[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أسرة محمد علي باشا
الشريف- عضو فعال
- عدد الرسائل : 67
تقييم القراء : 7
النشاط : 6035
تاريخ التسجيل : 05/11/2008
- مساهمة رقم 1
أسرة محمد علي باشا
الشريف- عضو فعال
- عدد الرسائل : 67
تقييم القراء : 7
النشاط : 6035
تاريخ التسجيل : 05/11/2008
- مساهمة رقم 2
معاهدة لندرة والدولة المصرية الكبرى
معاهدة لندرة والدولة المصرية الكبرى
(في ذكرى انعقادها: 15 من جمادى الأولى 1256هـ)
إسلام أون لاين
مصطفى عاشور
محمد علي
خسرت مصر حوالي ثلاثين ألف جندي، وفقدت معظم أسطولها البحري، بعد الضربة القاصمة التي أنزلها التحالف الأوروبي بالأسطول المصري والعثماني في موقعة "نفارين" البحرية سنة (1243هـ = 1827م)، فأحجم محمد علي باشا والي مصر عن الاستمرار في مجابهة الأوروبيين، ورجعت بقايا الأسطول المصري المحطم إلى الإسكندرية، تاركة خلفها الدولة العثمانية لتواجه الدول الأوروبية الكبرى التي أرادت إخراج العثمانيين نهائيا من أوروبا.
وساءت العلاقات بين السلطان العثماني "محمود الثاني" ومحمد علي باشا، وعملت الدول الأوروبية على إذكاء روح هذا العداء فكانت فرنسا تشجع محمد علي على إعلان الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، والمناداة بأن الخلافة من حق العرب أولا، أما الإنجليز فكانوا ينقلون إلى السلطان العثماني رغبة محمد علي في الاستقلال، ووضعوا أسطولهم القوي في خدمة العثمانيين لاستخدامه ضد مصر؛ لأنهم رأوا في مصر القوية تهديدا لطرق تجارتهم مع الهند.
وتصور محمد علي باشا أن الصراع بين فرنسا وإنجلترا صراع إستراتيجي، لا يوحي بإمكانية وجود تفاهم بينهما على اقتسام الغنائم على حساب البلدان الأخرى، ولم يدرك الرجل أن التناقض بين الدول الاستعمارية هو تناقض مصلحي لا إستراتيجي.
الحرب بين العثمانيين ومحمد علي باشا
سعت الدول الأوروبية وبخاصة إنجلترا إلى إثارة الحرب والصراع بين العثمانيين ومحمد علي، وسعت أيضا إلى إطالة أمد هذه الحرب بين الجانبين لإضعافهما واستنزاف قوتهما المالية والبشرية حتى تتحقق الأطماع الأوروبية الاستعمارية في اقتسام تركة الرجل الأوروبي المريض (الدولة العثمانية).
وكانت بداية الحرب بين الدول العثمانية ومصر، عندما منح السلطان العثماني جزيرة "كريت" لمحمد علي كتعويض عما فقدته مصر في الحرب اليونانية، لكن هذا التعويض لم يكن ذا قيمة، ورأى محمد علي أن يضم بلاد الشام إلى دولته الشابة حتى يظفر بمواردها من الخشب والفحم والنحاس، ويجنّد شبابها في جيشه فيزداد بهم قوة، وساعده على ذلك ضعف الدولة العثمانية بعد الحرب اليونانية، ثم الحرب الروسية سنة (1245هـ = 1829م) وكثرة الثورات والاضطرابات داخل الدولة المترامية الأطراف، وانتشار الفوضى داخل الجيش العثماني بعد إلغاء فرقة الإنكشارية سنة (1242هـ = 1826م) التي كانت قوام الجيش العثماني، يضاف إلى ذلك أن محمد علي استطاع أن يجذب إليه الأمير "بشير الشهابي" كبير أمراء لبنان، وبذلك لم يخش مقاومة الشاميين للجيش المصري.
واستغل محمد علي إيواء والي صيدا "عبد الله باشا" لعدد من الفلاحين المصريين الهاربين من السخرة والضرائب والخدمة العسكرية، ليجرد حملة عسكرية لتأديبه بقياده ابنه إبراهيم باشا في جمادى الأولى (1247هـ = أكتوبر 1831م).
واستطاعت القوات المصرية أن تحقق انتصارات عظيمة في بلاد الشام، فسيطرت على غزة ويافا وحيفا، وصور وصيدا وبيروت طرابلس والقدس، وفشلت محاولات الدولة العثمانية في وقف الزحف المصري لذا حشد العثمانيون عشرين ألف مقاتل وزحفوا لملاقاة المصريين، والتقى الجمعان في سهل الزراعة قرب حمص في ذي القعدة (1247هـ = إبريل 1832م) وانتصر المصريون، ثم فتحوا مدينة عكا الحصينة، ثم دمشق، وانتصروا على العثمانيين في موقعة حمص (صفر 1248هـ = يوليه 1832م) وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه المعركة 2000 قتيل و2500 أسير، ولم تزد خسائر الجيش المصري عن 102 قتيل.. وتعتبر هذه المعركة من أهم المعارك الجيش المصري؛ لأنها أول معركة يتقاتل فيها المصريون ضد الأتراك وجها لوجه، وأظهرت تفوق الجيش المصري الحديث.
وبعد هذه المعركة تقدم الجيش المصري فاحتل حماة وحلب، وانتصر على العثمانيين في موقعة بيلان جنوبي الإسكندرونة، واجتاز حدود سوريا الشمالية، ودخل إبراهيم باشا بقواته ولاية أدنه في بلاد الأناضول، وعبر نهري جيحون وسيحون، ودخل طرطوس وأوروفا، وعينتاب ومرعش وقيصرية.
كانت ولاية أدنه مفتاح الأناضول، وصلة المواصلات البحرية بين مصر وجيشها. لم تنكسر عزيمة السلطان محمود أمام الهزائم التي حاقت بجيشه، وأعد جيشا جديدا بقيادة الصدر الأعظم "محمد رشيد باشا"، وبلغ قوام هذا الجيش 53 ألف مقاتل، ونشبت معارك شرسة بين الفريقين، انتصر فيها المصريون، وكان أهمها موقعة قونية (27 رجب 1248هـ = 21 ديسمبر 1832م) التي فتحت الطريق أمام المصريين إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، التي لا تبعد عنهم سوى مسيرة ستة أيام من البوسفور، في طريق ليس به جيش ولا مقاومة.
الموقف الأوروبي
استفادت الدول الأوروبية من حالة العداء بين الدولة العثمانية ومحمد علي باشا، فلم يبد الإنجليز في البداية رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة، بل زودوا المصريين بالذخيرة، أما فرنسا فكانت مرتاحة لاحتلال محمد علي لسوريا، بل حضته على إعلان الاستقلال والانفصال وتشكيل نظام سياسي وثيق الصلة بها، ولم تتدخل أية دولة أوروبية في هذا الصراع.. فالكل كان في حالة انتظار وترقب.
ولما استحكم الأمر وظهرت القوة المصرية المتنامية أصبحت الدول الأوروبية موضوعيا في صف الدولة العثمانية، حتى إن قيصر روسيا العدو اللدود للعثمانيين عرض على "الباب العالي" تقديم مساعدة عسكرية لقتال محمد علي.
وتدخلت الدول الأوروبية بثقلها في المسألة المصرية، ودعت محمد علي إلى التفاوض والتخلي نهائيا عن فكرة احتلال الأستانة، وعقدت معه صلح "كوتاهية" في ذي الحجة (1248هـ = مايو 1833م) الذي ضمن لمحمد علي حكم بلاد الشام وإقليم أدنه مع تثبته على مصر وكريت والحجاز، مقابل أن يجلو الجيش المصري عن باقي الأناضول، وبذلك أصبحت حدود مصر الشمالية تنتهي عند مضيق كولك بجبال طوروس.
واستفاد الأوروبيون بالامتيازات والتنازلات التي حصلوا عليها من العثمانيين فحصل الإنجليز على امتيازات ملاحية في نهر الفرات، ووقّعت روسيا مع الأستانة معاهدة "هنكار أكسله سي" الدفاعية الهجومية التي استطاع من خلالها الأسطول الروسي أن يصل إلى مياه البحر الأسود ومنها إلى مياه البحر المتوسط.
أما السلطان العثماني فسعى إلى نقض اتفاقية كوتاهية؛ لأنه رأى أن الخطر الذي يهدد سلطانه يأتي من ناحية مصر.
الحكم المصري في بلاد الشام
محمد علي يتابع قواته
دخلت الشام في حكم الدولة المصرية بعد صلح كوتاهية، وصار إبراهيم باشا حاكما عاما للبلاد السورية وقائدا للجيش المصري، ووطد مركزه الحربي والسياسي بهذه البلاد، وبلغ عدد الجيش المصري المرابط في الشام حوالي سبعين ألف مقاتل، معظمه في الجهات الشمالية وقد اعترض الحكم المصري في الشام عقبتان هما:
- استياء الأهالي من تدابير الإدارة المصرية، ومنها التجنيد الإجباري، ومصادرة السلاح.
- تدخل قناصل الدول الأجنبية في الشئون المحلية، وادعاؤهم حماية بعض الطوائف في الشام.
واشتعلت الثورات ضد الحكم المصري، وألّب العثمانيون والأوروبيون الشوام ضد المصريين، ودعموا حركات احتجاجهم التي لم تهدأ طيلة سبع سنوات استنزفت خلالها طاقات المصريين العسكرية والمادية، حتى إن خسائرهم في معركة واحدة ضد الدروز بلغت أربعة آلاف مقاتل بين قتيل وجريح، ولجأ إبراهيم باشا إلى قمع هذه الثورات فازدادات اشتعالا، حتى إن بعض الطوائف المتعادية مثل المارونيين والدروز اتحدت ضد الحكم المصري، وعم السخط السهل والجبل.
الحرب السورية الثانية
بدأت الحرب بين الطرفين بهجوم عثماني في (1 ربيع الثاني 1255هـ = 24 يونيو 1839م) على مواقع الجيش المصري في نصيبين، وانهزم العثمانيون بعد ساعتين من بدء المعركة، وكانت خسائرهم فادحة فقد قُتل وجرح 4 آلاف، وأسر حوالي 15 ألفا، وقضت هذه المعركة على قوة العثمانيين الحربية، وكانت أكبر انتصار لمحمد علي باشا.
كانت الهزيمة قاسية على العثمانيين ولم يتحملها السلطان الذي توفي بعدها بعدة أيام، ورأى الأوروبيون أن هناك اتجاهات بين بعض العثمانيين للالتفاف حول محمد علي باشا بوصفه منقذ الدولة العثمانية من التفكك، وأن مستقبل نهضتها على يديه، وفي (26 ربيع آخر (1255هـ = 9 يوليو 1839م) انضمت جميع وحدات الأسطول العثماني إلى محمد علي باشا في الإسكندرية، وفي الوقت نفسه احتل الجيش المصري ميناء البصرة وتقدم باتجاه الأحساء، والقطيف، فأحدث هذا الأمر إرباكا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى، ورأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت أزمّة الأمور من يديها، لذلك وجهوا إنذارا إلى محمد علي وعقدوا تحالفا أوروبيا ضده، قابله محمد علي باستنكار شديد، خاصة بعد ترحيب الأستانة بهذا التحالف.
فكتب محمد علي رسالة إلى الصدر الأعظم "خسرو باشا" يدعوه فيها لعدم الخضوع لسياسات الدول الكبرى التي تصر على بقاء السلطنة في حالة من الضعف الدائم؛ حتى تتمكن في اللحظة المناسبة من تفكيكها والسيطرة عليها.. والطريف أن خسرو باشا أطلع الدول الأوروبية على هذه الرسالة السرية.
وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "لندرة" في 15 من جمادى الأولى (1256هـ = 15 يوليو 1840م) بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، والتي خولت لمحمد علي وخلفائه من بعده حكم مصر حكما وراثيا، وأن يكون له مدة حياته حكم المنطقة الجنوبية من سوريا، وأن يدفع جزية سنوية للباب العالي.. وفي حالة رفض محمد علي لهذه الشروط فإن الحلفاء سيلجئون إلى القوة لتنفيذها.
كان هدف المعاهدة إخراج مصر من الشام، أما فرنسا فأبدت الرغبة في عدم الخروج عن الإجماع الأوروبي، وكانت تلك قاصمة الظهر لمحمد علي باشا.
وقد انعكس التحالف الأوروبي العثماني بعد اتفاقية لندرة حربا على المصريين في بلاد الشام، فأصبحت جميع الموانئ الشامية تحت الحصار الأوروبي، وثار السوريون ضد الحكم المصري وكذلك اللبنانيون، وعمت الثورات بلاد الشام، وأصدر بطريرك المارون مرسوما بحرمان كل من لا يشارك في الثورة ضد المصريين، وأمضى إبراهيم باشا وقواته عاما في قمع الثورات الشرسة فتكبد خسائر فادحة في قواته وعتاده، وتهاوت موانئ بيروت وحيفا وصور وصيدا وسقطت عكا ويافا ونابلس.
وفي هذه الأثناء عزل السلطان العثماني محمد علي عن مناصبة في سوريا ومصر، وأدرك محمد علي أن دفة الأحداث قد تغيرت فأصدر أوامره لإبراهيم باشا بإخلاء سوريا والعودة إلى مصر، وتحول انسحاب القوات المصرية إلى ما يشبه الهزيمة، ولولا عزيمة وكفاية إبراهيم باشا لتحوّل الانسحاب إلى كارثة.
ونتيجة لتنافس الدول الأوروبية تراجع السلطان العثماني عن عزل محمد علي باشا الذي عاد إلى وضعه الطبيعي كوالٍ تابع للسلطان في الأستانة، وبذلك انتهت الحملة المصرية على بلاد الشام بتصفية أعداد كبيرة من القوة العسكرية المصرية، وانصرف محمد علي بعد معاهدة لندرة إلى معالجة الشئون الداخلية بنفسه، ولم يبق له غير مصر والسودان ميدانا لنشاطه، فأنشأ بنكا للدولة، وعمل على استكشاف منابع النيل، ووضع حجر الأساس للقناطر الخيرية، وأرسل كثيرا من البعثات الدراسية إلى أوروبا.
من مصادر الدراسة:
*
عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي – الهيئة العامة للكتاب القاهرة 2000م.
*
أحمد حسين: موسوعة تاريخ مصر – دار الشعب القاهرة – بدون تاريخ.
*
لطيفة محمد سالم: الحكم المصري في الشام – مكتبة مدبولي القاهرة الطبعة الثانية 1410هـ = 1990م.
*
مسعود ضاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية – سلسلة عالم المعرفة رقم 252 المجلس الوطني للثقافة والفنون – الكويت – الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م.
(في ذكرى انعقادها: 15 من جمادى الأولى 1256هـ)
إسلام أون لاين
مصطفى عاشور
محمد علي
خسرت مصر حوالي ثلاثين ألف جندي، وفقدت معظم أسطولها البحري، بعد الضربة القاصمة التي أنزلها التحالف الأوروبي بالأسطول المصري والعثماني في موقعة "نفارين" البحرية سنة (1243هـ = 1827م)، فأحجم محمد علي باشا والي مصر عن الاستمرار في مجابهة الأوروبيين، ورجعت بقايا الأسطول المصري المحطم إلى الإسكندرية، تاركة خلفها الدولة العثمانية لتواجه الدول الأوروبية الكبرى التي أرادت إخراج العثمانيين نهائيا من أوروبا.
وساءت العلاقات بين السلطان العثماني "محمود الثاني" ومحمد علي باشا، وعملت الدول الأوروبية على إذكاء روح هذا العداء فكانت فرنسا تشجع محمد علي على إعلان الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، والمناداة بأن الخلافة من حق العرب أولا، أما الإنجليز فكانوا ينقلون إلى السلطان العثماني رغبة محمد علي في الاستقلال، ووضعوا أسطولهم القوي في خدمة العثمانيين لاستخدامه ضد مصر؛ لأنهم رأوا في مصر القوية تهديدا لطرق تجارتهم مع الهند.
وتصور محمد علي باشا أن الصراع بين فرنسا وإنجلترا صراع إستراتيجي، لا يوحي بإمكانية وجود تفاهم بينهما على اقتسام الغنائم على حساب البلدان الأخرى، ولم يدرك الرجل أن التناقض بين الدول الاستعمارية هو تناقض مصلحي لا إستراتيجي.
الحرب بين العثمانيين ومحمد علي باشا
سعت الدول الأوروبية وبخاصة إنجلترا إلى إثارة الحرب والصراع بين العثمانيين ومحمد علي، وسعت أيضا إلى إطالة أمد هذه الحرب بين الجانبين لإضعافهما واستنزاف قوتهما المالية والبشرية حتى تتحقق الأطماع الأوروبية الاستعمارية في اقتسام تركة الرجل الأوروبي المريض (الدولة العثمانية).
وكانت بداية الحرب بين الدول العثمانية ومصر، عندما منح السلطان العثماني جزيرة "كريت" لمحمد علي كتعويض عما فقدته مصر في الحرب اليونانية، لكن هذا التعويض لم يكن ذا قيمة، ورأى محمد علي أن يضم بلاد الشام إلى دولته الشابة حتى يظفر بمواردها من الخشب والفحم والنحاس، ويجنّد شبابها في جيشه فيزداد بهم قوة، وساعده على ذلك ضعف الدولة العثمانية بعد الحرب اليونانية، ثم الحرب الروسية سنة (1245هـ = 1829م) وكثرة الثورات والاضطرابات داخل الدولة المترامية الأطراف، وانتشار الفوضى داخل الجيش العثماني بعد إلغاء فرقة الإنكشارية سنة (1242هـ = 1826م) التي كانت قوام الجيش العثماني، يضاف إلى ذلك أن محمد علي استطاع أن يجذب إليه الأمير "بشير الشهابي" كبير أمراء لبنان، وبذلك لم يخش مقاومة الشاميين للجيش المصري.
واستغل محمد علي إيواء والي صيدا "عبد الله باشا" لعدد من الفلاحين المصريين الهاربين من السخرة والضرائب والخدمة العسكرية، ليجرد حملة عسكرية لتأديبه بقياده ابنه إبراهيم باشا في جمادى الأولى (1247هـ = أكتوبر 1831م).
واستطاعت القوات المصرية أن تحقق انتصارات عظيمة في بلاد الشام، فسيطرت على غزة ويافا وحيفا، وصور وصيدا وبيروت طرابلس والقدس، وفشلت محاولات الدولة العثمانية في وقف الزحف المصري لذا حشد العثمانيون عشرين ألف مقاتل وزحفوا لملاقاة المصريين، والتقى الجمعان في سهل الزراعة قرب حمص في ذي القعدة (1247هـ = إبريل 1832م) وانتصر المصريون، ثم فتحوا مدينة عكا الحصينة، ثم دمشق، وانتصروا على العثمانيين في موقعة حمص (صفر 1248هـ = يوليه 1832م) وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه المعركة 2000 قتيل و2500 أسير، ولم تزد خسائر الجيش المصري عن 102 قتيل.. وتعتبر هذه المعركة من أهم المعارك الجيش المصري؛ لأنها أول معركة يتقاتل فيها المصريون ضد الأتراك وجها لوجه، وأظهرت تفوق الجيش المصري الحديث.
وبعد هذه المعركة تقدم الجيش المصري فاحتل حماة وحلب، وانتصر على العثمانيين في موقعة بيلان جنوبي الإسكندرونة، واجتاز حدود سوريا الشمالية، ودخل إبراهيم باشا بقواته ولاية أدنه في بلاد الأناضول، وعبر نهري جيحون وسيحون، ودخل طرطوس وأوروفا، وعينتاب ومرعش وقيصرية.
كانت ولاية أدنه مفتاح الأناضول، وصلة المواصلات البحرية بين مصر وجيشها. لم تنكسر عزيمة السلطان محمود أمام الهزائم التي حاقت بجيشه، وأعد جيشا جديدا بقيادة الصدر الأعظم "محمد رشيد باشا"، وبلغ قوام هذا الجيش 53 ألف مقاتل، ونشبت معارك شرسة بين الفريقين، انتصر فيها المصريون، وكان أهمها موقعة قونية (27 رجب 1248هـ = 21 ديسمبر 1832م) التي فتحت الطريق أمام المصريين إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، التي لا تبعد عنهم سوى مسيرة ستة أيام من البوسفور، في طريق ليس به جيش ولا مقاومة.
الموقف الأوروبي
استفادت الدول الأوروبية من حالة العداء بين الدولة العثمانية ومحمد علي باشا، فلم يبد الإنجليز في البداية رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة، بل زودوا المصريين بالذخيرة، أما فرنسا فكانت مرتاحة لاحتلال محمد علي لسوريا، بل حضته على إعلان الاستقلال والانفصال وتشكيل نظام سياسي وثيق الصلة بها، ولم تتدخل أية دولة أوروبية في هذا الصراع.. فالكل كان في حالة انتظار وترقب.
ولما استحكم الأمر وظهرت القوة المصرية المتنامية أصبحت الدول الأوروبية موضوعيا في صف الدولة العثمانية، حتى إن قيصر روسيا العدو اللدود للعثمانيين عرض على "الباب العالي" تقديم مساعدة عسكرية لقتال محمد علي.
وتدخلت الدول الأوروبية بثقلها في المسألة المصرية، ودعت محمد علي إلى التفاوض والتخلي نهائيا عن فكرة احتلال الأستانة، وعقدت معه صلح "كوتاهية" في ذي الحجة (1248هـ = مايو 1833م) الذي ضمن لمحمد علي حكم بلاد الشام وإقليم أدنه مع تثبته على مصر وكريت والحجاز، مقابل أن يجلو الجيش المصري عن باقي الأناضول، وبذلك أصبحت حدود مصر الشمالية تنتهي عند مضيق كولك بجبال طوروس.
واستفاد الأوروبيون بالامتيازات والتنازلات التي حصلوا عليها من العثمانيين فحصل الإنجليز على امتيازات ملاحية في نهر الفرات، ووقّعت روسيا مع الأستانة معاهدة "هنكار أكسله سي" الدفاعية الهجومية التي استطاع من خلالها الأسطول الروسي أن يصل إلى مياه البحر الأسود ومنها إلى مياه البحر المتوسط.
أما السلطان العثماني فسعى إلى نقض اتفاقية كوتاهية؛ لأنه رأى أن الخطر الذي يهدد سلطانه يأتي من ناحية مصر.
الحكم المصري في بلاد الشام
محمد علي يتابع قواته
دخلت الشام في حكم الدولة المصرية بعد صلح كوتاهية، وصار إبراهيم باشا حاكما عاما للبلاد السورية وقائدا للجيش المصري، ووطد مركزه الحربي والسياسي بهذه البلاد، وبلغ عدد الجيش المصري المرابط في الشام حوالي سبعين ألف مقاتل، معظمه في الجهات الشمالية وقد اعترض الحكم المصري في الشام عقبتان هما:
- استياء الأهالي من تدابير الإدارة المصرية، ومنها التجنيد الإجباري، ومصادرة السلاح.
- تدخل قناصل الدول الأجنبية في الشئون المحلية، وادعاؤهم حماية بعض الطوائف في الشام.
واشتعلت الثورات ضد الحكم المصري، وألّب العثمانيون والأوروبيون الشوام ضد المصريين، ودعموا حركات احتجاجهم التي لم تهدأ طيلة سبع سنوات استنزفت خلالها طاقات المصريين العسكرية والمادية، حتى إن خسائرهم في معركة واحدة ضد الدروز بلغت أربعة آلاف مقاتل بين قتيل وجريح، ولجأ إبراهيم باشا إلى قمع هذه الثورات فازدادات اشتعالا، حتى إن بعض الطوائف المتعادية مثل المارونيين والدروز اتحدت ضد الحكم المصري، وعم السخط السهل والجبل.
الحرب السورية الثانية
بدأت الحرب بين الطرفين بهجوم عثماني في (1 ربيع الثاني 1255هـ = 24 يونيو 1839م) على مواقع الجيش المصري في نصيبين، وانهزم العثمانيون بعد ساعتين من بدء المعركة، وكانت خسائرهم فادحة فقد قُتل وجرح 4 آلاف، وأسر حوالي 15 ألفا، وقضت هذه المعركة على قوة العثمانيين الحربية، وكانت أكبر انتصار لمحمد علي باشا.
كانت الهزيمة قاسية على العثمانيين ولم يتحملها السلطان الذي توفي بعدها بعدة أيام، ورأى الأوروبيون أن هناك اتجاهات بين بعض العثمانيين للالتفاف حول محمد علي باشا بوصفه منقذ الدولة العثمانية من التفكك، وأن مستقبل نهضتها على يديه، وفي (26 ربيع آخر (1255هـ = 9 يوليو 1839م) انضمت جميع وحدات الأسطول العثماني إلى محمد علي باشا في الإسكندرية، وفي الوقت نفسه احتل الجيش المصري ميناء البصرة وتقدم باتجاه الأحساء، والقطيف، فأحدث هذا الأمر إرباكا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى، ورأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت أزمّة الأمور من يديها، لذلك وجهوا إنذارا إلى محمد علي وعقدوا تحالفا أوروبيا ضده، قابله محمد علي باستنكار شديد، خاصة بعد ترحيب الأستانة بهذا التحالف.
فكتب محمد علي رسالة إلى الصدر الأعظم "خسرو باشا" يدعوه فيها لعدم الخضوع لسياسات الدول الكبرى التي تصر على بقاء السلطنة في حالة من الضعف الدائم؛ حتى تتمكن في اللحظة المناسبة من تفكيكها والسيطرة عليها.. والطريف أن خسرو باشا أطلع الدول الأوروبية على هذه الرسالة السرية.
وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "لندرة" في 15 من جمادى الأولى (1256هـ = 15 يوليو 1840م) بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، والتي خولت لمحمد علي وخلفائه من بعده حكم مصر حكما وراثيا، وأن يكون له مدة حياته حكم المنطقة الجنوبية من سوريا، وأن يدفع جزية سنوية للباب العالي.. وفي حالة رفض محمد علي لهذه الشروط فإن الحلفاء سيلجئون إلى القوة لتنفيذها.
كان هدف المعاهدة إخراج مصر من الشام، أما فرنسا فأبدت الرغبة في عدم الخروج عن الإجماع الأوروبي، وكانت تلك قاصمة الظهر لمحمد علي باشا.
وقد انعكس التحالف الأوروبي العثماني بعد اتفاقية لندرة حربا على المصريين في بلاد الشام، فأصبحت جميع الموانئ الشامية تحت الحصار الأوروبي، وثار السوريون ضد الحكم المصري وكذلك اللبنانيون، وعمت الثورات بلاد الشام، وأصدر بطريرك المارون مرسوما بحرمان كل من لا يشارك في الثورة ضد المصريين، وأمضى إبراهيم باشا وقواته عاما في قمع الثورات الشرسة فتكبد خسائر فادحة في قواته وعتاده، وتهاوت موانئ بيروت وحيفا وصور وصيدا وسقطت عكا ويافا ونابلس.
وفي هذه الأثناء عزل السلطان العثماني محمد علي عن مناصبة في سوريا ومصر، وأدرك محمد علي أن دفة الأحداث قد تغيرت فأصدر أوامره لإبراهيم باشا بإخلاء سوريا والعودة إلى مصر، وتحول انسحاب القوات المصرية إلى ما يشبه الهزيمة، ولولا عزيمة وكفاية إبراهيم باشا لتحوّل الانسحاب إلى كارثة.
ونتيجة لتنافس الدول الأوروبية تراجع السلطان العثماني عن عزل محمد علي باشا الذي عاد إلى وضعه الطبيعي كوالٍ تابع للسلطان في الأستانة، وبذلك انتهت الحملة المصرية على بلاد الشام بتصفية أعداد كبيرة من القوة العسكرية المصرية، وانصرف محمد علي بعد معاهدة لندرة إلى معالجة الشئون الداخلية بنفسه، ولم يبق له غير مصر والسودان ميدانا لنشاطه، فأنشأ بنكا للدولة، وعمل على استكشاف منابع النيل، ووضع حجر الأساس للقناطر الخيرية، وأرسل كثيرا من البعثات الدراسية إلى أوروبا.
من مصادر الدراسة:
*
عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي – الهيئة العامة للكتاب القاهرة 2000م.
*
أحمد حسين: موسوعة تاريخ مصر – دار الشعب القاهرة – بدون تاريخ.
*
لطيفة محمد سالم: الحكم المصري في الشام – مكتبة مدبولي القاهرة الطبعة الثانية 1410هـ = 1990م.
*
مسعود ضاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية – سلسلة عالم المعرفة رقم 252 المجلس الوطني للثقافة والفنون – الكويت – الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م.
الشريف- عضو فعال
- عدد الرسائل : 67
تقييم القراء : 7
النشاط : 6035
تاريخ التسجيل : 05/11/2008
- مساهمة رقم 3
ابراهيم باشا
جيوش محمد على أبواب إستانبول
(في ذكرى معركة نصيبين: 11 ربيع الآخر 1255هـ)
اسلام اون لاين
أحمد تمام
محمد علي باشا
اجتاحت جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي" بلاد الشام عام (1247هـ=1931م)، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت ولم يفلح في اقتحامها، نجح إبراهيم باشا في فتحها، وكان لسقوطها دوي عظيم، ونال فاتحها ما يستحقه من تقدير وإعجاب.
ومضى الفاتح في طريقه حتى بلغ "قونيه"، وكان العثمانيون قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم إبراهيم باشا وجنوده، ولم يبق بها سوى الجيش العثماني بقيادة رشيد باشا، وكان قائدًا ماهرًا يثق فيه السلطان العثماني ويطمئن إلى قدرته وكفاءته، ولم يكن هناك مفر من القتال، فدارت رحى الحرب بين الفريقين في (27 من جمادى الآخرة 1248هـ= 21 من نوفمبر 1832م) عند قونيه، ولقي العثمانيون هزيمة كبيرة، وأُسر القائد العثماني، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى القسطنطينية.
أسباب الحملة على الشام
كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته الظافرة على الشام هو اشتعال النزاع بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء أسطوله، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، وكان الخليفة العثماني "محمود الثاني" يقف وراء النزاع، ويُعضِّد والي عكا في معارضته محمد علي، ولم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني وواليه في مصر على ما يرام.
غير أن الذي جعل محمد علي يقدم على هذه الخطوة هو أنه كان يرى أن سوريا جزء متمّم لمصر، ولا يتحقق الأمن بمصر ويأمن غائلة العدو إلا إذا كانت سوريا تحت سيطرته وسلطانه، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هي جبال طوروس، وليست صحراء العرب، ومن ثم كان يتحين الفرصة لتحقيق هدفه، حتى إذا ما لاحت انتهزها، وجرّد حملته إلى الشام.
اتفاقية كوتاهية
فزع السلطان محمود الثاني من الانتصارات التي حققها إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته والوقوف إلى جانبه، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في النزاع القائم مسألة داخلية يحلها السلطان وواليه، عند ذلك لجأ السلطان إلى روسيا –العدو اللدود للدولة العثمانية- لتسانده وتساعده، فاستجابت على الفور، ولم تتلكأ، ووجدت في محنة الدولة فرصة لزيادة نفوذها في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التي لم تكن تُخفي أطماعها في جارتها المسلمة.
تحركت الدولتان لفض النزاع وإعادة الأمن بين الخليفة وواليه الطموح، ولم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، فلا فائدة من حرب نتائجها غير مضمونة لصالحه، في الوقت الذي يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام، ويلقى ترحيبًا وتأييدًا من أهله.
عُقد الصلح في كوتاهية في (18 من ذي القعدة 1249هـ= 8 من إبريل 1833م)، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول.
اشتعال الثورة في الشام
لم يكن صلح كوتاهية بين الطرفين سوى هدنة مسلحة قبلته الدولة العثمانية على مضض، وأُكرهت على قبوله؛ ولذا كانت تعد العدة لنقض الصلح وتنتظر الفرصة السانحة لاسترداد ما أخذه محمد علي منها قسرا وكرها دون رضى واتفاق، وإنما أملاه السيف وفرضته آلة الحرب.
وسنحت الفرصة للسلطان العثماني في سنة (1250هـ=1834م) حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصري ما فرضه على الناس من ضرائب، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي.
وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا في البلاد، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس؛ إذ صاحبه استبداد وقهر.
لم تكن أصابع السلطان العثماني بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب، فشبّت الفتنة في أماكن عديدة، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الفتنة وقمع الثورة، واستنفد ذلك أموالاً طائلة ونفوسًا كثيرة.
الحملة الثانية على الشام
فشلت المفاوضات بين الدولة العثمانية ومصر في تسوية النزاع بينهما بطريقة ودية، فأعلن محمد علي عن عزمه في قطع العلائق التي تربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامي قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه، ولم يكن يرضيها ظهور قوة إسلامية فتية، ربما يشاء لها القدر أن تبثّ الحياة في جسد الخلافة الواهن، فيهب من رقدته، ويسترد بعضا من عافيته، فيعيد إلى الأذهان جلال هيبته، وعظمة قوته.
كان السلطان العثماني قد أعد العدة لاسترداد سوريا من محمد علي، فحشد قواته على الحدود، ولما أتم العثمانيون استعدادهم بدءوا في زحفهم، فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التي حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفي الوقت نفسه لم ينتظر رد أبيه، بل تحرك بجيشه الذي كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفي أثناء ذلك جاء الرد من محمد علي إلى ابنه بألا يكتفي بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني.
معركة نزيب (نصيبين)
اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذي يبلغ أربعين ألف مقاتل إلى حيث يعسكر الجيش العثماني، ويحتل مواقعه الحصينة في بلدة نزيب التي تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية، وكان الجيش العثماني يبلغ تعداده أربعين ألف مقاتل، وقد أُعِدّ إعدادًا حسنا، وعلى كفاءة عالية في فنون القتال.
وفي (11 من ربيع الآخر 1255هـ = 24 من نوفمبر 1839م) التقى الفريقان عند قرية نزيب في معركة هائلة حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية، وكان ثمن النصر باهظا؛ حيث سقط أربعة آلاف جندي مصري بين قتيل وجريح.
وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 من يونيو 1839م)، وخلفه ابنه عبد الحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.
من مراجع الدراسة:
*
عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي - مكتبة النهضة المصرية – القاهرة - 1951م.
*
أحمد حسين: موسوعة تاريخ مصر - دار الشعب – القاهرة - 1973م.
*
عبد الرحمن زكي - التاريخ الحربي لعصر محمد علي الكبير - دار المعارف – القاهرة - 1937م.
*
محمد رفعت بك - تاريخ مصر السياسي في الأزمنة الحديثة - دار المعارف - 1973م.
*
كريم ثابت - محمد علي - مطبعة المعارف – القاهرة - 1943م.
*
الجمعية الملكية التاريخية - ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا – القاهرة – 1948م.
(في ذكرى معركة نصيبين: 11 ربيع الآخر 1255هـ)
اسلام اون لاين
أحمد تمام
محمد علي باشا
اجتاحت جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي" بلاد الشام عام (1247هـ=1931م)، وتساقطت مدنه واحدة تلو الأخرى دون مقاومة تُذكر، حتى مدينة عكا التي استعصت على نابليون بونابرت ولم يفلح في اقتحامها، نجح إبراهيم باشا في فتحها، وكان لسقوطها دوي عظيم، ونال فاتحها ما يستحقه من تقدير وإعجاب.
ومضى الفاتح في طريقه حتى بلغ "قونيه"، وكان العثمانيون قد هجروها حين ترامت الأنباء بقدوم إبراهيم باشا وجنوده، ولم يبق بها سوى الجيش العثماني بقيادة رشيد باشا، وكان قائدًا ماهرًا يثق فيه السلطان العثماني ويطمئن إلى قدرته وكفاءته، ولم يكن هناك مفر من القتال، فدارت رحى الحرب بين الفريقين في (27 من جمادى الآخرة 1248هـ= 21 من نوفمبر 1832م) عند قونيه، ولقي العثمانيون هزيمة كبيرة، وأُسر القائد العثماني، وأصبح الطريق مفتوحًا إلى القسطنطينية.
أسباب الحملة على الشام
كان السبب المعلن لقيام محمد علي بحملته الظافرة على الشام هو اشتعال النزاع بينه وبين عبد الله باشا والي عكا، الذي رفض إمداد محمد علي بالأخشاب اللازمة لبناء أسطوله، وآوى عنده بعض المصريين الفارين من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب، ورفض إعادتهم إلى مصر، وكان الخليفة العثماني "محمود الثاني" يقف وراء النزاع، ويُعضِّد والي عكا في معارضته محمد علي، ولم تكن العلاقة بين الخليفة العثماني وواليه في مصر على ما يرام.
غير أن الذي جعل محمد علي يقدم على هذه الخطوة هو أنه كان يرى أن سوريا جزء متمّم لمصر، ولا يتحقق الأمن بمصر ويأمن غائلة العدو إلا إذا كانت سوريا تحت سيطرته وسلطانه، وأن حدود مصر الطبيعية في جهة الشرق هي جبال طوروس، وليست صحراء العرب، ومن ثم كان يتحين الفرصة لتحقيق هدفه، حتى إذا ما لاحت انتهزها، وجرّد حملته إلى الشام.
اتفاقية كوتاهية
فزع السلطان محمود الثاني من الانتصارات التي حققها إبراهيم باشا فلجأ إلى الدول الأوروبية لمساعدته والوقوف إلى جانبه، لكنها لم تُجبه؛ لانشغالها بأحوالها الداخلية، ورأت في النزاع القائم مسألة داخلية يحلها السلطان وواليه، عند ذلك لجأ السلطان إلى روسيا –العدو اللدود للدولة العثمانية- لتسانده وتساعده، فاستجابت على الفور، ولم تتلكأ، ووجدت في محنة الدولة فرصة لزيادة نفوذها في منطقة المضايق، فأرسلت قوة بحرية رست في البسفور، وهو ما أقلق فرنسا وإنجلترا، وتوجستا من تدخل روسيا وانفرادها بالعمل، والتظاهر بحماية الدولة العثمانية، وكانت الدولتان تتمسكان بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية؛ خشية من روسيا التي لم تكن تُخفي أطماعها في جارتها المسلمة.
تحركت الدولتان لفض النزاع وإعادة الأمن بين الخليفة وواليه الطموح، ولم يكن أمام السلطان العثماني سوى الرضوخ لشروط محمد علي في الصلح، فلا فائدة من حرب نتائجها غير مضمونة لصالحه، في الوقت الذي يسيطر فيه إبراهيم باشا على الشام، ويلقى ترحيبًا وتأييدًا من أهله.
عُقد الصلح في كوتاهية في (18 من ذي القعدة 1249هـ= 8 من إبريل 1833م)، واتفق الطرفان على أن تتخلى الدولة العثمانية لمحمد علي عن سوريا وإقليم أدنة مع تثبيته على مصر وجزيرة كريت والحجاز، في مقابل جلاء الجيش المصري عن باقي بلاد الأناضول.
اشتعال الثورة في الشام
لم يكن صلح كوتاهية بين الطرفين سوى هدنة مسلحة قبلته الدولة العثمانية على مضض، وأُكرهت على قبوله؛ ولذا كانت تعد العدة لنقض الصلح وتنتظر الفرصة السانحة لاسترداد ما أخذه محمد علي منها قسرا وكرها دون رضى واتفاق، وإنما أملاه السيف وفرضته آلة الحرب.
وسنحت الفرصة للسلطان العثماني في سنة (1250هـ=1834م) حين قامت الثورة في سوريا على إثر ما أدخله إبراهيم باشا من النظم الجديدة في إدارة شئون البلاد للنهوض بها ولم يكن للناس عهد بها، وزاد من ثورة الناس ضد الحكم المصري ما فرضه على الناس من ضرائب، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي.
وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا في البلاد، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس؛ إذ صاحبه استبداد وقهر.
لم تكن أصابع السلطان العثماني بعيدة عن إشعال الثورة، وتأجيج الغضب في القلوب، فشبّت الفتنة في أماكن عديدة، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الفتنة وقمع الثورة، واستنفد ذلك أموالاً طائلة ونفوسًا كثيرة.
الحملة الثانية على الشام
فشلت المفاوضات بين الدولة العثمانية ومصر في تسوية النزاع بينهما بطريقة ودية، فأعلن محمد علي عن عزمه في قطع العلائق التي تربط مصر بدولة الخلافة العثمانية، وقد كان يعينه على ذلك تنامي قوته وازدياد نفوذه، وعجزت الدول الأوروبية أن تثنيه عن عزمه، ولم يكن يرضيها ظهور قوة إسلامية فتية، ربما يشاء لها القدر أن تبثّ الحياة في جسد الخلافة الواهن، فيهب من رقدته، ويسترد بعضا من عافيته، فيعيد إلى الأذهان جلال هيبته، وعظمة قوته.
كان السلطان العثماني قد أعد العدة لاسترداد سوريا من محمد علي، فحشد قواته على الحدود، ولما أتم العثمانيون استعدادهم بدءوا في زحفهم، فعبروا نهر الفرات وواصلوا زحفهم حتى اجتازت طلائعهم الحدود المرسومة السورية - التركية التي حددتها اتفاقية كوتاهية، فأرسل إبراهيم باشا إلى أبيه يخبره بالأمر، وفي الوقت نفسه لم ينتظر رد أبيه، بل تحرك بجيشه الذي كان يقيم بحلب؛ حيث أجلى العثمانيين عن مواقعهم، وفي أثناء ذلك جاء الرد من محمد علي إلى ابنه بألا يكتفي بصد هجوم العثمانيين وأن يعبر الحدود إذا اقتضى الأمر ذلك لسحق الجيش العثماني.
معركة نزيب (نصيبين)
اتجه إبراهيم باشا بجيشه الذي يبلغ أربعين ألف مقاتل إلى حيث يعسكر الجيش العثماني، ويحتل مواقعه الحصينة في بلدة نزيب التي تقع بالقرب من الحدود التركية - السورية، وكان الجيش العثماني يبلغ تعداده أربعين ألف مقاتل، وقد أُعِدّ إعدادًا حسنا، وعلى كفاءة عالية في فنون القتال.
وفي (11 من ربيع الآخر 1255هـ = 24 من نوفمبر 1839م) التقى الفريقان عند قرية نزيب في معركة هائلة حسمها إبراهيم باشا لصالحه، وألحق بالعثمانيين هزيمة مدوية، وكان ثمن النصر باهظا؛ حيث سقط أربعة آلاف جندي مصري بين قتيل وجريح.
وقبل أن تصل أنباء هذه الكارثة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 من يونيو 1839م)، وخلفه ابنه عبد الحميد، وكان شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.
من مراجع الدراسة:
*
عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي - مكتبة النهضة المصرية – القاهرة - 1951م.
*
أحمد حسين: موسوعة تاريخ مصر - دار الشعب – القاهرة - 1973م.
*
عبد الرحمن زكي - التاريخ الحربي لعصر محمد علي الكبير - دار المعارف – القاهرة - 1937م.
*
محمد رفعت بك - تاريخ مصر السياسي في الأزمنة الحديثة - دار المعارف - 1973م.
*
كريم ثابت - محمد علي - مطبعة المعارف – القاهرة - 1943م.
*
الجمعية الملكية التاريخية - ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا – القاهرة – 1948م.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر