[b]بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا
هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران
: 102] . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ
وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [
النساء : 1] . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً } [ الأحزاب : 70-71 ]
.أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام
أولا لابد من معرفة
بعض الأمور
الأمر الأول :
العبادة
ماهى العبادة
؟
العبادة في اللغة : الذل
والخضوع ، يقال : بعير معبد ، أي : مذلل ، وطريق معبد : إذا كان مذللا قد وطئته
الأقدام .
وشرعا : هي اسم جامع لكل
ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
وهي تبنى على
ثلاثة أركان :
الأول : كمال الحب
للمعبود سبحانه ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }
(البقرة : 165) .
الثاني : كمال الرجاء ،
كما قال تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } (الإسراء : 57) .
الثالث : كمال الخوف من
الله سبحانه ، كما قال تعالى : { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } (الإسراء : 57) .
وقد جمع الله سبحانه بين
هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه : { الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ } ، فالآية الأولى فيها المحبة ؛ فإن الله منعم ، والمنعم يُحبُّ على قدر
إنعامه ، والآية الثانية فيها الرجاء ، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته ، والآية
الثالثة فيها الخوف ، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه .
ولهذا قال تعالى عقب ذلك
: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، أي : أعبدك يا رب هذه الثلاث : بمحبتك التي دل عليها :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، ورجائك الذي دل عليه : { الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ } ، وخوفك الذي دل عليه : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
والعبادة لا
تقبل إلا بشرطين :
1 - الإخلاص فيها
للمعبود ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه سبحانه ، قال تعالى : {
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (البينة
: 5) ، وقَال تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } (الزمر : 3) ، وقال
تعالى : { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي } (الزمر : 14) .
2 - المتابعة للرسول صلى
الله عليه وسلم ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله
عليه وسلم ، قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر : 7) ، وقَال تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء :
65) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ
رَدٌّ (أي مردود عليه) . [1]
وقوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ .[2]
فلا عبرة بالعمل ما لم
يكن خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الفضيل بن عياض
رحمه الله في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } (هود :
7 ، الملك : 2) : " أخلصه وأصوبه " ، قيل : يا أبا علي ، وما أخلصه
وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان
صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله ، والصواب
ما كان على السنة " [3]
ومن الآيات الجامعة
لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف : 110) .
الأمر الثانى :
أنه لا يجوز العدول عن سنة النبى صلى الله عليه وسلم لقول أى أحد كائنا من كان .
قال علي رضي الله عنه :]اعْرِفْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْرِفْ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ
واعرف الحق تعرف أهله ]
وما أحسن قول أرسطو لما
خالف أستاذه أفلاطون (( تخاصم الحق وأفلاطون وكلاهما صديق لي والحق أصدق منه))
وقال الشيخ أحمد زروق في
عمدة المريد الصادق ما نصه ((قال أبو إسحاق الشاطبي كل ما عمل به المتصوفة
المعبرون في هذا الشأن - يعني كالجنيد وأمثاله - لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له
أصل في الشريعة فهم خلفاؤه كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلفاء بذلك وإن لم
يكن له أصل في الشريعة فلا أعمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد
من الأمة حجة على السنة ولأن السنة معصومة عن الخطأ وصاحبها معصوم وسائر الأمة لم
تثبت لهم العصمة إلا مع إجماعهم خاصة وإذا أجمعوا تضمن إجماعهم دليلاً شرعياً
والصوفية والمجتهدون كغيرهم ممن لم يثبت لهم العصمة ويجوز عليهم الخطأ والنسيان
والمعصية كبيرها وصغيرها والبدعة محرمها ومكروهها ولذا قال العلماء كل كلام منه
مأخوذ ومنه متروك إلا ما كان من كلامه عليه الصلاة والسلام قال وقد قرر ذلك
القشيري رحمه الله تعالى أحسن تقرير فقال فإن قيل فهل يكون الولي معصوماً قيل أما
وجوباً كما يكون للأنبياء فلا وأما أن يكون محفوظاً حتى لا يصر على الذنوب وإن
حصلت منهيات أو زلات في أوقات فلا يمنع في وصفهم قال ولقد قيل للجنيد رحمه الله
((العارف يزني)) فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال ((وكان أمر الله قدراً مقدوراً ))
وقال فهذا كلام منصف فكما يجوز على غيرهم المعاصي بالابتداع وغير ذلك يجوز عليهم
البدع فالواجب علينا أن نعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنة فما قبلاه قبلناه
وما لم يقبلاه تركناه .
الأمر الثالث
: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( اتِّبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتُم ))
رواه الدارمي
وحدَّ الشاطبي للبدعة
الشرعية حداً ضبطها به ، فقال " هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد
بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " . [4]
ثم شرح الحدّ ، وذكر في
شرحه أن قوله " في الدين " أخرج المبتدعات الدنيوية ، وقوله "
تضاهي الشرعية " أي تشابه الطريقة المشروعة من حيث إن المبتدع جعل لبدعته
رسوماً وهيئة واجتماعاً وخصها بخصائص كما للسنن الشرعية ، فمن أمثلة البدع التي
التزم أصحابها هيئة وكيفية معينة لم يرد بها الشرع : الذكر الجماعي بصوت واحد ،
واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً .
وعن محمد بن عجلان عن عبيدالله بن عمر أن عمر بن
الخطاب قال اتقوا الرأي في دينكم قال سحنون يعني البدع .
وعن ابن عجلان عن صدقة
بن أبي عبدالله أن عمر بن الخطاب كان يقول إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم أن
يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين يسألوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا
السنن برأيهم فإياكم وإياهم .
عن عمرو بن حريث قال قال
عمر رضي الله عنه إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن
يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا .
قال أبو بكر بن أبي داود
في قصيدته في السنة
ودع عنك آراء الرجال
وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأشرح
وعن مسروق عن ابن مسعود
قال ليس عام إلا والذي بعده شر منه ولا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام
ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم
فيهدم الإسلام ويثلم
وقال مالك بن أنس : قبض
رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تم هذا الأمر واستكمل فإنما ينبغي أن نتبع آثار
رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نتبع الرأي فإنه متى أتبع الرأي جاء رجل آخر
أقوى في الرأي منك فأتبعته فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته أرى هذا لا يتم
وعن الأوزاعي قال عليك
بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول .
ومن أكبر مصائب هذا
الزمان هو تقديس الرجال ويكاد الكثيرين يعتقدون بعصمة عالم معين ، وهذا مما لا شك
فيه خطر كبير ،فأخذوا يتحاججون بقول فلان وفلان ولا يحاججونك بقال الله قال رسوله
والله المستعان فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها ، لذلك كله، وتسهيلاً لطالب
الحق، ولطالب العلم، وتبياناً للحق، وتنويراً لهؤلاء أعددنا هذه الرسالة المختصرة
حول خطورة التقليد .
فقد أمرنا الله تعالى
باتباع كتابه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن ، فقال
تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، وقال
تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، وقال تعالى : {
فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ
تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ
يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ
الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } الآية .
وقد قال الله تعالى
حاكياً عن بعض المقلدين على الضلال :- { يوم تقلب وجوهم في النار يقولون يا ليتنا
أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا
السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً } ( ) .
فسوء عاقبة التقليد
الأعمى خطيرة للغاية
قال الله تعالى : { أم
آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا
على آثارهم مهتدون *
وكذلك ما أرسلنا من قبلك
في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم
مقتدون } ( ) .
وكما قيل في الاثر :-
ما الفرق بين
مقلدٍ في دينه وبهيمة عمياء قاد زمامها
راضٍ بقائده
الجهول الحائر أعمى على عوج الطريق
الجائر
ويرحم الله الإمام
الشوكاني إذ يقول بعد تفسير الآيات المتقدمة : " وهذا من أعظم الأدلة الدالة
على بطلان التقليد وقبحه ، فإن هؤلاء المقلده في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم
بغير دليل نير ولا حجة واضحة بل مجرد قال وقيل ... الخ كلامه " .
وأوصى الأئمة رحمهم الله
أصحابهم بعدم التقليد وأوجبوا عليهم الأخذ بالدليل لأنه الفرض واللازم على جميع
المسلمين ، فمن ظهر له الدليل وجب عليه اتباعه وترك ما عداه ، قال تعالى : {
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } .
وقد شهد الله تعالى
بالهداية لمن أطاع رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في سورة النور : { وَإِنْ
تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } .
ومن ترك الدليل لقول أبي
حنيفة أو مالك والشافعي أو أحمد فقد خالف الأصل الذي أجمع عليه المسلمون .
أما يفعله بعض الناس من
التعصب لإمام مذهب من ينتسبون إليه فهذا مخالف لهدي السلف ومخالف لما عليه أئمة
المذاهب ، فإنهم متفقون على ذم التقليد وذم التعصب ، فالواجب على المسلم أن ينصر
الدليل وأن يأخذ به ، سواء كان مع المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي
أوالظاهري أو مع غيرهم ، فلم يحصر الله تعالى الحق في هذه المذاهب ، فاصحابها بشر
يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين من الزلل والخطأ .
وقد قال
الله عز وجل { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }
. وقال سفيان : الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم .
وأمر
الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان : أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة والصيام والحج
والجهاد ونحو ذلك .
وأمر باطن
تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا
بقضائه والصبر على بلائه .
ولقد حرص الصحابة
والسلف من بعدهم على امتثال أمره صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته لمعرفتهم بما
يترتب على ذلك . ** فقد أفتى عمر السائل الثقفي في المرأة التي حاضت بعد أن زارت
البيت يوم النحر ألا تنفر، فقال له الثقفي : إن رسول الله أفتاني في مثل هذه
المرأة بغير ما أفتيت به ، فقام عمر إليه يضربه بالدرة ويقول له :لم تستفتيني في
شيء قد أفتى فيه رسول الله ؟
** وكان ابن مسعود
أفتى بأشياء فأخبره بعض الصحابة عن النبي ( بخلافه ، فانطلق عبد الله إلى الذين
أفتاهم فأخبرهم أنه ليس كذلك .
** وقال عمر بن عبد
العزيز : لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله .
وقد قال العلامة
الألبانى فى كتابه (الحديث حجة بنفسه - (1 / 73) )
** والخلاصة أنه يجب
على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم
به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواترا أم آحادا وسواء أكان الآحاد
عنده يفيد القطع واليقين أو الظن الغالب على ما سبق بيانه فالواجب في كل ذلك
الإيمان به والتسليم له وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول
الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون }
التقليد
واتخاذه مذهبا ودينا
حقيقة التقليد والتحذير منه : إن التقليد في
اللغة مأخوذ من القلادة التي يقلد الإنسان غيره بها ومنه تقليد الهدي فكأن المقلد
جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده .
واصطلاحا هو العمل
بقول الغير من غير حجة فيخرج العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل
بالإجماع ورجوع العامي إلى المفتي ورجوع القاضي إلى شهادة العدول فإنها قد قامت
الحجة في ذلك . وقد أفادنا هذا النص الأصولي أمرين هامين :
الأول : أن التقليد
ليس بعلم نافع
والآخر : أنه وظيفة
العامي الجاهل
ولا بد لبيان حقيقة هذين الأمرين من الوقوف
عندهما قليلا والنظر إلى كل منهما على ضوء الكتاب والسنة مستشهدين على ذلك بأقوال
الأئمة ثم نتبع ذلك بالنظر في أحوال المتبعين لهم بزعمهم ومدى صحة اتباعهم
لأقوالهم .
أما أن التقليد ليس
بعلم فلأن الله تعالى قد ذمه في غير ما آية في القرآن الكريم ولذلك تتابعت كلمات
الأئمة المتقدمين على النهي عنه وقد عقد إمام الأندلس ابن عبد البر رحمه الله
تعالى في كتابه الجليل ( جامع بيان العلم وفضله ) بابا خاصا في تحقيق ذلك فقال ما
ملخصه ( 2 / 109 - 114 ) : باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع :
قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال : [ اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله ] وروي عن حذيفة وغيره قالوا : " لم يعبدوهم من
دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم " وقال عدي بن حاتم :
" أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب فقال لي : " يا
عدي ألق هذا الوثن من عنقك وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة ( براءة ) حتى أتى على هذه
الآية : [ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ] قال : قلت : يا رسول الله
إنا لم نتخذهم أربابا قال بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون ما أحل
الله لكم فتحرمونه ؟ فقلت : بلى فقال : تلك عبادتهم . وقال عز وجل : [ وكذلك ما أرسلنا
من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على
آثارهم مقتدون . قال : أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ؟ ] فمنعهم
الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا : [ إنا بما أرسلتم به كافرون ] وقال جل
وعز عائبا لأهل الكفر وذاما لهم : [ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ قالوا
: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ] . ومثل هذا في القرآن كثير من ذمه تقليد الآباء
والرؤساء . وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك
من الاحتجاج بها لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع
التشبيه بين التقليدين ( في كونهما اتباعا ) بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجلا فكفر
وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها كان كل واحد ملوما على التقليد بغير
حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه "
ثم روي عن ابن مسعود أنه كان يقول : " اغد
عالما أو متعلما ولا تغد إمعة فيما بين ذلك "
ومن طريق أخرى عنه قال
: " كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره وهو
فيكم اليوم المحقب دينه الرجال " يعني المقلد .
وعن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: "ويل للأتباع من عثرات العالم". قيل: وكيف ذاك يا
أبا العباس؟، قال : "يقول العالم من قبل رأيه، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه" وفي لفظ: "فيلقى من هو أعلم برسول
الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم".
ثم قال ابن عبد البر : " وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " تذهب العلماء ثم
تتخذ الناس رؤوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون " وهذا كله نفي
للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده . . . . . ولا خلاف بين أئمة الأمصار في
فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار ونقله ابن القيم في " الإعلام " ( 2
/ 294 - 298 )
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " لا
يجوز الفتوى بالتقليد لأنه ليس بعلم والفتوى بغير علم حرام ولا خلاف بين الناس أن
التقليد ليس بعلم وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم " ( الإعلام 1 / 51 ) .
وكذلك قال السيوطي :
إن المقلد لا يسمى عالما كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن
ماجه وجزم به الشوكاني في " إرشاد الفحول " ( ص 236 ) فقال : " إن التقليد جهل وليس
بعلم " وهذا يتفق مع ما جاء في كتب الحنفية
أنه لا يجوز تولية
الجاهل على القضاء . ففسر العلامة ابن الهمام ( الجاهل ) بالمقلد .
نهي الأئمة
عن التقليد :
جاء فى كتاب صفة
الصلاة - (1 / 45) للعلامة الألبانى
أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم
المخالفة لها
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو
بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات تقليدا أعمى -
ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول : اتبعوا
ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون .
أ - أبو
حنيفة رحمه الله
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه
الله وقد روي عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو
وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
1 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( ابن عابدين
في " الحاشية " 1 / 63 )
2 - ( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من
أين أخذناه ) . ( ابن عابدين في " حاشيته على البحر الرائق " 6 / 293 )
وفي رواية : ( حرام
على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )
زاد في رواية : ( فإننا بشر نقول القول اليوم
ونرجع عنه غدا )
وفي أخرى : ( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا
تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه
بعد غد )
3 - ( إذا قلت قولا
يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ) ( الفلاني
في الإيقاظ ص 50 )
4- وقال أبو حنيفة: ( لا
يحلُّ لمن يُفتي من كُتُبي أن يُفتي حتى يعلم من أين قلتُ ).
ب - مالك بن
أنس رحمه الله وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
1 - ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي
فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) . ( ابن
عبد البر في الجامع 2 / 32 )
2 - ( ليس أحد بعد
النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم )
. ( ابن عبد البر في الجامع 2 / 91 ) وقال
أيضا : كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
3 - قال ابن وهب :
سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال : ليس ذلك على الناس . قال
: فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة فقال : وما هي قلت : حدثنا
الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد
الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط
إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل
لابن أبي حاتم ص 31 - 32 )
ج - الشافعي رحمه الله
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في
ذلك أكثر وأطيب
وأتباعه أكثر عملا بها
وأسعد فمنها :
1 - ( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
قولي ) . ( تاريخ دمشق لابن عساكر 15 / 1 / 3 )
2 - ( أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد ) . ( الفلاني ص 68
)
3 - ( إذا وجدتم في
كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودعوا ما قلت ) . ( وفي رواية ( فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ) . (
النووي في المجموع 1 / 63 )
4 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( النووي 1 /
63 )
5 - ( أنتم أعلم
بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيا أو
بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا ) . ( الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8
/ 1 )
6 - ( كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ) .
( أبو نعيم في الحلية 9 / 107 )
7 - ( إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15 /
10 / 1 )
8 - ( كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه
وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني ) . ( ابن عساكر بسند صحيح
15 / 9 / 2 )
9 - ( كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو
قولي وإن لم تسمعوه مني ) . ( ابن أبي حاتم 93 - 94 )
د - أحمد بن حنبل رحمه الله
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة
وتمسكا بها حتى ( كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ) ولذلك قال :
1 - ( لا تقلدني ولا
تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا ) . ( ابن القيم
في إعلام الموقعين 2 / 302 )
وفي رواية : ( لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير )
وقال مرة : ( الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير ) . ( أبو داود
في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277 )
2 - ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة
كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2 /
149 )
3 - ( من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو على شفا هلكة ) . ( ابن الجوزي في المناقب ( ص 182 )
4- وقال أيضا: ( عجبت
لأناس يعرفون الحديث وأسناده ويأخذون برأي سفيان) ويقصد برأي سفيان الثوري الذي هو
خير علماء السلف وليس أي عالم فما بالك في فلان وعلان في عصرنا !!
5- وقال الإمام أحمد: (
من قِلة علم الرجل أن يقلِّد دينه علوم الرجال ).
تلك هي أقوال الأئمة
رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من
الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في
السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل
هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك
السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة
والله تعالى يقول : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .
وقال تعالى : فليحذر
الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي
عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى
أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل
مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في
نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول
وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن
كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه
قلت : كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما
مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة بل إن الشافعي رحمه الله أمر
أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها ولذلك لما
جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة
الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله : ( إن نسبة هذه المسائل
إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها
إليهم فيكذبوا عليهم )
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة
ولذلك كله كان أتباع
الأئمة ثلة من الأولين . وقليل من الآخرين لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها بل قد
تركوا كثيرا منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين : محمد بن الحسن
وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة ( في نحو ثلث المذهب ) وكتب
الفروع كفيلة ببيان ذلك ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي
وغيره ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه
في هذا البحث من الإيجاز فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص
158 ) : ( قال محمد : أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما
في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ
2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام
محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف ( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا
لأنه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به " ولذلك ( كان يرفع
يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم
فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه
كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم
وصدق أحمد المعلم حينما
قال
الله أكْبَرَ فِي
الدِّفَاعِ سَأَبْتَدِي ... وَهُوَ المُعِينُ عَلَى نَجَاحِ المَقْصَدِ
وَهُوَ الذِي نَصَرَ
النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... وَسَيَنْصُرُ المُتَّبِعِينَ لأَحْمَدَ
وَبِهِ أَصُولُ عَلَى
جَمِيعِ خُصُومِنَا ... وَأَعُدُّهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يَعْتَدِي
سَأَسُلُّ سَهْمًا فِي
كِنَانِةِ وَحْيِهِ ... وَبِهِ أَشُدُّ عَلَى كَتائبِ حُسَّدِي
وَبِهِ سَأَجْدَعُ
أَنْفَ كُلِّ مُكَابِرٍ ... وَبِهِ سَأَرْصُدُ لِلْكَفُورِ المُلْحِدِ
وَسَأَسْتَجِيرُ بِذِي
الجَلالِ وَذِي العُلا ... فَلَنْ أُضَامَ إِذَا اسْتَجَرْتُ بِسَيِّدِي
وَسَأَسْتمِدُّ العَوْنَ
مِنْهُ عَلَى الذِي ... لَمَزَ الأَحِبَّةَ بِالكَلامِ المُفْسِدِ
حَتَّى أُشّتِّتَ
شَمْلَهُمْ بِأَدِلَّةٍ ... مِثْلَ الصَّوَاعِقِ فِي السَّحِابِ الأَسْوَدِ
وَبِنُورِ وَحْي الله
أَكْشِفُ جَهْلَهُمْ ... حَتَّى يُبَيِّنَ عَلَى رُؤُوسِ المَشْهَدِ
لا تَلْمِزُونَا يَا
خَفَافِيشَ الدُّجَا ... بِتَطَرُّفٍ وَتَسَرُّعٍ وَتَشَدُّدِ
لا تَقْذِفُونَا
بِالشُّذُوذِ فَإِنَّنَا ... سِرْنَا عَلَى نَهْجِِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
وَلِكُلِّ قَوْل
نَسْتَدِلُّ بِآيَةٍ ... أَوْ بِالحَدِيثِ المُسْتَقِيمِ المُسْنَدِ
وَالنَّسْخَ نَعْرِفُ
وَالعُمُومَ وَأَنَّنَا ... مُتَفَطِّنُونَ لِمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِ
وَنُصُوصُ وَحْي اللهِ
نُتْقِنُ فَهْمَهَا ... لا تَحْسِبُونَ الفَهْمَ كَالرأْي الرَّدِي
وَإِذَا تَعَارَضَتِ
النُّصُوصُ فَإِنَّنَا ... بِأُصُولِ سَادَتِنَا الأئمةِ نَهْتَدِي
وَنُحَارِبُ
التَّقْلِيدَ طُولَ زَمَانِنَا ... مَعُ حُبِّنَا لِلْعَالِمِ المُتَجَرَّدِ
وَكَذَا الأَئِمَّةُ
حُبُّهُم مُتَمَكَّنٌ ... مِنْ كُلِّ نَفْسٍ يَا بَرِيَّةُ فَاشْهَدِي
وَتَرِقُّ أَنْفُسُنَا
لِرُؤْيَةِ مَنْ غَدَا ... فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ شِبْهَ مُقَيَّدِ
إِنَّا نَرِى
التَّقْلِيدَ دَاءً قَاتِلاً ... حَجَبَ العُقُولَ عَنِ الطَّرِيقِ الأَرْشَدِ
جَعَلَ الطَّرِيقَ عَلَى
المُقَلِّدَ حَالِكًا ... فَتَرَى المُقَلَّدَ تِائِهًا لا يَهْتَدِي
فَلِذَا بَدَأْنَا فِي
اجْتِثَاثِ جُذُورِهِ ... مِنْ كُلِّ قَلْبٍ خَائِفٍ مُتَرَدِّدِ
وَلَسَوْفَ نَدْمُلُ
دَاءَهُ وَجِرَاحَهُ ... بِمَرِاهِمِ الوَحْيِ الشَّرِيفِ المُرْشِدِ
نَدْعُو إِلَى
التَّوْحِيدِ طُولَ حَيَاتِنَا ... فِي كُلِّ حِينٍ فِي الخَفَا وَالمَشْهَدِ
وَنُحَارِبُ الشِّرْكِ
الخَبِيثَ وَأَهْلَهُ ... حَرْبًا ضَرُوسًا بِاللَّسِانِ وَبِاليدِ
وَكَذَلِكَ البِدَعُ
الخَبِيثَةُ كُلَّهَا ... نَقْضِي عَلَيْهَا دونَ بَابِ المَسْجِدِ
هَذِي طَرِيقَتُنَا
وَهَذَا نَهْجُنَا ... فَعَلامَ أَنْتُمْ دُونَنَا بِالمَرْصَدِ
لِمَا تَطْعَنُونَا
وَتَلْمِزُونَا كَأَنَّنَا ... جِئْنَا بِرَأْيٍ لِلْعَقِيدَةِ مُفْسِدِ
أَلِمَذْهَبٍ
وَلِعَادَةٍ وَحُكُومَةٍ ... تَتَهَرَّبُونُ مِنَ الحَدِيثِ المُسْنَدِ
هَذَا الحَدِيثُ
تَلألأتْ أَنْوَارُهُ ... رَغْمَ الجَهُولِ وَرَغْمَ كُلِّ مُقَلِّدِ
إِنْ كُنْتُمْ
تَتَضَرَّرُونَ بِنُورِهِ ... فَالشَّمْسُ تَطْلَعُ رَغْمَ أَنْفِ الأَرْمَدِ
بِاللهِ قُولُوا مَا
الذِي أَنْكَرْتُمُوا ... عَلَى البَرِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ تَهْتَدِي
هَدَّدْتُمونَا
بِالمَذَاهِبِ بِعْدَ مَا ... وَضَحَ الدَّلِيلُ فَبِئْسَ مِِنْ مُتَهَدِّدِ
وَبهتُمُونَا
بِالقَبَائِحِ كُلِّهَا ... وَعَرَضْتُمُونَا بِالقَنَاعِ الأَسْوَدِ
وَرَفَعْتَمُونَا
لِلْوُلاةِ تَشَفِّيًا ... وَفَرَحْتُمُوا بِتَهَدُّدٍ وَتَوَعُّدِ
لاكِنَّنَا لُذْنَا
بِبَابِ إِلَهِنَا ... فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ خِصْمٍ مُعَْتَدِ
وَجَلا الحقيقةَ
لِلْمَلأ فَخَسَأْتُمُوا ... وَالسُّوءُ يَظْهَرُ مِنْ خَبِيثِ المَقْصَدِ
يَا مَعْشَرِ
الإِخْوَانِ سِيرُوا ... وَأَبْشِرُوا وَثِقُوا بِنَصْرِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ
وَلِتُعْلِنُوهَا
لِلْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... إِنَّا بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ لا نَقْتَدِي
لا نَطْلُبُ الدُّنْيَا
وَلا نَسْعَى لَهَا ... اللهُ مَقْصَدُنَا وَنِعمَ المَقْصَدِ
لَيْسَ المَنَاصِبُ
هَمَّنَا وَمُرَادُنَا ... كَلا وَلا ثَوْبِ الخَدِيعَةِ نَرْتَدِي
إِنَّا لنَسعْى فِي
صَلاحِ نُفُوسِنَا ... بِعلاجِ أَنْفُسِنَا المَرِيضَةِ نَبْتَدِي
وَنُحِبُّ أَنْ نَهْدِي
البَرِيَّةِ كُلِّهَا ... نَدَعُ الْقَرِيب قَبِيلَ نُصْحِ الأَبْعَدِ
وَبِوَاجِبِ المعروفِ
نأْمر قَوْمَنَا ... وَنَقُومُ صَفَّا في الطَّرِيقِ المُفْسِدِ
لَو تُبْصِرُ الإِخْوانَ
في حَلَقَاتِنَا ... مِنْ عَالِمٍ أَوْ طالب مسترشدِ
لَرَأَيْتَ عِلْمًا
وَإِتِّبَاعًا صَادِقًا ... لِلسُّنَّةِ الغَرَّاءِ دُونَ تَرَدُّدِي
أَنْعِمْ بطلاب الحديثِ
وأَهْلِهِ ... وَأجِلُّهُم عن كل قَوْلِ مُفْسِدِ
هُمْ زِينةُ الدُّنْيَا
مَصَابِيحُ الهُدَى ... طُلَعُوا عَلَى الدُّنْيَا طُلُوع الغَرْقَدِ
وَرِثُوا النَّبِيِّ
فَأَحْسَنُوا فِي إِرْثِهِ ... وَحَمَوْهُ مِنْ كَيْدِ الخَبِيثِ المُعْتَدِي
سَعِدُوا بِهَدْي
مُحَمَّدٍ وَكَلامِهِ ... وَسِوَاهُمُ بِكَلامِهِ لَمْ يَسْعُدِ
وَالدِّينُ قَالَ اللهُ
قَالَ رَسُوله ... وَهُمْ لِدِينِ اللهِ أَفْضَلُ مُرْشِدِ
وَالفِقْهُ فَهْمُ
النَّصِ فَهْمًا وَاضِحًا ... مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَتَأْوِيلٍ رَدِيْ
لا تَحْسَبَنَّ الفَقْه
مَتْنًا خَالِيًا ... مِنْ كُلِّ قَولٍ لِلْمُشَرِّعِ مُسْنَدِ
فَعَلَيْكَ
بِالوَحْيَيْنِ لا تَعْدُوهُمَا ... وَاسْلُكْ طَرِيقهُمَا بِفهْمِ جَيِّدِ
فَإِذَا تَعَذَّرَ
فَهْمُ نَصٍّ غَامِضٍ ... فَاسْتَفْتِ أَهْلَ الذِّكْرِ كَالمُسْتَرْشِدِ
بِالبَيَّنَاتِ
وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ ... مِنْ أَمْرِ رَبَّكَ فِي الكِتابِ فَجَوِّدِ
وَاعلم بأنَّ مَن
اقْتَدَى بِمُحَمَّدٍ ... سَيَنَاله كَيْدُ الغُوَاةِ الحُسَّدِ
وَيَذوق أَنْواعَ
العَدَاوةِ وَالأَذَى ... مِنْ جَاهِلٍ وَمُكَابِرٍ وَمُقَلَّدِ
فَاصْبِرْ عَلَيْهِ
وَكُنْ بِرَبَّكَ وَاثِقًا ... هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الهُدَى وَالسُّؤْدَدِ [5]
وصدق شاعر اخر:
العلم قال الله قال
رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف
سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
وقال بعضهم:
كل العلوم سوى القرآن
مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال
حدّثنا وما سوى ذاك فوسواس الشياطين
فالموفق من جعل كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكماً على قول كل أحد ، وإن خالفه من خالفه أو
بدّعه من بدّعه ، فقد جرت عادة المقلدين والمتعصبين في تبديع مخالفيهم وتضليلهم ،
وهذا شأن كل مبطل ومنحرف عن الحق والصراط المستقيم إذا عجز عن إقامة الحجة والدليل
، لجأ إلى مثل هذه الأفاعيل .
قال ابن عباس رضي الله
عنهما: "ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع
وتموت السنن".
وعن جابر بن زيد أن ابن
عمر لقيه في الطواف فقال: "يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا
بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت".
وعن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما أنه قال : "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى
الشيطان هلاكا مني . فقيل: كيف؟ فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب
فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه".
وعنه رضي الله عنه أنه
قال : "عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع".
وعن معاذ بن جبل رضي
الله عنه قال : "أوشك قائل من الناس يقول : قد قرأت القرآن ولا أرى الناس
يتبعوني، ما هم متبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدُع فإن كل ما ابتدُع
ضلالة".
وعنه أنه قال :
"أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع
والتبدع والتنطع وعليكم بأمركم العتيق".
وعن ابن عمر رضي الله
عنهما قال : "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
وعن الحسن البصري قال :
"صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة إلا ازداد من الله بعدا".
وعنه قال: "لا
تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك".
وعن أيوب السختيانى أنه
كان يقول : "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا".
وعن سفيان الثوري قال :
"من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره. وإما أن
يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله في النار . وإما أن يقول والله ما أبالي ما
تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه".
وقال : "البدعة أحب
إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها".
وعن أبي قلابة أنه قال :
"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو
يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون".
وهذا ابن
مسعود ينكر على قوم يذكرون الله ولكن ليس على طريقة وهدى النبى صلى الله عليه وسلم
** عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ
، قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَبْلَ
صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ،
فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ ، فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بَعْدُ ؟ قُلْنَا : لاَ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ،
فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا
أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ أَرَ ، وَالْحَمْدُ ِللهِ ، إِلاَّ خَيْرًا ، قَالَ : فَمَا
هُوَ ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ , قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ
قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا ، يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ
، وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى , فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِئَةً ، فَيُكَبِّرُونَ
مِئَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِئَةً , فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً ، وَيَقُولُ :
سَبِّحُوا مِئَةً , فَيُسَبِّحُونَ مِئَةً ، قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟
قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا ، انْتِظَارَ رَأْيِكَ ، أَوِ انْتِظَارَ
أَمْرِكَ ، قَالَ : أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ،
وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا
مَعَهُ ، حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ،
فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَانِ ، حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ ، وَالتَّهْلِيلَ ،
وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ
يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا
أَسْرَعَ هَلَكَتِكُمْ ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم
مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ،
وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ
مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ؟! أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابَ ضَلاَلَةٍ ؟ قَالُوا : وَاللهِ ،
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ ، قَالَ : وَكَمْ
مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم
حدَّثنا ؛ أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ.
وَايْمُ اللهِ ، مَا
أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ.
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
سَلِمَةَ : رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ ، يُطَاعِنُونَا يَوْمَ
النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ. [6]
فهؤلاء ذكروا
الله ولكن على غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم فقاتلوا المسلمين مع الخوارج .
فكيف بمن أشركوا بالله ترى مع أى فريق يكونون مع المسلمون أم مع الكافرون ؟
وعنه أنه قال :
"الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة".
وَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ : " أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ
دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ
فِي الشَّرِّ "
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُعْتَزِّ : " لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تُقَادُ وَإِنْسَانٍ
يُقَلِّدُ "
وقال حذيفة:
"اتبعوا سبيلنا، فلئن اتبعتمونا لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن خالفتمونا لقد
ضللتم ضلالاً بعيداً".
* وأنكر علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم على رجل رآه يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي
صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو .
* وسأل رجل الإمام
مالكاً عن الإحرام بالعمرة من المسجد بدلاً عن الميقات فقال : لا تفعل فإني أخاف
عليك الفتنة .
فقال الرجل " ومافي
هذا من الفتنة ؟ إنما هي أميال أزيدها " !
فقال الإمام مالك "
وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله واختيار رسوله صلى
الله عليه وسلم "
ولقد حارب السلف هذا
النوع من التقليد وذموه واعتبروه مزلقا خطيرا يحرف المسلم وينحيه عن المنبع الذي
يستمد منه دينه، ويجعله عرضة لكل بدعة، ومنقادا لكل شبهة، وتبعا لكل ناعق وإضافة
إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة فالبدعة تؤخذ في غالب الأمر تقليدا لشيخ
يعظم أو والد يحترم أو مجتمع تقدس فيه عاداته، ولذلك كان التقليد والابتداع سببين
رئيسيين في ضلال الأمم وانحرافها عن منهج أنبيائهم.
وقد حكى الله في كتابه
العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها من الأصنام
مقلدين في ذلك من مرّوا عليهم من عباد الأصنام قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ
قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ
قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ}، كما ذكر سبحانه أن ما وقع فيه اليهود والنصارى من الكفر
بقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله إنما هو نتيجة التقليد
لمن قبلهم من الوثنيين قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ
وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
كما ذم سبحانه صنيع
اليهود والنصارى مع علمائهم حيث قلدوهم في جميع ما يقولون، فأحلوا لهم ما حرم
الله، وحرموا عليهم ما أحل الله قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
كما ذم سبحانه وتعالى من
امتنع عن قبول الحق تقليدا للآباء فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا
أُرْسِلْتُم بِهِ
كَافِرُونَ }.
قال ابن
القيم: "والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وبيان زلة العالم ليبينوا
بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولابد إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما
يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض،
وحرموه، وذموا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل
فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولابد فيحلون
ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولابد لهم من ذلك إذ كانت
العصمة منتفية عمن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولابد" .
قال ابن القيم:
"والفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم وإهدار أقوال العلماء
وإلغائها : أن تجريد المتابعة أن لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا من
كان . بل تنظر في صحة الحديث أولا. فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا، فإذا تبين لك
لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب، ومعاذ الله أن تتفق الأمة على
مخالفة ما جاء به نبيها بل لابد أن يكون في الأمة من قال به ولو لم تعلمه فلا تجعل
جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله بل اذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال
به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك. هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد
حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه فهم دائرون بين الأجر والأجرين
والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنه
أعلم بها منك، فإن كان كذلك فمن ذه
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا
هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[ آل عمران
: 102] . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ
وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [
النساء : 1] . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً } [ الأحزاب : 70-71 ]
.أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام
أولا لابد من معرفة
بعض الأمور
الأمر الأول :
العبادة
ماهى العبادة
؟
العبادة في اللغة : الذل
والخضوع ، يقال : بعير معبد ، أي : مذلل ، وطريق معبد : إذا كان مذللا قد وطئته
الأقدام .
وشرعا : هي اسم جامع لكل
ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
وهي تبنى على
ثلاثة أركان :
الأول : كمال الحب
للمعبود سبحانه ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }
(البقرة : 165) .
الثاني : كمال الرجاء ،
كما قال تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } (الإسراء : 57) .
الثالث : كمال الخوف من
الله سبحانه ، كما قال تعالى : { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } (الإسراء : 57) .
وقد جمع الله سبحانه بين
هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه : { الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ } ، فالآية الأولى فيها المحبة ؛ فإن الله منعم ، والمنعم يُحبُّ على قدر
إنعامه ، والآية الثانية فيها الرجاء ، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته ، والآية
الثالثة فيها الخوف ، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه .
ولهذا قال تعالى عقب ذلك
: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، أي : أعبدك يا رب هذه الثلاث : بمحبتك التي دل عليها :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، ورجائك الذي دل عليه : { الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ } ، وخوفك الذي دل عليه : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
والعبادة لا
تقبل إلا بشرطين :
1 - الإخلاص فيها
للمعبود ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه سبحانه ، قال تعالى : {
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (البينة
: 5) ، وقَال تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } (الزمر : 3) ، وقال
تعالى : { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي } (الزمر : 14) .
2 - المتابعة للرسول صلى
الله عليه وسلم ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله
عليه وسلم ، قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر : 7) ، وقَال تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء :
65) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ
رَدٌّ (أي مردود عليه) . [1]
وقوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ .[2]
فلا عبرة بالعمل ما لم
يكن خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الفضيل بن عياض
رحمه الله في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } (هود :
7 ، الملك : 2) : " أخلصه وأصوبه " ، قيل : يا أبا علي ، وما أخلصه
وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان
صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله ، والصواب
ما كان على السنة " [3]
ومن الآيات الجامعة
لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف : 110) .
الأمر الثانى :
أنه لا يجوز العدول عن سنة النبى صلى الله عليه وسلم لقول أى أحد كائنا من كان .
قال علي رضي الله عنه :]اعْرِفْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْرِفْ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ
واعرف الحق تعرف أهله ]
وما أحسن قول أرسطو لما
خالف أستاذه أفلاطون (( تخاصم الحق وأفلاطون وكلاهما صديق لي والحق أصدق منه))
وقال الشيخ أحمد زروق في
عمدة المريد الصادق ما نصه ((قال أبو إسحاق الشاطبي كل ما عمل به المتصوفة
المعبرون في هذا الشأن - يعني كالجنيد وأمثاله - لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له
أصل في الشريعة فهم خلفاؤه كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلفاء بذلك وإن لم
يكن له أصل في الشريعة فلا أعمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد
من الأمة حجة على السنة ولأن السنة معصومة عن الخطأ وصاحبها معصوم وسائر الأمة لم
تثبت لهم العصمة إلا مع إجماعهم خاصة وإذا أجمعوا تضمن إجماعهم دليلاً شرعياً
والصوفية والمجتهدون كغيرهم ممن لم يثبت لهم العصمة ويجوز عليهم الخطأ والنسيان
والمعصية كبيرها وصغيرها والبدعة محرمها ومكروهها ولذا قال العلماء كل كلام منه
مأخوذ ومنه متروك إلا ما كان من كلامه عليه الصلاة والسلام قال وقد قرر ذلك
القشيري رحمه الله تعالى أحسن تقرير فقال فإن قيل فهل يكون الولي معصوماً قيل أما
وجوباً كما يكون للأنبياء فلا وأما أن يكون محفوظاً حتى لا يصر على الذنوب وإن
حصلت منهيات أو زلات في أوقات فلا يمنع في وصفهم قال ولقد قيل للجنيد رحمه الله
((العارف يزني)) فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال ((وكان أمر الله قدراً مقدوراً ))
وقال فهذا كلام منصف فكما يجوز على غيرهم المعاصي بالابتداع وغير ذلك يجوز عليهم
البدع فالواجب علينا أن نعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنة فما قبلاه قبلناه
وما لم يقبلاه تركناه .
الأمر الثالث
: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( اتِّبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتُم ))
رواه الدارمي
وحدَّ الشاطبي للبدعة
الشرعية حداً ضبطها به ، فقال " هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد
بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " . [4]
ثم شرح الحدّ ، وذكر في
شرحه أن قوله " في الدين " أخرج المبتدعات الدنيوية ، وقوله "
تضاهي الشرعية " أي تشابه الطريقة المشروعة من حيث إن المبتدع جعل لبدعته
رسوماً وهيئة واجتماعاً وخصها بخصائص كما للسنن الشرعية ، فمن أمثلة البدع التي
التزم أصحابها هيئة وكيفية معينة لم يرد بها الشرع : الذكر الجماعي بصوت واحد ،
واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً .
وعن محمد بن عجلان عن عبيدالله بن عمر أن عمر بن
الخطاب قال اتقوا الرأي في دينكم قال سحنون يعني البدع .
وعن ابن عجلان عن صدقة
بن أبي عبدالله أن عمر بن الخطاب كان يقول إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم أن
يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين يسألوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا
السنن برأيهم فإياكم وإياهم .
عن عمرو بن حريث قال قال
عمر رضي الله عنه إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن
يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا .
قال أبو بكر بن أبي داود
في قصيدته في السنة
ودع عنك آراء الرجال
وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأشرح
وعن مسروق عن ابن مسعود
قال ليس عام إلا والذي بعده شر منه ولا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام
ولا أمير خير من أمير ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم
فيهدم الإسلام ويثلم
وقال مالك بن أنس : قبض
رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تم هذا الأمر واستكمل فإنما ينبغي أن نتبع آثار
رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا نتبع الرأي فإنه متى أتبع الرأي جاء رجل آخر
أقوى في الرأي منك فأتبعته فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته أرى هذا لا يتم
وعن الأوزاعي قال عليك
بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول .
ومن أكبر مصائب هذا
الزمان هو تقديس الرجال ويكاد الكثيرين يعتقدون بعصمة عالم معين ، وهذا مما لا شك
فيه خطر كبير ،فأخذوا يتحاججون بقول فلان وفلان ولا يحاججونك بقال الله قال رسوله
والله المستعان فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها ، لذلك كله، وتسهيلاً لطالب
الحق، ولطالب العلم، وتبياناً للحق، وتنويراً لهؤلاء أعددنا هذه الرسالة المختصرة
حول خطورة التقليد .
فقد أمرنا الله تعالى
باتباع كتابه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن ، فقال
تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، وقال
تعالى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ، وقال تعالى : {
فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ
تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ
يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ
الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } الآية .
وقد قال الله تعالى
حاكياً عن بعض المقلدين على الضلال :- { يوم تقلب وجوهم في النار يقولون يا ليتنا
أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا
السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً } ( ) .
فسوء عاقبة التقليد
الأعمى خطيرة للغاية
قال الله تعالى : { أم
آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا
على آثارهم مهتدون *
وكذلك ما أرسلنا من قبلك
في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم
مقتدون } ( ) .
وكما قيل في الاثر :-
ما الفرق بين
مقلدٍ في دينه وبهيمة عمياء قاد زمامها
راضٍ بقائده
الجهول الحائر أعمى على عوج الطريق
الجائر
ويرحم الله الإمام
الشوكاني إذ يقول بعد تفسير الآيات المتقدمة : " وهذا من أعظم الأدلة الدالة
على بطلان التقليد وقبحه ، فإن هؤلاء المقلده في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم
بغير دليل نير ولا حجة واضحة بل مجرد قال وقيل ... الخ كلامه " .
وأوصى الأئمة رحمهم الله
أصحابهم بعدم التقليد وأوجبوا عليهم الأخذ بالدليل لأنه الفرض واللازم على جميع
المسلمين ، فمن ظهر له الدليل وجب عليه اتباعه وترك ما عداه ، قال تعالى : {
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } .
وقد شهد الله تعالى
بالهداية لمن أطاع رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في سورة النور : { وَإِنْ
تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } .
ومن ترك الدليل لقول أبي
حنيفة أو مالك والشافعي أو أحمد فقد خالف الأصل الذي أجمع عليه المسلمون .
أما يفعله بعض الناس من
التعصب لإمام مذهب من ينتسبون إليه فهذا مخالف لهدي السلف ومخالف لما عليه أئمة
المذاهب ، فإنهم متفقون على ذم التقليد وذم التعصب ، فالواجب على المسلم أن ينصر
الدليل وأن يأخذ به ، سواء كان مع المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي
أوالظاهري أو مع غيرهم ، فلم يحصر الله تعالى الحق في هذه المذاهب ، فاصحابها بشر
يخطئون ويصيبون وليسوا بمعصومين من الزلل والخطأ .
وقد قال
الله عز وجل { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }
. وقال سفيان : الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم .
وأمر
الرسول صلى الله عليه وسلم نوعان : أمر ظاهر بعمل الجوارح ، كالصلاة والصيام والحج
والجهاد ونحو ذلك .
وأمر باطن
تقوم به القلوب ، كالإيمان بالله ومعرفته ومحبته وخشيته وإجلاله وتعظيمه والرضا
بقضائه والصبر على بلائه .
ولقد حرص الصحابة
والسلف من بعدهم على امتثال أمره صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته لمعرفتهم بما
يترتب على ذلك . ** فقد أفتى عمر السائل الثقفي في المرأة التي حاضت بعد أن زارت
البيت يوم النحر ألا تنفر، فقال له الثقفي : إن رسول الله أفتاني في مثل هذه
المرأة بغير ما أفتيت به ، فقام عمر إليه يضربه بالدرة ويقول له :لم تستفتيني في
شيء قد أفتى فيه رسول الله ؟
** وكان ابن مسعود
أفتى بأشياء فأخبره بعض الصحابة عن النبي ( بخلافه ، فانطلق عبد الله إلى الذين
أفتاهم فأخبرهم أنه ليس كذلك .
** وقال عمر بن عبد
العزيز : لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله .
وقد قال العلامة
الألبانى فى كتابه (الحديث حجة بنفسه - (1 / 73) )
** والخلاصة أنه يجب
على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم
به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواترا أم آحادا وسواء أكان الآحاد
عنده يفيد القطع واليقين أو الظن الغالب على ما سبق بيانه فالواجب في كل ذلك
الإيمان به والتسليم له وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول
الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون }
التقليد
واتخاذه مذهبا ودينا
حقيقة التقليد والتحذير منه : إن التقليد في
اللغة مأخوذ من القلادة التي يقلد الإنسان غيره بها ومنه تقليد الهدي فكأن المقلد
جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده .
واصطلاحا هو العمل
بقول الغير من غير حجة فيخرج العمل بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعمل
بالإجماع ورجوع العامي إلى المفتي ورجوع القاضي إلى شهادة العدول فإنها قد قامت
الحجة في ذلك . وقد أفادنا هذا النص الأصولي أمرين هامين :
الأول : أن التقليد
ليس بعلم نافع
والآخر : أنه وظيفة
العامي الجاهل
ولا بد لبيان حقيقة هذين الأمرين من الوقوف
عندهما قليلا والنظر إلى كل منهما على ضوء الكتاب والسنة مستشهدين على ذلك بأقوال
الأئمة ثم نتبع ذلك بالنظر في أحوال المتبعين لهم بزعمهم ومدى صحة اتباعهم
لأقوالهم .
أما أن التقليد ليس
بعلم فلأن الله تعالى قد ذمه في غير ما آية في القرآن الكريم ولذلك تتابعت كلمات
الأئمة المتقدمين على النهي عنه وقد عقد إمام الأندلس ابن عبد البر رحمه الله
تعالى في كتابه الجليل ( جامع بيان العلم وفضله ) بابا خاصا في تحقيق ذلك فقال ما
ملخصه ( 2 / 109 - 114 ) : باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع :
قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال : [ اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله ] وروي عن حذيفة وغيره قالوا : " لم يعبدوهم من
دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم " وقال عدي بن حاتم :
" أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقي صليب فقال لي : " يا
عدي ألق هذا الوثن من عنقك وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة ( براءة ) حتى أتى على هذه
الآية : [ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ] قال : قلت : يا رسول الله
إنا لم نتخذهم أربابا قال بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون ما أحل
الله لكم فتحرمونه ؟ فقلت : بلى فقال : تلك عبادتهم . وقال عز وجل : [ وكذلك ما أرسلنا
من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على
آثارهم مقتدون . قال : أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ؟ ] فمنعهم
الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا : [ إنا بما أرسلتم به كافرون ] وقال جل
وعز عائبا لأهل الكفر وذاما لهم : [ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ قالوا
: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ] . ومثل هذا في القرآن كثير من ذمه تقليد الآباء
والرؤساء . وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك
من الاحتجاج بها لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع
التشبيه بين التقليدين ( في كونهما اتباعا ) بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجلا فكفر
وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها كان كل واحد ملوما على التقليد بغير
حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه "
ثم روي عن ابن مسعود أنه كان يقول : " اغد
عالما أو متعلما ولا تغد إمعة فيما بين ذلك "
ومن طريق أخرى عنه قال
: " كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره وهو
فيكم اليوم المحقب دينه الرجال " يعني المقلد .
وعن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: "ويل للأتباع من عثرات العالم". قيل: وكيف ذاك يا
أبا العباس؟، قال : "يقول العالم من قبل رأيه، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه" وفي لفظ: "فيلقى من هو أعلم برسول
الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم".
ثم قال ابن عبد البر : " وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " تذهب العلماء ثم
تتخذ الناس رؤوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون " وهذا كله نفي
للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده . . . . . ولا خلاف بين أئمة الأمصار في
فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار ونقله ابن القيم في " الإعلام " ( 2
/ 294 - 298 )
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " لا
يجوز الفتوى بالتقليد لأنه ليس بعلم والفتوى بغير علم حرام ولا خلاف بين الناس أن
التقليد ليس بعلم وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم " ( الإعلام 1 / 51 ) .
وكذلك قال السيوطي :
إن المقلد لا يسمى عالما كما نقله أبو الحسن السندي الحنفي في أول حاشيته على ابن
ماجه وجزم به الشوكاني في " إرشاد الفحول " ( ص 236 ) فقال : " إن التقليد جهل وليس
بعلم " وهذا يتفق مع ما جاء في كتب الحنفية
أنه لا يجوز تولية
الجاهل على القضاء . ففسر العلامة ابن الهمام ( الجاهل ) بالمقلد .
نهي الأئمة
عن التقليد :
جاء فى كتاب صفة
الصلاة - (1 / 45) للعلامة الألبانى
أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم
المخالفة لها
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو
بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات تقليدا أعمى -
ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول : اتبعوا
ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون .
أ - أبو
حنيفة رحمه الله
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه
الله وقد روي عنه أصحابه أقوالا شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو
وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها :
1 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( ابن عابدين
في " الحاشية " 1 / 63 )
2 - ( لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من
أين أخذناه ) . ( ابن عابدين في " حاشيته على البحر الرائق " 6 / 293 )
وفي رواية : ( حرام
على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي )
زاد في رواية : ( فإننا بشر نقول القول اليوم
ونرجع عنه غدا )
وفي أخرى : ( ويحك يا يعقوب ( هو أبو يوسف ) لا
تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه
بعد غد )
3 - ( إذا قلت قولا
يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ) ( الفلاني
في الإيقاظ ص 50 )
4- وقال أبو حنيفة: ( لا
يحلُّ لمن يُفتي من كُتُبي أن يُفتي حتى يعلم من أين قلتُ ).
ب - مالك بن
أنس رحمه الله وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال :
1 - ( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي
فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ) . ( ابن
عبد البر في الجامع 2 / 32 )
2 - ( ليس أحد بعد
النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم )
. ( ابن عبد البر في الجامع 2 / 91 ) وقال
أيضا : كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
3 - قال ابن وهب :
سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال : ليس ذلك على الناس . قال
: فتركته حتى خف الناس فقلت له : عندنا في ذلك سنة فقال : وما هي قلت : حدثنا
الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد
الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه . فقال : إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط
إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع . ( مقدمة الجرح والتعديل
لابن أبي حاتم ص 31 - 32 )
ج - الشافعي رحمه الله
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالنقول عنه في
ذلك أكثر وأطيب
وأتباعه أكثر عملا بها
وأسعد فمنها :
1 - ( ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
قولي ) . ( تاريخ دمشق لابن عساكر 15 / 1 / 3 )
2 - ( أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد ) . ( الفلاني ص 68
)
3 - ( إذا وجدتم في
كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودعوا ما قلت ) . ( وفي رواية ( فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد ) . (
النووي في المجموع 1 / 63 )
4 - ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) . ( النووي 1 /
63 )
5 - ( أنتم أعلم
بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون : كوفيا أو
بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا ) . ( الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8
/ 1 )
6 - ( كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي ) .
( أبو نعيم في الحلية 9 / 107 )
7 - ( إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب ) . ( ابن عساكر بسند صحيح 15 /
10 / 1 )
8 - ( كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه
وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني ) . ( ابن عساكر بسند صحيح
15 / 9 / 2 )
9 - ( كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو
قولي وإن لم تسمعوه مني ) . ( ابن أبي حاتم 93 - 94 )
د - أحمد بن حنبل رحمه الله
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة
وتمسكا بها حتى ( كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي ) ولذلك قال :
1 - ( لا تقلدني ولا
تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا ) . ( ابن القيم
في إعلام الموقعين 2 / 302 )
وفي رواية : ( لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير )
وقال مرة : ( الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير ) . ( أبو داود
في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277 )
2 - ( رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة
كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار ) . ( ابن عبد البر في الجامع 2 /
149 )
3 - ( من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو على شفا هلكة ) . ( ابن الجوزي في المناقب ( ص 182 )
4- وقال أيضا: ( عجبت
لأناس يعرفون الحديث وأسناده ويأخذون برأي سفيان) ويقصد برأي سفيان الثوري الذي هو
خير علماء السلف وليس أي عالم فما بالك في فلان وعلان في عصرنا !!
5- وقال الإمام أحمد: (
من قِلة علم الرجل أن يقلِّد دينه علوم الرجال ).
تلك هي أقوال الأئمة
رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من
الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في
السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم بل
هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك
السنة الثابتة لمجرد مخالتفها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة
والله تعالى يقول : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .
وقال تعالى : فليحذر
الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي
عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى
أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل
مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضا له بل هو محبوب عندهم معظم في
نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول
وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن
كان مغفورا له بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه
قلت : كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما
مر وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة بل إن الشافعي رحمه الله أمر
أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها ولذلك لما
جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة
الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله : ( إن نسبة هذه المسائل
إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها
إليهم فيكذبوا عليهم )
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعا للسنة
ولذلك كله كان أتباع
الأئمة ثلة من الأولين . وقليل من الآخرين لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها بل قد
تركوا كثيرا منها لما ظهر لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين : محمد بن الحسن
وأبا يوسف رحمهما الله قد خالفا شيخهما أبا حنيفة ( في نحو ثلث المذهب ) وكتب
الفروع كفيلة ببيان ذلك ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي
وغيره ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام ولخرجنا به عما قصدنا إليه
في هذا البحث من الإيجاز فلنقتصر على مثالين اثنين :
1 - قال الإمام محمد في " موطئه " ( ص
158 ) : ( قال محمد : أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما
في قولنا فإن الإمام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه ) إلخ
2 - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام
محمد ومن الملازمين للإمام أبي يوسف ( كان يفتي بخلاف قول الإمام أبي حنيفة كثيرا
لأنه لم يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به " ولذلك ( كان يرفع
يديه عند الركوع والرفع منه ) كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم
فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الثلاثة قالوا بخلافها وذلك ما يجب أن يكون عليه
كل مسلم بشهادة الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم
وصدق أحمد المعلم حينما
قال
الله أكْبَرَ فِي
الدِّفَاعِ سَأَبْتَدِي ... وَهُوَ المُعِينُ عَلَى نَجَاحِ المَقْصَدِ
وَهُوَ الذِي نَصَرَ
النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... وَسَيَنْصُرُ المُتَّبِعِينَ لأَحْمَدَ
وَبِهِ أَصُولُ عَلَى
جَمِيعِ خُصُومِنَا ... وَأَعُدُّهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يَعْتَدِي
سَأَسُلُّ سَهْمًا فِي
كِنَانِةِ وَحْيِهِ ... وَبِهِ أَشُدُّ عَلَى كَتائبِ حُسَّدِي
وَبِهِ سَأَجْدَعُ
أَنْفَ كُلِّ مُكَابِرٍ ... وَبِهِ سَأَرْصُدُ لِلْكَفُورِ المُلْحِدِ
وَسَأَسْتَجِيرُ بِذِي
الجَلالِ وَذِي العُلا ... فَلَنْ أُضَامَ إِذَا اسْتَجَرْتُ بِسَيِّدِي
وَسَأَسْتمِدُّ العَوْنَ
مِنْهُ عَلَى الذِي ... لَمَزَ الأَحِبَّةَ بِالكَلامِ المُفْسِدِ
حَتَّى أُشّتِّتَ
شَمْلَهُمْ بِأَدِلَّةٍ ... مِثْلَ الصَّوَاعِقِ فِي السَّحِابِ الأَسْوَدِ
وَبِنُورِ وَحْي الله
أَكْشِفُ جَهْلَهُمْ ... حَتَّى يُبَيِّنَ عَلَى رُؤُوسِ المَشْهَدِ
لا تَلْمِزُونَا يَا
خَفَافِيشَ الدُّجَا ... بِتَطَرُّفٍ وَتَسَرُّعٍ وَتَشَدُّدِ
لا تَقْذِفُونَا
بِالشُّذُوذِ فَإِنَّنَا ... سِرْنَا عَلَى نَهْجِِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
وَلِكُلِّ قَوْل
نَسْتَدِلُّ بِآيَةٍ ... أَوْ بِالحَدِيثِ المُسْتَقِيمِ المُسْنَدِ
وَالنَّسْخَ نَعْرِفُ
وَالعُمُومَ وَأَنَّنَا ... مُتَفَطِّنُونَ لِمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِ
وَنُصُوصُ وَحْي اللهِ
نُتْقِنُ فَهْمَهَا ... لا تَحْسِبُونَ الفَهْمَ كَالرأْي الرَّدِي
وَإِذَا تَعَارَضَتِ
النُّصُوصُ فَإِنَّنَا ... بِأُصُولِ سَادَتِنَا الأئمةِ نَهْتَدِي
وَنُحَارِبُ
التَّقْلِيدَ طُولَ زَمَانِنَا ... مَعُ حُبِّنَا لِلْعَالِمِ المُتَجَرَّدِ
وَكَذَا الأَئِمَّةُ
حُبُّهُم مُتَمَكَّنٌ ... مِنْ كُلِّ نَفْسٍ يَا بَرِيَّةُ فَاشْهَدِي
وَتَرِقُّ أَنْفُسُنَا
لِرُؤْيَةِ مَنْ غَدَا ... فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ شِبْهَ مُقَيَّدِ
إِنَّا نَرِى
التَّقْلِيدَ دَاءً قَاتِلاً ... حَجَبَ العُقُولَ عَنِ الطَّرِيقِ الأَرْشَدِ
جَعَلَ الطَّرِيقَ عَلَى
المُقَلِّدَ حَالِكًا ... فَتَرَى المُقَلَّدَ تِائِهًا لا يَهْتَدِي
فَلِذَا بَدَأْنَا فِي
اجْتِثَاثِ جُذُورِهِ ... مِنْ كُلِّ قَلْبٍ خَائِفٍ مُتَرَدِّدِ
وَلَسَوْفَ نَدْمُلُ
دَاءَهُ وَجِرَاحَهُ ... بِمَرِاهِمِ الوَحْيِ الشَّرِيفِ المُرْشِدِ
نَدْعُو إِلَى
التَّوْحِيدِ طُولَ حَيَاتِنَا ... فِي كُلِّ حِينٍ فِي الخَفَا وَالمَشْهَدِ
وَنُحَارِبُ الشِّرْكِ
الخَبِيثَ وَأَهْلَهُ ... حَرْبًا ضَرُوسًا بِاللَّسِانِ وَبِاليدِ
وَكَذَلِكَ البِدَعُ
الخَبِيثَةُ كُلَّهَا ... نَقْضِي عَلَيْهَا دونَ بَابِ المَسْجِدِ
هَذِي طَرِيقَتُنَا
وَهَذَا نَهْجُنَا ... فَعَلامَ أَنْتُمْ دُونَنَا بِالمَرْصَدِ
لِمَا تَطْعَنُونَا
وَتَلْمِزُونَا كَأَنَّنَا ... جِئْنَا بِرَأْيٍ لِلْعَقِيدَةِ مُفْسِدِ
أَلِمَذْهَبٍ
وَلِعَادَةٍ وَحُكُومَةٍ ... تَتَهَرَّبُونُ مِنَ الحَدِيثِ المُسْنَدِ
هَذَا الحَدِيثُ
تَلألأتْ أَنْوَارُهُ ... رَغْمَ الجَهُولِ وَرَغْمَ كُلِّ مُقَلِّدِ
إِنْ كُنْتُمْ
تَتَضَرَّرُونَ بِنُورِهِ ... فَالشَّمْسُ تَطْلَعُ رَغْمَ أَنْفِ الأَرْمَدِ
بِاللهِ قُولُوا مَا
الذِي أَنْكَرْتُمُوا ... عَلَى البَرِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ تَهْتَدِي
هَدَّدْتُمونَا
بِالمَذَاهِبِ بِعْدَ مَا ... وَضَحَ الدَّلِيلُ فَبِئْسَ مِِنْ مُتَهَدِّدِ
وَبهتُمُونَا
بِالقَبَائِحِ كُلِّهَا ... وَعَرَضْتُمُونَا بِالقَنَاعِ الأَسْوَدِ
وَرَفَعْتَمُونَا
لِلْوُلاةِ تَشَفِّيًا ... وَفَرَحْتُمُوا بِتَهَدُّدٍ وَتَوَعُّدِ
لاكِنَّنَا لُذْنَا
بِبَابِ إِلَهِنَا ... فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ خِصْمٍ مُعَْتَدِ
وَجَلا الحقيقةَ
لِلْمَلأ فَخَسَأْتُمُوا ... وَالسُّوءُ يَظْهَرُ مِنْ خَبِيثِ المَقْصَدِ
يَا مَعْشَرِ
الإِخْوَانِ سِيرُوا ... وَأَبْشِرُوا وَثِقُوا بِنَصْرِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ
وَلِتُعْلِنُوهَا
لِلْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... إِنَّا بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ لا نَقْتَدِي
لا نَطْلُبُ الدُّنْيَا
وَلا نَسْعَى لَهَا ... اللهُ مَقْصَدُنَا وَنِعمَ المَقْصَدِ
لَيْسَ المَنَاصِبُ
هَمَّنَا وَمُرَادُنَا ... كَلا وَلا ثَوْبِ الخَدِيعَةِ نَرْتَدِي
إِنَّا لنَسعْى فِي
صَلاحِ نُفُوسِنَا ... بِعلاجِ أَنْفُسِنَا المَرِيضَةِ نَبْتَدِي
وَنُحِبُّ أَنْ نَهْدِي
البَرِيَّةِ كُلِّهَا ... نَدَعُ الْقَرِيب قَبِيلَ نُصْحِ الأَبْعَدِ
وَبِوَاجِبِ المعروفِ
نأْمر قَوْمَنَا ... وَنَقُومُ صَفَّا في الطَّرِيقِ المُفْسِدِ
لَو تُبْصِرُ الإِخْوانَ
في حَلَقَاتِنَا ... مِنْ عَالِمٍ أَوْ طالب مسترشدِ
لَرَأَيْتَ عِلْمًا
وَإِتِّبَاعًا صَادِقًا ... لِلسُّنَّةِ الغَرَّاءِ دُونَ تَرَدُّدِي
أَنْعِمْ بطلاب الحديثِ
وأَهْلِهِ ... وَأجِلُّهُم عن كل قَوْلِ مُفْسِدِ
هُمْ زِينةُ الدُّنْيَا
مَصَابِيحُ الهُدَى ... طُلَعُوا عَلَى الدُّنْيَا طُلُوع الغَرْقَدِ
وَرِثُوا النَّبِيِّ
فَأَحْسَنُوا فِي إِرْثِهِ ... وَحَمَوْهُ مِنْ كَيْدِ الخَبِيثِ المُعْتَدِي
سَعِدُوا بِهَدْي
مُحَمَّدٍ وَكَلامِهِ ... وَسِوَاهُمُ بِكَلامِهِ لَمْ يَسْعُدِ
وَالدِّينُ قَالَ اللهُ
قَالَ رَسُوله ... وَهُمْ لِدِينِ اللهِ أَفْضَلُ مُرْشِدِ
وَالفِقْهُ فَهْمُ
النَّصِ فَهْمًا وَاضِحًا ... مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَتَأْوِيلٍ رَدِيْ
لا تَحْسَبَنَّ الفَقْه
مَتْنًا خَالِيًا ... مِنْ كُلِّ قَولٍ لِلْمُشَرِّعِ مُسْنَدِ
فَعَلَيْكَ
بِالوَحْيَيْنِ لا تَعْدُوهُمَا ... وَاسْلُكْ طَرِيقهُمَا بِفهْمِ جَيِّدِ
فَإِذَا تَعَذَّرَ
فَهْمُ نَصٍّ غَامِضٍ ... فَاسْتَفْتِ أَهْلَ الذِّكْرِ كَالمُسْتَرْشِدِ
بِالبَيَّنَاتِ
وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ ... مِنْ أَمْرِ رَبَّكَ فِي الكِتابِ فَجَوِّدِ
وَاعلم بأنَّ مَن
اقْتَدَى بِمُحَمَّدٍ ... سَيَنَاله كَيْدُ الغُوَاةِ الحُسَّدِ
وَيَذوق أَنْواعَ
العَدَاوةِ وَالأَذَى ... مِنْ جَاهِلٍ وَمُكَابِرٍ وَمُقَلَّدِ
فَاصْبِرْ عَلَيْهِ
وَكُنْ بِرَبَّكَ وَاثِقًا ... هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الهُدَى وَالسُّؤْدَدِ [5]
وصدق شاعر اخر:
العلم قال الله قال
رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف
سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
وقال بعضهم:
كل العلوم سوى القرآن
مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال
حدّثنا وما سوى ذاك فوسواس الشياطين
فالموفق من جعل كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكماً على قول كل أحد ، وإن خالفه من خالفه أو
بدّعه من بدّعه ، فقد جرت عادة المقلدين والمتعصبين في تبديع مخالفيهم وتضليلهم ،
وهذا شأن كل مبطل ومنحرف عن الحق والصراط المستقيم إذا عجز عن إقامة الحجة والدليل
، لجأ إلى مثل هذه الأفاعيل .
قال ابن عباس رضي الله
عنهما: "ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع
وتموت السنن".
وعن جابر بن زيد أن ابن
عمر لقيه في الطواف فقال: "يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا
بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت".
وعن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما أنه قال : "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى
الشيطان هلاكا مني . فقيل: كيف؟ فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب
فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه".
وعنه رضي الله عنه أنه
قال : "عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع".
وعن معاذ بن جبل رضي
الله عنه قال : "أوشك قائل من الناس يقول : قد قرأت القرآن ولا أرى الناس
يتبعوني، ما هم متبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدُع فإن كل ما ابتدُع
ضلالة".
وعنه أنه قال :
"أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع
والتبدع والتنطع وعليكم بأمركم العتيق".
وعن ابن عمر رضي الله
عنهما قال : "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
وعن الحسن البصري قال :
"صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة إلا ازداد من الله بعدا".
وعنه قال: "لا
تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك".
وعن أيوب السختيانى أنه
كان يقول : "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا".
وعن سفيان الثوري قال :
"من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره. وإما أن
يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله في النار . وإما أن يقول والله ما أبالي ما
تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه".
وقال : "البدعة أحب
إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها".
وعن أبي قلابة أنه قال :
"لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو
يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون".
وهذا ابن
مسعود ينكر على قوم يذكرون الله ولكن ليس على طريقة وهدى النبى صلى الله عليه وسلم
** عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ
، قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَبْلَ
صَلاَةِ الْغَدَاةِ ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ،
فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ ، فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بَعْدُ ؟ قُلْنَا : لاَ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ،
فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا
أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ أَرَ ، وَالْحَمْدُ ِللهِ ، إِلاَّ خَيْرًا ، قَالَ : فَمَا
هُوَ ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ , قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ
قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا ، يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ
، وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى , فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِئَةً ، فَيُكَبِّرُونَ
مِئَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِئَةً , فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً ، وَيَقُولُ :
سَبِّحُوا مِئَةً , فَيُسَبِّحُونَ مِئَةً ، قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟
قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا ، انْتِظَارَ رَأْيِكَ ، أَوِ انْتِظَارَ
أَمْرِكَ ، قَالَ : أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ،
وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا
مَعَهُ ، حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ،
فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَانِ ، حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ ، وَالتَّهْلِيلَ ،
وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ
يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، مَا
أَسْرَعَ هَلَكَتِكُمْ ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم
مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ،
وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ
مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ؟! أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابَ ضَلاَلَةٍ ؟ قَالُوا : وَاللهِ ،
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ ، قَالَ : وَكَمْ
مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم
حدَّثنا ؛ أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ.
وَايْمُ اللهِ ، مَا
أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ.
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
سَلِمَةَ : رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ ، يُطَاعِنُونَا يَوْمَ
النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ. [6]
فهؤلاء ذكروا
الله ولكن على غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم فقاتلوا المسلمين مع الخوارج .
فكيف بمن أشركوا بالله ترى مع أى فريق يكونون مع المسلمون أم مع الكافرون ؟
وعنه أنه قال :
"الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة".
وَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ : " أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ
دِينَهُ رَجُلًا إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ ، فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ
فِي الشَّرِّ "
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُعْتَزِّ : " لَا فَرْقَ بَيْنَ بَهِيمَةٍ تُقَادُ وَإِنْسَانٍ
يُقَلِّدُ "
وقال حذيفة:
"اتبعوا سبيلنا، فلئن اتبعتمونا لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن خالفتمونا لقد
ضللتم ضلالاً بعيداً".
* وأنكر علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم على رجل رآه يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي
صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو .
* وسأل رجل الإمام
مالكاً عن الإحرام بالعمرة من المسجد بدلاً عن الميقات فقال : لا تفعل فإني أخاف
عليك الفتنة .
فقال الرجل " ومافي
هذا من الفتنة ؟ إنما هي أميال أزيدها " !
فقال الإمام مالك "
وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله واختيار رسوله صلى
الله عليه وسلم "
ولقد حارب السلف هذا
النوع من التقليد وذموه واعتبروه مزلقا خطيرا يحرف المسلم وينحيه عن المنبع الذي
يستمد منه دينه، ويجعله عرضة لكل بدعة، ومنقادا لكل شبهة، وتبعا لكل ناعق وإضافة
إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة فالبدعة تؤخذ في غالب الأمر تقليدا لشيخ
يعظم أو والد يحترم أو مجتمع تقدس فيه عاداته، ولذلك كان التقليد والابتداع سببين
رئيسيين في ضلال الأمم وانحرافها عن منهج أنبيائهم.
وقد حكى الله في كتابه
العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها من الأصنام
مقلدين في ذلك من مرّوا عليهم من عباد الأصنام قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ
قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ
قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ}، كما ذكر سبحانه أن ما وقع فيه اليهود والنصارى من الكفر
بقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله إنما هو نتيجة التقليد
لمن قبلهم من الوثنيين قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ
وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
كما ذم سبحانه صنيع
اليهود والنصارى مع علمائهم حيث قلدوهم في جميع ما يقولون، فأحلوا لهم ما حرم
الله، وحرموا عليهم ما أحل الله قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
كما ذم سبحانه وتعالى من
امتنع عن قبول الحق تقليدا للآباء فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا
أُرْسِلْتُم بِهِ
كَافِرُونَ }.
قال ابن
القيم: "والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وبيان زلة العالم ليبينوا
بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولابد إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما
يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض،
وحرموه، وذموا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل
فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولابد فيحلون
ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولابد لهم من ذلك إذ كانت
العصمة منتفية عمن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولابد" .
قال ابن القيم:
"والفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم وإهدار أقوال العلماء
وإلغائها : أن تجريد المتابعة أن لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا من
كان . بل تنظر في صحة الحديث أولا. فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا، فإذا تبين لك
لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب، ومعاذ الله أن تتفق الأمة على
مخالفة ما جاء به نبيها بل لابد أن يكون في الأمة من قال به ولو لم تعلمه فلا تجعل
جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله بل اذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال
به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك. هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد
حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه فهم دائرون بين الأجر والأجرين
والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنه
أعلم بها منك، فإن كان كذلك فمن ذه
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر