المصدر: د. أسامة محمد أبو نحل *
"اكذب ! اكذب دائماً، فلابد أن يبقى من كذبك شيء".
هذه القاعدة الذهبية التي وصفها جوبلز، داعية النازية المعروف، ولا نعتقد أن يكون أحد كالحركة الصهيونية في الدنيا –إلاَّ أن يكون الشيطان– قد طبّق هذه القاعدة أكمل التطبيق، واستغلها حتى النهاية. فتاريخها من أوله إلى آخره برهان على أنه لا حاجة لأن يكون لك حق لتصل إلى ما تريد.
يكفي أن يكون لك -مع العمل والقوة- بوق دعاية. واكذب ما شئت فليس ثمة إلاَّ عدد محدود من العارفين بالحقيقة يعارضك. فإن رفع بعضهم الصوت لمعارضتك تكفَّل بالتغطية عليه سيلُ الدعاية الجارف. وإذا ذهب ملايين البشر في التاريخ القديم ضحية الأساطير، واغتُصبت الأراضي أو ذُبحت في صليبيات الأوهام، فما زالت الأسطورة سيدة الموقف، حتى في أواخر القرن العشرين، يوم أضحى في إمكان الإنسان النزول على القمر والتحقق من حجارته(1).
وفلسطين ومعها منطقة المشرق العربي ومصائر أهلها ليست ضحية أسطورة واحدة، ولكنها ضحية سلسلة مركبة من الأساطير، كقنابل الدخان العنقودية التي تعمي العيون ثمَّ تعود لتعميها كرة أخرى، ثمَّ أخرى.. أطلقت ثمَّ كررت ثمَّ كرست حقائق، ونحن بمشقة نتلمس الطريق لمعرفة أبعادها. ولم تأتِ كلها معاً؛ لأنها كانت أساطير مرحلية، لكل مرحلة من الصليبية الصهيونية شعاراتها المناسبة، وأكذوبتها المبرمجة. هكذا مثلاً أُطلقت أكذوبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأُطلقت قصة اللاسامية وإبادة ستة ملايين يهودي في أفران الغاز النازي. وكذلك كان الأمر في ادّعاء أنّ اليهود شعب مسكين مسالم يريد العرب أن يذبحوه، وأن اليهود هم الشعب الوحيد المضطهد في التاريخ الإنساني، وأنهم شعب واحد مستمر الوجود منذ ثلاثة آلاف سنة إلى يومنا هذا، وأنهم "شعب الله المختار"، وشعب العبقريات، وأن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعدهم بها الرب "يهوه"، وبالتالي فإنهم أصحاب فلسطين الأولون. إن تكرار هذه الأساطير، شعارات ومقولات مطلقة، أدخلها بين الحقائق والبدهيات، حتى لدى بعض العرب، وحتى صار دفعها بالحق والحجة والوقائع ضرباً من العبث، إن لم يكن مدعاة للملل واليأس، بعد أن تجاوزتها المراحل، صار الحديث فيها لغواً من اللغو لا ينتهي إلى نتيجة(2).
ولقد دار لغطٌ واسع حول العهد القديم، وما قيل حول أصوله وصحة ما ورد فيه من معلوماتٍ تاريخية، سواء الخاصة منها بالتأريخ لبني إسرائيل أم ما ذُكر فيه عن التأريخ للشعوب التي عاصرتهم، وظلَّ العهد القديم لفترةٍ طويلة من الزمن المصدر الوحيد لكل الأحداث التاريخية التي مرت ببلاد الشام، دون أن يجرؤ أحدٌ على نقض ما ورد فيه، لكونه كتاباً مقدساً، لا يجوز لأي إنسان مهما بلغ علمه أن يفنّد رواياته.
فقد اعتبر بنو إسرائيل أنفسهم "بؤرة التاريخ"، على أساس أن التاريخ خُلق لهم ليعمل على خدمتهم، وتحقيق مصالحهم وأهدافهم الشخصية، وذلك على العكس من الحقيقة الثابتة ومفادها أن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ.
وقد بدا لابن حزم الأندلسي، أن روايات العهد القديم غير متسقة ومتناقضة، أي شابها التحريف والتزوير، وكانت أول محاولة غربية لنقد روايات العهد القديم بدأت منذ القرن الثاني عشر للميلاد، ثم استمرت جهود الباحثين في طَرقِ مرويات العهد القديم ولا زالت، منذ أن فقدت الكنيسة الكاثوليكية كثيراً من سلطتها الأدبية والفكرية، حتى تبيَّن لهم صدق حدسهم، مما أدى إلى ما يمكن تسميته بـ "الثورة الفكرية"، لبيان الحقيقة المجردة، المنزّهة عن أية أهواء شخصية، وقد قام بهذه المهمة الجريئة باحثون أوروبيون وأمريكيون وحتى إسرائيليون تخلصوا من عُقد الماضي وأدرانه، ممن يُسمون اليوم بالمؤرخين الجدد.
ورغم أن عدداً كبيراً من الباحثين قد اضطلعوا بهذه المهمة، فإن المجال يبقى خصباً لإضافة المزيد مما قدمه السابقون، ونظراً لأن الإنسان يقف كل يوم على جديد وتتوسع مداركه، فعليه الإفادة مما وقف عليه، وبالتالي إيصال ما استفاده للآخرين.
ولقد ساق كتبة العهد القديم العديد من النماذج لبيان عظمة تاريخ أجدادهم وآبائهم، وزوّروا الوقائع التاريخية، ونسبوا ما قامت به الشعوب الأخرى من أعمال، على أنها من صنع بني إسرائيل، ونسوق هنا مثالين فقط على ذلك:
أولاً- يذكر سفر صموئيل الثاني، أن داود استولى على مدينة أورشليم الحصينة من اليبوسيين الكنعانيين في أوائل القرن العاشر قبل الميلاد (صموئيل الثاني 5/4-10). وقد نفى بعض الدارسين(3) ما جاء في هذا السفر حول هذه الرواية، وأكد أن الوحيد الذي فتحت له هذه المدينة أبوابها لاستقباله بسلام هو الفرعون المصري "تحتمس الثالث"، قبل داود بخمسة قرون؛ لذا عُرفت فيما بعد باسم "أورشليم"، أي "مدينة السلام"، كما ذكر أنه ليس صحيحاً ما جاء في سفر الملوك الثاني من أن مدينة القدس كانت عاصمةً لمملكة يهوذا عندما حطمها الملك البابلي "نبوخذ نصَّر" بعد عام 586 ق.م.(4)؛ لأنها كانت ما تزال في أيدي أصحابها اليبوسيين الذين أفناهم جيش الملك البابلي عن آخرهم وترك مدينتهم حطاماً، فكل الأدلة المتوفرة تؤكد أن بني إسرائيل لم يدخلوا أبداً إلى أورشليم، ولم يقدسوا في معبدها. ولكن الإسرائيليين الذين عادوا من بابل، هم أول من فعل ذلك بعد سقوط الدولة البابلية على يد الملك الفارسي "قورش". والجدير بالذكر أن كُتب التوراة الخمسة الأولى والمنسوبة إلى موسى عليه السلام، هي فقط التي كُتبت خلال القرن السادس قبل الميلاد، أما أسفار العهد القديم الأخرى، فلم تأخذ شكلها الحالي إلاَّ بعد ذلك بثلاثة قرون.
ويؤكد بعض الباحثين(5)، أن قبائل يهوذا كانت تسكن المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة أورشليم الحصينة؛ لذلك نجد ادعاء كتبة سفر صموئيل الثاني بأن داود استولى على هذه المدينة ليس له أساس من الصحة(6)، ورغم ذلك استمرت كتب أسفار الملوك التالية في اعتبار أورشليم عاصمةً لمملكة يهوذا، وإن كان من الواضح أن هذه المدينة لم تكن لها علاقة بما يجري من أحداث، وإنما أراد كتبة العهد القديم عند إعادة صياغة هذه الكتب، جمع الإسرائيليين على مدينة يقدسونها مع تبرير حق لهم فيها؛ الأمر الذي لم يتم إلاَّ بعد دمار هذه المدينة على أيدي البابليين.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر