او جماله ويسافر الي مكه بعد ان يشتري شقادفه كان لها ضروره عنده ومتوسط ثمن الشقدف جنيه انجليزي وأجرة الهجين أو الحمار جنيه الي مكه وكذلك جمل الحمل. أما جمل الشقدف فتصل اجرته في الغالب ضعف ذلك.
........................
الي هنا
مع تحيات
السيد الغازي
مصر- المنصوره
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر