ترجمة الإمام ابن عجيبة رضي الله عنه
هو الولي الكامل والقطب الغوث، المربي الكبير سيدنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، ولد سنة (1161) هـ في قرية الخميس الواقعة في الطريق بين طنجة وتطوان، نشأ في أسرة مشهورة بالصلاح والولاية، فلما حملت به والدته ـ عليها رحمة الله ـ كانت تدعو في مدة حملها: اللهم ارزقني ذرية صالحة، وذلك دبر كل صلاة، وقد حفظه الله تعالى منذ صغره، فكان وهو رضيعا في حجر والدته إذا دخل وقت الصلاة يبكي ويصيح على والدته يقول لها: قومي للصلاة، فلا يزال يبكي ويصيح حتى تقوم والدته للصلاة، فإذا بدأت الصلاة سكت، قال الشيخ رضي الله عنه: ومنذ أخذت عقلي ما تركت الصلاة قط، وكنت وأنا صبي أتوضأ لكل صلاة وأبل ثيابي، فقالت لي الأم: تيمم وصل خوفا من عفن الثياب، وعلمتني التيمم، فصليت بالتيمم أياما وظنت أن ذلك يصح مع وجود الماء، ثم ردتني إلى الوضوء، ولقد كنت وأنا في المدرسة صغيرا أقوم نصف الليل وآتي المسجد الذي في المقبرة عند ضريح سيدي عبد الله بن عجيبة، فنؤذن فيه ونجلس إلى صلاة الصبح وأنا حينئذ لا أحسن شيئا من القراءة، وكنت والحمد لله ألهمني الله الخلوة والوحدة ولا ألعب مع الصبيان ولا ألتفت إلى ما هم فيه حتى كان بعض النساء يعاتبنني في ذلك ولا ألتفت إليهن.
وقد ألقى الله محبة العلم في قلبه فحفظ القرآن صغيرا، ثم توجه لتعلم العربية والفقه والحديث وغير ذلك من فنون العلم الشرعي حتى برع فيها، ولم يكن يضيع ساعة بدون مذاكرة، وفنى في طلب العلم فناء عظيما حتى أهمل نفسه.
قال الشيخ رضي الله عنه: وكانت قراءتي والحمد لله ممزوجة بالعبادة، فلم أترك قيام الليل إلا نادرا، وكنت أقسم الليل ثلاثا؛ ثلث للنوم، وثلث للتهجد، وثلث للمطالعة، وقد ألفت الوحدة فما أسكن إلا وحدي، وما كنت أجلس في حلقة علم إلا على وضوء، وبقي هكذا حتى أجازه أشياخه بالتدريس.
قال الشيخ: اعلم أن ثمرة العلم العمل، وثمرة العمل الحال، وثمرة الحال الذوق، وثمرة الذوق الشرب، وبعد الشرب السكر ثم الصحو ثم تمام الوصال، ولما حصلت بفضل الله ما قسم الله لي من العلم الظاهر انتقلت للتهيؤ للعلم الباطن، وسبب ذلك أني وجدت نسخة من الحكم العطائية فنسختها ثم طالعت شرح ابن عباد، فلما طالعته زهدت في العلم الظاهر، وانتقلت للعبادة والتبتل للذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبغضت الدنيا وأهلها، فكنت إذا أقبل علي أحد فررت منه، وبقيت على ذلك حتى ظن أهلي أن بي مس من الجن، وبقيت أذكر الله حتى فنيت في الذكر، وكنت إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أشرقت علي الأنوار الساطعة، وظهرت لي قصور وزخارف وخوارق فأعرض عن ذلك كله، وبقيت على هذا الحال حتى جمعني الله بالشيخ مولاي العربي وسيدي البوزيدي، فلما رأياني فرحا بي فرحا شديدا ونظرا إلي نظرة تغني، فقال لي سيدي محمد: جعلك الله كالجنيد يتبعك أربع عشرة مائة مرقعة، ثم جلست عند مولاي العربي فلما جلست بين يديه قال لي: جعلك الله كالجيلاني، فقال له سيدي البوزيدي: يا سيدي أنا قلت كالجنيد، فقال: يجمع الله بينهما بفضله، ثم أخذت الطريق من سيدي البوزيدي ولما لقنني الورد التفت إلى بعض الفقراء وقال: سيدي احمد متصف بالزهد والورع والتوكل والصبر والحلم والرضى والتسليم والشفقة والرحمة والسخاء والكرم حتى عد اثني عشر مقاما، فقلت له: يا سيدي هذا هو التصوف؟ فقال: هذا تصوف الظاهر، أما تصوف الباطن فستعرفه إن شاء الله.
ذكر خدمته الشيخ
بقي الشيخ يتردد لزيارة شيخه سبع سنين، ثم طلب منه الشيخ بناء دار له فقام ببنائها من ماله الخاص وشارك في البناء بيديه حتى أكملها، قال الشيخ: فبنى الله لي ثلاثة من الدور، وهذه سنة الله فيمن خدم أولياءه، ثم قمت بزواج الشيخ ووضعت عنده النفقة التي يحتاجها من مالي، فلما أردت الخروج رفع الشيخ يديه وقال: بارك الله فيك وفي ذريتك وأولاد أولادك ومن تعلق بك إلى يوم القيامة.
وبنيت له مسجدا من مالي أنا وأخي حتى إذا نفدت النفقة بعت بعض كتبي وتسلفت الباقي حتى أكملت بناء المسجد، ثم بقي الشيخ يرسل إلي في حوائجه والحمد لله فأقضيها كلها.
ذكر ما ارتكبه من الأهوال
قال الشيخ: وقد كنت قبل الدخول في الطريق متلبسا بشيء من الدنيا، فلما دخلت الطريق ذهب ذلك كله وأنفقته في خدمة الشيخ، وكنت حائزا لرئاسة العلم معظما عند الخاص والعام، نتردد عند الولاة للشفاعة، إذا خرجت للسوق يتسابق الناس للسلام علي، متهما عند الناس بالولاية العظمى، فلما أخذت الورد من الشيخ لبست جلابية غليظة شديدة الخشونة قبيحة المنظر، فلما رآني الشيخ بها فرح فرحا شديدا، وتحقق أنه سيفتح علي في الحقائق، ولما دخلت البلد مع بعض الفقراء رافعين أصواتنا بالهيللة والناس ينظرون إلي ويتعجبون سمعت نفسي من داخلي تستغيث وتصيح وأخذ العرق يتصبب مني لأن هذا أول خرق رأته نفسي لها، وعلقت السبحة في عنقي، فلما رآني أهل الدار قاموا ليمنعوني من ذلك، فلما رأوا عزمي على ذلك سلموا وبكوا علي بكاء الميت، وتعزوا فينا تعزية الميت فكانت قوافل النساء تأتي أهل الدار وتعزيهم فينا، وحزن علينا أهل تطوان حزنا شديدا، ولما رأيت الناس لا يفارقوني استأذنت الشيخ بلبس المرقعة فأذن لي، فلما لبستها فر الناس مني فوجدت لذلك راحة كبيرة، ثم كتب إلي الشيخ أن اخرج عن كل ما يفضل عندك من الرزق وتصدق به، ولا تبق إلا قوت يوم أو يومين، فأخرجت ما أمرني به الشيخ، ثم كتب بعدها: أن اخدم الفقراء بنفسك واغسل ثيابهم واشتر لهم الصابون وأطعمهم ما عندك، ففعلت ذلك كله، ثم أمرني بالسؤال في الحوانيت وأبواب المساجد، فما رأيت في الدنيا أصعب منه، ولا أجهز لأوداج النفس منه، ولقد كنت أخرج بنية ذلك وأدور في السوق فيمنعني الحياء، فأرجع وأغبط من يفعل ذلك من الفقراء، وكانت نفسي تتمنى الموت الحسي مرارا في اليوم، حتى إذا كان يوم جمعة حلفت لها بالأيمان المغلظة لتبدأن بالسؤال هذا اليوم، فلما سلم الإمام خرجت لباب الجامع فجلست بين عجائز بعضهم عميان وبعضهم فقراء ومددت يدي للسؤال، فكان الناس يمرون بي ويغطون وجوههم حياء مني لئلا يرونني على تلك الحال، ثم قمت إلى الباب ومددت يدي للسؤال، ثم فعلت ذلك في مساجد تطوان كلها، ثم انطلقت إلى الحوانيت والأسواق، فكان ذلك وردي كل يوم بعد صلاة العصر، واستأذنت الشيخ بالعزلة والصمت فكتب إلي أن اذهب إلى السوق واجلس فيه من الصباح إلى المساء، تفعل ذلك يوما بيوم، قال لي: يوما تذكر فيه الأحباب ويوما تحبس في السوق، ففعلت ذلك مدة شهر رمضان، ثم أمرني بكنس السوق، وحمل زبله على ظهري إلى خارج المدينة، فكنسته مرات وكنت أحمل الزبل على عاتقي أيام الشتاء والماء يسيل على ظهري، ثم أمرني بركوب الحمار وأسير به في الأسواق، فركبته مرات وتسايرت به المدينة كلها، وكنت أتعمد أهل الإنكار أكثر من غيرهم لأستخرج ما تموت به النفس، وكنت أتعمد أهل الإنكار من أقاربي فألح عليهم بالسؤال وأظهر لهم الرغبة في الدنيا أكثر من غيرهم قصدا للإخلاص وقتل النفس، ثم أمرني بحمل الجراب، فكنت أحمله على ظهري وأنا إمام، فإذا حان وقت الصلاة علقته في المحراب، فإذا قضيت الصلاة حملته، وكنت أسمع الهاتف يقول: زد ، صفّ سبيكتك، ثم سقيت بالقربة في الأسواق والطرق والحوانيت ولم يأمرني الشيخ به، وبقيت هكذا حتى تكرم ربنا بالفتح والحمد لله على عطائه.
ابتلاء الله له
تزوج الشيخ ست نسوة رزقه الله من الأولى اثنا عشر ولدا مات منهم عشرة وبقيت بنتان، ثم تزوج أخرى فولد له منها بنتا سقطا ثم ماتت رحمها الله، ثم تزوج أخرى فرزقه الله ستة من الأولاد مات منهم أربعة وبقي اثنان، ثم تزوج أخرى فولد له منها ستة من الأولد مات منهم خمسة وبقي واحد، فجميع ما توفاه الله من أبناء الشيخ عشرون.
قال الشيخ: لما ظهر الطريق وانتشر ذكر الله تعالى نقم علينا بعض الناس، فعمل علينا بعض شهادات الزور، ثم ادعى بعض العوام على أخي أنه دخل داره ولقن امرأته الورد في غيبته، ورفع ذلك إلى قائد الشرطة فأمر به إلى السجن، وأدخلت السجن معه، والله ما رأينا أطيب من أيام السجن، لقد انقلب إلى زاوية وصار كله يذكر الله، ثم إن القائد جمع العلماء والشرفاء وأكابر البلد ثم أخرجنا من السجن وأمرنا بالرجوع عن طريق الله وأكرهنا على ذلك فرجعنا بألسنتنا وأعطينا شهادتنا بالرجوع والقلب مطمئن بالإيمان، ثم أخرجونا من الزاوية وأقفلوها، ثم فررنا بأنفسنا من البلد إلى الصحراء، وبقينا نحوا من خمسين يوما.
ذكر من شهد له بالخصوصية
فمن ذلك ما شهد لنا به شيخنا رضي الله عنه قال: والله ليكونن لك شأن عظيم (ثلاثا) ثم قال: والله لتكونن جامعا بين الشريعة والحقيقة، وممن شهد لنا على وجه الإخبار شيخ شيخنا العارف الكبير مولاي العربي رضي الله عنه حيث ذهبت للسلام عليه فقال لي: أسيدي أحمد قوم تشرعوا ولم يتصوفوا ، وقوم تصوفوا ولم يتشرعوا، وقوم جعلوا الشريعة بابا والحقيقة بابا، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون، ثم التفت إلي وقال: وأنت منهم، فقلت له كذلك، فقال لي: والدك سيدي محمد بوزيد، فقال: أنا وهو ذات واحدة، وهو خليفتي حيا وميتا، رضي الله عنهم أجمعين.
ومن ذلك ما أخبر به سيدي عيسى الودراسي قال: رأيت في المنام قائلا يقول لي: الليلة أعطي سيدي أحمد بن عجيبة التصرف في الكون، ومن ذلك ما قاله الحاج الزكامي: رأيت مولاي العربي وهو يقول: ها نحن ألبسنا صاحبك سيدي أحمد التاج، وقال أيضا: رأيت الأولياء اجتمعوا وقالوا: نتفق على السلطان، فقال قائل: السلطان ببني زروال مولاي العربي، وخليفته بتطوان سيدي أحمد بن عجيبة.
توفي رضي الله عنه سنة 1224 هـ بالطاعون في دار أستاذه في مدينة غُمارة، ودفن على ربوة " زميج" على بعد (20) كم من طنجة، ومقامه يزار للتبرك والدعاء عنده، وتحتفل الطريقة الدرقاوية بموسمه في (14) أيلول من كل عام، رضي الله عنه ونفعنا به وبعلومه آمين.
هو الولي الكامل والقطب الغوث، المربي الكبير سيدنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، ولد سنة (1161) هـ في قرية الخميس الواقعة في الطريق بين طنجة وتطوان، نشأ في أسرة مشهورة بالصلاح والولاية، فلما حملت به والدته ـ عليها رحمة الله ـ كانت تدعو في مدة حملها: اللهم ارزقني ذرية صالحة، وذلك دبر كل صلاة، وقد حفظه الله تعالى منذ صغره، فكان وهو رضيعا في حجر والدته إذا دخل وقت الصلاة يبكي ويصيح على والدته يقول لها: قومي للصلاة، فلا يزال يبكي ويصيح حتى تقوم والدته للصلاة، فإذا بدأت الصلاة سكت، قال الشيخ رضي الله عنه: ومنذ أخذت عقلي ما تركت الصلاة قط، وكنت وأنا صبي أتوضأ لكل صلاة وأبل ثيابي، فقالت لي الأم: تيمم وصل خوفا من عفن الثياب، وعلمتني التيمم، فصليت بالتيمم أياما وظنت أن ذلك يصح مع وجود الماء، ثم ردتني إلى الوضوء، ولقد كنت وأنا في المدرسة صغيرا أقوم نصف الليل وآتي المسجد الذي في المقبرة عند ضريح سيدي عبد الله بن عجيبة، فنؤذن فيه ونجلس إلى صلاة الصبح وأنا حينئذ لا أحسن شيئا من القراءة، وكنت والحمد لله ألهمني الله الخلوة والوحدة ولا ألعب مع الصبيان ولا ألتفت إلى ما هم فيه حتى كان بعض النساء يعاتبنني في ذلك ولا ألتفت إليهن.
وقد ألقى الله محبة العلم في قلبه فحفظ القرآن صغيرا، ثم توجه لتعلم العربية والفقه والحديث وغير ذلك من فنون العلم الشرعي حتى برع فيها، ولم يكن يضيع ساعة بدون مذاكرة، وفنى في طلب العلم فناء عظيما حتى أهمل نفسه.
قال الشيخ رضي الله عنه: وكانت قراءتي والحمد لله ممزوجة بالعبادة، فلم أترك قيام الليل إلا نادرا، وكنت أقسم الليل ثلاثا؛ ثلث للنوم، وثلث للتهجد، وثلث للمطالعة، وقد ألفت الوحدة فما أسكن إلا وحدي، وما كنت أجلس في حلقة علم إلا على وضوء، وبقي هكذا حتى أجازه أشياخه بالتدريس.
قال الشيخ: اعلم أن ثمرة العلم العمل، وثمرة العمل الحال، وثمرة الحال الذوق، وثمرة الذوق الشرب، وبعد الشرب السكر ثم الصحو ثم تمام الوصال، ولما حصلت بفضل الله ما قسم الله لي من العلم الظاهر انتقلت للتهيؤ للعلم الباطن، وسبب ذلك أني وجدت نسخة من الحكم العطائية فنسختها ثم طالعت شرح ابن عباد، فلما طالعته زهدت في العلم الظاهر، وانتقلت للعبادة والتبتل للذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبغضت الدنيا وأهلها، فكنت إذا أقبل علي أحد فررت منه، وبقيت على ذلك حتى ظن أهلي أن بي مس من الجن، وبقيت أذكر الله حتى فنيت في الذكر، وكنت إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أشرقت علي الأنوار الساطعة، وظهرت لي قصور وزخارف وخوارق فأعرض عن ذلك كله، وبقيت على هذا الحال حتى جمعني الله بالشيخ مولاي العربي وسيدي البوزيدي، فلما رأياني فرحا بي فرحا شديدا ونظرا إلي نظرة تغني، فقال لي سيدي محمد: جعلك الله كالجنيد يتبعك أربع عشرة مائة مرقعة، ثم جلست عند مولاي العربي فلما جلست بين يديه قال لي: جعلك الله كالجيلاني، فقال له سيدي البوزيدي: يا سيدي أنا قلت كالجنيد، فقال: يجمع الله بينهما بفضله، ثم أخذت الطريق من سيدي البوزيدي ولما لقنني الورد التفت إلى بعض الفقراء وقال: سيدي احمد متصف بالزهد والورع والتوكل والصبر والحلم والرضى والتسليم والشفقة والرحمة والسخاء والكرم حتى عد اثني عشر مقاما، فقلت له: يا سيدي هذا هو التصوف؟ فقال: هذا تصوف الظاهر، أما تصوف الباطن فستعرفه إن شاء الله.
ذكر خدمته الشيخ
بقي الشيخ يتردد لزيارة شيخه سبع سنين، ثم طلب منه الشيخ بناء دار له فقام ببنائها من ماله الخاص وشارك في البناء بيديه حتى أكملها، قال الشيخ: فبنى الله لي ثلاثة من الدور، وهذه سنة الله فيمن خدم أولياءه، ثم قمت بزواج الشيخ ووضعت عنده النفقة التي يحتاجها من مالي، فلما أردت الخروج رفع الشيخ يديه وقال: بارك الله فيك وفي ذريتك وأولاد أولادك ومن تعلق بك إلى يوم القيامة.
وبنيت له مسجدا من مالي أنا وأخي حتى إذا نفدت النفقة بعت بعض كتبي وتسلفت الباقي حتى أكملت بناء المسجد، ثم بقي الشيخ يرسل إلي في حوائجه والحمد لله فأقضيها كلها.
ذكر ما ارتكبه من الأهوال
قال الشيخ: وقد كنت قبل الدخول في الطريق متلبسا بشيء من الدنيا، فلما دخلت الطريق ذهب ذلك كله وأنفقته في خدمة الشيخ، وكنت حائزا لرئاسة العلم معظما عند الخاص والعام، نتردد عند الولاة للشفاعة، إذا خرجت للسوق يتسابق الناس للسلام علي، متهما عند الناس بالولاية العظمى، فلما أخذت الورد من الشيخ لبست جلابية غليظة شديدة الخشونة قبيحة المنظر، فلما رآني الشيخ بها فرح فرحا شديدا، وتحقق أنه سيفتح علي في الحقائق، ولما دخلت البلد مع بعض الفقراء رافعين أصواتنا بالهيللة والناس ينظرون إلي ويتعجبون سمعت نفسي من داخلي تستغيث وتصيح وأخذ العرق يتصبب مني لأن هذا أول خرق رأته نفسي لها، وعلقت السبحة في عنقي، فلما رآني أهل الدار قاموا ليمنعوني من ذلك، فلما رأوا عزمي على ذلك سلموا وبكوا علي بكاء الميت، وتعزوا فينا تعزية الميت فكانت قوافل النساء تأتي أهل الدار وتعزيهم فينا، وحزن علينا أهل تطوان حزنا شديدا، ولما رأيت الناس لا يفارقوني استأذنت الشيخ بلبس المرقعة فأذن لي، فلما لبستها فر الناس مني فوجدت لذلك راحة كبيرة، ثم كتب إلي الشيخ أن اخرج عن كل ما يفضل عندك من الرزق وتصدق به، ولا تبق إلا قوت يوم أو يومين، فأخرجت ما أمرني به الشيخ، ثم كتب بعدها: أن اخدم الفقراء بنفسك واغسل ثيابهم واشتر لهم الصابون وأطعمهم ما عندك، ففعلت ذلك كله، ثم أمرني بالسؤال في الحوانيت وأبواب المساجد، فما رأيت في الدنيا أصعب منه، ولا أجهز لأوداج النفس منه، ولقد كنت أخرج بنية ذلك وأدور في السوق فيمنعني الحياء، فأرجع وأغبط من يفعل ذلك من الفقراء، وكانت نفسي تتمنى الموت الحسي مرارا في اليوم، حتى إذا كان يوم جمعة حلفت لها بالأيمان المغلظة لتبدأن بالسؤال هذا اليوم، فلما سلم الإمام خرجت لباب الجامع فجلست بين عجائز بعضهم عميان وبعضهم فقراء ومددت يدي للسؤال، فكان الناس يمرون بي ويغطون وجوههم حياء مني لئلا يرونني على تلك الحال، ثم قمت إلى الباب ومددت يدي للسؤال، ثم فعلت ذلك في مساجد تطوان كلها، ثم انطلقت إلى الحوانيت والأسواق، فكان ذلك وردي كل يوم بعد صلاة العصر، واستأذنت الشيخ بالعزلة والصمت فكتب إلي أن اذهب إلى السوق واجلس فيه من الصباح إلى المساء، تفعل ذلك يوما بيوم، قال لي: يوما تذكر فيه الأحباب ويوما تحبس في السوق، ففعلت ذلك مدة شهر رمضان، ثم أمرني بكنس السوق، وحمل زبله على ظهري إلى خارج المدينة، فكنسته مرات وكنت أحمل الزبل على عاتقي أيام الشتاء والماء يسيل على ظهري، ثم أمرني بركوب الحمار وأسير به في الأسواق، فركبته مرات وتسايرت به المدينة كلها، وكنت أتعمد أهل الإنكار أكثر من غيرهم لأستخرج ما تموت به النفس، وكنت أتعمد أهل الإنكار من أقاربي فألح عليهم بالسؤال وأظهر لهم الرغبة في الدنيا أكثر من غيرهم قصدا للإخلاص وقتل النفس، ثم أمرني بحمل الجراب، فكنت أحمله على ظهري وأنا إمام، فإذا حان وقت الصلاة علقته في المحراب، فإذا قضيت الصلاة حملته، وكنت أسمع الهاتف يقول: زد ، صفّ سبيكتك، ثم سقيت بالقربة في الأسواق والطرق والحوانيت ولم يأمرني الشيخ به، وبقيت هكذا حتى تكرم ربنا بالفتح والحمد لله على عطائه.
ابتلاء الله له
تزوج الشيخ ست نسوة رزقه الله من الأولى اثنا عشر ولدا مات منهم عشرة وبقيت بنتان، ثم تزوج أخرى فولد له منها بنتا سقطا ثم ماتت رحمها الله، ثم تزوج أخرى فرزقه الله ستة من الأولاد مات منهم أربعة وبقي اثنان، ثم تزوج أخرى فولد له منها ستة من الأولد مات منهم خمسة وبقي واحد، فجميع ما توفاه الله من أبناء الشيخ عشرون.
قال الشيخ: لما ظهر الطريق وانتشر ذكر الله تعالى نقم علينا بعض الناس، فعمل علينا بعض شهادات الزور، ثم ادعى بعض العوام على أخي أنه دخل داره ولقن امرأته الورد في غيبته، ورفع ذلك إلى قائد الشرطة فأمر به إلى السجن، وأدخلت السجن معه، والله ما رأينا أطيب من أيام السجن، لقد انقلب إلى زاوية وصار كله يذكر الله، ثم إن القائد جمع العلماء والشرفاء وأكابر البلد ثم أخرجنا من السجن وأمرنا بالرجوع عن طريق الله وأكرهنا على ذلك فرجعنا بألسنتنا وأعطينا شهادتنا بالرجوع والقلب مطمئن بالإيمان، ثم أخرجونا من الزاوية وأقفلوها، ثم فررنا بأنفسنا من البلد إلى الصحراء، وبقينا نحوا من خمسين يوما.
ذكر من شهد له بالخصوصية
فمن ذلك ما شهد لنا به شيخنا رضي الله عنه قال: والله ليكونن لك شأن عظيم (ثلاثا) ثم قال: والله لتكونن جامعا بين الشريعة والحقيقة، وممن شهد لنا على وجه الإخبار شيخ شيخنا العارف الكبير مولاي العربي رضي الله عنه حيث ذهبت للسلام عليه فقال لي: أسيدي أحمد قوم تشرعوا ولم يتصوفوا ، وقوم تصوفوا ولم يتشرعوا، وقوم جعلوا الشريعة بابا والحقيقة بابا، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون، ثم التفت إلي وقال: وأنت منهم، فقلت له كذلك، فقال لي: والدك سيدي محمد بوزيد، فقال: أنا وهو ذات واحدة، وهو خليفتي حيا وميتا، رضي الله عنهم أجمعين.
ومن ذلك ما أخبر به سيدي عيسى الودراسي قال: رأيت في المنام قائلا يقول لي: الليلة أعطي سيدي أحمد بن عجيبة التصرف في الكون، ومن ذلك ما قاله الحاج الزكامي: رأيت مولاي العربي وهو يقول: ها نحن ألبسنا صاحبك سيدي أحمد التاج، وقال أيضا: رأيت الأولياء اجتمعوا وقالوا: نتفق على السلطان، فقال قائل: السلطان ببني زروال مولاي العربي، وخليفته بتطوان سيدي أحمد بن عجيبة.
توفي رضي الله عنه سنة 1224 هـ بالطاعون في دار أستاذه في مدينة غُمارة، ودفن على ربوة " زميج" على بعد (20) كم من طنجة، ومقامه يزار للتبرك والدعاء عنده، وتحتفل الطريقة الدرقاوية بموسمه في (14) أيلول من كل عام، رضي الله عنه ونفعنا به وبعلومه آمين.
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر