تختص هذه الدراسة بالبحث في فئة كان لها دور كبير في الحياة العامة في مكة المكرمة خلال فترة الدراسة، وهي فئة القواد، وعلى وجه الخصوص العُمَّرة والحُميضَات. يتطلب الحديث في هذا الموضوع إعطاء تعريف لمدلول قواد؛ فالقواد لغةً مفردها قائد، ويراد به اصطلاحاً المتقدم(1). أما اصطلاحًا فهم "أكابر أتباع أشراف مكة"، "وهم بمثابة الأمراء للملوك"(2). ويمثل هؤلاء القواد طبقة مهمة من طبقات المجتمع المكي، فهم يأتون في الأهمية بعد طبقة الأشراف(3). غير أنهم في الواقع لا يملكون جيشاً خاصاً بهم، بل هم جزء من التركيبة السياسية العسكرية للسلطة في مكة المكرمة. وقد كان لهم قوة ونفوذ كبيران بحيث يستطيعون التأثير على الأوضاع السياسية في مكة المكرمة، وكان الأشراف بأمس الحاجة لدعم هؤلاء القواد ومساندتهم سياسياً وعسكرياً. وفي هذه الدراسة سأركز على فئتين من هؤلاء القواد، وهم من عرفوا بالقواد العُمَّرة، والقواد الحُمَيضات، ومدى نفوذهم وتأثيرهم على الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية في مكة المكرمة خلال الفترة الممتدة ما بين 737- 873هـ/ 1336- 1468م. غير أنه لابد أولاً من إعطاء فكرة عن أصل تسمية كلتا هاتين الفئتين.
ينتسب القواد العمرة إلى جدهم عمر بن مسعود المكي، وكان مسعود مولى لأبي سعد الحسن بن علي بن قتادة أمير مكة المكرمة (647- 651هـ/ 1250-1254م)(4).
أما القواد الحميضات فهم نسبة بالولاء إلى شريف مكة المكرمة حميضة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة (701-720هـ/ 1301-1320م)(5). وقبل أن ندخل في سياق الحديث عن موضوع الدراسة يحسن بنا أن نعطي عرضاً سريعاً عن الأحوال العامة في مكة المكرمة خلال فترة الدراسة.
الأحوال السياسية:
في أواخر القرن السادس الهجري، وبالتحديد في سنة (597هـ/ 1200م) سيطر الشريف قتادة بن إدريس الحسني القادم من ينبع على مكة المكرمة، وأسس بذلك حكم أسرة بني قتادة(6). وتعد فترة حكم الشريف أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة أطول فترة في حكم هذه الأسرة حيث امتدت خمسين عامًا تقريبًا (652-701هـ/1254-1301م) واستطاع بفضل قوة شخصيته وحنكته السياسية أن يحافظ على استقلال مكة المكرمة في وجه مطامع الدولتين المملوكية والرسولية(7). ومن أبرز أمراء مكة المكرمة من أشرافها بعد وفاة أبي نمي، الشريف عجلان بن رميثة بن أبي نمي (744- 774هـ/ 1343- 1373م)، وابناه أحمد (774-788هـ/ 1373-1386م)، وحسن (798- 829هـ/ 1395 - 1426م). والأخير تولى إمارة مكة المكرمة أكثر من مرة، وابنه بركات (829- 859هـ/ 1426- 1455م)(. ثم حفيده محمد بن بركات الذي تولى إمارة مكة المكرمة بين عامي (859- 903هـ/ 1455 - 1497م). وقد اتصفت العلاقات بين أمراء مكة المكرمة من الأشراف، والدولة المملوكية بالتذبذب وعدم الاستقرار؛ فتارة تكون العلاقات جيدة، وتارة تصبح سيئة، كما استغل سلاطين المماليك الصراع بين الأشراف؛ للتدخل في شؤونهم، وتوطيد نفوذهم في مكة المكرمة. الأوضاع الاقتصادية: تقع مكة المكرمة "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:" ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم .. " [إبراهيم: 37] . وتحف بها جبال الحجاز، واشتهرت منذ القدم بقلة الزراعة عدا الوديان القريبة منها التي تعد مورداً أساسياً لتموينها بحاجاتها من المحاصيل الزراعية، ومنها وادي مر(9)، ووادي نخلة(10)، كما أن للطائف أثراً كبيراً في تزويد مكة المكرمة بحاجتها من الفواكه(11)، غير أنه نتيجة للقحط الذي واجه الحجاز في فترات مختلفة من تاريخه اعتمدت مكة المكرمة على المساعدات الاقتصادية التي تأتيها من داخل الجزيرة العربية، وفي مقدمة ذلك إقليم اليمامة، ومن خارجها مثل: الشام ومصر. كما كان بين الحجاز وتلك الأقاليم مبادلات تجارية(12). وتعد الحرف والصناعات من أبرز مناشط الحياة الاقتصادية في مكة المكرمة، ومن تلك الحرف العطارة، والخياطة، والنجارة، والدهان، والمعمار، والبناء، وغيرها. كما أن للتجارة أهمية كبيرة في حياة مكة المكرمة الاقتصادية، حيث اعتمدت على ميناء جدة في تجارتها، وعلى ما يحمله حجاج الجزيرة العربية والأقطار الأخرى من السلع، وتتصف مكة بوجود عدد من الأسواق قريبة من المسجد الحرام، مثل: سوق البزازين، وسوق العطارين، وسوق الحبوب، وسوق الفواكه، وغيرها(13).
الأحوال الاجتماعية:
كان المجتمع المكي يتألف من فئات عدة، يأتي على رأسها:
-الأشراف: الذين يمثلون الطبقة الحاكمة، وينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ]، ويستقر قسم منهم في داخل مكة المكرمة وخارجها، وخاصة في أوديتها، ويقطن قسم ثانٍ في وادي ينبع(14)، وقسم ثالث يستقر في الواديين(15).
- القواد: وهم طبقة متميزة في المجتمع المكي وهم مجال دراستنا.
- سكان مكة المكرمة الأصليون: وهم عرب ينتمون إلى قبائل الحجاز، وعلى رأسها قبيلة قريش.
- المجاورون: وهم أجناس مختلفة قدمت إلى مكة المكرمة بقصد الحج أو طلب العلم، واستقروا بها، واندمجوا في مجتمعها، وينتمي هؤلاء إلى أقطار عدة منها: اليمن، ومصر، والشام، والهند، وفارس، والمغرب وغيرها(16).
وكان الرجل في المجتمع المكي يلبس الثياب الفضفاضة، ويتحزم عليها، كما تلبس المرأة القنوع والبرقع، أما أكلاتهم المفضلة فتشمل اللحم والسمن والخبز(17)، ولهم عاداتهم الخاصة في الزواج(18). وبعض المناسبات العربية مثل: الاحتفال باستهلال الأشهر العربية، والخروج إلى العمرة ليلة هلال رجب، والاحتفال في الحرم الشريف بختم بعض أبناء أعيان مكة المكرمة القرآن الكريم، وكسوة الكعبة المشرفة(19).
بعد هذا التمهيد فإن هذه الدراسة تتركز حول نفوذ القواد العمرة والحميضات في مكة المكرمة، وقد قسمتها إلى عدد من المحاور على النحو الآتي: - النفوذ السياسي. - النفوذ العسكري. - النفوذ الاقتصادي. - النفوذ الاجتماعي.
أولاً: النفوذ السياسي :
بداية لابد من القول: إن النفوذ السياسي لأي جماعة أو فئة أو فرد يتمثل في أوجه عدة، يأتي على رأسها ممارسة الضغوط السياسية أو الانحياز إلى طرف من أطراف الصراع السياسي أو التأثير في القرار السياسي لتلك الفئات. منذ أواخر القرن السادس الهجري برز القواد بصفتهم عنصراً أساساً في موازين القوى السياسية المختلفة في مكة المكرمة، في ظل الصراع على السلطة بين الأشراف الحسنيين، وبخاصة الهواشم أمراء مكة المكرمة والشريف قتادة(20) المسيطر على ينبع، وتمثل ذلك بصورة واضحة في الدعمين السياسي والعسكري اللذين قدمهما القواد للشريف قتادة الذي قدم من ينبع، ودخل في صراع مع أسرة الهواشم ممثلة في أميرها مكثر بن عيسى(21)، مستغلاً الظروف التي تمر بها تلك الأسرة من انهماك باللهو، وتبسط في الظلم؛ مما أثار عليها جماعة من قوادها؛ فاستمالهم قتادة لصفه؛ مما أدى إلى تحقيقه النصر على مكثر(22)، وسيطرته على مكة المكرمة سنة (597هـ/ 1200م) على أرجح الأقوال(23). ولم يحدد الفاسي أو غيره فئات هؤلاء القواد أو أسماءهم، كما لم تشر المصادر إلى دور لهم طوال القرن السابع الهجري، وربما يرجع ذلك إلى أمور عدة، منها قوة شخصية الشريف قتادة، وسيطرته التامة على السلطة خلال فترة حكمه التي امتدت بين عامي (597 - 617هـ/1200-1220م)، ثم محاولة الأيوبيين الهيمنة على السلطة في مكة المكرمة، وما تلاه من صراع أيوبي رسولي للسيطرة على مكة المكرمة، وهيمنة أبي نمي على مقاليد الأمور في مكة المكرمة، والذي امتاز بشخصية قوية لم تمكن القواد من إبراز دورهم في الحياة السياسية خلال تلك الفترة(24). وبعد وفاة الشريف أبي نمي (701هـ/ 1301م) انقسم أبناؤه إلى جناحين هما: جناح حُميضَة ورميثة، وجناح عطيفة وأبي الغيث، وقد تولى الجناح الأول الممثل في حميضة ورميثة السلطة في مكة المكرمة وحكماها مشاركة بينهما، بحيث تمكنا من السيطرة على الأوضاع بدعم من بعض الأشراف والقواد، فيما مالت طائفة منهم إلى أخويهما عطيفة وأبي الغيث، ونلحظ أن دور القواد بدأ في البروز في ظل الصراع على السلطة، وهو سمة من سمات الضعف في الأوضاع السياسية في مكة المكرمة. وقد خسر عطيفة وأبو الغيث ذلك الصراع؛ فقبض عليهما، "وأقاما في الحبس مدة، ثم احتالا؛ فخرجا، وركبا إلى بعض الأشراف والقواد، فمنعوا منهما؛ ثم توجها إلى ينبع"(25). إلاّ أن عطيفة ما لبث أن عاد إلى مكة المكرمة سنة (719هـ/ 1319م) متولياً للسلطة بأمر من السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وبعد أن استقر له الأمر كتب للسلطان المملوكي يخبره "أن القواد في طاعته، وأن حميضة نزح إلى اليمن، وفارقه بنو شعبة(26) وغيرهم، وكثر الأمن والعدل، ورخصت الأسعار"(27) وفي سنة (730هـ/ 1330م) انضم بعض القواد إلى مبارك بن عطيفة أمير مكة المكرمة ضد أمير الركب العراقي، فقتله(28). ومن هنا يتضح مدى تعاظم نفوذ القواد بعد وفاة أبى نمي. غير أن المصادر لم تحدد نسبة هؤلاء القواد وأصولهم، ولعل أول إشارة إلى القواد العُمَّرة كانت على وجه التحديد في سنة (737هـ/ 1337م) حينما أشار الفاسي إلى أحد أعيان القواد العمرة، ويدعى منصور بن عمر بن مسعود المكي(29)، الذي لم يتضح دوره في الصراع السياسي في تلك الفترة. وفي أثناء الصراع الدائر بين الشريفين عطيفة ورميثة للسيطرة على مكة المكرمة برز قائد آخر من القواد العمرة هو محمد بن عبدالله بن عمر بن مسعود المكي، وبعد مقتله على يد الشريف مبارك بن عطيفة انضم القواد العمرة إلى الشريف رميثة(30). ونلحظ أن القائد المذكور هو ابن أخ منصور بن عمر سابق الذكر وحفيد عمر بن مسعود الذي ينسب القواد إليه، ويعرفون بذوي عمر. وقد انتقم الشريف مبارك بن عطيفة من القواد العمرة على انضمامهم لعمه الشريف رميثة بأن أرسل أخاه مسعودًا إلى وادي ساية(31) لقطع نخيل القواد ذوي عمر(32). ونرى صورة أخرى للنفوذ السياسي للقواد من وجودهم إلى جانب أمير مكة المكرمة وزعماء الأشراف في استقبال القيادات الإسلامية القادمة إلى مكة المكرمة بقصد أداء فريضة الحج، ومن هؤلاء على سبيل المثال السلطان الرسولي الملك المجاهد علي(33) صاحب اليمن الذي قام بزيارة مكة المكرمة سنة (742هـ/ 1342م)، وكان في خدمته الشريف ثقبة ابن صاحب مكة المكرمة الشريف رميثة بن أبي نمي، فخرج الجميع إلى يلملم(34) لاستقباله، وبعد أدائه فريضة الحج غادر إلى اليمن، وكان الأشراف والقواد في خدمته طوال إقامته بمكة المكرمة إلى أن عاد إلى بلاده(35). كما تمثل النفوذ السياسي للقواد في تدخلهم لوقف الصراع بين زعماء الأشراف، ومن ذلك ما حدث في سنة (750هـ/ 1349م) حينما "حصل بين الشريفين عجلان وثقبة وحشة، وكان عجلان بمكة المكرمة، وثقبة بالجديد(36)، ثم خرج عجلان إلى الوادي لقتال ثقبة، فلما أن بلغ الدكناء(37) وأرض خالد(38) رام المسير إلى ثقبة؛ فمنعه القواد من ذلك"(39). وحينما اصطلح الشريفان عجلان وثقبة سنة (757هـ/ 1356م) على اقتسام الإمرة بينهما اقتسما أيضاً المماليك الذين كانوا بحوزة الشريف عجلان، وعددهم خمسون، كما انقسم الأشراف والقواد في ولائهم ودعمهم للشريفين(40)، بحيث اتخذ فريق منهم جانب الشريف عجلان، وفريق آخر انضم إلى أخيه ومنافسه على السلطة ثقبة. عاد الصراع من جديد بين عجلان وثقبة، واستطاع الشريف عجلان استمالة القواد إلى جانبه؛ مما حدا بثقبة للخروج من مكة المكرمة سنة (758هـ/ 1357م)؛ لإحساسه بفقد الدعم ا
ينتسب القواد العمرة إلى جدهم عمر بن مسعود المكي، وكان مسعود مولى لأبي سعد الحسن بن علي بن قتادة أمير مكة المكرمة (647- 651هـ/ 1250-1254م)(4).
أما القواد الحميضات فهم نسبة بالولاء إلى شريف مكة المكرمة حميضة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة (701-720هـ/ 1301-1320م)(5). وقبل أن ندخل في سياق الحديث عن موضوع الدراسة يحسن بنا أن نعطي عرضاً سريعاً عن الأحوال العامة في مكة المكرمة خلال فترة الدراسة.
الأحوال السياسية:
في أواخر القرن السادس الهجري، وبالتحديد في سنة (597هـ/ 1200م) سيطر الشريف قتادة بن إدريس الحسني القادم من ينبع على مكة المكرمة، وأسس بذلك حكم أسرة بني قتادة(6). وتعد فترة حكم الشريف أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة أطول فترة في حكم هذه الأسرة حيث امتدت خمسين عامًا تقريبًا (652-701هـ/1254-1301م) واستطاع بفضل قوة شخصيته وحنكته السياسية أن يحافظ على استقلال مكة المكرمة في وجه مطامع الدولتين المملوكية والرسولية(7). ومن أبرز أمراء مكة المكرمة من أشرافها بعد وفاة أبي نمي، الشريف عجلان بن رميثة بن أبي نمي (744- 774هـ/ 1343- 1373م)، وابناه أحمد (774-788هـ/ 1373-1386م)، وحسن (798- 829هـ/ 1395 - 1426م). والأخير تولى إمارة مكة المكرمة أكثر من مرة، وابنه بركات (829- 859هـ/ 1426- 1455م)(. ثم حفيده محمد بن بركات الذي تولى إمارة مكة المكرمة بين عامي (859- 903هـ/ 1455 - 1497م). وقد اتصفت العلاقات بين أمراء مكة المكرمة من الأشراف، والدولة المملوكية بالتذبذب وعدم الاستقرار؛ فتارة تكون العلاقات جيدة، وتارة تصبح سيئة، كما استغل سلاطين المماليك الصراع بين الأشراف؛ للتدخل في شؤونهم، وتوطيد نفوذهم في مكة المكرمة. الأوضاع الاقتصادية: تقع مكة المكرمة "بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:" ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم .. " [إبراهيم: 37] . وتحف بها جبال الحجاز، واشتهرت منذ القدم بقلة الزراعة عدا الوديان القريبة منها التي تعد مورداً أساسياً لتموينها بحاجاتها من المحاصيل الزراعية، ومنها وادي مر(9)، ووادي نخلة(10)، كما أن للطائف أثراً كبيراً في تزويد مكة المكرمة بحاجتها من الفواكه(11)، غير أنه نتيجة للقحط الذي واجه الحجاز في فترات مختلفة من تاريخه اعتمدت مكة المكرمة على المساعدات الاقتصادية التي تأتيها من داخل الجزيرة العربية، وفي مقدمة ذلك إقليم اليمامة، ومن خارجها مثل: الشام ومصر. كما كان بين الحجاز وتلك الأقاليم مبادلات تجارية(12). وتعد الحرف والصناعات من أبرز مناشط الحياة الاقتصادية في مكة المكرمة، ومن تلك الحرف العطارة، والخياطة، والنجارة، والدهان، والمعمار، والبناء، وغيرها. كما أن للتجارة أهمية كبيرة في حياة مكة المكرمة الاقتصادية، حيث اعتمدت على ميناء جدة في تجارتها، وعلى ما يحمله حجاج الجزيرة العربية والأقطار الأخرى من السلع، وتتصف مكة بوجود عدد من الأسواق قريبة من المسجد الحرام، مثل: سوق البزازين، وسوق العطارين، وسوق الحبوب، وسوق الفواكه، وغيرها(13).
الأحوال الاجتماعية:
كان المجتمع المكي يتألف من فئات عدة، يأتي على رأسها:
-الأشراف: الذين يمثلون الطبقة الحاكمة، وينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ]، ويستقر قسم منهم في داخل مكة المكرمة وخارجها، وخاصة في أوديتها، ويقطن قسم ثانٍ في وادي ينبع(14)، وقسم ثالث يستقر في الواديين(15).
- القواد: وهم طبقة متميزة في المجتمع المكي وهم مجال دراستنا.
- سكان مكة المكرمة الأصليون: وهم عرب ينتمون إلى قبائل الحجاز، وعلى رأسها قبيلة قريش.
- المجاورون: وهم أجناس مختلفة قدمت إلى مكة المكرمة بقصد الحج أو طلب العلم، واستقروا بها، واندمجوا في مجتمعها، وينتمي هؤلاء إلى أقطار عدة منها: اليمن، ومصر، والشام، والهند، وفارس، والمغرب وغيرها(16).
وكان الرجل في المجتمع المكي يلبس الثياب الفضفاضة، ويتحزم عليها، كما تلبس المرأة القنوع والبرقع، أما أكلاتهم المفضلة فتشمل اللحم والسمن والخبز(17)، ولهم عاداتهم الخاصة في الزواج(18). وبعض المناسبات العربية مثل: الاحتفال باستهلال الأشهر العربية، والخروج إلى العمرة ليلة هلال رجب، والاحتفال في الحرم الشريف بختم بعض أبناء أعيان مكة المكرمة القرآن الكريم، وكسوة الكعبة المشرفة(19).
بعد هذا التمهيد فإن هذه الدراسة تتركز حول نفوذ القواد العمرة والحميضات في مكة المكرمة، وقد قسمتها إلى عدد من المحاور على النحو الآتي: - النفوذ السياسي. - النفوذ العسكري. - النفوذ الاقتصادي. - النفوذ الاجتماعي.
أولاً: النفوذ السياسي :
بداية لابد من القول: إن النفوذ السياسي لأي جماعة أو فئة أو فرد يتمثل في أوجه عدة، يأتي على رأسها ممارسة الضغوط السياسية أو الانحياز إلى طرف من أطراف الصراع السياسي أو التأثير في القرار السياسي لتلك الفئات. منذ أواخر القرن السادس الهجري برز القواد بصفتهم عنصراً أساساً في موازين القوى السياسية المختلفة في مكة المكرمة، في ظل الصراع على السلطة بين الأشراف الحسنيين، وبخاصة الهواشم أمراء مكة المكرمة والشريف قتادة(20) المسيطر على ينبع، وتمثل ذلك بصورة واضحة في الدعمين السياسي والعسكري اللذين قدمهما القواد للشريف قتادة الذي قدم من ينبع، ودخل في صراع مع أسرة الهواشم ممثلة في أميرها مكثر بن عيسى(21)، مستغلاً الظروف التي تمر بها تلك الأسرة من انهماك باللهو، وتبسط في الظلم؛ مما أثار عليها جماعة من قوادها؛ فاستمالهم قتادة لصفه؛ مما أدى إلى تحقيقه النصر على مكثر(22)، وسيطرته على مكة المكرمة سنة (597هـ/ 1200م) على أرجح الأقوال(23). ولم يحدد الفاسي أو غيره فئات هؤلاء القواد أو أسماءهم، كما لم تشر المصادر إلى دور لهم طوال القرن السابع الهجري، وربما يرجع ذلك إلى أمور عدة، منها قوة شخصية الشريف قتادة، وسيطرته التامة على السلطة خلال فترة حكمه التي امتدت بين عامي (597 - 617هـ/1200-1220م)، ثم محاولة الأيوبيين الهيمنة على السلطة في مكة المكرمة، وما تلاه من صراع أيوبي رسولي للسيطرة على مكة المكرمة، وهيمنة أبي نمي على مقاليد الأمور في مكة المكرمة، والذي امتاز بشخصية قوية لم تمكن القواد من إبراز دورهم في الحياة السياسية خلال تلك الفترة(24). وبعد وفاة الشريف أبي نمي (701هـ/ 1301م) انقسم أبناؤه إلى جناحين هما: جناح حُميضَة ورميثة، وجناح عطيفة وأبي الغيث، وقد تولى الجناح الأول الممثل في حميضة ورميثة السلطة في مكة المكرمة وحكماها مشاركة بينهما، بحيث تمكنا من السيطرة على الأوضاع بدعم من بعض الأشراف والقواد، فيما مالت طائفة منهم إلى أخويهما عطيفة وأبي الغيث، ونلحظ أن دور القواد بدأ في البروز في ظل الصراع على السلطة، وهو سمة من سمات الضعف في الأوضاع السياسية في مكة المكرمة. وقد خسر عطيفة وأبو الغيث ذلك الصراع؛ فقبض عليهما، "وأقاما في الحبس مدة، ثم احتالا؛ فخرجا، وركبا إلى بعض الأشراف والقواد، فمنعوا منهما؛ ثم توجها إلى ينبع"(25). إلاّ أن عطيفة ما لبث أن عاد إلى مكة المكرمة سنة (719هـ/ 1319م) متولياً للسلطة بأمر من السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وبعد أن استقر له الأمر كتب للسلطان المملوكي يخبره "أن القواد في طاعته، وأن حميضة نزح إلى اليمن، وفارقه بنو شعبة(26) وغيرهم، وكثر الأمن والعدل، ورخصت الأسعار"(27) وفي سنة (730هـ/ 1330م) انضم بعض القواد إلى مبارك بن عطيفة أمير مكة المكرمة ضد أمير الركب العراقي، فقتله(28). ومن هنا يتضح مدى تعاظم نفوذ القواد بعد وفاة أبى نمي. غير أن المصادر لم تحدد نسبة هؤلاء القواد وأصولهم، ولعل أول إشارة إلى القواد العُمَّرة كانت على وجه التحديد في سنة (737هـ/ 1337م) حينما أشار الفاسي إلى أحد أعيان القواد العمرة، ويدعى منصور بن عمر بن مسعود المكي(29)، الذي لم يتضح دوره في الصراع السياسي في تلك الفترة. وفي أثناء الصراع الدائر بين الشريفين عطيفة ورميثة للسيطرة على مكة المكرمة برز قائد آخر من القواد العمرة هو محمد بن عبدالله بن عمر بن مسعود المكي، وبعد مقتله على يد الشريف مبارك بن عطيفة انضم القواد العمرة إلى الشريف رميثة(30). ونلحظ أن القائد المذكور هو ابن أخ منصور بن عمر سابق الذكر وحفيد عمر بن مسعود الذي ينسب القواد إليه، ويعرفون بذوي عمر. وقد انتقم الشريف مبارك بن عطيفة من القواد العمرة على انضمامهم لعمه الشريف رميثة بأن أرسل أخاه مسعودًا إلى وادي ساية(31) لقطع نخيل القواد ذوي عمر(32). ونرى صورة أخرى للنفوذ السياسي للقواد من وجودهم إلى جانب أمير مكة المكرمة وزعماء الأشراف في استقبال القيادات الإسلامية القادمة إلى مكة المكرمة بقصد أداء فريضة الحج، ومن هؤلاء على سبيل المثال السلطان الرسولي الملك المجاهد علي(33) صاحب اليمن الذي قام بزيارة مكة المكرمة سنة (742هـ/ 1342م)، وكان في خدمته الشريف ثقبة ابن صاحب مكة المكرمة الشريف رميثة بن أبي نمي، فخرج الجميع إلى يلملم(34) لاستقباله، وبعد أدائه فريضة الحج غادر إلى اليمن، وكان الأشراف والقواد في خدمته طوال إقامته بمكة المكرمة إلى أن عاد إلى بلاده(35). كما تمثل النفوذ السياسي للقواد في تدخلهم لوقف الصراع بين زعماء الأشراف، ومن ذلك ما حدث في سنة (750هـ/ 1349م) حينما "حصل بين الشريفين عجلان وثقبة وحشة، وكان عجلان بمكة المكرمة، وثقبة بالجديد(36)، ثم خرج عجلان إلى الوادي لقتال ثقبة، فلما أن بلغ الدكناء(37) وأرض خالد(38) رام المسير إلى ثقبة؛ فمنعه القواد من ذلك"(39). وحينما اصطلح الشريفان عجلان وثقبة سنة (757هـ/ 1356م) على اقتسام الإمرة بينهما اقتسما أيضاً المماليك الذين كانوا بحوزة الشريف عجلان، وعددهم خمسون، كما انقسم الأشراف والقواد في ولائهم ودعمهم للشريفين(40)، بحيث اتخذ فريق منهم جانب الشريف عجلان، وفريق آخر انضم إلى أخيه ومنافسه على السلطة ثقبة. عاد الصراع من جديد بين عجلان وثقبة، واستطاع الشريف عجلان استمالة القواد إلى جانبه؛ مما حدا بثقبة للخروج من مكة المكرمة سنة (758هـ/ 1357م)؛ لإحساسه بفقد الدعم ا
الجمعة 7 أبريل - 7:20 من طرف د أسامة الدمشقي
» نظم عدد سور القرآن الكريم
الخميس 9 فبراير - 21:18 من طرف أحمد سالم السباعي
» للتحميل كتاب بنو هاشم الجزء الأول
الإثنين 27 سبتمبر - 11:31 من طرف alhasani
» زعب الجزيرة العربية من سليم و ليست من محارب
الإثنين 6 أبريل - 10:21 من طرف جعفر الطالبي
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:43 من طرف خالد شرف الدين
» التأكد من صحه النسب
السبت 23 نوفمبر - 14:40 من طرف خالد شرف الدين
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:19 من طرف إسلام حسن زكي
» البحث عن النسب
الجمعة 18 أكتوبر - 23:16 من طرف إسلام حسن زكي
» وثائق ثبوت ولاده محمد التقي( المهدي) للامام الحسن العسكري( من المشجر الكشاف للنجفي
الجمعة 18 أكتوبر - 23:12 من طرف إسلام حسن زكي
» بحث عن المهدي
الجمعة 19 يوليو - 14:11 من طرف علي بابكر