فضائل مصر المحروسة
2
المؤلف : ابن الكندي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالله التوفيق والإعانة
ذكر أهل العلم والمعرفة
والرواية أنه دخل مصر في فتحها ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة
رجل ونيف. وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع
ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. منهم الزبير بن
العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن
عبيد، وعقبة بن عامر وأبو ذر ومحمية بن جزء ونبيه بن صؤاب، ورافع بن مالك،
وربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وسعد بن أبي وقاص وعمرو ابن علقمة، وعبد الله
بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وخارجة بن حذافة، وعبد الله
بن سعد بن أبي سرح، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحمد
بن مسلمة، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب ورويفع بن ثابت، وهبيب بن مغفل، وكعب
بن ضنة، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة
وغيرهم.
من كان بمصر من الفقهاء والعلماء
وأما من كان بها من
الفقهاء والعلماء، فمنهم: يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وله مذهب
انفرد به. وهو الذي أخرج الرشيد من يمينه التي عجز عنها فقهاء الدنيا،
ومنهم عبد الله بن وهب يفوق بتصنيفه جماعة من الفقهاء المصنفين، وله من
تصنيفه نحو مائة جزء، ومنهم عبد الله بن لهيعة، له منزلة في الفقه والحديث
والأخبار، ومنهم أشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى،
ومحمد بن عبد الحكم، والمزنى، والربيع المؤذن، وأحمد بن سلامة الطحاوي،
وكل واحد منهم قد برع في مذهبه، ونجم على أهل عصره، ولكل واحد منهم من
الكتب المصنفة ما يعجز عن نظيرها أهل النيا. ومنهم سعيد بن عفير، ويحيى بن
عثمان، وابن قديد، ومحمد بن يوسف الكندي، والميسرى، وابن أبي خيثمة، وكل
واحد منهم قد فاق أهل عصره وبرز عليهم في الفقه والعلم والأخبار وأيام
الناس والافتنان في سائر العلوم.
من كان بمصر من الزهاد
وكان بها من
الزهاد، حيوة بن شريح، وسليم بن عتر، وسليمان بن القاسم، وأبو الربيع
الزبدي، وسعيد الأدم، وإدريس الخولاني وذو النون المصري وغير من ذكرناهم،
ونشأ بينهم هانئ ابن المنذر. وشاعرهم: حبيب بن أوس الطائي. وفارسهم: مالك
بن ناعمة، فارس الشقر. ومتكلمهم: غيلان أبو مروان، رئيس الغيلانية.
من ولد بمصر من الخلفاء
وولد بها من الخلفاء، عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله.
من دخل مصر من الفقهاء وغيرهم
وأما
من دخلها من الفقهاء وغيرهم، فالشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة
ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد وإبراهيم بن أدهم، ومنصور
بن عمار المتكلم.
من دخل مصر من الخلفاء
ودخلها من الخلفاء معاوية،
ومروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، ومروان بن
محمد، والسفاح، والمنصور، والمأمون، والمعتصم، والواثق.
من دخل مصر من الشعراء
ودخلها
من الشعراء، نصيب، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعبيد الله بن قيس الرقيات،
والأحوص وعبد الله بن الزبير، وأبو ذؤيب، ومعلى الطائي، وأبو نواس، ودعبل
بن علي الخزاعي، والغيداق، وزبدة، وأبو صعصعة، وأبو حجلة وأبو نجاد، وابن
حذار، والحسين الجمل، وغير من ذكرناهم.
ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار
وأما
ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها،
فروى أبو بصرة الغفاري قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض
كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام.
" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " .
ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض
1/5)
وجعلها
الله تعالى متوسطة الدنيا، وهي في الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حر
الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس والسابع، فطاب
هواؤها، ونقي جوها وضعف حرها، وخف بردها، وسلم أهلها من مشاتي الجبال،
ومصائف عمان، وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة، وجرب اليمن، وطواعين الشام،
وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين، وحمى خيبر، وأمنوا من
غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكائد الديلم، وسرايا القرامطة،
وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزقها؛ وقرب تصرفها، فكثر
خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد. وذكر أن مصر مصورة في كتب الأوائل، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
وأجمع
أهل المعرفة: أن أهل الدنيا مضطرون إلى مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق
بها، وأهلها لا يطلبون الرزق في غيرها، ولا يسافرون إلى بلد سواها، حتى لو
ضرب بينها وبين بلاد الدنيا لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
ورى
عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، حديث، يرفعه إلى الله عز وجل يقول يوم
القيامة لساكني مصر فيما يعدد عليهم من نعمته ألم أسكنكم مصر، فكنتم
تشبعون من خبزها وتروون من مائها، أمسكوا على أفواهكم.
وقال يحيى بن
سعيد: جلت البلاد فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه إلا بالمدينة
وبمصر. وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشام
لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إني لأحب مصر وأهلها؛ لأنها
بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها
بسوء كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وروى عن شفي بن عبيد
الأصبحي، أنه قال: مصر بلدة معافاة من الفتن لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه
الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه الله.
وذكر أهل العلم أنه مكتوب في التوراة: بلد مصر خزانة الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله.
وقال
أبو الربيع السائح: نعم البلد مصر، يحج منها بدينارين، ويغزى منها
بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.
وذكر
يحيى بن عثمان، عن أحمد بن عبد الكريم، قال: جلت الدنيا، ورأيت أهلها،
ورأيت آثار الأنبياء والملوك والحكماء، ورأيت بناء كسرى وقيصر وغيرهما من
ملوك الأرض، ورأيت آثار سليمان بن داود عليهما السلام ببيت المقدس وتدمر،
والأردن، وما بنته الشياطين بتدبير النبوة، فلم أر مثل برابي مصر على
حكمتها، ولا مثل الآثار التي بها، والأبنية التي لملوكها وحكمائها.
كور مصر
وبمصر
ثمانون كورة، ليس منها كورة إلا وفيها طرائف وعجائب من أصناف البر
والأبنية والنتاج والشراب والطعام والفاكهة وجميع ما ينتفع به الناس،
ويدخره الملوك، يعرف كل صنف من كورته، وينسب كل لون إلى كورته، وصعيدها
أرض حجازية، حرها كحر الحجاز، تنبت النخل والأراك والقرط والدوم والعشر،
وأسفل أرضها شامي تمطر مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين
والموز والجوز وسائر الفاكهة، والبقول والرياحين، ويقع به الثلج.
ومنها
كورة لوبية ومراقية برابى وجبال وغياض، وزيتون وكروم برية بحرية جبلية،
بلاد إبل وماشية، ونتاج وعسل ولبن وفي كل كورة من مصر مدينة، قال تعالى "
وابعث في المدائن حاشرين " .
وفي كل مدينة منها آثار عجيبة من الأبنية
والصخور والرخام والبرابي، وتلك المدن كلها تأتي من السفن تحمل الطعام
والمتاع والآلات إلى الفسطاط تحمل السفينة الواحدة ما يحمله خمسمائة بعير
2
المؤلف : ابن الكندي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالله التوفيق والإعانة
ذكر أهل العلم والمعرفة
والرواية أنه دخل مصر في فتحها ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة
رجل ونيف. وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع
ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. منهم الزبير بن
العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن
عبيد، وعقبة بن عامر وأبو ذر ومحمية بن جزء ونبيه بن صؤاب، ورافع بن مالك،
وربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وسعد بن أبي وقاص وعمرو ابن علقمة، وعبد الله
بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وخارجة بن حذافة، وعبد الله
بن سعد بن أبي سرح، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحمد
بن مسلمة، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب ورويفع بن ثابت، وهبيب بن مغفل، وكعب
بن ضنة، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة
وغيرهم.
من كان بمصر من الفقهاء والعلماء
وأما من كان بها من
الفقهاء والعلماء، فمنهم: يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وله مذهب
انفرد به. وهو الذي أخرج الرشيد من يمينه التي عجز عنها فقهاء الدنيا،
ومنهم عبد الله بن وهب يفوق بتصنيفه جماعة من الفقهاء المصنفين، وله من
تصنيفه نحو مائة جزء، ومنهم عبد الله بن لهيعة، له منزلة في الفقه والحديث
والأخبار، ومنهم أشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى،
ومحمد بن عبد الحكم، والمزنى، والربيع المؤذن، وأحمد بن سلامة الطحاوي،
وكل واحد منهم قد برع في مذهبه، ونجم على أهل عصره، ولكل واحد منهم من
الكتب المصنفة ما يعجز عن نظيرها أهل النيا. ومنهم سعيد بن عفير، ويحيى بن
عثمان، وابن قديد، ومحمد بن يوسف الكندي، والميسرى، وابن أبي خيثمة، وكل
واحد منهم قد فاق أهل عصره وبرز عليهم في الفقه والعلم والأخبار وأيام
الناس والافتنان في سائر العلوم.
من كان بمصر من الزهاد
وكان بها من
الزهاد، حيوة بن شريح، وسليم بن عتر، وسليمان بن القاسم، وأبو الربيع
الزبدي، وسعيد الأدم، وإدريس الخولاني وذو النون المصري وغير من ذكرناهم،
ونشأ بينهم هانئ ابن المنذر. وشاعرهم: حبيب بن أوس الطائي. وفارسهم: مالك
بن ناعمة، فارس الشقر. ومتكلمهم: غيلان أبو مروان، رئيس الغيلانية.
من ولد بمصر من الخلفاء
وولد بها من الخلفاء، عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله.
من دخل مصر من الفقهاء وغيرهم
وأما
من دخلها من الفقهاء وغيرهم، فالشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة
ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد وإبراهيم بن أدهم، ومنصور
بن عمار المتكلم.
من دخل مصر من الخلفاء
ودخلها من الخلفاء معاوية،
ومروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، ومروان بن
محمد، والسفاح، والمنصور، والمأمون، والمعتصم، والواثق.
من دخل مصر من الشعراء
ودخلها
من الشعراء، نصيب، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعبيد الله بن قيس الرقيات،
والأحوص وعبد الله بن الزبير، وأبو ذؤيب، ومعلى الطائي، وأبو نواس، ودعبل
بن علي الخزاعي، والغيداق، وزبدة، وأبو صعصعة، وأبو حجلة وأبو نجاد، وابن
حذار، والحسين الجمل، وغير من ذكرناهم.
ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار
وأما
ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها،
فروى أبو بصرة الغفاري قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض
كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام.
" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " .
ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض
1/5)
وجعلها
الله تعالى متوسطة الدنيا، وهي في الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حر
الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس والسابع، فطاب
هواؤها، ونقي جوها وضعف حرها، وخف بردها، وسلم أهلها من مشاتي الجبال،
ومصائف عمان، وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة، وجرب اليمن، وطواعين الشام،
وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين، وحمى خيبر، وأمنوا من
غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكائد الديلم، وسرايا القرامطة،
وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزقها؛ وقرب تصرفها، فكثر
خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد. وذكر أن مصر مصورة في كتب الأوائل، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
وأجمع
أهل المعرفة: أن أهل الدنيا مضطرون إلى مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق
بها، وأهلها لا يطلبون الرزق في غيرها، ولا يسافرون إلى بلد سواها، حتى لو
ضرب بينها وبين بلاد الدنيا لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
ورى
عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، حديث، يرفعه إلى الله عز وجل يقول يوم
القيامة لساكني مصر فيما يعدد عليهم من نعمته ألم أسكنكم مصر، فكنتم
تشبعون من خبزها وتروون من مائها، أمسكوا على أفواهكم.
وقال يحيى بن
سعيد: جلت البلاد فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه إلا بالمدينة
وبمصر. وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشام
لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إني لأحب مصر وأهلها؛ لأنها
بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها
بسوء كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وروى عن شفي بن عبيد
الأصبحي، أنه قال: مصر بلدة معافاة من الفتن لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه
الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه الله.
وذكر أهل العلم أنه مكتوب في التوراة: بلد مصر خزانة الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله.
وقال
أبو الربيع السائح: نعم البلد مصر، يحج منها بدينارين، ويغزى منها
بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.
وذكر
يحيى بن عثمان، عن أحمد بن عبد الكريم، قال: جلت الدنيا، ورأيت أهلها،
ورأيت آثار الأنبياء والملوك والحكماء، ورأيت بناء كسرى وقيصر وغيرهما من
ملوك الأرض، ورأيت آثار سليمان بن داود عليهما السلام ببيت المقدس وتدمر،
والأردن، وما بنته الشياطين بتدبير النبوة، فلم أر مثل برابي مصر على
حكمتها، ولا مثل الآثار التي بها، والأبنية التي لملوكها وحكمائها.
كور مصر
وبمصر
ثمانون كورة، ليس منها كورة إلا وفيها طرائف وعجائب من أصناف البر
والأبنية والنتاج والشراب والطعام والفاكهة وجميع ما ينتفع به الناس،
ويدخره الملوك، يعرف كل صنف من كورته، وينسب كل لون إلى كورته، وصعيدها
أرض حجازية، حرها كحر الحجاز، تنبت النخل والأراك والقرط والدوم والعشر،
وأسفل أرضها شامي تمطر مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين
والموز والجوز وسائر الفاكهة، والبقول والرياحين، ويقع به الثلج.
ومنها
كورة لوبية ومراقية برابى وجبال وغياض، وزيتون وكروم برية بحرية جبلية،
بلاد إبل وماشية، ونتاج وعسل ولبن وفي كل كورة من مصر مدينة، قال تعالى "
وابعث في المدائن حاشرين " .
وفي كل مدينة منها آثار عجيبة من الأبنية
والصخور والرخام والبرابي، وتلك المدن كلها تأتي من السفن تحمل الطعام
والمتاع والآلات إلى الفسطاط تحمل السفينة الواحدة ما يحمله خمسمائة بعير
(1/6)
ومنها:
الإسكندرية في أبنيتها وعجائبها وآثارها، وأجمع الناس أنه ليس في الدنيا
مدينة على ثلاث طبقات غيرها، ولما دخلها عبد العزيز بن مروان وهو إذ ذاك
أمير مصر، قال لعاملها حين رأى آثارها وعجائبها: أخبرني كم كان عدد أهلها
في أيام الروم؟ قال: والله أيها الأمير ما أدرك علم هذا أحد من الملوك قط،
ولكن أخبرك كم كان فيها من اليهود، فإن ملك الروم أمر بإحصائهم فكانوا
ستمائة ألف. قال: فما هذا الخراب الذي في أطرافها؟ قال: بلغني عن بعض ملوك
فارس حين ملكوا مصر، أنه أمر بفرض دينار على كل محتلم لعمران الإسكندرية،
فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم، وقالوا: أيها الملك لا تتعب، فإن ذا القرنين
الإسكندر أقام على بنائها ثلاثمائة سنة. ولقد أقام أهلها سبعين سنة لا
يمشون فيها نهاراً إلا بخرق سود في أيديهم، خوفاً على أبصارهم من شدة
بياضها.
ومن فضائلها ما قاله المفسرون من أهل العلم: إنها المدينة التي
وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، فقال: " إرم ذات العماد التي لم يخلق
مثلها في البلاد " .
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا
مصري، أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، قال: أتأتي الإسكندرية؟ قلت: نعم، قال
لي: تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه.
وقال عبد الله بن مرزوق
الصدفي: لما نعى إلي ابن عمي خالد بن يزيد وكان توفي بالإسكندرية لقيني
موسى بن علي بن رباح، وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرقين، كلهم
يقولون: أليس مات بالإسكندرية! فأقول: بلى فيقولون: هو حي عند الله يرزق،
ويجري عليه أجر رباطه ما قامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يحشر على ذلك.
ومن عجائبها المنارة، وطولها مائتان وثمانون ذراعاً، وكان لها مرآة ترى فيها من يمر بالقسطنطينية.
وفيها
الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه، لا يرى أحدهم شيئاً دون صاحبه ولا
يتظالمون، ينظر وجه كل واحد منهم تلقاء وجه صاحبه، إن عمل أحدهم شيئاً أو
تكلم أو قرأ كتاباً أو لعب لوناً من الألوان سمعه الباقون، ونظر إليه
القريب والبعيد سواء.
وفيه كانوا يترامون بالكرة، فمن دخلت كمه ولي
مصر، وكان عمرو بن العاص قد دخل تاجراً في الجاهلية بالأدم والقطن، فشهد
هذا الملعب فيمن ينظر، فدخلت الكرة كمه، فأنكروا ذلك، وقالوا: ما كذبتنا
هذه الكرة قط! أنى لهذا الأعرابي بولاية مصر! فأعادوها، فعادت الكرة إلى
كمه مرات فتعجبوا من ذلك، إلى أن جاء الله بالإسلام، وكان من أمره ما كان.
وبها السواري والمسلتان، وعجائبهما وآثارهما أكثر من أن تحصى، حتى إن خليجها مبلط بالرخام من أوله إلى آخره يوجد كذلك إلى اليوم.
وقال الذين ينظرون في الأعمار والأهوية والبلدان بمريوط من كورة الإسكندرية، ووادي فرغانة.
وذكر
أهل العلم أن المنارة كانت في وسط الإسكندية حتى غلب عليه البحر، فصارت في
جوفه، ترى الأبنية والأساسات في البحر عياناً إلى يوم القيامة.
ومنها
كورة الفيوم: وهي ثلاثمائة وستون قرية، دبرت على عدد أيام السنة لا تقصر
عن الري، فإن قصر النيل سنة من السنين مارت كل قرية منها مصر يوماً واحداً.
وليس في الدنيا بلد بني بالوحى غير هذه الكورة، ولا بالدنيا بلد أنفس منه ولا أخصب ولا أكثر خيراً ولا أغزر أنهاراً.
ولو
قايسنا بأنهار الفيوم أنهار البصرة ودمشق، لكان لنا بذلك الفضل. ولقد عد
جماعة من أهل العقل والمعرفة مرافقها وخيرها فإذا هي لا تحصى، فتركوا ذلك
وعدوا ما فيها من المباح مما ليس عليه ملك لأحد من مسلم ولا معاهد يستعين
به القوي والضعيف فإذا هو فوق السبعين صنفاً.
ومنها مدينة منف،
وأبنيتها وعجائبها وأصنامها ودفائنها وكنوزها أكثر من أن تحصى، لا يدفع
ذلك دافع، ولا ينكره منكر، من آثار الملوك والحكماء والأنبياء.
قال
إبراهيم بن منقذ الخولاني: خرجنا إلى منف، فإذا بعثمان بن صالح جالس على
باب الكنيسة فسلمنا عليه، فقال أتدرون ما مكتوب على باب الكنيسة؟ قلنا: ما
هو؟ قال: مكتوب عليه، أنا فلان بن فلان، لا تلموني على صغر هذه الكنيسة،
فإني اشتريت كل ذراع منها بمائة دينار، فقلنا: إن لهذه قصة، فقال: ها هنا
وكز موسى عليه السلام الرجل فقتله.
ومنها:
الإسكندرية في أبنيتها وعجائبها وآثارها، وأجمع الناس أنه ليس في الدنيا
مدينة على ثلاث طبقات غيرها، ولما دخلها عبد العزيز بن مروان وهو إذ ذاك
أمير مصر، قال لعاملها حين رأى آثارها وعجائبها: أخبرني كم كان عدد أهلها
في أيام الروم؟ قال: والله أيها الأمير ما أدرك علم هذا أحد من الملوك قط،
ولكن أخبرك كم كان فيها من اليهود، فإن ملك الروم أمر بإحصائهم فكانوا
ستمائة ألف. قال: فما هذا الخراب الذي في أطرافها؟ قال: بلغني عن بعض ملوك
فارس حين ملكوا مصر، أنه أمر بفرض دينار على كل محتلم لعمران الإسكندرية،
فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم، وقالوا: أيها الملك لا تتعب، فإن ذا القرنين
الإسكندر أقام على بنائها ثلاثمائة سنة. ولقد أقام أهلها سبعين سنة لا
يمشون فيها نهاراً إلا بخرق سود في أيديهم، خوفاً على أبصارهم من شدة
بياضها.
ومن فضائلها ما قاله المفسرون من أهل العلم: إنها المدينة التي
وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، فقال: " إرم ذات العماد التي لم يخلق
مثلها في البلاد " .
وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا
مصري، أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، قال: أتأتي الإسكندرية؟ قلت: نعم، قال
لي: تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه.
وقال عبد الله بن مرزوق
الصدفي: لما نعى إلي ابن عمي خالد بن يزيد وكان توفي بالإسكندرية لقيني
موسى بن علي بن رباح، وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرقين، كلهم
يقولون: أليس مات بالإسكندرية! فأقول: بلى فيقولون: هو حي عند الله يرزق،
ويجري عليه أجر رباطه ما قامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يحشر على ذلك.
ومن عجائبها المنارة، وطولها مائتان وثمانون ذراعاً، وكان لها مرآة ترى فيها من يمر بالقسطنطينية.
وفيها
الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه، لا يرى أحدهم شيئاً دون صاحبه ولا
يتظالمون، ينظر وجه كل واحد منهم تلقاء وجه صاحبه، إن عمل أحدهم شيئاً أو
تكلم أو قرأ كتاباً أو لعب لوناً من الألوان سمعه الباقون، ونظر إليه
القريب والبعيد سواء.
وفيه كانوا يترامون بالكرة، فمن دخلت كمه ولي
مصر، وكان عمرو بن العاص قد دخل تاجراً في الجاهلية بالأدم والقطن، فشهد
هذا الملعب فيمن ينظر، فدخلت الكرة كمه، فأنكروا ذلك، وقالوا: ما كذبتنا
هذه الكرة قط! أنى لهذا الأعرابي بولاية مصر! فأعادوها، فعادت الكرة إلى
كمه مرات فتعجبوا من ذلك، إلى أن جاء الله بالإسلام، وكان من أمره ما كان.
وبها السواري والمسلتان، وعجائبهما وآثارهما أكثر من أن تحصى، حتى إن خليجها مبلط بالرخام من أوله إلى آخره يوجد كذلك إلى اليوم.
وقال الذين ينظرون في الأعمار والأهوية والبلدان بمريوط من كورة الإسكندرية، ووادي فرغانة.
وذكر
أهل العلم أن المنارة كانت في وسط الإسكندية حتى غلب عليه البحر، فصارت في
جوفه، ترى الأبنية والأساسات في البحر عياناً إلى يوم القيامة.
ومنها
كورة الفيوم: وهي ثلاثمائة وستون قرية، دبرت على عدد أيام السنة لا تقصر
عن الري، فإن قصر النيل سنة من السنين مارت كل قرية منها مصر يوماً واحداً.
وليس في الدنيا بلد بني بالوحى غير هذه الكورة، ولا بالدنيا بلد أنفس منه ولا أخصب ولا أكثر خيراً ولا أغزر أنهاراً.
ولو
قايسنا بأنهار الفيوم أنهار البصرة ودمشق، لكان لنا بذلك الفضل. ولقد عد
جماعة من أهل العقل والمعرفة مرافقها وخيرها فإذا هي لا تحصى، فتركوا ذلك
وعدوا ما فيها من المباح مما ليس عليه ملك لأحد من مسلم ولا معاهد يستعين
به القوي والضعيف فإذا هو فوق السبعين صنفاً.
ومنها مدينة منف،
وأبنيتها وعجائبها وأصنامها ودفائنها وكنوزها أكثر من أن تحصى، لا يدفع
ذلك دافع، ولا ينكره منكر، من آثار الملوك والحكماء والأنبياء.
قال
إبراهيم بن منقذ الخولاني: خرجنا إلى منف، فإذا بعثمان بن صالح جالس على
باب الكنيسة فسلمنا عليه، فقال أتدرون ما مكتوب على باب الكنيسة؟ قلنا: ما
هو؟ قال: مكتوب عليه، أنا فلان بن فلان، لا تلموني على صغر هذه الكنيسة،
فإني اشتريت كل ذراع منها بمائة دينار، فقلنا: إن لهذه قصة، فقال: ها هنا
وكز موسى عليه السلام الرجل فقتله.
(1/7
ومنها
مدينة عين شمس، وهي هيكل الشمس، وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما
ولا من شأنهما، فإنهما محمولان على وجه الأرض ليس لهما أساس، وطولهما في
السماء نحو خمسين ذراعاً، فيهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه
الصومعتين، من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأسهما ماء، وتستبينه وتراه
منهما واضحاً ينبع.
ومنها. الفرما، وهي أكثر عجائب وأقدم آثاراً، ويذكر أهل مصر أنه كان منها طريق إلى جزيرة قبرس في البر، فغلب عليها البحر.
ويقولون: غلب البحر على مقطع الرخام الأبلق، وأن مقطع الأبيض بلوبية.
قال
يحيى بن عثمان: كنت أرابط بالفرما، وكان بينها وبين البحر قريب من يوم،
يخرج الناس والمرابطون في أخصاص على الساحل، ثم علا البحر على ذلك كله.
وقال
ابن قديد: توجه ابن المدبر وكان بتنيس إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة
شرقي الحصن احتاج أن يعمل منها جيرا. فلما قلع منها حجراً أو حجرين خرج
إليه أهل الفرما بالسلاح فمنعوه من قلعها، وقالوا هذه الأبواب التي قال
الله عز وجل فيها على لسان يعقوب: " وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد
وادخلوا من أبواب متفرقة " .
وبالفرما نخلها العجيب الذي يثمر حين
ينقطع البسر والرطب من ثائر الدنيا، فيبتدئ هذا الرطب من حين يلد النخل في
الكوانين، فلا ينقطع أربعة أشهر حتى يجيء البلح في الربيع. ولا يوجد ذلك
في بلد من البلدان، لا بالبصرة ولا بالحجاز ولا باليمن، ولا بغيرها من
البلدان. ويكون هذا في البسرمازون البسرة منه عشرون درهماً وأكثر. وفيه ما
يكون طول البسرة منه قريباً من فتر.
وقال ابن التختكان: أربع كور بمصر
ليس على وجه الأرض أفضل منها ولا تحت السماء لها نظير، كورة الفيوم، وكورة
أتريب، وكورة سمنود، وكورة صا.
خراج مصر
وأما خراجها فجباها عمرو بن
العاص أول سنة فتحها عشرة آلاف ألف دينار، وكتب إليه عمر بن الخطاب يعجز
رأيه ويقول: جبيت للروم عشرين ألف ألف دينار، فلما كان في العام المقبل
جباها اثني عشر ألف ألف دينار، فلما عزل عثمان عمراً منها، وولي عبد الله
بن أبي سرح، زاد على القبط في الخراج والمؤن، فبلغت أربعة عشر ألف ألف
دينار، فقال عثمان لعمرو. درت اللقحة، فقال عمرو: وأضررتم بالفصيل، فأدبرت
منه يومئذ، ولم تزل تنقص إلى اليوم. فما جبيت في أيام بني أمية وبني
العباس إلا دون الثلاثة الآلاف ألف دينار غير ولاية أمير المؤمنين هشام،
فإنها جباها ابن الحبحاب أربعة آلاف ألف، وولاية بني طولون بالغوا في
عمارتها فجباها أبو الجيش أربعة آلالف ألف دينار.
وولي خراجها ابن
الحبحاب لأمير المؤمنين هشام، فخرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها
وغامرها مما يركبه النيل فوجد فيها ثلاثين ألف ألف فدان.
وقال الليث بن
سعد: ولي الخراج الوليد بن رفاعة لأمير المؤمنين هشام، فخرج لإحصاء
الجماجم والقرى، فأقام ستة أشهر بالصعيد، وبأسفل الأرض ثلاثة أشهر، فأحصى
فوق عشرة آلاف قرية، أصغر قرية فيها خمسمائة جمجمة من القبط، تكون جملة
ذلك خمسة آلاف ألف.
وولي الخراج أسامة بن يزيد لأمير المؤمنين سليمان،
فكتب إليه أن احلب الدر حتى ينقطع، واحلب الدم حتى ينصرم. فذلك أول شدة
أصابت أهل مصر، فقال سليمان يوماً وقد أعجبه ما فعل أسامة: أسامة لا يرتشي
ديناراً ولا درهماً، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنا أدلك على من هو شر من
أسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً؛ قال: من هو؟ قال: عدو الله إبليس،
فغضب سليمان وقام من مجلسه، فلما توفي أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك
وولي عمر بن عبد العزيز وجه في عزل أسامة قبل دفن سليمان وولي حيان بن
شريح، وأمره أن يحبس أسامة في كل جند ستة أشهر، وأسامة بنى المقياس القديم.
وكتب
المنصور إلى محمد بن سعيد: وكان يلي خراج مصر يستحثه بالخراج، فكتب إليه
يشكو اختلالها، وأنها تحتاج إلى إنفاق فإنها ترد أضعاف ما ينفق فوافق ذلك
خروج بن الحسن فكتب إليه:
لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج
فزاد ذلك في انكسارها واختلالها
وذكر
أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال للمقوقس: ويحك إنك قد وليت هذا المصر
ثلاثين سنة، فبم تكون عمارتها؟ قال: بخصال؛ منها أن تحفر خلجها وتسد
جسورها وترعها، ولا يؤخذ خراجها إلا من غلتها، ولا يقبل مطل أهلها، ويوفى
لهم بالشروط، وتدر الأرزاق على العمال، لئلا يكون تأخيرها سبباً للارتشاء،
ويرفع عن أهلها المعاون والهدايا، ليكون ذلك لهم قوة، فبذلك تعمر ويرجى
خراجها.
مناظر مصر وجمالها
وأما ما يعجب من رونق منظرها، فذكر عن
كعب الأحبار أنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا
أخرفت وغذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت
طيرها.
وعن عبد الله بن عمرو قال: من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر
إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى
أطيارها.
وقال المأمون لإبراهيم بن تميم: صف لي مصر حين تخضر زروعها،
ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها، وأوجز. قال جحفلة: الفرس في الربيع،
وعجزه في الرمل. يريد أنها برية بحرية يرتع الفرس في الربيع، ويبرد في
بروده.
وذكر أهل مصر أن موسى بن عيسى الهاشمي وكان أمير مصر، قال لهم
يوماً وهو بالميدان الذي في طرف المقابر: أتتأملون ما أرى؟ قالوا: وما يرى
الأمير؟ قال: أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر ومنازل سكنى، وذروة
جبل، وجبان أموات، ونهراً عجاجاً، وأرض زرع، ومرعى ماشية، ومرتع خيل،
وصائد بحر، وقانص وحش وملاح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل وسهلا وجبلا في
أقل من ميل في ميل.
وذكر أنه صورت للرشيد صورة الدنيا فما استحسن منها
غير بلد أسيوط، وذلك أن مساحته ثلاثون ألف فدان في دست واحد، لو قطرت قطرة
فاضت على جميع جوانبه، ويزرع فيه الكتان والقمح والقرط وسائر أصناف الغلات
فلا يكون على وجه الأرض بساط أعجب منه، ويسايره من جانبه الغربي جبل أبيض
على صورة الطيلسان، كأنه قرنان، ويحف به من جانبه الشرقي النيل، كأنه جدول
فضة، لا يسمع فيه الكلام من شدة أصوات الطير.
وأجمع الناس أنه ليس على وجه الدنيا بساط قرط فيه خيل موقوفة وخيام مضروبة، ونتاج، ومهارى، وسائمة، وقهارمة، إلا بمصر.
ذكر ما ورد في نيل مصر
ومنها
مدينة عين شمس، وهي هيكل الشمس، وبها العمودان اللذان لم ير أعجب منهما
ولا من شأنهما، فإنهما محمولان على وجه الأرض ليس لهما أساس، وطولهما في
السماء نحو خمسين ذراعاً، فيهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه
الصومعتين، من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأسهما ماء، وتستبينه وتراه
منهما واضحاً ينبع.
ومنها. الفرما، وهي أكثر عجائب وأقدم آثاراً، ويذكر أهل مصر أنه كان منها طريق إلى جزيرة قبرس في البر، فغلب عليها البحر.
ويقولون: غلب البحر على مقطع الرخام الأبلق، وأن مقطع الأبيض بلوبية.
قال
يحيى بن عثمان: كنت أرابط بالفرما، وكان بينها وبين البحر قريب من يوم،
يخرج الناس والمرابطون في أخصاص على الساحل، ثم علا البحر على ذلك كله.
وقال
ابن قديد: توجه ابن المدبر وكان بتنيس إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة
شرقي الحصن احتاج أن يعمل منها جيرا. فلما قلع منها حجراً أو حجرين خرج
إليه أهل الفرما بالسلاح فمنعوه من قلعها، وقالوا هذه الأبواب التي قال
الله عز وجل فيها على لسان يعقوب: " وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد
وادخلوا من أبواب متفرقة " .
وبالفرما نخلها العجيب الذي يثمر حين
ينقطع البسر والرطب من ثائر الدنيا، فيبتدئ هذا الرطب من حين يلد النخل في
الكوانين، فلا ينقطع أربعة أشهر حتى يجيء البلح في الربيع. ولا يوجد ذلك
في بلد من البلدان، لا بالبصرة ولا بالحجاز ولا باليمن، ولا بغيرها من
البلدان. ويكون هذا في البسرمازون البسرة منه عشرون درهماً وأكثر. وفيه ما
يكون طول البسرة منه قريباً من فتر.
وقال ابن التختكان: أربع كور بمصر
ليس على وجه الأرض أفضل منها ولا تحت السماء لها نظير، كورة الفيوم، وكورة
أتريب، وكورة سمنود، وكورة صا.
خراج مصر
وأما خراجها فجباها عمرو بن
العاص أول سنة فتحها عشرة آلاف ألف دينار، وكتب إليه عمر بن الخطاب يعجز
رأيه ويقول: جبيت للروم عشرين ألف ألف دينار، فلما كان في العام المقبل
جباها اثني عشر ألف ألف دينار، فلما عزل عثمان عمراً منها، وولي عبد الله
بن أبي سرح، زاد على القبط في الخراج والمؤن، فبلغت أربعة عشر ألف ألف
دينار، فقال عثمان لعمرو. درت اللقحة، فقال عمرو: وأضررتم بالفصيل، فأدبرت
منه يومئذ، ولم تزل تنقص إلى اليوم. فما جبيت في أيام بني أمية وبني
العباس إلا دون الثلاثة الآلاف ألف دينار غير ولاية أمير المؤمنين هشام،
فإنها جباها ابن الحبحاب أربعة آلاف ألف، وولاية بني طولون بالغوا في
عمارتها فجباها أبو الجيش أربعة آلالف ألف دينار.
وولي خراجها ابن
الحبحاب لأمير المؤمنين هشام، فخرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها
وغامرها مما يركبه النيل فوجد فيها ثلاثين ألف ألف فدان.
وقال الليث بن
سعد: ولي الخراج الوليد بن رفاعة لأمير المؤمنين هشام، فخرج لإحصاء
الجماجم والقرى، فأقام ستة أشهر بالصعيد، وبأسفل الأرض ثلاثة أشهر، فأحصى
فوق عشرة آلاف قرية، أصغر قرية فيها خمسمائة جمجمة من القبط، تكون جملة
ذلك خمسة آلاف ألف.
وولي الخراج أسامة بن يزيد لأمير المؤمنين سليمان،
فكتب إليه أن احلب الدر حتى ينقطع، واحلب الدم حتى ينصرم. فذلك أول شدة
أصابت أهل مصر، فقال سليمان يوماً وقد أعجبه ما فعل أسامة: أسامة لا يرتشي
ديناراً ولا درهماً، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنا أدلك على من هو شر من
أسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً؛ قال: من هو؟ قال: عدو الله إبليس،
فغضب سليمان وقام من مجلسه، فلما توفي أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك
وولي عمر بن عبد العزيز وجه في عزل أسامة قبل دفن سليمان وولي حيان بن
شريح، وأمره أن يحبس أسامة في كل جند ستة أشهر، وأسامة بنى المقياس القديم.
وكتب
المنصور إلى محمد بن سعيد: وكان يلي خراج مصر يستحثه بالخراج، فكتب إليه
يشكو اختلالها، وأنها تحتاج إلى إنفاق فإنها ترد أضعاف ما ينفق فوافق ذلك
خروج بن الحسن فكتب إليه:
لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج
فزاد ذلك في انكسارها واختلالها
وذكر
أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال للمقوقس: ويحك إنك قد وليت هذا المصر
ثلاثين سنة، فبم تكون عمارتها؟ قال: بخصال؛ منها أن تحفر خلجها وتسد
جسورها وترعها، ولا يؤخذ خراجها إلا من غلتها، ولا يقبل مطل أهلها، ويوفى
لهم بالشروط، وتدر الأرزاق على العمال، لئلا يكون تأخيرها سبباً للارتشاء،
ويرفع عن أهلها المعاون والهدايا، ليكون ذلك لهم قوة، فبذلك تعمر ويرجى
خراجها.
مناظر مصر وجمالها
وأما ما يعجب من رونق منظرها، فذكر عن
كعب الأحبار أنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا
أخرفت وغذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت
طيرها.
وعن عبد الله بن عمرو قال: من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر
إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى
أطيارها.
وقال المأمون لإبراهيم بن تميم: صف لي مصر حين تخضر زروعها،
ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها، وأوجز. قال جحفلة: الفرس في الربيع،
وعجزه في الرمل. يريد أنها برية بحرية يرتع الفرس في الربيع، ويبرد في
بروده.
وذكر أهل مصر أن موسى بن عيسى الهاشمي وكان أمير مصر، قال لهم
يوماً وهو بالميدان الذي في طرف المقابر: أتتأملون ما أرى؟ قالوا: وما يرى
الأمير؟ قال: أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر ومنازل سكنى، وذروة
جبل، وجبان أموات، ونهراً عجاجاً، وأرض زرع، ومرعى ماشية، ومرتع خيل،
وصائد بحر، وقانص وحش وملاح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل وسهلا وجبلا في
أقل من ميل في ميل.
وذكر أنه صورت للرشيد صورة الدنيا فما استحسن منها
غير بلد أسيوط، وذلك أن مساحته ثلاثون ألف فدان في دست واحد، لو قطرت قطرة
فاضت على جميع جوانبه، ويزرع فيه الكتان والقمح والقرط وسائر أصناف الغلات
فلا يكون على وجه الأرض بساط أعجب منه، ويسايره من جانبه الغربي جبل أبيض
على صورة الطيلسان، كأنه قرنان، ويحف به من جانبه الشرقي النيل، كأنه جدول
فضة، لا يسمع فيه الكلام من شدة أصوات الطير.
وأجمع الناس أنه ليس على وجه الدنيا بساط قرط فيه خيل موقوفة وخيام مضروبة، ونتاج، ومهارى، وسائمة، وقهارمة، إلا بمصر.
ذكر ما ورد في نيل مصر
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر