بعد عرض ما تيسر من تقريرات أئمة ومحققي السادة الصوفية في مجال العقيدة .
بقي أن نوضح مسألة يتصايح بها المبتدعة من المتطرفين الغلاه وأذنابهم الجهلاء , وهي أن الصوفية يقولون – وحاشاهم من ذلك – باتحاد ذواتهم مع ذات الباري جل وعلا , أو حلول الذات المقدسة بذواتهم .
ويعرضون هذا القول وكأنه من المسلمات عند السادة الصوفية , ومن أساسيات العقيدة لديهم .
والمطالع للمشاركات السالفة في هذا الموضوع , يعلم علم اليقين كذب المدعين زورا للسلف – كعادتهم – في هذا الموضوع , لتضاف كذبة جديدة لسجلهم العامر و القذر في هذا المجال .
ويعلم علم اليقين أن عقيدة السادة الصوفية هي عقيدة أهل الحق , أهل السنة والجماعة .
وتوضيحا لموضوع الاتحاد والحلول الذي ينعق به بني وهبان , إليكم أخوتي الأعزاء أقدم بعضا من أقوال أهل العلم في هذه القضية .
أبدؤها بما قرره الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه : [ الحاوي للفتاوي ( 2 / 122 ) في فتوى : تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد , حيث يقول رحمه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
القول بالحلول والاتحاد الذي هو أخو الحلول أول من قال به النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى عليه السلام أو به وبمريم أمه ولم يعدوه إلى أحد وخصوه باتحاد الكلمة دون الذات بحيث أن علماء المسلمين سلكوا في الرد عليهم طريق إلزامهم بأن يقولوا بمثل ذلك في موسى عليه السلام وفي الذات أيضا وهم لا يقولون بالأمرين.
وإذا سلموا بطلان ذلك لزم إبطال ما قالوه. أما المتوسمون بسمة الإسلام فلم يبتدع أحد منهم هذه البدعة وحاشاهم من ذلك لأنهم أذكى فطرة وأصح لبا من أن يمشي عليهم هذا المحال وإنما مشى ذلك على النصارى لأنهم أبلد الخلق أذهانا وأعماهم قلوبا غير أن طائفة من غلاة المتصوفة نقل عنهم أنهم قالوا بمثل هذه المقالة وزادوا على النصارى في تعدية ذلك والنصارى قصروه على واحد. فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا في الكفر على النصارى .
وأحسن ما اعتذر عمن صدرت منه هذه الكلمة الدالة على ذلك وهي قوله أنا الحق بأنه قال ذلك في حال سكر واستغراق غيبوبة عقل وقد رفع الله التكليف عمن غاب عقله وألغى أقواله فلا تعد مقالته هذه شيئا ولا يلتفت إليها فضلا عن أن تعد مذهبا ينقل.
وما زالت العلماء ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول والاتحاد وينبهون على فساده ويحذرون من ضلاله وهذه نبذة من كلام الأئمة في ذلك :
قال حجة الإسلام الغزالي في الإحياء في باب السماع
الحالة الرابعة سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزب عن فهمه ما سوى الله تعالى حتى عزب عن نفسه وأحوالها ومعاملاتها وكان كالمدهوش الغائص في عين الشهود الذي يضاهى حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف حتى بهتن وسقط إحساسهن وعن مثل هذه الحالة يعبر الصوفية بأنه فنى عن نفسه ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى فكأنه فنى عن كل شيء إلا عن الواحد المشهود.
وفنى أيضا عن الشهود فإن القلب إن التفت إلى الشهود والى نفسه بأنه مشاهد فقد غفل عن المشهود فالمستهتر بالمرئي لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته والى عينه التي بها رؤيته ولا إلى قلبه الذي لذته فالسكران لا خيرة له من سكره والملتذ لا خيرة له من التذاذه إنما خبرته من الملتذ به فقط ومثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء فالعالم بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء كان معرضا عن الشيء.
ومثل هذه الحال قد نظر إلى حق المخلوقين فنظر أيضا في حق الخالقية الخالق ولكنها في الغالب تكون كالبرق الخاطف الذي لا يثبت ولا يدوم فإن دام لم تطقه القوى البشرية فربما يضطرب تحت أعبائه اضطرابا تهلك فيه نفسه فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد وهي أعلى الدرجات لأن السماع على الأحوال وهي ممتزجة بصفات البشرية نوع قصور وإنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه وأحواله أعنى أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنسوة إلى السيد والسكين فيسمع بالله ولله وفي الله ومن الله.
وهذه رتبة من خاض لجة الحقائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتحد لصفاء التوحيد وتحقق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه منه شيء أصلا بل خمدت بالكلية بشريته وأفنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا إلى أن قال :
ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها و حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محض هذا كله لفظ الغزالي.
وقال أيضا في باب المحبة :
من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله ولا يعرف غيره ويعلم أنه ليس في الوجود إلا الله وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة دونه وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث أنه أثره لا من حيث أنه صنع فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث أنه أثره لا من حيث أنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف .
وكذا العالم صنع الله تعالى فمن نظر إليه من حيث أنه فعل الله وعرفه من حيث أنه فعل الله وأحبه من حيث أنه فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث أنه عبد الله فهذا هو الذي يقال فيه أنه فنى في التوحيد وأنه فنى عن نفسه وإليه الإشارة بقول من قال كنا بنا ففنينا بلا نحن فهذه أمور معلومة عند ذوي الأبصار أشكلت لضعف الإفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحا وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الإفهام أو لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يعنيهم .
ثم قال :
وقد تحزب الناس إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه الظاهر والى غالين مسرفين تجاوزا إلى الاتحاد وقالوا بالحلول حتى قال بعضهم أنا الحق وضل النصارى في عيسى عليه السلام فقالوا هو الإله وقال آخرون تدرع الناسوت باللاهوت وقال آخرون اتحد به.
وأما الذين انكشف لهم استحالة التشبيه والتمثيل واستحالة الاتحاد والحلول واتضح لهم وجه الصواب فهم الأقلون انتهى. كلام الغزالي وبدأنا بالنقل عنه لأنه فقيه أصولي متكلم صوفي وهو أجل من اعتمد عليه في هذا المقام لاجتماع هذه الفنون فيه.
.... وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى :
ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه انتهى. قلت مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا وإن جرى في المجسمة خلاف
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية :
أما بعد : فقد استعنت بالله وأجبتك إلى ما ابتغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة من أعلام المحققين من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق وباشر الأحوال والطرائق وساكن الرياض والحدائق وفارق العوارض والعلائق وتبرأ من المتنطعين والمتعمقين ومن أهل الدعاوى من المتسوفين ومن الكسالى والمتثبطين المشبهين بهم في اللباس والمقال والمخالفين لهم في العقيدة والفعال وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل القطر والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار والمباحية والحلولية الكفار وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار.
وقال صاحب [كتاب] معيار المريدين :
اعلم أن منشأ أغلاط الفرق التي غلطت في الاتحاد والحلول جهلهم بأصول الدين وفروعه وعدم معرفتهم بالعلم وقد وردت الأحاديث والآثار بالتحذير من عابد جاهل فمن لا يكون له سابقة علم لم ينتج ولم يصح له سلوك وقد قال سهل بن عبد الله التستري أجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس الجبابرة الغافلين والقراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين فافهم ولا تغلط فإن الدين واضح .
قال : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشارتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك .
قال : والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال فإن رجلين مثلا لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين .
وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحادا ولا حلولا وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أنفسهم وإثبات الحق سبحانه .
قال : وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات وفناء حظوظ النفس من الدنيا وبقاء الرغبة في الآخرة وفناء الأوصاف الذميمة وبقاء الأوصاف الحميدة وفناء الشك وبقاء اليقين وفناء الغفلة وبقاء الذكر.
قال وأما قول أبي يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني فهو في معرض الحكاية عن الله وكذلك قول من قال أنا الحق محمول على الحكاية .
ولا يظن بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد لأن ذلك غير مظنون بعاقل فضلا عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات ولا يظن بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السلام وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة , وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك .- هذا كله كلام معيار المريدين بلفظه - .
والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك فيطلق على المعنى المذموم الذي أخو الحلول وهو كفر
ويطلق على مقام الفناء اصطلاحا - اصطلح عليه الصوفية - ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح لا محذور فيه شرعا ولو كان ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول بيني وبين صاحبي زيد اتحاد وكم استعمل المحدثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية كقول المحدثين اتحاد مخرج الحديث وقول الفقهاء اتحد نوع الماشية وقول النحاة اتحد العالم لفظا أو معنى.
وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد وقد أشار إلى ذلك سيدي على وفا فقال من قصيدة له:
يظنوا بي حلولا واتحادا * وقلبي من سوى التوحيد خالي
فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول وقال من أبيات أخر:
وعلمك أن هذا الأمر أمري * هو المعنى المسمى باتحاد
فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه هو تسليم الأمر كله لله وترى الإرادة معه والاختيار والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض وترك نسبة شيء ما إلى غيره.
وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد :
حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة الكفار إنما انتشر في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة قال فقلت له في بلادكم ما هو شر من هذا وهو قول الاتحادية فقال هذا لا يقوله عاقل فإن قول هؤلاء كل أحد يعرف فساده.
قال وحدثني الشيخ كمال الدين المذكور قال اجتمعت بالشيخ أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي وفاوضته في هؤلاء الاتحادية فوجدته شديد الإنكار عليهم والنهي عن طريقهم وقال أتكون الصنعة هي الصانع انتهى.
قلت ولهذا كانت طريقة الشاذلي هي أحسن طرق التصوف وهي في المتأخرين نظير طريقة الجنيد في المتقدمين .
وقد قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في كتاب جمع الجوامع وإن طريق الجنيد وصحبه طريق مقوم.
وكان والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي يلازم مجلس الشيخ تاج الدين بن عطاء الله يسمع كلامه ووعظه ونقل عنه في كتابه المسمى غيرة الإيمان الجلي فائدة حسنة في حديث لا تسبوا أصحابي فقال أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال مخاطبا لهم لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه وارتضى السبكي منه هذا التأويل وقال إن الشيخ تاج الدين كان متكلم الصوفية في عصره على طريق الشاذلية انتهى.
قلت وهو تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي والشيخ أبو العباس تلميذ الشاذلي وقد طالعت كلام هؤلاء السادة الثلاثة فلم أر فيه حرفا يحتاج إلى تأويل فضلا عن أن يكون منكرا صريحا وما أحسن قول سيدي علي بن وفا:
تمسك بحب الشاذلية تلق ما * تروم وحقق ذا الرجاء وحصل
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم * شموس هدى في أعين المتأمل
ثم قال صاحب نهج الرشاد وما زال عباد الله الصالحون من أهل العلم والإيمان ينكرون حال هؤلاء الاتحادية وإن كان بعض الناس قد يكون أعلم واقدر وأحكم من بعض في ذلك .اهـ مختصرا
وأدع القارئ الكريم يتأمل أقوال أهل العلم - ممن استدل بهم الإمام السيوطي في فتواه – ونظرتهم وتأدبهم مع السادة الصوفية , وعرضهم للحقيقة بلا كذب ولا تزييف.
.
بقي أن نوضح مسألة يتصايح بها المبتدعة من المتطرفين الغلاه وأذنابهم الجهلاء , وهي أن الصوفية يقولون – وحاشاهم من ذلك – باتحاد ذواتهم مع ذات الباري جل وعلا , أو حلول الذات المقدسة بذواتهم .
ويعرضون هذا القول وكأنه من المسلمات عند السادة الصوفية , ومن أساسيات العقيدة لديهم .
والمطالع للمشاركات السالفة في هذا الموضوع , يعلم علم اليقين كذب المدعين زورا للسلف – كعادتهم – في هذا الموضوع , لتضاف كذبة جديدة لسجلهم العامر و القذر في هذا المجال .
ويعلم علم اليقين أن عقيدة السادة الصوفية هي عقيدة أهل الحق , أهل السنة والجماعة .
وتوضيحا لموضوع الاتحاد والحلول الذي ينعق به بني وهبان , إليكم أخوتي الأعزاء أقدم بعضا من أقوال أهل العلم في هذه القضية .
أبدؤها بما قرره الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه : [ الحاوي للفتاوي ( 2 / 122 ) في فتوى : تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد , حيث يقول رحمه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
القول بالحلول والاتحاد الذي هو أخو الحلول أول من قال به النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى عليه السلام أو به وبمريم أمه ولم يعدوه إلى أحد وخصوه باتحاد الكلمة دون الذات بحيث أن علماء المسلمين سلكوا في الرد عليهم طريق إلزامهم بأن يقولوا بمثل ذلك في موسى عليه السلام وفي الذات أيضا وهم لا يقولون بالأمرين.
وإذا سلموا بطلان ذلك لزم إبطال ما قالوه. أما المتوسمون بسمة الإسلام فلم يبتدع أحد منهم هذه البدعة وحاشاهم من ذلك لأنهم أذكى فطرة وأصح لبا من أن يمشي عليهم هذا المحال وإنما مشى ذلك على النصارى لأنهم أبلد الخلق أذهانا وأعماهم قلوبا غير أن طائفة من غلاة المتصوفة نقل عنهم أنهم قالوا بمثل هذه المقالة وزادوا على النصارى في تعدية ذلك والنصارى قصروه على واحد. فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا في الكفر على النصارى .
وأحسن ما اعتذر عمن صدرت منه هذه الكلمة الدالة على ذلك وهي قوله أنا الحق بأنه قال ذلك في حال سكر واستغراق غيبوبة عقل وقد رفع الله التكليف عمن غاب عقله وألغى أقواله فلا تعد مقالته هذه شيئا ولا يلتفت إليها فضلا عن أن تعد مذهبا ينقل.
وما زالت العلماء ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول والاتحاد وينبهون على فساده ويحذرون من ضلاله وهذه نبذة من كلام الأئمة في ذلك :
قال حجة الإسلام الغزالي في الإحياء في باب السماع
الحالة الرابعة سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزب عن فهمه ما سوى الله تعالى حتى عزب عن نفسه وأحوالها ومعاملاتها وكان كالمدهوش الغائص في عين الشهود الذي يضاهى حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف حتى بهتن وسقط إحساسهن وعن مثل هذه الحالة يعبر الصوفية بأنه فنى عن نفسه ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى فكأنه فنى عن كل شيء إلا عن الواحد المشهود.
وفنى أيضا عن الشهود فإن القلب إن التفت إلى الشهود والى نفسه بأنه مشاهد فقد غفل عن المشهود فالمستهتر بالمرئي لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته والى عينه التي بها رؤيته ولا إلى قلبه الذي لذته فالسكران لا خيرة له من سكره والملتذ لا خيرة له من التذاذه إنما خبرته من الملتذ به فقط ومثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء فالعالم بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء كان معرضا عن الشيء.
ومثل هذه الحال قد نظر إلى حق المخلوقين فنظر أيضا في حق الخالقية الخالق ولكنها في الغالب تكون كالبرق الخاطف الذي لا يثبت ولا يدوم فإن دام لم تطقه القوى البشرية فربما يضطرب تحت أعبائه اضطرابا تهلك فيه نفسه فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد وهي أعلى الدرجات لأن السماع على الأحوال وهي ممتزجة بصفات البشرية نوع قصور وإنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه وأحواله أعنى أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنسوة إلى السيد والسكين فيسمع بالله ولله وفي الله ومن الله.
وهذه رتبة من خاض لجة الحقائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتحد لصفاء التوحيد وتحقق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه منه شيء أصلا بل خمدت بالكلية بشريته وأفنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا إلى أن قال :
ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها و حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محض هذا كله لفظ الغزالي.
وقال أيضا في باب المحبة :
من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله ولا يعرف غيره ويعلم أنه ليس في الوجود إلا الله وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة دونه وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث أنه أثره لا من حيث أنه صنع فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث أنه أثره لا من حيث أنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف .
وكذا العالم صنع الله تعالى فمن نظر إليه من حيث أنه فعل الله وعرفه من حيث أنه فعل الله وأحبه من حيث أنه فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث أنه عبد الله فهذا هو الذي يقال فيه أنه فنى في التوحيد وأنه فنى عن نفسه وإليه الإشارة بقول من قال كنا بنا ففنينا بلا نحن فهذه أمور معلومة عند ذوي الأبصار أشكلت لضعف الإفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحا وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الإفهام أو لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يعنيهم .
ثم قال :
وقد تحزب الناس إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه الظاهر والى غالين مسرفين تجاوزا إلى الاتحاد وقالوا بالحلول حتى قال بعضهم أنا الحق وضل النصارى في عيسى عليه السلام فقالوا هو الإله وقال آخرون تدرع الناسوت باللاهوت وقال آخرون اتحد به.
وأما الذين انكشف لهم استحالة التشبيه والتمثيل واستحالة الاتحاد والحلول واتضح لهم وجه الصواب فهم الأقلون انتهى. كلام الغزالي وبدأنا بالنقل عنه لأنه فقيه أصولي متكلم صوفي وهو أجل من اعتمد عليه في هذا المقام لاجتماع هذه الفنون فيه.
.... وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى :
ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه انتهى. قلت مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعا وإن جرى في المجسمة خلاف
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية :
أما بعد : فقد استعنت بالله وأجبتك إلى ما ابتغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة من أعلام المحققين من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق وباشر الأحوال والطرائق وساكن الرياض والحدائق وفارق العوارض والعلائق وتبرأ من المتنطعين والمتعمقين ومن أهل الدعاوى من المتسوفين ومن الكسالى والمتثبطين المشبهين بهم في اللباس والمقال والمخالفين لهم في العقيدة والفعال وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل القطر والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار والمباحية والحلولية الكفار وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار.
وقال صاحب [كتاب] معيار المريدين :
اعلم أن منشأ أغلاط الفرق التي غلطت في الاتحاد والحلول جهلهم بأصول الدين وفروعه وعدم معرفتهم بالعلم وقد وردت الأحاديث والآثار بالتحذير من عابد جاهل فمن لا يكون له سابقة علم لم ينتج ولم يصح له سلوك وقد قال سهل بن عبد الله التستري أجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس الجبابرة الغافلين والقراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين فافهم ولا تغلط فإن الدين واضح .
قال : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشارتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك .
قال : والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال فإن رجلين مثلا لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين .
وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحادا ولا حلولا وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أنفسهم وإثبات الحق سبحانه .
قال : وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات وفناء حظوظ النفس من الدنيا وبقاء الرغبة في الآخرة وفناء الأوصاف الذميمة وبقاء الأوصاف الحميدة وفناء الشك وبقاء اليقين وفناء الغفلة وبقاء الذكر.
قال وأما قول أبي يزيد البسطامي سبحاني ما أعظم شأني فهو في معرض الحكاية عن الله وكذلك قول من قال أنا الحق محمول على الحكاية .
ولا يظن بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد لأن ذلك غير مظنون بعاقل فضلا عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات ولا يظن بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السلام وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة , وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك .- هذا كله كلام معيار المريدين بلفظه - .
والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك فيطلق على المعنى المذموم الذي أخو الحلول وهو كفر
ويطلق على مقام الفناء اصطلاحا - اصطلح عليه الصوفية - ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح لا محذور فيه شرعا ولو كان ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول بيني وبين صاحبي زيد اتحاد وكم استعمل المحدثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية كقول المحدثين اتحاد مخرج الحديث وقول الفقهاء اتحد نوع الماشية وقول النحاة اتحد العالم لفظا أو معنى.
وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد وقد أشار إلى ذلك سيدي على وفا فقال من قصيدة له:
يظنوا بي حلولا واتحادا * وقلبي من سوى التوحيد خالي
فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول وقال من أبيات أخر:
وعلمك أن هذا الأمر أمري * هو المعنى المسمى باتحاد
فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه هو تسليم الأمر كله لله وترى الإرادة معه والاختيار والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض وترك نسبة شيء ما إلى غيره.
وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد :
حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة الكفار إنما انتشر في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة قال فقلت له في بلادكم ما هو شر من هذا وهو قول الاتحادية فقال هذا لا يقوله عاقل فإن قول هؤلاء كل أحد يعرف فساده.
قال وحدثني الشيخ كمال الدين المذكور قال اجتمعت بالشيخ أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي وفاوضته في هؤلاء الاتحادية فوجدته شديد الإنكار عليهم والنهي عن طريقهم وقال أتكون الصنعة هي الصانع انتهى.
قلت ولهذا كانت طريقة الشاذلي هي أحسن طرق التصوف وهي في المتأخرين نظير طريقة الجنيد في المتقدمين .
وقد قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في كتاب جمع الجوامع وإن طريق الجنيد وصحبه طريق مقوم.
وكان والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي يلازم مجلس الشيخ تاج الدين بن عطاء الله يسمع كلامه ووعظه ونقل عنه في كتابه المسمى غيرة الإيمان الجلي فائدة حسنة في حديث لا تسبوا أصحابي فقال أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال مخاطبا لهم لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه وارتضى السبكي منه هذا التأويل وقال إن الشيخ تاج الدين كان متكلم الصوفية في عصره على طريق الشاذلية انتهى.
قلت وهو تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي والشيخ أبو العباس تلميذ الشاذلي وقد طالعت كلام هؤلاء السادة الثلاثة فلم أر فيه حرفا يحتاج إلى تأويل فضلا عن أن يكون منكرا صريحا وما أحسن قول سيدي علي بن وفا:
تمسك بحب الشاذلية تلق ما * تروم وحقق ذا الرجاء وحصل
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم * شموس هدى في أعين المتأمل
ثم قال صاحب نهج الرشاد وما زال عباد الله الصالحون من أهل العلم والإيمان ينكرون حال هؤلاء الاتحادية وإن كان بعض الناس قد يكون أعلم واقدر وأحكم من بعض في ذلك .اهـ مختصرا
وأدع القارئ الكريم يتأمل أقوال أهل العلم - ممن استدل بهم الإمام السيوطي في فتواه – ونظرتهم وتأدبهم مع السادة الصوفية , وعرضهم للحقيقة بلا كذب ولا تزييف.
.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر