تاريخ الدول الإسلامية والممالك التي قامت في قارة إفريقيا
مقدمة :
مفكرة الإسلام:
يعتبر تاريخ الدول الإسلامية والممالك التي قامت في قارة إفريقيا إذا ما
استثنينا الشمال الإفريقي، من الأمور المجهولة تماماً بالنسبة للمسلمين،
فهم لا يعرفون عن مسلمي إفريقيا شيئاً مع العلم أن نسبة المسلمين في قارة
إفريقيا هي الأعلى في قارات العالم، بما في ذلك قارة آسيا، أكثر قارات
العالم ازدحاما بالسكان، هذا على الرغم من أن القارئ لأحداث وتاريخ هذه
الممالك والدول، سيقف معجباً ولربما منبهراً بالبطولات العظيمة التي قام
بها أبطال إفريقيا العظام، خاصة هؤلاء الذين كانوا في الغرب الإفريقي،
والذين تصدوا لأعنف وأشرس الحملات الوحشية والتي قادها صليبو إسبانيا
والبرتغال وفرنسا وأمريكا، ونحن وللأسف الشديد قد انخدعنا بما يروجه
الاحتلال الأوروبي، والإعلام الغربي الذي يصور لنا إخواننا الأفارقة في
صورة الهمج الوحشيين، أكلة لحوم البشر، وأن التمدن والرقي الذي حصل لهؤلاء
الأفارقة يرجع بفضل الاستعمار الأوروبي لبلادهم، والحق غير ذلك تماماً،
فلقد قامت بإفريقيا السوداء الكثير من الممالك الإسلامية العظيمة، على
شريعة الإسلام من الكتاب والسنة، بل وعلى منهج السلف فهماً وتطبيقاً،
وصاحبنا واحد من أعظم الرجال الأفارقة الذين أدخلوا الدعوة السلفية إلى
إفريقيا، وأقاموا دولة عظيمة وكبيرة على منهج السلف الصالح والعجيب أنه لا
يعرفه أحد من عامة المسلمين، بل ومن المتخصصين في قراءة التاريخ أيضاً .
الإسلام يغزو إفريقيا
تعتبر
إفريقيا أول منطقة في العالم وصلها الإسلام بعد مكة مهبط الوحي، وذلك في
العام الخامس من النبوة، عندما هاجر الصحابة الأولون فارين بدينهم إلى
الحبشة، ثم دخلوا الشمال الإفريقي كله، من مصر إلى المغرب الأقصى في القرن
الهجري الأول، وقد وصل فاتح المغرب الأعظم [عقبة بن نافع] إلى أطراف
الصحراء الكبرى، وقد عمل ولاة بلاد المغرب من تونس إلى المحيط على نشر
الإسلام في القبائل البربرية الموغلة في الصحراء، حتى وصل الإسلام إلى
مدينة 'أودغشت' عاصمة قبيلة 'لمتونة' وهذه المدينة غير موجودة الآن ولكنها
في قلب 'موريتانيا' .
ويرجع الفضل لنشر الإسلام في قلب
وغرب إفريقيا لدولة المرابطين العظيمة، وخاصة الأمير الشهيد 'أبى بكر بن
عمر' الذي كان أمير المرابطين الأول ثم ترك الإمارة 'ليوسف بن تاشفين'،
وتخلى عن الزعامة وتفرغ لنشر الإسلام بين الأفارقة، وظل يحارب القبائل
الوثنية وينشر الإسلام بينهم حتى استشهد سنة 480 هجرية، وقد وصل بالإسلام
إلى خط الاستواء، أي على أبواب إفريقيا الاستوائية، عند منطقة الغابات
الكثيفة، وهو بذلك قد قام بخدمة عظيمة للإسلام، ولا تقل عما فعله 'يوسف بن
تاشفين' في المغرب والأندلس .
مأساة الممالك الإسلامية
أخذ
الإسلام في الانتشار في قلب القارة الإفريقية شيئاً فشيئاً، بالتجارة
تارة، وبالجهاد تارة، والدعاة المرابطين تارة، وبالتدريج تحولت القبائل
الوثنية إلى الإسلام، وقامت ممالك إسلامية في غاية القوة والاتساع مثل
مملكة 'غانا'، ومملكة 'مالي' الضخمة وكانت تشمل 'تشاد ومالي والنيجر
والسنغال'، وكانت هذه المملكة من أقوى وأعرق الممالك الإسلامية في إفريقيا
ومملكة 'الصنغاي'، وغيرها من الممالك القوية التي دفعت بالإسلام إلى
الداخل الإفريقي.
ولكن وللأسف الشديد أصاب المسلمون هناك، ما أصاب
إخوانهم في الشمال، وفى كل مكان، إذ دب بينهم التفرق والخلاف، واقتتلوا
فيما بينهم، وصارت الممالك تتقاتل فيما بينها، بدوافع قبلية ودنيوية محضة،
فاقتتلت مملكة 'الصنغاي' مع مملكة 'مالي'حتى دمرتها، ثم قامت مملكة المغرب
أيام حكم 'المنصور السعدي'بتدمير مملكة 'الصنغاي'، وانهارت مملكة 'غانا'
بالاقتتال الداخلي وهكذا أكلت هذه الممالك الإسلامية بعضها بعضاً، في نفس
الوقت الذي كان فيه أهل الكفر من الغرب والشرق يجمعون صفوفهم ويوحدون
راياتهم استعداداً للانقضاض على العالم الإسلامي .
قبائل الفولاني ونهضة الإسلام
وعلى
الرغم من انهيار الممالك الإسلامية الكبيرة، إلا إن القبائل المسلمة قامت
بدورها في نشر الإسلام، واستكمال الدور الدعوى الذي كانت تقوم به الممالك
وربما بصورة أفضل، ومن أشهر القبائل المسلمة :
1. قبائل الماندينج وتنتشر في مالي والسنغال وجامبيا وغينيا وسيراليون وساحل العاج .
2. قبائل الولوف والتوكلور في السنغال ومالي .
3. قبائل الهاوسا في النيجر وشمالي نيجيريا وبنين والتوجو وبوركينافاسو .
4. الكانورى في شمال شرق نيجيريا والكاميرون .
ولكن
أعظم وأشهر القبائل الإفريقية وأشدها تحمساً لنشر الإسلام وتمسكاً به هي
قبائل [الفولاني] وهي التي تحملت مسئولية إعادة نهضة الإسلام وإقامة
الممالك الإسلامية من جديد .
دخل الفولانيون الإسلام على
أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري، فتحمسوا له واستعلوا به، وكانوا
في الأصل من الرعاة الذين يتحركون باستمرار سعياً وراء الماء والكلأ، وكان
موطنهم الأصلي حوض السنغال، ولكنهم انتشروا في قلب إفريقيا من السنغال إلى
تشاد إلى قلب وغرب إفريقيا في 4 هجرات شهيرة، تفرعت خلالها هذه القبيلة
الضخمة إلى عدة فروع، ولكن أهم هذه الفروع وأكثرها أثراً في نشر الدعوة
الإسلامية وعودة النهضة الإسلامية للقلب الإفريقي، وهى هجرة الفولانيين
إلى نيجيريا، وفى هذا الفرع ظهر صاحبنا، الذي أعاد المجد والعزة للإسلام
بقلب إفريقيا وهو الأمير الفولاني [عثمان دان فوديو] .
النشأة والتكوين
ولد
بطلنا الهمام [عثمان دان فوديو] في بلدة 'طفل' على أطراف إقليم 'جوبير'
[شمال نيجيريا الآني سنة 1168 هجرية ـ 1754 ميلادية، وكلمة فودي تعنى
الفقيه واسمه الأصلي [محمد]، فلقد كان والده معلم القرآن والحديث في
قريته، وينتسب 'عثمان' إلى قبيلة الفولاني العريقة في الإسلام، وفي هذه
البلدة الصغيرة، وفي هذا الجو الديني الطاهر، نشأ 'عثمان' فدرس اللغة
العربية وقرأ القرآن وحفظ متون الأحاديث، وقد ساعده والده على تنمية ملكة
التعمق في العلوم الدينية لما رأى فيه من حبه للدين وخدمته.
كان
لهذه التربية والجو الإيماني الذي نشأ فيه [عثمان] أثر بالغ في تكوين
شخصيته وتوجهاته، فشب ورعاً تقياً، أماراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر،
مجتنباً لما اعتاد عليه قومه من أساليب في الحياة، شديد الكره والعداء
للقبائل الوثنية في إقليم 'جوبير' الذي ولد فيه، لذلك قرر [عثمان] مرافقة
أبيه في رحلته الطويلة إلى الحج، وذلك وهو في سن الشباب .
نقطة التحول الكبرى
لقد
كان ذهاب [عثمان بن فودي] لأداء مناسك الحج مع أبيه، نقطة تحول كبرى في
حياة البطل الهمام، ذلك أنه قدم مكة المكرمة، والدعوة السلفية للشيخ [محمد
بن عبد الوهاب] في أوج قوتها وانتشارها، حيث كان الشيخ [محمد بن عبد
الوهاب]، مازال حياً، يعلم الناس التوحيد الخالص ويحارب البدع ويرد على
المبتدعة وأصحاب الأهواء، فلما وصل [عثمان بن فودي] هناك التقى مع المشايخ
والدعاة السلفيين وسمع منهم الدعوة السلفية وأسلوب الحركة وكيف قامت؟ وكيف
انطلقت من منطقة 'الدرعية' لتشمل الجزيرة كلها، وحضر مجالس العلم للشيخ
[محمد بن عبد الوهاب] .
قرر [عثمان بن فودي] البقاء لفترة بمكة
للاستزادة من الدعوة السلفية وعلومها ومناهجها وتأثر بها بشدة، ذلك لأن
بلاده كانت مليئة بالبدع والخرافات، امتزج فيها الإسلام بالعادات الوثنية،
وكانت العادات القبلية تحكم حياة المسلمين، بل هو نفسه كان يتدين بكثير من
البدع والأوراد غير الصحيحة والسبب في ذلك أن الإسلام انتشر في هذه
المناطق بنشاط دعاة الطرق الصوفية، وأصبح معنى التدين مرادفاً لمعنى
التصوف، لذلك قرر [عثمان] المكوث لتصحيح مسار حياته وعباداته .
نستطيع
أن نقول أن ذهاب [عثمان بن فودي] إلى الحج والتقاءه مع دعاة وعلماء الحركة
السلفية، وتلقيه لمبادئ وأسلوب هذه الحركة نقطة تحول كبرى في حياة هذا
الرجل ولعل هذا من رحمة الله عز وجل بالأمة المسلمة بإفريقيا، ونصرة عظيمة
للإسلام والمسلمين لما سيقوم به هذا الرجل من جهود كبيرة لخدمة الدين
والأمة .
جهاد الدعوة
عاد
[عثمان بن فودي] إلى بلاده في إقليم 'جوبير' في شمال نيجيريا، وفى نيته
نشر الدعوة السلفية في بلاده، ومحاربة البدع المتفشية هنالك، والتمهيد
لنقل التجربة السلفية والتي سبق وأن نجحت في جزيرة العرب، إلى بلاده في
إفريقيا، فأخذ في دعوة أهله وإخوانه إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع
والشركيات ومحاربة الطرق الصوفية، فاستجاب لدعوته كثير من أبناء قريته
'طفل'، فأسس [عثمان بن فودي] حركة دعوية على منهج السلف وأطلق عليها اسم
[الجماعة] .
أخذت الدعوة السلفية وحركتها المسماة بالجماعة تنتشر
بين القبائل الإفريقية، ودخل فيها أفراد من عدة إمارات، ومن شعوب عدة منها
الهاوسا، والطوارق، الزنوج، إضافة إلى قبيلته الأصلية 'الفولاني' التي
كانت أكثر القبائل انضماماً لدعوته وحركته، ثم حققت دعوة [عثمان بن فودي]
نجاحاً كبيراً في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية المنتشرة في شمال وجنوب
نيجيريا، ويوما بعد يوم ازدادت جماعته قوة ونجاحاً واتساعاً وأصبح الصدام
وشيك ومع قوى الشر والضلال .
الصراع الأبدي
إن
من سنن الله عز وجل الماضية في خلقه، هي سنة التدافع بين الحق والباطل،
فكلاهما في صراع أبدي منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة، أتباع الحق
يصارعون أتباع الباطل، هذا يدفع هذا، وهذا يتصدى لهذا، كما قال تعالى
ي سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ….]
النساء 76، وعملاً بهذه السنة الماضية، فلقد ضاق من ملوك إقليم 'جوبير'
وكانوا من الوثنيين من نشاط جماعة [عثمان بن فودي]، وكذلك ضاق أصحاب الطرق
الصوفية المنتشرة في إفريقيا منها وخاصة بعد انصراف الكثير من مريديها إلى
الجماعة السلفية، واتفق الفريقان من غير موعد على عداوة الحركة الجديدة،
ولكن اختلفت المواجهة، ففي حين اتبعت الطرق الصوفية طريقة التشنيع والكذب
والتضليل، قرر أمراء 'جوبير' الوثنيون إتباع أسلوب المواجهة المسلحة .
أرسل
هؤلاء الأمراء يتهددون الجماعة السلفية، ويتوعدون زعيمها [عثمان بن فودي]
بأشد أنواع الوعيد والتهديد، فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه،
واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات، فأشار الجميع وهو أولهم بوجوب
إعلان الجهاد على الكفار وأعداء الدين وذلك سنة 1804 ميلادية ـ 1218 هجرية
.
بمجرد أن أعلن [عثمان بن فودي] الجهاد على الوثنيين حتى
أتاه المسلمون من كل مكان في شمال نيجيريا يبغون نصرة إخوانهم ضد الكفار،
فلقد كان لإعلان الجهاد مفعول السحر في نفوس المسلمين، إذ عادت لهم الحمية
والحماسة لدينهم، وفى نفس الوقت جاءت مساعدات كبيرة لأمراء 'جوبير' من
باقي إمارات الهاوسا [ غرب نيجيريا]، واستعدت المنطقة بأسرها لفصل جديد من
فصول الصراع الأبدي بين الإسلام والكفر، انتهى بفضل الله عز وجل لصالح
الجماعة المؤمنة، وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات الوثنية وأصبح
[عثمان بن فودي] أميراً على المنطقة الواقعة في شمال غرب نيجيريا، وبايعه
المسلمون هناك أميراً عليهم، وتلقب من يومها بالشيخ إقتداءً وتأسياً
بالشيخ [محمد بن عبد الوهاب]، واتخذ من مدينة 'سوكوتو' في أقصى الطرف
الشمالي الغربي لنيجيريا مركزا لدعوته وذلك سنة 1809 ميلادية ـ 1223 هجرية
.
بناء الدولة الإسلامية
لم
يكن [عثمان بن فودي] من الرجال الذين يبحثون عن زعامة أو إمارة، وبمجرد
حصوله عليها يكف عن سعيه وجهاده ويجلس للتنعم بما حازه وناله، بل كان يبغي
نصرة الإسلام ونشره بين القبائل الوثنية، يبغي الدعوة لهذا الدين في شتى
أرجاء القارة السوداء .
لذلك قرر [عثمان بن فودي] العمل على إعادة
بناء الدولة الإسلامية من جديد، وتوسيع رقعة الإسلام بالجهاد ضد القبائل
الوثنية التي اجتمعت على حرب الإسلام ودعوته الجديدة .
[/font]
مقدمة :
مفكرة الإسلام:
يعتبر تاريخ الدول الإسلامية والممالك التي قامت في قارة إفريقيا إذا ما
استثنينا الشمال الإفريقي، من الأمور المجهولة تماماً بالنسبة للمسلمين،
فهم لا يعرفون عن مسلمي إفريقيا شيئاً مع العلم أن نسبة المسلمين في قارة
إفريقيا هي الأعلى في قارات العالم، بما في ذلك قارة آسيا، أكثر قارات
العالم ازدحاما بالسكان، هذا على الرغم من أن القارئ لأحداث وتاريخ هذه
الممالك والدول، سيقف معجباً ولربما منبهراً بالبطولات العظيمة التي قام
بها أبطال إفريقيا العظام، خاصة هؤلاء الذين كانوا في الغرب الإفريقي،
والذين تصدوا لأعنف وأشرس الحملات الوحشية والتي قادها صليبو إسبانيا
والبرتغال وفرنسا وأمريكا، ونحن وللأسف الشديد قد انخدعنا بما يروجه
الاحتلال الأوروبي، والإعلام الغربي الذي يصور لنا إخواننا الأفارقة في
صورة الهمج الوحشيين، أكلة لحوم البشر، وأن التمدن والرقي الذي حصل لهؤلاء
الأفارقة يرجع بفضل الاستعمار الأوروبي لبلادهم، والحق غير ذلك تماماً،
فلقد قامت بإفريقيا السوداء الكثير من الممالك الإسلامية العظيمة، على
شريعة الإسلام من الكتاب والسنة، بل وعلى منهج السلف فهماً وتطبيقاً،
وصاحبنا واحد من أعظم الرجال الأفارقة الذين أدخلوا الدعوة السلفية إلى
إفريقيا، وأقاموا دولة عظيمة وكبيرة على منهج السلف الصالح والعجيب أنه لا
يعرفه أحد من عامة المسلمين، بل ومن المتخصصين في قراءة التاريخ أيضاً .
الإسلام يغزو إفريقيا
تعتبر
إفريقيا أول منطقة في العالم وصلها الإسلام بعد مكة مهبط الوحي، وذلك في
العام الخامس من النبوة، عندما هاجر الصحابة الأولون فارين بدينهم إلى
الحبشة، ثم دخلوا الشمال الإفريقي كله، من مصر إلى المغرب الأقصى في القرن
الهجري الأول، وقد وصل فاتح المغرب الأعظم [عقبة بن نافع] إلى أطراف
الصحراء الكبرى، وقد عمل ولاة بلاد المغرب من تونس إلى المحيط على نشر
الإسلام في القبائل البربرية الموغلة في الصحراء، حتى وصل الإسلام إلى
مدينة 'أودغشت' عاصمة قبيلة 'لمتونة' وهذه المدينة غير موجودة الآن ولكنها
في قلب 'موريتانيا' .
ويرجع الفضل لنشر الإسلام في قلب
وغرب إفريقيا لدولة المرابطين العظيمة، وخاصة الأمير الشهيد 'أبى بكر بن
عمر' الذي كان أمير المرابطين الأول ثم ترك الإمارة 'ليوسف بن تاشفين'،
وتخلى عن الزعامة وتفرغ لنشر الإسلام بين الأفارقة، وظل يحارب القبائل
الوثنية وينشر الإسلام بينهم حتى استشهد سنة 480 هجرية، وقد وصل بالإسلام
إلى خط الاستواء، أي على أبواب إفريقيا الاستوائية، عند منطقة الغابات
الكثيفة، وهو بذلك قد قام بخدمة عظيمة للإسلام، ولا تقل عما فعله 'يوسف بن
تاشفين' في المغرب والأندلس .
مأساة الممالك الإسلامية
أخذ
الإسلام في الانتشار في قلب القارة الإفريقية شيئاً فشيئاً، بالتجارة
تارة، وبالجهاد تارة، والدعاة المرابطين تارة، وبالتدريج تحولت القبائل
الوثنية إلى الإسلام، وقامت ممالك إسلامية في غاية القوة والاتساع مثل
مملكة 'غانا'، ومملكة 'مالي' الضخمة وكانت تشمل 'تشاد ومالي والنيجر
والسنغال'، وكانت هذه المملكة من أقوى وأعرق الممالك الإسلامية في إفريقيا
ومملكة 'الصنغاي'، وغيرها من الممالك القوية التي دفعت بالإسلام إلى
الداخل الإفريقي.
ولكن وللأسف الشديد أصاب المسلمون هناك، ما أصاب
إخوانهم في الشمال، وفى كل مكان، إذ دب بينهم التفرق والخلاف، واقتتلوا
فيما بينهم، وصارت الممالك تتقاتل فيما بينها، بدوافع قبلية ودنيوية محضة،
فاقتتلت مملكة 'الصنغاي' مع مملكة 'مالي'حتى دمرتها، ثم قامت مملكة المغرب
أيام حكم 'المنصور السعدي'بتدمير مملكة 'الصنغاي'، وانهارت مملكة 'غانا'
بالاقتتال الداخلي وهكذا أكلت هذه الممالك الإسلامية بعضها بعضاً، في نفس
الوقت الذي كان فيه أهل الكفر من الغرب والشرق يجمعون صفوفهم ويوحدون
راياتهم استعداداً للانقضاض على العالم الإسلامي .
قبائل الفولاني ونهضة الإسلام
وعلى
الرغم من انهيار الممالك الإسلامية الكبيرة، إلا إن القبائل المسلمة قامت
بدورها في نشر الإسلام، واستكمال الدور الدعوى الذي كانت تقوم به الممالك
وربما بصورة أفضل، ومن أشهر القبائل المسلمة :
1. قبائل الماندينج وتنتشر في مالي والسنغال وجامبيا وغينيا وسيراليون وساحل العاج .
2. قبائل الولوف والتوكلور في السنغال ومالي .
3. قبائل الهاوسا في النيجر وشمالي نيجيريا وبنين والتوجو وبوركينافاسو .
4. الكانورى في شمال شرق نيجيريا والكاميرون .
ولكن
أعظم وأشهر القبائل الإفريقية وأشدها تحمساً لنشر الإسلام وتمسكاً به هي
قبائل [الفولاني] وهي التي تحملت مسئولية إعادة نهضة الإسلام وإقامة
الممالك الإسلامية من جديد .
دخل الفولانيون الإسلام على
أيدي المرابطين في القرن الخامس الهجري، فتحمسوا له واستعلوا به، وكانوا
في الأصل من الرعاة الذين يتحركون باستمرار سعياً وراء الماء والكلأ، وكان
موطنهم الأصلي حوض السنغال، ولكنهم انتشروا في قلب إفريقيا من السنغال إلى
تشاد إلى قلب وغرب إفريقيا في 4 هجرات شهيرة، تفرعت خلالها هذه القبيلة
الضخمة إلى عدة فروع، ولكن أهم هذه الفروع وأكثرها أثراً في نشر الدعوة
الإسلامية وعودة النهضة الإسلامية للقلب الإفريقي، وهى هجرة الفولانيين
إلى نيجيريا، وفى هذا الفرع ظهر صاحبنا، الذي أعاد المجد والعزة للإسلام
بقلب إفريقيا وهو الأمير الفولاني [عثمان دان فوديو] .
النشأة والتكوين
ولد
بطلنا الهمام [عثمان دان فوديو] في بلدة 'طفل' على أطراف إقليم 'جوبير'
[شمال نيجيريا الآني سنة 1168 هجرية ـ 1754 ميلادية، وكلمة فودي تعنى
الفقيه واسمه الأصلي [محمد]، فلقد كان والده معلم القرآن والحديث في
قريته، وينتسب 'عثمان' إلى قبيلة الفولاني العريقة في الإسلام، وفي هذه
البلدة الصغيرة، وفي هذا الجو الديني الطاهر، نشأ 'عثمان' فدرس اللغة
العربية وقرأ القرآن وحفظ متون الأحاديث، وقد ساعده والده على تنمية ملكة
التعمق في العلوم الدينية لما رأى فيه من حبه للدين وخدمته.
كان
لهذه التربية والجو الإيماني الذي نشأ فيه [عثمان] أثر بالغ في تكوين
شخصيته وتوجهاته، فشب ورعاً تقياً، أماراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر،
مجتنباً لما اعتاد عليه قومه من أساليب في الحياة، شديد الكره والعداء
للقبائل الوثنية في إقليم 'جوبير' الذي ولد فيه، لذلك قرر [عثمان] مرافقة
أبيه في رحلته الطويلة إلى الحج، وذلك وهو في سن الشباب .
نقطة التحول الكبرى
لقد
كان ذهاب [عثمان بن فودي] لأداء مناسك الحج مع أبيه، نقطة تحول كبرى في
حياة البطل الهمام، ذلك أنه قدم مكة المكرمة، والدعوة السلفية للشيخ [محمد
بن عبد الوهاب] في أوج قوتها وانتشارها، حيث كان الشيخ [محمد بن عبد
الوهاب]، مازال حياً، يعلم الناس التوحيد الخالص ويحارب البدع ويرد على
المبتدعة وأصحاب الأهواء، فلما وصل [عثمان بن فودي] هناك التقى مع المشايخ
والدعاة السلفيين وسمع منهم الدعوة السلفية وأسلوب الحركة وكيف قامت؟ وكيف
انطلقت من منطقة 'الدرعية' لتشمل الجزيرة كلها، وحضر مجالس العلم للشيخ
[محمد بن عبد الوهاب] .
قرر [عثمان بن فودي] البقاء لفترة بمكة
للاستزادة من الدعوة السلفية وعلومها ومناهجها وتأثر بها بشدة، ذلك لأن
بلاده كانت مليئة بالبدع والخرافات، امتزج فيها الإسلام بالعادات الوثنية،
وكانت العادات القبلية تحكم حياة المسلمين، بل هو نفسه كان يتدين بكثير من
البدع والأوراد غير الصحيحة والسبب في ذلك أن الإسلام انتشر في هذه
المناطق بنشاط دعاة الطرق الصوفية، وأصبح معنى التدين مرادفاً لمعنى
التصوف، لذلك قرر [عثمان] المكوث لتصحيح مسار حياته وعباداته .
نستطيع
أن نقول أن ذهاب [عثمان بن فودي] إلى الحج والتقاءه مع دعاة وعلماء الحركة
السلفية، وتلقيه لمبادئ وأسلوب هذه الحركة نقطة تحول كبرى في حياة هذا
الرجل ولعل هذا من رحمة الله عز وجل بالأمة المسلمة بإفريقيا، ونصرة عظيمة
للإسلام والمسلمين لما سيقوم به هذا الرجل من جهود كبيرة لخدمة الدين
والأمة .
جهاد الدعوة
عاد
[عثمان بن فودي] إلى بلاده في إقليم 'جوبير' في شمال نيجيريا، وفى نيته
نشر الدعوة السلفية في بلاده، ومحاربة البدع المتفشية هنالك، والتمهيد
لنقل التجربة السلفية والتي سبق وأن نجحت في جزيرة العرب، إلى بلاده في
إفريقيا، فأخذ في دعوة أهله وإخوانه إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع
والشركيات ومحاربة الطرق الصوفية، فاستجاب لدعوته كثير من أبناء قريته
'طفل'، فأسس [عثمان بن فودي] حركة دعوية على منهج السلف وأطلق عليها اسم
[الجماعة] .
أخذت الدعوة السلفية وحركتها المسماة بالجماعة تنتشر
بين القبائل الإفريقية، ودخل فيها أفراد من عدة إمارات، ومن شعوب عدة منها
الهاوسا، والطوارق، الزنوج، إضافة إلى قبيلته الأصلية 'الفولاني' التي
كانت أكثر القبائل انضماماً لدعوته وحركته، ثم حققت دعوة [عثمان بن فودي]
نجاحاً كبيراً في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية المنتشرة في شمال وجنوب
نيجيريا، ويوما بعد يوم ازدادت جماعته قوة ونجاحاً واتساعاً وأصبح الصدام
وشيك ومع قوى الشر والضلال .
الصراع الأبدي
إن
من سنن الله عز وجل الماضية في خلقه، هي سنة التدافع بين الحق والباطل،
فكلاهما في صراع أبدي منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة، أتباع الحق
يصارعون أتباع الباطل، هذا يدفع هذا، وهذا يتصدى لهذا، كما قال تعالى
ي سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ….]
النساء 76، وعملاً بهذه السنة الماضية، فلقد ضاق من ملوك إقليم 'جوبير'
وكانوا من الوثنيين من نشاط جماعة [عثمان بن فودي]، وكذلك ضاق أصحاب الطرق
الصوفية المنتشرة في إفريقيا منها وخاصة بعد انصراف الكثير من مريديها إلى
الجماعة السلفية، واتفق الفريقان من غير موعد على عداوة الحركة الجديدة،
ولكن اختلفت المواجهة، ففي حين اتبعت الطرق الصوفية طريقة التشنيع والكذب
والتضليل، قرر أمراء 'جوبير' الوثنيون إتباع أسلوب المواجهة المسلحة .
أرسل
هؤلاء الأمراء يتهددون الجماعة السلفية، ويتوعدون زعيمها [عثمان بن فودي]
بأشد أنواع الوعيد والتهديد، فعندها اجتمع المجاهد العظيم مع رفاقه،
واستشارهم في كيفية مواجهة هذه التهديدات، فأشار الجميع وهو أولهم بوجوب
إعلان الجهاد على الكفار وأعداء الدين وذلك سنة 1804 ميلادية ـ 1218 هجرية
.
بمجرد أن أعلن [عثمان بن فودي] الجهاد على الوثنيين حتى
أتاه المسلمون من كل مكان في شمال نيجيريا يبغون نصرة إخوانهم ضد الكفار،
فلقد كان لإعلان الجهاد مفعول السحر في نفوس المسلمين، إذ عادت لهم الحمية
والحماسة لدينهم، وفى نفس الوقت جاءت مساعدات كبيرة لأمراء 'جوبير' من
باقي إمارات الهاوسا [ غرب نيجيريا]، واستعدت المنطقة بأسرها لفصل جديد من
فصول الصراع الأبدي بين الإسلام والكفر، انتهى بفضل الله عز وجل لصالح
الجماعة المؤمنة، وانتصرت الدعوة السلفية على الجماعات الوثنية وأصبح
[عثمان بن فودي] أميراً على المنطقة الواقعة في شمال غرب نيجيريا، وبايعه
المسلمون هناك أميراً عليهم، وتلقب من يومها بالشيخ إقتداءً وتأسياً
بالشيخ [محمد بن عبد الوهاب]، واتخذ من مدينة 'سوكوتو' في أقصى الطرف
الشمالي الغربي لنيجيريا مركزا لدعوته وذلك سنة 1809 ميلادية ـ 1223 هجرية
.
بناء الدولة الإسلامية
لم
يكن [عثمان بن فودي] من الرجال الذين يبحثون عن زعامة أو إمارة، وبمجرد
حصوله عليها يكف عن سعيه وجهاده ويجلس للتنعم بما حازه وناله، بل كان يبغي
نصرة الإسلام ونشره بين القبائل الوثنية، يبغي الدعوة لهذا الدين في شتى
أرجاء القارة السوداء .
لذلك قرر [عثمان بن فودي] العمل على إعادة
بناء الدولة الإسلامية من جديد، وتوسيع رقعة الإسلام بالجهاد ضد القبائل
الوثنية التي اجتمعت على حرب الإسلام ودعوته الجديدة .
[/font]
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر