مهرجان البيعة (رواية)
كان يوم الثلاثاء 8 رمضان سنة 201هـ يوم عيد شعبي، فقد
شهدت الأزقة كوكبات من الفرسان والجنود بملابسهم الرسمية يتوجّهون إلى
الميدان استعداداً للمهرجان، فيما إنهمك رجال البلاط والديوان في إِعداد
مكان يليق بالخلافة.
اتخذ رجال الجيش وقادة الفرق العسكرية والجنود أماكنهم في خطّين يشكّلان
عند «دَسْت» الخلافة نقطة الالتقاء، ثمّ ينفرجان كلما يبتعدان مشكّلين
مثلثاً قاعدته طبقات الشعب التي بدأت بالتوافد لإعلان بيعتها لولي العهد
الجديد.
بدأ توافد المواكب الرسمية لرجال الدولة، وكان موكب الفضل مهيباً جدّاً.
أعقبه موكب المأمون الذي فاق وزيره أُبّهة، وتلا ذلك موكب ولي العهد. وقد
فوجئ الناس تماماً ولكنهم نهضوا إجلالاً... كان موكبا متواضعاً فقد كان
الإمام ممتطياً بغلةً شهباء، مُطرِقاً برأسه تواضعاً. وبدا بحُلّته
البيضاء رمزاً للسلام القادم.
اتخذ المأمون مكانه على دَسْت الخلافة الذي أُلحق بوسادتين عظيمتين لولي العهد.
كان الإمام يرتدي عمامة مورّدة متقلداً سيفاً، جالساً في مكانه في سكون
وطمأنينة واتزان... لم تصدر عنه أيّة حركة، ومع ذلك، فقد بدا نقطة المركز
في ذلك التجمّع الرسمي والشعبي الواسع.
حتى عندما تحدّث المأمون وأعلن ما ورد في وثيقة ولاية العهد كان معظم
الناس ينظرون إلى الرضا من آل محمّد. إن الذين حضروا ذلك الاحتفال لابدّ
وأنهم اكتشفوا بأن سرّاً ما جعل قلوب الناس تتجه إلى الإمام بحبّ!!
كان الإمام ما يزال ساكناً، وكانت سكينته تعكس بجلاءٍ الهدوءَ المطلق في
أعماقه، وتركّز وجوده كلّه في نقطة ما.. نقطة لا يمكن أن تكون في الأرض
أبداً.
أومأ المأمون إلى ولده العباس (1) فتقدّم ليبايع الإمام، والتفت الخليفة ليقول:
ـ ابسُطْ يدك للبيعة!
وفي هذه اللحظة نهض الإمام بقوّة، ورفع كفّه اليمنى عالياً مع انحناءة أخاذه باتجاه الشعب، وهتف:
ـ «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله هكذا كان يبايع» (2).
ونهضت الجماهير مأخوذة بمنظرة، ورفعت أكفّها كما يفعل الإمام معلنة
بيعتها. ومرّت القوات المسلحة من أمام دست الخلافة، وقد رفع الجنود
أيديهم، وتمّت مراسم البيعة... وعاد المثلث إلى هدوئه مرّة أخرى. وارتدى
الإمام بعض الأردية الرسمية التي غَلَب عليها اللون الأخضر.
وأشرقت ابتسامات الفرح، ورأى الإمام أحد مواليه، وهو يكاد يطير فرحاً،
فأشار إليه، وما أسرع أن امتثل أمامه ودموع الفرحة تكاد تشرق من عينيه،
همس الإمام في أذنه:
ـ «لا تَشغلْ قلبك بشيء مما ترى من هذا الأمر، ولا تستبشر فإنه لا يتمّ» (3):
وفي غمرة الفرح نهض المأمون وارتقى منبراً أُعدَّ للخطابة لتكون للخطبة صفتها الدينية المقدّسة:
أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين
بن عليّ بن أبي طالب... والله لو قرئت هذه الاسماء على الصمّ البكم لبرأوا
بإذن الله» (4).
وعندما نزل من المنبر
طلب من الإمام أن يلقي خطاباً بهذه المناسبة. ونهض الإمام متجهاً نحو
المنبر، وبدا الرجل العلوّي الذي يتقدم باتجاه الخمسين وقد ظهر بعض الشيب
في ذقنه... بدا في تلك اللحظات المثيرة إعصاراً من الطاقة الروحية. وكانت
الأنظار شاخصة، وبدا ان الجماهير مبهورة به، وكان المأمون يتضاءل شيئاً
فشيئاً... واستوى الإمام على المنبر، وانسابت كلماته هادئة موجزة ومعبّرة:
ـ «أيّها الناس، إن لنا عليكم حقّاً برسول الله صلّى الله عليه وآله ولكم
علينا حقّ به، فإذا أدّيتم الينا ذلك، وجب علينا الحقّ لكم».
وأصيب المأمون بما يشبه الصدمة، لقد كان يتوقع مديحاً من الإمام أمام
الجماهير، وها هو يسمع رسالة مركّزة، وأن في الخلافة حقاً له وميراثاً
مقدساً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأن وفاء الأمّة شرط أساسي!!
وتعكّر صفو المهرجان الشعبي بإحضار ثلاثة من رجال الدولة مصَفَّدين
بالسلاسل، وعَرَف الجميع هويّتهم فوراً، لا أحد يدري الاسباب التي دفعت
بالخليفة إلى احضارهم من السجن مقيدين.
وسِيقوا حُسّراً حتى وقفوا أمام دست الخلافة، وهتف بن عمران محذراً:
أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تُخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم
وخصّكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم ومن كان آباؤك يقتلونهم ويشرّدونهم في
البلاد!
عضّ المأمون على نواجذة وغمغم:
ـ ابن الزانية!
وصاح أبو يونس وهو يشير إلى الإمام الرضا محرّضاً:
ـ يا أمير المؤمنين، هذا الذي بجنبك واللهِ صنمٌ يُعَبد!
وكان الرجل الثالث عيسى الجلودي، وقد امتلأ بالرعب واشتعلت في ذاكرته ما
فعل بمكّة والمدينة قبل عامين.. من سلب ونهب في بيوت الطالبيين!
ورأى الإمامُ الرعبَ يطلّ من عيني الجلودي، فمال على الخليفة يتوسّط له بالعفو.. ولكن الرجل ظن أن الإمام يحرّض عليه فهتف متوسّلاُ:
ـ يا أمير المؤمنين، أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا فيّ» (5).
والتفتَ المأمون إلى الرضا وقال بدهاء:
ـ يا أبا الحسن قد استعفى.
وخاطب المأمونُ الجلوديَّ بغلظة:
ـ لا والله لا أقبل قوله فيك.
والتفتَ إلى الحراس..
ـ خذوهم إلى السجن.
وعندما غادروا عاد الفرح مرّة أخرى واهتز بعضهم طرباً وهو يصغي إلى قصائد الشعراء وكلمات الخطباء.
وكان «العباس» الخطيب ألمع مَن خطب، وظل شعره الذي ختم به خطابه يردّده الناس أياماً:
لابد للناس من شمسٍ ومن قمرٍ | فأنت شمسٌ وهذا ذلك القمرُ (6) |
وصدرت في الختام ثلاثة قرارات هامّة:
ـ منح أفراد الجيش مرتّبات سنة كاملة.
ـ اعتبار اللونِ الاخضر الشعارَ الرسمي الجديد.
ـ سَكّ عملة جديدة تحمل اسم «الرضا» في الدرهم والدينار.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر