الفترة المصرية العثمانية
(1228 _1256هـ ) ( 1813 _1840 م )
تعتبر الوثائق المصرية الخاصة بتاريخ الحجاز في الفترة المصرية العثمانية (1228 _1256هـ) ( 1813 _1840 م ) من أهم المصادر التي تشرح تاريخ أشراف الحجاز في تلك الفترة بالذات ، تلك الوثائق التي لم يستخدمها المؤرخون الذين تعرضوا لتاريخ الأشراف خلال هذه الفترة التي تعرّض أثنائها أمراء مكة من الأشراف لكثير من التغيير في أوضاعهم ومركزهم وامتيازا تهم التقليدية التي تمتعو بها من قبل .
وتنقسم تلك الوثائق إلى قسمين ، القسم الأكبر منها مكتوب في الأصل باللغة التركية العثمانية التي تستخدم الحروف العربية ، وهي الرسائل أو المراسيم التي كان محمد علي يبعث بها إلى أمراء مكة أو إلى بعض الشخصيات الهامة من أشراف الحجاز ، وكذلك الرسائل التي كان يبعث بها هؤلاء الأشراف إلى القاهرة أو إلى استنابول كما سيرد ذكره .
وقد عنيت الحكومة المصرية منذ عهد الملك فؤاد الأول بجمع الوثائق التركية والعربية الخاصة بتاريخ مصر الحديث ، وعلى الأخص ما كان منها يوضًّح عصر محمد علي ، وهو عصر يعتبر حقبة هامة في تاريخ العرب الحديث كما هو معروف ، وقد كانت دار المحفوظات الملكية – وهو الاسم الذي كانت تعرف به قبل عام 1952 – إدارة كبرى ملحقة بقصر عابدين ، يرئسها مدير مختص يعمل تحت أشرافه عدد كبير من الإداريين ، وعد لا بأس به من المترجمين الأكفاء الذين كان معظمهم من اصل تركي ، ودرسوا اللغة العربية دراسة جيده في الأزهر ، ويحضرني الآن بعض أسماء من تولوا ترجمة الوثائق التركية الخاصة بالجزيرة العربية ومراجعة الترجمة على الأصل وأهم أولئك الذين وقَّعوا الترجمة أو راجعوها الشيخ محمد كمال الادهمي ، والشيخ محمد إحسان ، والشيخ محمد صادق ، وكان على رأس المراجعين في ذلك العهد محمود نفعي أفندي ، الذي كان يجيد اللغتين العربية والتركية إجادة كاملة ، لذلك جائت الترجمة في ظل هذه الإدارة صحيحة صادقة ، يوثق بها ويعتمد عليها .
والوثائق الخاصة بأشراف الحجاز محفوظة أما في سجلات ( دفاتر ) يطلق عليها دفاتر ألمعية ، أو في محافظ خاصة تعرف بمحافظ عابدين ، وأغلب الوثائق التي توضح تاريخ الحجاز في تلك الحقبة هي المسجلة في دفاتر ألمعية ، أما ( محافظ عابدين ) فأهميتها في أنها تبين تطور العلاقات بين الباب العالي ، ووالي مصر محمد علي ، بشأن تضاؤل النفوذ العثماني في الحجاز ومحاولة محمد علي أن يتخذ ما يراه من القرارات والإجراءات دون انتظار التعليمات أو الأوامر التي ترد من الاستانة .
وتحتوي تلك المحافظ على المكاتبات المتبادلة بين الصدر الأعظم ووالي مصر رأساً ، أو عن طريق وكيل محمد علي المقيم بالأستانة ( قبو كتخدا ) والذي كان لسان محمد علي ، وممثله لدى الباب العالي ، يتلقى منه ما يريد إبلاغه للصدر الأعظم أو السلطان ، ثم يحمل إليه الرد ويبدي بعض الملاحظات باعتباره خبيراً بما قد يخفى على محمد علي من سياسة رجال الباب العالي الذين كانوا يميلون دائماً إلى اتخاذ الحيطة والحذر تجاه ما يجري في الحجاز – ارض الحرمين ألشريفين – على يد الوالي الطموح الذي قد يعصف بنفوذ السلطان الذي يعتز بلقب خادم الحرمين ، وهم يعلمون تماما مدى أطماع محمد علي التي لا حد لها .
وتحتوي محافظ عابدين أيضا على بعض الرسائل العربية التي كان يرسلها أشراف الحجاز إلى القاهرة في صورة تقارير عن أحوال الحجاز في ذلك العهد أو التماسات تطلب التحقيق في أمور معينة ، أو شكاوى خاصة بمنازعاتهم الداخلية ، أو مشكلات تخص علاقاتهم بحاكم الحجاز الذي عينه محمد علي محافظاً لمكة ، أو مطالباتهم بعائدات الأوقاف التي يتنازع عليها الأبناء عند وفاة والدهم .
أما دفاتر ألمعية فهي كثيرة ، وبها وثائق عديدة تضيف كثيرا من المعلومات عن تاريخ الأشراف في الفترة التي نحن بصددها ، وهي فترة امتدت ربع قرن تقريباً . وتحتوي على رسائل كان يبعث بها محمد علي إلى ابن أخته أحمد باشا يكن الذي عينه حاكما على الحجاز و محافظاً لمكة في نفس الوقت ، ومكاتبات أخرى من أحمد باشا يكن إلى القاهرة تختص بأحوال الأشراف واتصالاتهم بحكومة الحجاز وعلاقاتهم بالشريف أمير مكة ونشاطهم في خدمة الحكومة ونظامها الجديد ، ومن الوثائق الهامة المحفوظة في دفاتر ألمعية الرسائل التي كان محمد علي يوجهها باللغة العربية إلى شريف مكة تارة ، وإلى غيره من الأشراف تارة أخرى وتعليماته الخاصة بمرتباتهم ومخصصاتهم ، والمراسيم الخاصة التي كان يصدرها بتعيين بعض الأشراف في مناصب حكومية في الحجاز .
وتعتبر الفترة المصرية العثمانية ( 1228 _ 1256 هـ)من حيث تاريخ الأشراف من الفترات التي لم يبحثها المؤرخون في وضوح وموضوعية ، وحتى الرحالة الذين زاروا الجزيرة خلال هذه الفترة لم يهتموا اهتماما علمياً بوضع الأشراف وتطور علاقاتهم بحكومة الحجاز التي أقامها محمد علي بعد عزل أمير مكة ألشريف غالب ، وذلك بسبب عدم إطلاعهم على الوثائق المصرية .
أن من يدرس تاريخ الأشراف قبل هذه الفترة يتبين له مدى ما كان يتمتع به أمير مكة منهم من جاه وسلطان وثروة ،ولذلك امتلأ تاريخهم في العهد العثماني بكثرة المنازعات والخلافات فيما بينهم على ذلك المنصب ،وكانوا في سبيل الأمارة يستعينون بأمراء الحج الشامي أو المصري لتزكيتهم .حتى إذا ظفر احدهم بالمنصب ، كان أول ما يسعى إليه أن يخلق لنفسه شخصية مستقلة عن الباب العالي وعن والي جدة ممثل السلطان في الحجاز وجمع الأنصار من بقية الأشراف حوله ،واضطهاد منافسيه منهم.
ولعل أهدا فترة في تاريخ مكة هي الفترة التي تولى فيها الأمارة ألشريف (( سرور بن مساعد ))(1186- 1201هـ/1772-1786 م ) أما الفترة التي امتلأت بالأحداث الجسام والتطورات ألمثيره في تاريخ أشراف الحجاز فتبدأ بعهد ألشريف غالب الذي تولى الأمارة عام 1201 هـ (1786 م) ولعب دوراً خطيرا في عهد الفتح السعودي للحجاز ،والحملة التي أرسلها محمد علي والي مصر ، وتدل الوثائق المصرية على أنه كان مخادعاً للجانبين . ففي الوقت الذي عفا عنه فاتح مكة الأمير سعود وثبته في منصبه ، كان ألشريف غالب يراسل محمد علي في القاهرة ويقول له أنه بعد فتح سعود رأى ألا يدخر مالاً ولا بدناً في مخادعته بكل الوسائل ، فبينما كنت اظهر له الاتفاق والاتحاد كنت غير مقصر في أنباء حضرة الوزير المشار إليه في رابغ بحركات العدو إلى أن سئم معظم العربان الإقامة والتزمنا سبيل إخافتهم بصورة خفية سرية ، وعين سعود ابنه عبد الله قائداً وأحال إليه أمر جميع العربان ووضع في مكة بمعيتنا نفراً من المحافظين الخبثاء ، وغداة سفره أوفدت الشيخ أحمد تركي زاده إلى رابغ حيث السر عسكر لكي يتعجل القدوم إلينا (1) .
ويتبين أيضا من الوثائق المتبادلة بين محمد علي والباب العالي وغيرها من الوثائق أن الأول قد رأى استغلال ما جبل عليه ألشريف من المكر والخديعة وميله للانضمام إلى الجانب الأقوى فكتب إليه رسالة قال فيها : (( لقد نشأت منذ نعومة أظفاري في احضأن الحروب ، حاربت اشد الدول قوة وعتادا فقمت بواجبي ضد الإنجليز والفرنسيين في مصر خير قيام ، وأفنيت طائفة المماليك المشهورين بالشجاعة والفروسية والذين استعصى أمرهم على الدولة العلية منذ ستين عاما . . . فلا تتمادى في جهلك ولا تصر على عنادك وثق أنني لو وصلت عنوة لفلتت أمارة مكة من يدك ،ولعينت فيها أميرا أخر من السلالة ، وبذلك سوف تعرض نفسك بنفسك للمذلة والهوان )) .(2).
ويظهر أن ألشريف غالب قد استقر عزمه على الانضواء تحت لواء الحملة القادمة وأن يغدر بالسعوديين الذين عفوا عنه وثبتوه في منصبه ، فهو يدعي أمامهم أنه سوف يدافع عن ( جدة ) في الوقت الذي يرسل كاتب ديوانه سرا لاستقبال قائد الحملة المصرية في عرض البحر يحمل معه الماء وبعض المؤن ، وطلب من القائد – كما جاء في إحدى الوثائق – (( أن تتظاهر الحملة بالحرب بإطلاق المدافع وقذف القنابل ، وسنقابلكم بمثل ذلك بالبر ))(3).
وعلى الرغم من كل ما كان يتظاهر به ألشريف غالب من الإخلاص والولاء إلا أن محمد علي كان يضمر له السوء في مستقبل الأيام ، تلك كانت نيته التي صارح بها الباب العالي ، ولأنه كما قال عنه في إحدى رسائله (( لن يكون مصدر خير ولا إصلاح وأنه ينوي عزله وتعيين شريف أخر أميرا على مكة ( 4 ) ، . ولكنه كان يخفي شعور العداء نحو ألشريف غالب لأنه يريد أن يتغلب على بعض الصعاب المحلية عن طريق استخدام نفوذ ألشريف على سكان الحجاز (5) .
ولما جاء محمد علي بنفسه إلى الحجاز عام 1228ه (1813م ) كان مصمما على عزله وبدا الخلاف يتفاقم بسبب حرمان ألشريف من عائدات جمرك جدة التي اعتاد ألشريف غالب الاستيلاء عليها (6) – وقد شكا ألشريف في البداية من وقوع خلاف بينه وبين محافظ جدة ، وطيب محمد علي خاطره ولكنه لم يجبه إلى طلبه ، ولما كان ألشريف لا يزال معتادا على الكتابة إلى السلطان رأسا ،فقد تخطى حكومة الحجاز الجديدة وأرسل يشكو إلى الباب العالي أن العهد الجديد حرمه من نصيبه المقرر له من جمرك جدة ، وأرسل الصدر الأعظم إلى محمد علي يستفسر عن شكوى أمير مكة .
ويتبين من الوثائق المتبادلة في هذا الشأن أن محمد علي كان مصرا على تقليص نفوذ ألشريف غالب وحرمانه من إيراداته الكبيرة إلى أن تسنح الفرصة لعزله نهائيا ، وقد صرح بذلك في الرد على الصدر الأعظم ، وأضاف قائلا في رسالته (( أن الشرف غالب اشد الناس مكرا وأخطرهم خيانة وأكثرهم غراما بتدبير المؤامرات وأنه عازم على القبض عليه ونفيه )) (7) .
وقد زادت هذه الشكوى التي أرسلها ألشريف إلى القسطنطينية من حقد والي مصر عليه وكراهيته له فقد تخطاه واتجه إلى السلطان وأدرك أنه سيكون عقبة في سبيل تحقيق أطماعه في حكم البلاد .وترينا الوثائق العديدة الخطوات التي اتبعها للتخلص نهائيا من ألشريف غالب وتدبير مكيدة له انتهت بالتحفظ عليه عقب حفلة استقبال في قصر طوسون بن محمد علي ، واعتذر له طوسون بأن ما يفعله معه أنما هو بأمر شاهاني من السلطان وأن ليس هناك ما يخشاه على حياته لأن أباه سيتوسط له لدى السلطان ،ولما وجد ألشريف إلا سبيل إلى المقاومة أمر حراسه بالانصراف واستسلم لقدره ، واستكتبوه رسالة إلى أبنائه يحضهم على السكون والسلم والإقرار للباشا بالطاعة وفي 1 ذي الحجة 1228 غادر الحجاز إلى القاهرة ثم استقر به المقام أخيرا في سالونيك حيث وافته منيته في صيف عام 1231ه ( 1816 م ) .
الشريف يحيى بن سرور في ضوء الوثائق :
وبعد التخلص من ألشريف غالب تتحدث الوثائق عن التغيرات الجذرية التي طرأت على مركز ألشريف أمير مكة ،وعلى أوضاع بقية الأشراف، فقد كان والي مصر يقدر مركزهم بين أهل الحجاز نظرا لمكانتهم التي استمدوها من اتصال نسبهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ،فرأى أن يحتفظ بهم أمراء على مكة ، وموظفين في الدولة كعنصر هام من عناصر الحكم الجديد ، إلا أنه كان حريصا على ألا تعود إليهم سلطتهم التي اكتسبوها من قبل في العهود العثمانية السابقة .
وقع اختيار (( محمد علي )) على ((ألشريف يحيى بن سرور )) ابن أخ ألشريف غالب ليكون خلفا لعمه في أمارة مكة ، ويتضح من إحدى وثائق عابدين أن يحيى بن سرور كان معروفا لمحمد علي منذ بدء قيام الحملة ، فقد كان يكاتبه ويتقرب إليه بجمع الأخبار والمعلومات التي تفيد الحملة ( .لهذا فضله على أخيه الأكبر ألشريف عبدالله بن سرور ، وقد أثار هذا التعيين حفيظة أخيه ،وقام النزاع بين الأخوين ، وكان الأمير الجديد يحيى بن سرور يبلغ أنباء هذا الخلاف إلى القاهرة فتاتي ردود محمد علي إلى ألشريف يحيى على شكل نصائح تلفت نظره إلى إتباع سياسة التسامح مع أخيه ، وفي الوقت نفسه عين للشريف عبدالله مرتبا شهريا يصرف له باستمرار من خزينة مكة (9) .
وهنا نقف وقفة قصيرة لنلاحظ من خلال الوثائق المتبادلة بين القاهرة والقسطنطينية أن محمد علي كان يتصرف على هواه فيما يخص تعيين الأشراف في منصب الأمارة أو المناصب الأخرى ، فهو يختار من يشاء ثم يبلغ الاسم الذي استقر عليه راية إلى الباب العالي ليصدر المرسوم ( الشاهاني ) بالتعيين ، وإذا اقترحت حكومة السلطان اسما أخر لا يروق لمحمد علي فأنه يبعث إلى وكيله المقيم بالقسطنطينية والمفوض من قبله للتحدث باسمه أن يشرح للصدر الأعظم وجهة نظره ، وتكون النتيجة دائما تحقيق إرادته ، مثال ذلك صدور أمر السلطان بتعيين الشرف عبدالله بن سرور الأنف الذكر أميرا على مكة في الوقت الذي كان تعيين ألشريف يحيى بن سرور قد تم فعلا باختيار محمد علي – وعند ذلك كلف وكيله بإبلاغ الباب العالي رسالة جاء فيها (10) : ((. . . وبينما كانت غاية مرادي و قصارى أملي إحالة أمارة مكة المشرفة للشريف عبدالله بن سرور كما جاء في الأمر العالي إذ علم لدي جزما ما ابتلي به المومى إليه من الأطوار الرديئة بحسب طبعه ففوض مسند الأمارة الجليلة لعهدة صاحب السيادة ألشريف يحيى أخي ألشريف عبدالله بناء على كونه من أهل الصلاح والتقوى والصفوة . . . الخ ))
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر