ابن خلدون.
الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى ومبد أ دولتهم
وانقراضها ثم تجدّدها مفترقة في نواحي المغرب
لما خرج الحسين بن عليّ بن الحسن المثلّث بن الحسن
المثّنى بن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي، واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه
إدريس ويحيى، وقاتلهم محمد بن سليمان بن علي بعجة على
ثلاثة أميال عن مكة فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته وانهزموا
وأسر كثير منهم. ونجا يحيى وإدريس وسليمان، وظهر يحيى بعد ذلك في الديلم،
وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه.
(وأمّا إدريس) ففّر ولحق بمصر، وعلى بريدها يومئذ واضح
مولى صالح بن
المنصور ويعرف بالمسكين، وكان واضح يتشيّع فعلم شأن إدريس
وأتاه إلى
الموضع الذي كان به مستخفياً، ولم ير شيئا أخلص من أن
يحمله على البريد إلى المغرب ففعل، ولحق إدريس بالمغرب
الأقصى حر ومولاه راشد، ونزل بوليلى سنة اثنتين وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة وكبيرهم لعهده
فأجاره،
واجمع البرابرة على القيام بدعوته، وكشف القناع في ذلك،
واجتمعت عليه
زواغة ولواتة ومدراته وغياثة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة
البربر بالمغرب فبايعوه، وقاموا بأمره.وخطب الناس يوم
بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه:
لا تمدّن الأعناق إلى غيرنا فإنّ الذي تجدونه عندنا من
الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من إخوته سليمان، ونزل
بأرض زناتة من تلمسان ونواحيها ونذكر خبره فيما بعد.
(ولما استوثق) أمر إدريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة
الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسيّة واليهوديَّة.
والنصرانيَّة مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة وما زار، وفتح
تامستا ومدينة شالة وتادلا، وكان أكثرهم على دين اليَّهودية
والنصرانيّة فأسلموا على يديه طوعاً وكرهاً وهدم معاقلهم وحصونهم. ثم
يزحف إلى تلمسان وبها من قبائل بني يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين، ولقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه الطاعة، وبذل له إدريس
الأمان
ولسائر زناتة فأمكنه من قياد البلد، وبنى مسجدها وأمر
بعمل منبره، وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر
لهذا العهد. ورجع إلى مدينة وليلى، ثم دسّ إليه الرشيد مولى
من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشمّاخ أنفذه
بكتابة إلى ابن الأغلب فأجازه، ولحق بإدريس مظهراً النزوع إليه فيمن نزع
من وهران المغرب متبرئا من الدعوة العبّاسية ومنتحلًا للطلب. واختصه
الإمام إدريس وحلا بعينه وكان قد تأبّط سمَّا في سنون، فناوله إيّاه
عند شكايته من وجع أسنانه، فكان فيه كما زعموا حتفه ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين.
وفر الشمّاخ ولحقه فيما زعموا راشد بوادي ملويَّة فاختلفا ضربتين قطع
فيها راشد يد الشمّاخ، وأجاز الوادين فاعجزه، واعتلق بالبرابر من أوربة
وغيرهم
فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه،
بايعوه حملاً ثم رضيعاً ثم فصيلاً إلى أن شبّ واستنم
فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة
سنة، وكان ابن الأغلب دسّ إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشداً
مولاه سنة ست وثمانين، وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن
الياس العبديّ، ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس، فقاموا بأمره وجردوا
لانفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته، وافتتحوا بلاد المغرب كلّها واستوثق
لهم الملك بها، واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المّسمى بالملجوم من
ضربة في بعض حروبهم.وسمته على الخرطوم وكأنها خطام، ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس، حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة
فاختصهم
دون البربر، وكانوا له بطانة وحاشية، واستفحل بهم سلطانه.
ثم قتل كبير
أوربة إسحاق بن محمود سنة اثنتين وتسعين لما أحسّ منه
بموالاة إبراهيم بن الاغلب، وكثرت حاشية الدولة، وأنصارها،
وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعاّ لبناء مدينة لهم، وكانت
فاس موضعا لبني بوغش وبني الخير من وزاغة، وكان في بني بوغش مجوس
ويهود ونصارى، وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم، وأسلّموا كلهم
على يده. وكانت بينهم فتن فبعث للإصلاح بينهم كاتبه أبا الحسن عبد
الملك بن مالك الخزرجيّ. ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكزواوه، وشرع في بنائها فاختط عدوة، الأندلس سنة اثنين وتسعين. وفي سنة ثلاث
بعدها
اختطّ عدوة القرويين وبنى مساكنه، وانتقل إليها، وأسس
جامع الشرفاء، وكانت عدوة القرويّين من لدن باب السلسلة إلى
غدير الجوزاء والجرف، واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين
بدعوته وأمر العزَ والملك.ثم خرج غازياً المصامدة سنة
سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته. ثم غزا تلمسان وجدّد بناء
مسجدها وإصلاح منبرها، وأقام بها ثلاث سنين، وانتظمت كلمة البرابرة وزناتة
ومحوا دعوة الخوارج منهم، واقتطع الغربيّين عن دعوة العبّاسيين من
لدن الشموس الاقصى إلى شلف. ودافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعد ما
ضايقه بالمكاد، واستقاد الأولياء، واستمال بهلول بن عبد الواحد المظفري
بمن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد. ووفد عليه بالقيروان،
واستراب إدريس بالبرابرة فصالح ابراهيم بن الأغلب، وسكن من غربه.
وعجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة، ودافعوا خلفاء
بني العبّاس بالمعاذير بالغضّ من إدريس والقدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما
هو أوهن من خيوط العناكب.
(وهلك إدريس) سنة ثلاث عشرة، وقام بالأمر من بعده ابنه
محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدّته كنزة أمّ إدريس،
على أن يشرك إخوته في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه. فقّسم
المغرب بينهم أعمالاً اختص منها
القاسم بطنجة وبسكلة وسبته وتيطاوين وقلعة حجر النسر وما إلى ذلك من
البلاد والقبائل
واختصّ عمر بتيكيسان وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة
وغمارة
واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من
القبائل: مكناسة وغياثة واختص عبد الله بإغمات وبلد نفيس وجبال
المصامده وبلاد لمطة والسوس الأقصى واختص يحيى <*>، بأصيلاً والعرائش وبلاد
زوغة وما إلى ذلك.
واختص عيسى بشالة وسلا وأزمور وتامستا وما إلى ذلك من
القبائل.
واختص حمزة بوليلى وأعمالها، وأبقى الباقين في كفالتهم
وكفالة جدّتهم كنزة لصغرهم.
وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله.
وخرج عيسى بأزمور على أخيه محمد طالباً الأمر، لنفسه فبعث
لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع. ولما
أوقع عمر بعيسى وغلب على ما في يده إستنابه إلى أعماله باذن
أخيه محمد. ثم أمره أخوه محمد بالنهوض إلى حرب القاسم لقعوده
عن إجابته في محاربة عيسى فزحف إليه، وأوقع به، واستناب عليه إلى ما في
يده فصار الريف البحري كلّه من عمل عمر هذا من تيكيسان، وبلاد غمارة
إلى سبتة، ثم إلى طنجة. وهذا ساحل البحر الرومي ثم ينعطف إلى أصيلا ثم سلا،
ثم أزمور وبلاد تامستا، وهذا ساحل البحر الكبير. وتزهد القاسم وبنى
رباطا بساحل أصيلا للعبادة إلى أن هلك.واتسعت ولاية عمر بعمل، عيسى والقاسم، وخلصت طويته لأخيه محمد الأمير، وهلك في إمارة أخيه محمد ببلد صنهاجة بموضع يقال له :فجّ الفرص سنة عشرين ومائتين، ودفن بفاس
وعمر هذا هو جدّ المحمودييّن الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره. وعقد الأمير محمد على عمله لولده عليّ بن عمر. ثم كان مهلك الأمير محمد لسبعة أشهر من مهلك أخيه عمر سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده
علياًّ
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر