الشهيد يحيى بن زيد
الشهيد يحيى بن زيد
ولادته
وُلد سنة مائة وسبع من الهجرة، وقُتل سنة مائة وخمس وعشرين وعمره ثماني عشرة سنة (1)، ولا عقب له، وعليه الكثير من علماء النسب. وفي أنساب الشيخ أبي الحسن الفتوني: له ولد اسمه الحسين ولم يُعقّب، وفي ترجمته من ( الحدايق الوردية ) نقلاً عن سر السلسلة العلوية عن أبي طالب قال: الذي أجمع عليه أهلُ النَّسَب من الطالبيين أنّه وُلد ليحيى اُمّ الحسن وهي حسيبة، وأمها محنة بنت عمر بن عليّ بن الحسين، وقال غيرهم: له أحمد والحسن والحسين، درجوا صغاراً، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أنه لا عقب ليحيى.
بهذا يحدّث في الحدايق الوردية، ولا يتّفق مع تقدير عمره بثماني عشرة سنة، إلاّ أن يكون متزوّجاً بنساء متعددة، ولم يذكر أحد ذلك. وفي الروض النضير (2) عن الهيثم: لم يعقّب يحيى بن زيد. ولعلّه يريد لم يبق له عقب.
وكان حسنَ الوجه، أبيض البشرة، قطط الشعر، قويّ النفس، شجاعاً مقداماً، لا تُرهبه الكثرة ولا تُثنيه الوحدة. ومن كلامه في بعض مواقفه: عبادَ الله، إنّ الأجل يحضره الموت، والموت طالبٌ حثيث لا يَفوتُه الهارب، ولا يُعجزه المقيم، فاقِدموا ـ رحمكم الله ـ إلى عدوّكم، والحقوا بسلفكم، أقدموا إلى الجنّة فإنّه لا شَرفَ أشرف من الشهادة، فإن شرف الموت قَتْلٌ في سبيل الله. ومِن شِعره في عتاب بني هاشم لتخلُّفهم عن نُصرته (3):
خـليلَيّ عـنّا بـالمدينة بـلِّغا بني هاشم أهل النُّهى والتجاربِ
فـحتّى مَ مـروانٌ يُقَتِّل بينكم سُراتَكمُ والدهر فيه العجائبُ (4)
لـكلّ قـتيلٍ مـعشر يطلبونه وليس لزيد في العراقَين طالبُ!
* * *
موالاته للأئمّة
لم يذكر علماء الرجال ترجمته لنستفيد مقامه بينهم لعدم معروفية الرواية عنه، وشأنُهم التعرّض لخصوص الرواة، ونحن مع فحصنا في كتب الحديث عن رواياته لم نعثر على أكثر من روايتين. وعلى كلّ حال فلا يرتاب في موالاته للأئمّة الاثنى عشر كلّ من يقرأ قوله المرويّ في سَنَد الصحيفة السجادية الكاملة حين قال له المتوكّل بن هارون البلخي: « أهُم أعلمُ [ يعني الأئمّة ] أم أنتم ؟ فأطرق ـ يحيى ـ إلى الأرض مليّاً وقال: كلٌّ له عِلم، غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم، ولا نعلم كلّ ما يعلمون ». وقوله فيه: « واللهِ يا متوكّل! لولا ما ذكرتَ من قول ابن عمي ـ جعفر ـ أنّي أُقتل وأُصلب لما دفعتها ـ الصحيفة ـ إليك، ولكنتُ بها ضنيناً، ولكنّي أعلم أنّ قوله حقّ أخَذَه عن آبائه وسيَصحّ ». وقوله للمتوكّل في حقّ الصادق: نَعَم هو أفقهُ بني هاشم. وهذه المصارحة تدلّنا على اعترافه بإمامة الصادق عليه السّلام وحُسن عقيدته وتبصّره بالأمر. ويؤيّده بكاءُ الصادق عليه وشدّة وَجْده وترحّمه عليه، ولو لم يكن بالمنزلة العالية وكان عاصياً له في الخروج لما بكى عليه وترحّم له.
* * *
اسباب الخروج إلى خراسان
لمّا دَفَن أباه رجع إلى ( جبانة السبيع ) وقد ضاقت عليه الكوفة برُحبها لِما يُشاهد من غدر اُولئك العُتاة وتقاعدهم عن نُصرة أبيه، وخاف أن يُؤخَذ غِيلة ويؤتى به إلى الوالي، فعزم على التوجّه إلى خراسان لأنّ فيها شيعته وشيعة أبيه وأجداده، بعد أن شار عليه بعض مَن أصدقهم العهد والميثاق من [ بني أسد ] فأشار عليه بذلك، واختفى عنده ليلة، ثمّ خاف الرجل فأتى عبدالملك بن بشر بن مروان، وقال له: إنّ قرابة زيد بك قريبة، وحقّه عليك واجب. قال: أجل، ولقد كان العفو أقرب للتقوى. قال له: إنّ زيداً قد قُتِل، وهذا ابنُه غلام حَدَثٌ لا ذنب له، وإن عَلِم يوسف بن عمر بمكانه قَتَلَه، فهل لك أن تُجيره فتواريه عندك ؟ قال: نعم وكرامة. فأتاه به وواراه عنده، وبلغ الخبر يوسف بن عمر فأرسل إلى عبدالملك: بلغني مكان هذا الغلام عندك، وأُعطي الله عهداً لئن لم تأتني به لأكتبنّ فيك إلى أمير المؤمنين، فقال له عبدالملك: أتاك الباطل والزور، كيف أُواري مَن ينازعني سلطاني ؟! وما كنتُ أخشاك على قبول مثل هذا عليّ، ولا لاستماع ذلك من صاحبه، فقال يوسف: صَدَق واللهِ ابنُ بشر؛ وكَفَّ عن طلبه، فلمّا سكن الطلب خرج يحيى في نفر من أصحابه إلى خراسان.
بهذا يحدّث أبو عبيدة معمَّر بن المثنى (5) ولم نعرف منه الزمن الذي بقي فيه مختفياً بالكوفة بعد قتل ابيه غير التخمين بالشهر ونحوه، ولكن حديث سلم الحذاء (6) يعرّفنا عدم إقامته بالكوفة غير تلك الليلة التي دفن فيها اباه وفي صبيحتها سار إلى خراسان. يقول: جاء إليه سلمة بن ثابت الليثي بعد دفن زيد، فوجده في عشرة نفر من أصحابه نازلاً في [ جبانة السبيع ]، فسأله عن مقصده، قال: أريد النهرَين، فظنّ أنه يريد نهر دجلة والفرات، فقال: إن كنتَ تريد النهرَين قاتِل ها هنا حتّى تُقتَل، فعرّفه أنه يريد نهري كربلاء، فأشار عليه بالنّجاة قبل الصبح خوفاً من الطلب، يقول سلمة: فخرجنا معه، ولما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فأسرعنا خوفاً من الطلب، وكلّما استقبلني قوم استطعمتُهم فيُطعموني الأرغفة فأُطعمه إيّاها، حتّى أتينا « نينوى » (7) فدعوت بسابق، فخرج من منزله وأدخل « يحيى » وكان آخر عهدي به هناك.
وسار يحيى من كربلاء إلى المدائن وهي يومئذ طريق الناس إلى خراسان، وبلغ الخبر يوسف بن عمر، فسرّح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي فلم يُدركه، ونزل في المدائن على دهقان من أهلها، ثمّ سار منها إلى الريّ، ومنها أتى سرخس فأقام عند يزيد بن عمر التميمي ستّة أشهر، ثمّ خرج منها ونزل في « بلخ » على الجريش بن عبدالرحمن الشيباني، ولم يزل عنده حتّى هلك هشام بن عبدالملك وولي الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار ( ـ وكان عامله على خراسان ـ أن يأخذ يحيى، فكتب نصر إلى عامله على « بلخ » عقيل بن معقل الليثي أن يأخذ الجريش؛ أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعا به عقيل وضربه ستمائة سوط وقال: لأُرهقنّ نفسَك أو تأتيني به، فحلف الجريش ألاّ يأتيه به ولو كان تحت قدميه مارفعهما عنه، فقال ابنُه قريش: خلِّ عن أبي وأنا آتيك به، فوجّه معه جماعة إلى الدار التي كان فيها يحيى، فوجدوه في بيت جوف بيت فقبضوا عليه ومعه يزيد بن عمرو بن الفضل مولى لعبد القيسي جاء معه من الكوفة، فبعث بهما عقيل إلى نصر بن سيار، فحبسه وقيّده، وكتب إلى يوسف بن عمر بخبره، فقال رجل من بني ليث:
ألـيس بـعين الله ما تفعلونه عـشيّة يحيى موثَقٌ بالسلاسلِ
ألـم تر لَيثاً ما الذي حتمت به لها الويل في سلطانها المتزايلِ
لقد كشفت للناس ليثاً عن استها أخيراً وصارت ضِحكة للقبائلِ
كلابٌ عوت لا قدّس الله أمرها وجـاءت بصيدٍ لا يحلّ لآكلِ
وكتب يوسف بن عمر إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك يخبره بأمر يحيى، فكتب إليه الوليد بإطلاقه ومن معه، وكتب يوسف إلى نصر بذلك، فأحضره نصر وحذّره الفتنة، فقال يحيى: وهل في أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله فتنة أعظم ممّا أنتم عليه من سَفْك الدماء ؟! فلم يُجبه نصر وأطلقه وأمر له بألفَي درهم وبغلَين.
وجاء جماعة من شيعة يحيى إلى الحداد الذي فكّ قيده وسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه حتّى بلغ عشرين ألف درهم، فأعطوه المال ودفع إليهم الحديد فاتّخذوا منه فُصوصاً للخواتيم يتبرّكون به (9).
ثمّ أنّه سار إلى ( سرخس )، فكتب نصر بن سيار إلى عاملها باخراجه منها، وكتب إلى عامل ( طوس ) ألاّ يدعه يقيم ساعة فيها، فسار إلى ( اَبَر شهر ) والعامل عليها عمرو بن زرارة؛ فأعطاه ألف درهم وكسوة ومتاعاً، وأشخصه إلى ( بيهق )، ولم يقم فيها إلاّ أيّاماً ورجع إلى ( اَبَر شهر ) في سبعين رجلاً وقد اشترى دوابّاً حمل عليها أصحابه، وكتب عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيار بخبره، فكتب نصر إلى عامل « سرخس » قيس بن عباد البكري، وعامل « طوس » الحسن بن يزيد، أن يمضيا إلى (اَبَر شهر) وعاملها أمير عليهم فيقاتلوا « يحيى »، فاجتمعوا هناك وكان عددهم عشرة الآف، وليس مع يحيى إلاّ سبعون رجلاً، ويُقال سبعمائة (10)، فاقتلهم يحيى وهزم جندهم، وقتل عامل ( اَبَر شهر ) عمرو بن زرارة، واستباح معسكرهم، وأصاب دواباً كثيرة وغنائم. ثمّ خرج من ابرشهر ومرّ بـ ( هرات ) والعامل عليها المغلس بن زياد، فلم يتعرّض أحدهما للآخر، وجازها حتّى نزل ( الجوزجان ) (11) فسرّح إليه نصر بن سيار بن سلم بن أحوز (12) في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فالتحقوا به في قرية تدعى ( ارغوى ) (13) فقاتلوه ثلاثة أيّام بلياليها، واشتدّ القتال فقُتل جميع مَن كان مع يحيى وأُصيب ( يحيى ) بنشّابة في جبهته، وقيل صدغَيه (14)، رماه رجل من موالي ( عنزة ) يُقال له عيسى، وكان مولى لعيسى بن سليمان العنزي (15)، فمات من وقته رضوان الله عليه ولُعن قاتله وخاذله.
وكانت شهادته وقت العصر يوم الجمعة سنة 225 هـ وبُعث برأسه إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فبعثه إلى المدينة وجيء إلى أمه ريطة بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، فقالت حينما نظرت إليه: شرّدتموه عنّي طويلاً، وأهديتموه إليّ قتيلاً، صلوات الله عليه وعلى آبائه بُكرةً وأصيلاً (16). والّذي احتزّ رأسه سورة بن أحمد الكندي وكان على ميمنة نصر بن سيار. وأخذ سلبه العنزي الذي رماه بالسهم. وصُلب على باب مدينة الجوزجان. وبقي مصلوباً طرياً (17) إلى أن ظهر أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس؛ فإنه أنزل جسده وصلّى عليه ودفنه هناك، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيّام حيث أمنوا على أنفسهم سلطان بني أُمية، وفي هذه السنة لم يولد مولود بخراسان إلاّ سُمي بيحيى أو زيد (18).
ولادته
وُلد سنة مائة وسبع من الهجرة، وقُتل سنة مائة وخمس وعشرين وعمره ثماني عشرة سنة (1)، ولا عقب له، وعليه الكثير من علماء النسب. وفي أنساب الشيخ أبي الحسن الفتوني: له ولد اسمه الحسين ولم يُعقّب، وفي ترجمته من ( الحدايق الوردية ) نقلاً عن سر السلسلة العلوية عن أبي طالب قال: الذي أجمع عليه أهلُ النَّسَب من الطالبيين أنّه وُلد ليحيى اُمّ الحسن وهي حسيبة، وأمها محنة بنت عمر بن عليّ بن الحسين، وقال غيرهم: له أحمد والحسن والحسين، درجوا صغاراً، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أنه لا عقب ليحيى.
بهذا يحدّث في الحدايق الوردية، ولا يتّفق مع تقدير عمره بثماني عشرة سنة، إلاّ أن يكون متزوّجاً بنساء متعددة، ولم يذكر أحد ذلك. وفي الروض النضير (2) عن الهيثم: لم يعقّب يحيى بن زيد. ولعلّه يريد لم يبق له عقب.
وكان حسنَ الوجه، أبيض البشرة، قطط الشعر، قويّ النفس، شجاعاً مقداماً، لا تُرهبه الكثرة ولا تُثنيه الوحدة. ومن كلامه في بعض مواقفه: عبادَ الله، إنّ الأجل يحضره الموت، والموت طالبٌ حثيث لا يَفوتُه الهارب، ولا يُعجزه المقيم، فاقِدموا ـ رحمكم الله ـ إلى عدوّكم، والحقوا بسلفكم، أقدموا إلى الجنّة فإنّه لا شَرفَ أشرف من الشهادة، فإن شرف الموت قَتْلٌ في سبيل الله. ومِن شِعره في عتاب بني هاشم لتخلُّفهم عن نُصرته (3):
خـليلَيّ عـنّا بـالمدينة بـلِّغا بني هاشم أهل النُّهى والتجاربِ
فـحتّى مَ مـروانٌ يُقَتِّل بينكم سُراتَكمُ والدهر فيه العجائبُ (4)
لـكلّ قـتيلٍ مـعشر يطلبونه وليس لزيد في العراقَين طالبُ!
* * *
موالاته للأئمّة
لم يذكر علماء الرجال ترجمته لنستفيد مقامه بينهم لعدم معروفية الرواية عنه، وشأنُهم التعرّض لخصوص الرواة، ونحن مع فحصنا في كتب الحديث عن رواياته لم نعثر على أكثر من روايتين. وعلى كلّ حال فلا يرتاب في موالاته للأئمّة الاثنى عشر كلّ من يقرأ قوله المرويّ في سَنَد الصحيفة السجادية الكاملة حين قال له المتوكّل بن هارون البلخي: « أهُم أعلمُ [ يعني الأئمّة ] أم أنتم ؟ فأطرق ـ يحيى ـ إلى الأرض مليّاً وقال: كلٌّ له عِلم، غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم، ولا نعلم كلّ ما يعلمون ». وقوله فيه: « واللهِ يا متوكّل! لولا ما ذكرتَ من قول ابن عمي ـ جعفر ـ أنّي أُقتل وأُصلب لما دفعتها ـ الصحيفة ـ إليك، ولكنتُ بها ضنيناً، ولكنّي أعلم أنّ قوله حقّ أخَذَه عن آبائه وسيَصحّ ». وقوله للمتوكّل في حقّ الصادق: نَعَم هو أفقهُ بني هاشم. وهذه المصارحة تدلّنا على اعترافه بإمامة الصادق عليه السّلام وحُسن عقيدته وتبصّره بالأمر. ويؤيّده بكاءُ الصادق عليه وشدّة وَجْده وترحّمه عليه، ولو لم يكن بالمنزلة العالية وكان عاصياً له في الخروج لما بكى عليه وترحّم له.
* * *
اسباب الخروج إلى خراسان
لمّا دَفَن أباه رجع إلى ( جبانة السبيع ) وقد ضاقت عليه الكوفة برُحبها لِما يُشاهد من غدر اُولئك العُتاة وتقاعدهم عن نُصرة أبيه، وخاف أن يُؤخَذ غِيلة ويؤتى به إلى الوالي، فعزم على التوجّه إلى خراسان لأنّ فيها شيعته وشيعة أبيه وأجداده، بعد أن شار عليه بعض مَن أصدقهم العهد والميثاق من [ بني أسد ] فأشار عليه بذلك، واختفى عنده ليلة، ثمّ خاف الرجل فأتى عبدالملك بن بشر بن مروان، وقال له: إنّ قرابة زيد بك قريبة، وحقّه عليك واجب. قال: أجل، ولقد كان العفو أقرب للتقوى. قال له: إنّ زيداً قد قُتِل، وهذا ابنُه غلام حَدَثٌ لا ذنب له، وإن عَلِم يوسف بن عمر بمكانه قَتَلَه، فهل لك أن تُجيره فتواريه عندك ؟ قال: نعم وكرامة. فأتاه به وواراه عنده، وبلغ الخبر يوسف بن عمر فأرسل إلى عبدالملك: بلغني مكان هذا الغلام عندك، وأُعطي الله عهداً لئن لم تأتني به لأكتبنّ فيك إلى أمير المؤمنين، فقال له عبدالملك: أتاك الباطل والزور، كيف أُواري مَن ينازعني سلطاني ؟! وما كنتُ أخشاك على قبول مثل هذا عليّ، ولا لاستماع ذلك من صاحبه، فقال يوسف: صَدَق واللهِ ابنُ بشر؛ وكَفَّ عن طلبه، فلمّا سكن الطلب خرج يحيى في نفر من أصحابه إلى خراسان.
بهذا يحدّث أبو عبيدة معمَّر بن المثنى (5) ولم نعرف منه الزمن الذي بقي فيه مختفياً بالكوفة بعد قتل ابيه غير التخمين بالشهر ونحوه، ولكن حديث سلم الحذاء (6) يعرّفنا عدم إقامته بالكوفة غير تلك الليلة التي دفن فيها اباه وفي صبيحتها سار إلى خراسان. يقول: جاء إليه سلمة بن ثابت الليثي بعد دفن زيد، فوجده في عشرة نفر من أصحابه نازلاً في [ جبانة السبيع ]، فسأله عن مقصده، قال: أريد النهرَين، فظنّ أنه يريد نهر دجلة والفرات، فقال: إن كنتَ تريد النهرَين قاتِل ها هنا حتّى تُقتَل، فعرّفه أنه يريد نهري كربلاء، فأشار عليه بالنّجاة قبل الصبح خوفاً من الطلب، يقول سلمة: فخرجنا معه، ولما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فأسرعنا خوفاً من الطلب، وكلّما استقبلني قوم استطعمتُهم فيُطعموني الأرغفة فأُطعمه إيّاها، حتّى أتينا « نينوى » (7) فدعوت بسابق، فخرج من منزله وأدخل « يحيى » وكان آخر عهدي به هناك.
وسار يحيى من كربلاء إلى المدائن وهي يومئذ طريق الناس إلى خراسان، وبلغ الخبر يوسف بن عمر، فسرّح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي فلم يُدركه، ونزل في المدائن على دهقان من أهلها، ثمّ سار منها إلى الريّ، ومنها أتى سرخس فأقام عند يزيد بن عمر التميمي ستّة أشهر، ثمّ خرج منها ونزل في « بلخ » على الجريش بن عبدالرحمن الشيباني، ولم يزل عنده حتّى هلك هشام بن عبدالملك وولي الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار ( ـ وكان عامله على خراسان ـ أن يأخذ يحيى، فكتب نصر إلى عامله على « بلخ » عقيل بن معقل الليثي أن يأخذ الجريش؛ أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعا به عقيل وضربه ستمائة سوط وقال: لأُرهقنّ نفسَك أو تأتيني به، فحلف الجريش ألاّ يأتيه به ولو كان تحت قدميه مارفعهما عنه، فقال ابنُه قريش: خلِّ عن أبي وأنا آتيك به، فوجّه معه جماعة إلى الدار التي كان فيها يحيى، فوجدوه في بيت جوف بيت فقبضوا عليه ومعه يزيد بن عمرو بن الفضل مولى لعبد القيسي جاء معه من الكوفة، فبعث بهما عقيل إلى نصر بن سيار، فحبسه وقيّده، وكتب إلى يوسف بن عمر بخبره، فقال رجل من بني ليث:
ألـيس بـعين الله ما تفعلونه عـشيّة يحيى موثَقٌ بالسلاسلِ
ألـم تر لَيثاً ما الذي حتمت به لها الويل في سلطانها المتزايلِ
لقد كشفت للناس ليثاً عن استها أخيراً وصارت ضِحكة للقبائلِ
كلابٌ عوت لا قدّس الله أمرها وجـاءت بصيدٍ لا يحلّ لآكلِ
وكتب يوسف بن عمر إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك يخبره بأمر يحيى، فكتب إليه الوليد بإطلاقه ومن معه، وكتب يوسف إلى نصر بذلك، فأحضره نصر وحذّره الفتنة، فقال يحيى: وهل في أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله فتنة أعظم ممّا أنتم عليه من سَفْك الدماء ؟! فلم يُجبه نصر وأطلقه وأمر له بألفَي درهم وبغلَين.
وجاء جماعة من شيعة يحيى إلى الحداد الذي فكّ قيده وسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه حتّى بلغ عشرين ألف درهم، فأعطوه المال ودفع إليهم الحديد فاتّخذوا منه فُصوصاً للخواتيم يتبرّكون به (9).
ثمّ أنّه سار إلى ( سرخس )، فكتب نصر بن سيار إلى عاملها باخراجه منها، وكتب إلى عامل ( طوس ) ألاّ يدعه يقيم ساعة فيها، فسار إلى ( اَبَر شهر ) والعامل عليها عمرو بن زرارة؛ فأعطاه ألف درهم وكسوة ومتاعاً، وأشخصه إلى ( بيهق )، ولم يقم فيها إلاّ أيّاماً ورجع إلى ( اَبَر شهر ) في سبعين رجلاً وقد اشترى دوابّاً حمل عليها أصحابه، وكتب عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيار بخبره، فكتب نصر إلى عامل « سرخس » قيس بن عباد البكري، وعامل « طوس » الحسن بن يزيد، أن يمضيا إلى (اَبَر شهر) وعاملها أمير عليهم فيقاتلوا « يحيى »، فاجتمعوا هناك وكان عددهم عشرة الآف، وليس مع يحيى إلاّ سبعون رجلاً، ويُقال سبعمائة (10)، فاقتلهم يحيى وهزم جندهم، وقتل عامل ( اَبَر شهر ) عمرو بن زرارة، واستباح معسكرهم، وأصاب دواباً كثيرة وغنائم. ثمّ خرج من ابرشهر ومرّ بـ ( هرات ) والعامل عليها المغلس بن زياد، فلم يتعرّض أحدهما للآخر، وجازها حتّى نزل ( الجوزجان ) (11) فسرّح إليه نصر بن سيار بن سلم بن أحوز (12) في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فالتحقوا به في قرية تدعى ( ارغوى ) (13) فقاتلوه ثلاثة أيّام بلياليها، واشتدّ القتال فقُتل جميع مَن كان مع يحيى وأُصيب ( يحيى ) بنشّابة في جبهته، وقيل صدغَيه (14)، رماه رجل من موالي ( عنزة ) يُقال له عيسى، وكان مولى لعيسى بن سليمان العنزي (15)، فمات من وقته رضوان الله عليه ولُعن قاتله وخاذله.
وكانت شهادته وقت العصر يوم الجمعة سنة 225 هـ وبُعث برأسه إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فبعثه إلى المدينة وجيء إلى أمه ريطة بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، فقالت حينما نظرت إليه: شرّدتموه عنّي طويلاً، وأهديتموه إليّ قتيلاً، صلوات الله عليه وعلى آبائه بُكرةً وأصيلاً (16). والّذي احتزّ رأسه سورة بن أحمد الكندي وكان على ميمنة نصر بن سيار. وأخذ سلبه العنزي الذي رماه بالسهم. وصُلب على باب مدينة الجوزجان. وبقي مصلوباً طرياً (17) إلى أن ظهر أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس؛ فإنه أنزل جسده وصلّى عليه ودفنه هناك، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيّام حيث أمنوا على أنفسهم سلطان بني أُمية، وفي هذه السنة لم يولد مولود بخراسان إلاّ سُمي بيحيى أو زيد (18).
الشهيد يحيى بن زيد
ولادته
وُلد سنة مائة وسبع من الهجرة، وقُتل سنة مائة وخمس وعشرين وعمره ثماني عشرة سنة (1)، ولا عقب له، وعليه الكثير من علماء النسب. وفي أنساب الشيخ أبي الحسن الفتوني: له ولد اسمه الحسين ولم يُعقّب، وفي ترجمته من ( الحدايق الوردية ) نقلاً عن سر السلسلة العلوية عن أبي طالب قال: الذي أجمع عليه أهلُ النَّسَب من الطالبيين أنّه وُلد ليحيى اُمّ الحسن وهي حسيبة، وأمها محنة بنت عمر بن عليّ بن الحسين، وقال غيرهم: له أحمد والحسن والحسين، درجوا صغاراً، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أنه لا عقب ليحيى.
بهذا يحدّث في الحدايق الوردية، ولا يتّفق مع تقدير عمره بثماني عشرة سنة، إلاّ أن يكون متزوّجاً بنساء متعددة، ولم يذكر أحد ذلك. وفي الروض النضير (2) عن الهيثم: لم يعقّب يحيى بن زيد. ولعلّه يريد لم يبق له عقب.
وكان حسنَ الوجه، أبيض البشرة، قطط الشعر، قويّ النفس، شجاعاً مقداماً، لا تُرهبه الكثرة ولا تُثنيه الوحدة. ومن كلامه في بعض مواقفه: عبادَ الله، إنّ الأجل يحضره الموت، والموت طالبٌ حثيث لا يَفوتُه الهارب، ولا يُعجزه المقيم، فاقِدموا ـ رحمكم الله ـ إلى عدوّكم، والحقوا بسلفكم، أقدموا إلى الجنّة فإنّه لا شَرفَ أشرف من الشهادة، فإن شرف الموت قَتْلٌ في سبيل الله. ومِن شِعره في عتاب بني هاشم لتخلُّفهم عن نُصرته (3):
خـليلَيّ عـنّا بـالمدينة بـلِّغا بني هاشم أهل النُّهى والتجاربِ
فـحتّى مَ مـروانٌ يُقَتِّل بينكم سُراتَكمُ والدهر فيه العجائبُ (4)
لـكلّ قـتيلٍ مـعشر يطلبونه وليس لزيد في العراقَين طالبُ!
* * *
موالاته للأئمّة
لم يذكر علماء الرجال ترجمته لنستفيد مقامه بينهم لعدم معروفية الرواية عنه، وشأنُهم التعرّض لخصوص الرواة، ونحن مع فحصنا في كتب الحديث عن رواياته لم نعثر على أكثر من روايتين. وعلى كلّ حال فلا يرتاب في موالاته للأئمّة الاثنى عشر كلّ من يقرأ قوله المرويّ في سَنَد الصحيفة السجادية الكاملة حين قال له المتوكّل بن هارون البلخي: « أهُم أعلمُ [ يعني الأئمّة ] أم أنتم ؟ فأطرق ـ يحيى ـ إلى الأرض مليّاً وقال: كلٌّ له عِلم، غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم، ولا نعلم كلّ ما يعلمون ». وقوله فيه: « واللهِ يا متوكّل! لولا ما ذكرتَ من قول ابن عمي ـ جعفر ـ أنّي أُقتل وأُصلب لما دفعتها ـ الصحيفة ـ إليك، ولكنتُ بها ضنيناً، ولكنّي أعلم أنّ قوله حقّ أخَذَه عن آبائه وسيَصحّ ». وقوله للمتوكّل في حقّ الصادق: نَعَم هو أفقهُ بني هاشم. وهذه المصارحة تدلّنا على اعترافه بإمامة الصادق عليه السّلام وحُسن عقيدته وتبصّره بالأمر. ويؤيّده بكاءُ الصادق عليه وشدّة وَجْده وترحّمه عليه، ولو لم يكن بالمنزلة العالية وكان عاصياً له في الخروج لما بكى عليه وترحّم له.
* * *
اسباب الخروج إلى خراسان
لمّا دَفَن أباه رجع إلى ( جبانة السبيع ) وقد ضاقت عليه الكوفة برُحبها لِما يُشاهد من غدر اُولئك العُتاة وتقاعدهم عن نُصرة أبيه، وخاف أن يُؤخَذ غِيلة ويؤتى به إلى الوالي، فعزم على التوجّه إلى خراسان لأنّ فيها شيعته وشيعة أبيه وأجداده، بعد أن شار عليه بعض مَن أصدقهم العهد والميثاق من [ بني أسد ] فأشار عليه بذلك، واختفى عنده ليلة، ثمّ خاف الرجل فأتى عبدالملك بن بشر بن مروان، وقال له: إنّ قرابة زيد بك قريبة، وحقّه عليك واجب. قال: أجل، ولقد كان العفو أقرب للتقوى. قال له: إنّ زيداً قد قُتِل، وهذا ابنُه غلام حَدَثٌ لا ذنب له، وإن عَلِم يوسف بن عمر بمكانه قَتَلَه، فهل لك أن تُجيره فتواريه عندك ؟ قال: نعم وكرامة. فأتاه به وواراه عنده، وبلغ الخبر يوسف بن عمر فأرسل إلى عبدالملك: بلغني مكان هذا الغلام عندك، وأُعطي الله عهداً لئن لم تأتني به لأكتبنّ فيك إلى أمير المؤمنين، فقال له عبدالملك: أتاك الباطل والزور، كيف أُواري مَن ينازعني سلطاني ؟! وما كنتُ أخشاك على قبول مثل هذا عليّ، ولا لاستماع ذلك من صاحبه، فقال يوسف: صَدَق واللهِ ابنُ بشر؛ وكَفَّ عن طلبه، فلمّا سكن الطلب خرج يحيى في نفر من أصحابه إلى خراسان.
بهذا يحدّث أبو عبيدة معمَّر بن المثنى (5) ولم نعرف منه الزمن الذي بقي فيه مختفياً بالكوفة بعد قتل ابيه غير التخمين بالشهر ونحوه، ولكن حديث سلم الحذاء (6) يعرّفنا عدم إقامته بالكوفة غير تلك الليلة التي دفن فيها اباه وفي صبيحتها سار إلى خراسان. يقول: جاء إليه سلمة بن ثابت الليثي بعد دفن زيد، فوجده في عشرة نفر من أصحابه نازلاً في [ جبانة السبيع ]، فسأله عن مقصده، قال: أريد النهرَين، فظنّ أنه يريد نهر دجلة والفرات، فقال: إن كنتَ تريد النهرَين قاتِل ها هنا حتّى تُقتَل، فعرّفه أنه يريد نهري كربلاء، فأشار عليه بالنّجاة قبل الصبح خوفاً من الطلب، يقول سلمة: فخرجنا معه، ولما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فأسرعنا خوفاً من الطلب، وكلّما استقبلني قوم استطعمتُهم فيُطعموني الأرغفة فأُطعمه إيّاها، حتّى أتينا « نينوى » (7) فدعوت بسابق، فخرج من منزله وأدخل « يحيى » وكان آخر عهدي به هناك.
وسار يحيى من كربلاء إلى المدائن وهي يومئذ طريق الناس إلى خراسان، وبلغ الخبر يوسف بن عمر، فسرّح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي فلم يُدركه، ونزل في المدائن على دهقان من أهلها، ثمّ سار منها إلى الريّ، ومنها أتى سرخس فأقام عند يزيد بن عمر التميمي ستّة أشهر، ثمّ خرج منها ونزل في « بلخ » على الجريش بن عبدالرحمن الشيباني، ولم يزل عنده حتّى هلك هشام بن عبدالملك وولي الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار ( ـ وكان عامله على خراسان ـ أن يأخذ يحيى، فكتب نصر إلى عامله على « بلخ » عقيل بن معقل الليثي أن يأخذ الجريش؛ أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعا به عقيل وضربه ستمائة سوط وقال: لأُرهقنّ نفسَك أو تأتيني به، فحلف الجريش ألاّ يأتيه به ولو كان تحت قدميه مارفعهما عنه، فقال ابنُه قريش: خلِّ عن أبي وأنا آتيك به، فوجّه معه جماعة إلى الدار التي كان فيها يحيى، فوجدوه في بيت جوف بيت فقبضوا عليه ومعه يزيد بن عمرو بن الفضل مولى لعبد القيسي جاء معه من الكوفة، فبعث بهما عقيل إلى نصر بن سيار، فحبسه وقيّده، وكتب إلى يوسف بن عمر بخبره، فقال رجل من بني ليث:
ألـيس بـعين الله ما تفعلونه عـشيّة يحيى موثَقٌ بالسلاسلِ
ألـم تر لَيثاً ما الذي حتمت به لها الويل في سلطانها المتزايلِ
لقد كشفت للناس ليثاً عن استها أخيراً وصارت ضِحكة للقبائلِ
كلابٌ عوت لا قدّس الله أمرها وجـاءت بصيدٍ لا يحلّ لآكلِ
وكتب يوسف بن عمر إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك يخبره بأمر يحيى، فكتب إليه الوليد بإطلاقه ومن معه، وكتب يوسف إلى نصر بذلك، فأحضره نصر وحذّره الفتنة، فقال يحيى: وهل في أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله فتنة أعظم ممّا أنتم عليه من سَفْك الدماء ؟! فلم يُجبه نصر وأطلقه وأمر له بألفَي درهم وبغلَين.
وجاء جماعة من شيعة يحيى إلى الحداد الذي فكّ قيده وسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه حتّى بلغ عشرين ألف درهم، فأعطوه المال ودفع إليهم الحديد فاتّخذوا منه فُصوصاً للخواتيم يتبرّكون به (9).
ثمّ أنّه سار إلى ( سرخس )، فكتب نصر بن سيار إلى عاملها باخراجه منها، وكتب إلى عامل ( طوس ) ألاّ يدعه يقيم ساعة فيها، فسار إلى ( اَبَر شهر ) والعامل عليها عمرو بن زرارة؛ فأعطاه ألف درهم وكسوة ومتاعاً، وأشخصه إلى ( بيهق )، ولم يقم فيها إلاّ أيّاماً ورجع إلى ( اَبَر شهر ) في سبعين رجلاً وقد اشترى دوابّاً حمل عليها أصحابه، وكتب عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيار بخبره، فكتب نصر إلى عامل « سرخس » قيس بن عباد البكري، وعامل « طوس » الحسن بن يزيد، أن يمضيا إلى (اَبَر شهر) وعاملها أمير عليهم فيقاتلوا « يحيى »، فاجتمعوا هناك وكان عددهم عشرة الآف، وليس مع يحيى إلاّ سبعون رجلاً، ويُقال سبعمائة (10)، فاقتلهم يحيى وهزم جندهم، وقتل عامل ( اَبَر شهر ) عمرو بن زرارة، واستباح معسكرهم، وأصاب دواباً كثيرة وغنائم. ثمّ خرج من ابرشهر ومرّ بـ ( هرات ) والعامل عليها المغلس بن زياد، فلم يتعرّض أحدهما للآخر، وجازها حتّى نزل ( الجوزجان ) (11) فسرّح إليه نصر بن سيار بن سلم بن أحوز (12) في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فالتحقوا به في قرية تدعى ( ارغوى ) (13) فقاتلوه ثلاثة أيّام بلياليها، واشتدّ القتال فقُتل جميع مَن كان مع يحيى وأُصيب ( يحيى ) بنشّابة في جبهته، وقيل صدغَيه (14)، رماه رجل من موالي ( عنزة ) يُقال له عيسى، وكان مولى لعيسى بن سليمان العنزي (15)، فمات من وقته رضوان الله عليه ولُعن قاتله وخاذله.
وكانت شهادته وقت العصر يوم الجمعة سنة 225 هـ وبُعث برأسه إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فبعثه إلى المدينة وجيء إلى أمه ريطة بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، فقالت حينما نظرت إليه: شرّدتموه عنّي طويلاً، وأهديتموه إليّ قتيلاً، صلوات الله عليه وعلى آبائه بُكرةً وأصيلاً (16). والّذي احتزّ رأسه سورة بن أحمد الكندي وكان على ميمنة نصر بن سيار. وأخذ سلبه العنزي الذي رماه بالسهم. وصُلب على باب مدينة الجوزجان. وبقي مصلوباً طرياً (17) إلى أن ظهر أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس؛ فإنه أنزل جسده وصلّى عليه ودفنه هناك، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيّام حيث أمنوا على أنفسهم سلطان بني أُمية، وفي هذه السنة لم يولد مولود بخراسان إلاّ سُمي بيحيى أو زيد (18).
ولادته
وُلد سنة مائة وسبع من الهجرة، وقُتل سنة مائة وخمس وعشرين وعمره ثماني عشرة سنة (1)، ولا عقب له، وعليه الكثير من علماء النسب. وفي أنساب الشيخ أبي الحسن الفتوني: له ولد اسمه الحسين ولم يُعقّب، وفي ترجمته من ( الحدايق الوردية ) نقلاً عن سر السلسلة العلوية عن أبي طالب قال: الذي أجمع عليه أهلُ النَّسَب من الطالبيين أنّه وُلد ليحيى اُمّ الحسن وهي حسيبة، وأمها محنة بنت عمر بن عليّ بن الحسين، وقال غيرهم: له أحمد والحسن والحسين، درجوا صغاراً، وأم الحسين درجت صغيرة، وأجمعوا على أنه لا عقب ليحيى.
بهذا يحدّث في الحدايق الوردية، ولا يتّفق مع تقدير عمره بثماني عشرة سنة، إلاّ أن يكون متزوّجاً بنساء متعددة، ولم يذكر أحد ذلك. وفي الروض النضير (2) عن الهيثم: لم يعقّب يحيى بن زيد. ولعلّه يريد لم يبق له عقب.
وكان حسنَ الوجه، أبيض البشرة، قطط الشعر، قويّ النفس، شجاعاً مقداماً، لا تُرهبه الكثرة ولا تُثنيه الوحدة. ومن كلامه في بعض مواقفه: عبادَ الله، إنّ الأجل يحضره الموت، والموت طالبٌ حثيث لا يَفوتُه الهارب، ولا يُعجزه المقيم، فاقِدموا ـ رحمكم الله ـ إلى عدوّكم، والحقوا بسلفكم، أقدموا إلى الجنّة فإنّه لا شَرفَ أشرف من الشهادة، فإن شرف الموت قَتْلٌ في سبيل الله. ومِن شِعره في عتاب بني هاشم لتخلُّفهم عن نُصرته (3):
خـليلَيّ عـنّا بـالمدينة بـلِّغا بني هاشم أهل النُّهى والتجاربِ
فـحتّى مَ مـروانٌ يُقَتِّل بينكم سُراتَكمُ والدهر فيه العجائبُ (4)
لـكلّ قـتيلٍ مـعشر يطلبونه وليس لزيد في العراقَين طالبُ!
* * *
موالاته للأئمّة
لم يذكر علماء الرجال ترجمته لنستفيد مقامه بينهم لعدم معروفية الرواية عنه، وشأنُهم التعرّض لخصوص الرواة، ونحن مع فحصنا في كتب الحديث عن رواياته لم نعثر على أكثر من روايتين. وعلى كلّ حال فلا يرتاب في موالاته للأئمّة الاثنى عشر كلّ من يقرأ قوله المرويّ في سَنَد الصحيفة السجادية الكاملة حين قال له المتوكّل بن هارون البلخي: « أهُم أعلمُ [ يعني الأئمّة ] أم أنتم ؟ فأطرق ـ يحيى ـ إلى الأرض مليّاً وقال: كلٌّ له عِلم، غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم، ولا نعلم كلّ ما يعلمون ». وقوله فيه: « واللهِ يا متوكّل! لولا ما ذكرتَ من قول ابن عمي ـ جعفر ـ أنّي أُقتل وأُصلب لما دفعتها ـ الصحيفة ـ إليك، ولكنتُ بها ضنيناً، ولكنّي أعلم أنّ قوله حقّ أخَذَه عن آبائه وسيَصحّ ». وقوله للمتوكّل في حقّ الصادق: نَعَم هو أفقهُ بني هاشم. وهذه المصارحة تدلّنا على اعترافه بإمامة الصادق عليه السّلام وحُسن عقيدته وتبصّره بالأمر. ويؤيّده بكاءُ الصادق عليه وشدّة وَجْده وترحّمه عليه، ولو لم يكن بالمنزلة العالية وكان عاصياً له في الخروج لما بكى عليه وترحّم له.
* * *
اسباب الخروج إلى خراسان
لمّا دَفَن أباه رجع إلى ( جبانة السبيع ) وقد ضاقت عليه الكوفة برُحبها لِما يُشاهد من غدر اُولئك العُتاة وتقاعدهم عن نُصرة أبيه، وخاف أن يُؤخَذ غِيلة ويؤتى به إلى الوالي، فعزم على التوجّه إلى خراسان لأنّ فيها شيعته وشيعة أبيه وأجداده، بعد أن شار عليه بعض مَن أصدقهم العهد والميثاق من [ بني أسد ] فأشار عليه بذلك، واختفى عنده ليلة، ثمّ خاف الرجل فأتى عبدالملك بن بشر بن مروان، وقال له: إنّ قرابة زيد بك قريبة، وحقّه عليك واجب. قال: أجل، ولقد كان العفو أقرب للتقوى. قال له: إنّ زيداً قد قُتِل، وهذا ابنُه غلام حَدَثٌ لا ذنب له، وإن عَلِم يوسف بن عمر بمكانه قَتَلَه، فهل لك أن تُجيره فتواريه عندك ؟ قال: نعم وكرامة. فأتاه به وواراه عنده، وبلغ الخبر يوسف بن عمر فأرسل إلى عبدالملك: بلغني مكان هذا الغلام عندك، وأُعطي الله عهداً لئن لم تأتني به لأكتبنّ فيك إلى أمير المؤمنين، فقال له عبدالملك: أتاك الباطل والزور، كيف أُواري مَن ينازعني سلطاني ؟! وما كنتُ أخشاك على قبول مثل هذا عليّ، ولا لاستماع ذلك من صاحبه، فقال يوسف: صَدَق واللهِ ابنُ بشر؛ وكَفَّ عن طلبه، فلمّا سكن الطلب خرج يحيى في نفر من أصحابه إلى خراسان.
بهذا يحدّث أبو عبيدة معمَّر بن المثنى (5) ولم نعرف منه الزمن الذي بقي فيه مختفياً بالكوفة بعد قتل ابيه غير التخمين بالشهر ونحوه، ولكن حديث سلم الحذاء (6) يعرّفنا عدم إقامته بالكوفة غير تلك الليلة التي دفن فيها اباه وفي صبيحتها سار إلى خراسان. يقول: جاء إليه سلمة بن ثابت الليثي بعد دفن زيد، فوجده في عشرة نفر من أصحابه نازلاً في [ جبانة السبيع ]، فسأله عن مقصده، قال: أريد النهرَين، فظنّ أنه يريد نهر دجلة والفرات، فقال: إن كنتَ تريد النهرَين قاتِل ها هنا حتّى تُقتَل، فعرّفه أنه يريد نهري كربلاء، فأشار عليه بالنّجاة قبل الصبح خوفاً من الطلب، يقول سلمة: فخرجنا معه، ولما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فأسرعنا خوفاً من الطلب، وكلّما استقبلني قوم استطعمتُهم فيُطعموني الأرغفة فأُطعمه إيّاها، حتّى أتينا « نينوى » (7) فدعوت بسابق، فخرج من منزله وأدخل « يحيى » وكان آخر عهدي به هناك.
وسار يحيى من كربلاء إلى المدائن وهي يومئذ طريق الناس إلى خراسان، وبلغ الخبر يوسف بن عمر، فسرّح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي فلم يُدركه، ونزل في المدائن على دهقان من أهلها، ثمّ سار منها إلى الريّ، ومنها أتى سرخس فأقام عند يزيد بن عمر التميمي ستّة أشهر، ثمّ خرج منها ونزل في « بلخ » على الجريش بن عبدالرحمن الشيباني، ولم يزل عنده حتّى هلك هشام بن عبدالملك وولي الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيّار ( ـ وكان عامله على خراسان ـ أن يأخذ يحيى، فكتب نصر إلى عامله على « بلخ » عقيل بن معقل الليثي أن يأخذ الجريش؛ أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعا به عقيل وضربه ستمائة سوط وقال: لأُرهقنّ نفسَك أو تأتيني به، فحلف الجريش ألاّ يأتيه به ولو كان تحت قدميه مارفعهما عنه، فقال ابنُه قريش: خلِّ عن أبي وأنا آتيك به، فوجّه معه جماعة إلى الدار التي كان فيها يحيى، فوجدوه في بيت جوف بيت فقبضوا عليه ومعه يزيد بن عمرو بن الفضل مولى لعبد القيسي جاء معه من الكوفة، فبعث بهما عقيل إلى نصر بن سيار، فحبسه وقيّده، وكتب إلى يوسف بن عمر بخبره، فقال رجل من بني ليث:
ألـيس بـعين الله ما تفعلونه عـشيّة يحيى موثَقٌ بالسلاسلِ
ألـم تر لَيثاً ما الذي حتمت به لها الويل في سلطانها المتزايلِ
لقد كشفت للناس ليثاً عن استها أخيراً وصارت ضِحكة للقبائلِ
كلابٌ عوت لا قدّس الله أمرها وجـاءت بصيدٍ لا يحلّ لآكلِ
وكتب يوسف بن عمر إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك يخبره بأمر يحيى، فكتب إليه الوليد بإطلاقه ومن معه، وكتب يوسف إلى نصر بذلك، فأحضره نصر وحذّره الفتنة، فقال يحيى: وهل في أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله فتنة أعظم ممّا أنتم عليه من سَفْك الدماء ؟! فلم يُجبه نصر وأطلقه وأمر له بألفَي درهم وبغلَين.
وجاء جماعة من شيعة يحيى إلى الحداد الذي فكّ قيده وسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه حتّى بلغ عشرين ألف درهم، فأعطوه المال ودفع إليهم الحديد فاتّخذوا منه فُصوصاً للخواتيم يتبرّكون به (9).
ثمّ أنّه سار إلى ( سرخس )، فكتب نصر بن سيار إلى عاملها باخراجه منها، وكتب إلى عامل ( طوس ) ألاّ يدعه يقيم ساعة فيها، فسار إلى ( اَبَر شهر ) والعامل عليها عمرو بن زرارة؛ فأعطاه ألف درهم وكسوة ومتاعاً، وأشخصه إلى ( بيهق )، ولم يقم فيها إلاّ أيّاماً ورجع إلى ( اَبَر شهر ) في سبعين رجلاً وقد اشترى دوابّاً حمل عليها أصحابه، وكتب عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيار بخبره، فكتب نصر إلى عامل « سرخس » قيس بن عباد البكري، وعامل « طوس » الحسن بن يزيد، أن يمضيا إلى (اَبَر شهر) وعاملها أمير عليهم فيقاتلوا « يحيى »، فاجتمعوا هناك وكان عددهم عشرة الآف، وليس مع يحيى إلاّ سبعون رجلاً، ويُقال سبعمائة (10)، فاقتلهم يحيى وهزم جندهم، وقتل عامل ( اَبَر شهر ) عمرو بن زرارة، واستباح معسكرهم، وأصاب دواباً كثيرة وغنائم. ثمّ خرج من ابرشهر ومرّ بـ ( هرات ) والعامل عليها المغلس بن زياد، فلم يتعرّض أحدهما للآخر، وجازها حتّى نزل ( الجوزجان ) (11) فسرّح إليه نصر بن سيار بن سلم بن أحوز (12) في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فالتحقوا به في قرية تدعى ( ارغوى ) (13) فقاتلوه ثلاثة أيّام بلياليها، واشتدّ القتال فقُتل جميع مَن كان مع يحيى وأُصيب ( يحيى ) بنشّابة في جبهته، وقيل صدغَيه (14)، رماه رجل من موالي ( عنزة ) يُقال له عيسى، وكان مولى لعيسى بن سليمان العنزي (15)، فمات من وقته رضوان الله عليه ولُعن قاتله وخاذله.
وكانت شهادته وقت العصر يوم الجمعة سنة 225 هـ وبُعث برأسه إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فبعثه إلى المدينة وجيء إلى أمه ريطة بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، فقالت حينما نظرت إليه: شرّدتموه عنّي طويلاً، وأهديتموه إليّ قتيلاً، صلوات الله عليه وعلى آبائه بُكرةً وأصيلاً (16). والّذي احتزّ رأسه سورة بن أحمد الكندي وكان على ميمنة نصر بن سيار. وأخذ سلبه العنزي الذي رماه بالسهم. وصُلب على باب مدينة الجوزجان. وبقي مصلوباً طرياً (17) إلى أن ظهر أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس؛ فإنه أنزل جسده وصلّى عليه ودفنه هناك، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيّام حيث أمنوا على أنفسهم سلطان بني أُمية، وفي هذه السنة لم يولد مولود بخراسان إلاّ سُمي بيحيى أو زيد (18).
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر