دارة السادة الأشراف

مرحبا بك عزيزي الزائر
ندعوك أن تدخل المنتدى معنا
وإن لم يكن لديك حساب بعد
نتشرف بدعوتك لإنشائه
ونتشرف بدعوتك لزيارة الموقع الرسمي لدارة السادة الأشراف على الرابط :
www.dartalashraf.com


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

دارة السادة الأشراف

مرحبا بك عزيزي الزائر
ندعوك أن تدخل المنتدى معنا
وإن لم يكن لديك حساب بعد
نتشرف بدعوتك لإنشائه
ونتشرف بدعوتك لزيارة الموقع الرسمي لدارة السادة الأشراف على الرابط :
www.dartalashraf.com

دارة السادة الأشراف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أنساب , مشجرات , مخطوطات , وثائق , صور , تاريخ , تراجم , تعارف , دراسات وأبحاث , مواضيع متنوعة

Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 79880579.th
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 78778160
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 16476868
Image Hosted by ImageShack.us
Image Hosted by ImageShack.us
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 23846992
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 83744915
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 58918085
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 99905655
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 16590839.th
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Resizedk
تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير 20438121565191555713566

2 مشترك

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 16:35

    بسم الله الرحمن الرحيم



    انا النهردة جايبلكم موضوع روعة
    اجمل موضوع تقروه فى حياتكم علشان طبعا مافيش احسن من القرأن الكريم


    انا جايبة تفسير القرأن الكريم لابن كثير بس تفسير السور عامة مش تفسير الايات وموضوع هيفدنا كلنا وكمان هو موضوع مختصر اوىى بالنسبة لكتاب التفسير نفسه يارب يعجبكم وربنا يعلم انا تعبت فى التوبيك ده اد ايه انا كنت متوقعة انه ينزل على 100 مرة بس لقت الموضوع بقى اكتر من كدة بكتير بس الحمد لله اهو الموضوع خلص ويارب يفدكم جميعا ان شاء الله



    اى حد عايز تفسير اى سورة يدخل على التوبيك وهيلاقى ترتبها زى القرأن بالظبط



    سورة الفاتحة
    ** بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
    يقال لها الفاتحة أي فاتحة الكتاب خطاً وبها تفتتح القراءة في الصلوات, ويقال لها أيضاً أم الكتاب عند الجمهور, ذكره أنس, والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك, قال الحسن وابن سيرين إنما ذلك اللوح المحفوظ, وقال الحسن الاَيات المحكمات هن أم الكتاب ولذا كرها أيضاً أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم» ويقال لها (الحمد) ويقال لها (الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي» الحديث. فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها ويقال لها (الشفاء) لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم» ويقال لها (الرقية) لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما يدريك أنها رقية» ؟ وروى الشعبي عن ابن عباس أن سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم وسماها سفيان بن عيينه (بالواقية) وسماها يحيى بن أبي كثير (الكافية) لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة «أم القرآن عوض من غيرها وليس من غيرها عوض منها» ويقال لها سورة الصلاة والكنز, ذكرهما الزمخشري في كشافه.
    وهي مكية قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية, وقيل مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري ويقال نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة, والأول أشبه لقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} والله تعالى أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الاَخر نزل بالمدينة وهو غريب جداً, نقله القرطبي عنه وهي سبع آيات بلا خلاف, وقال عمرو بن عبيد ثمان, وقال حسين الجعفي ستة, وهذان القولان ***ان وإنما اختلفوا في البسملة هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول جماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء على ثلاثة أقوال كما سيأتي تقريرها في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
    قالوا وكلماتها خمس وعشرون كلمة وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفاً. قال البخاري في أول كتاب التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة, وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمرأو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع: أمّاً, فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أمّاً, واستشهد بقول ذي الرمة.
    على رأسه أم لنا نقتدي بهاجماع أمور ليس نعصي لها أمراً
    ـ يعني الرمح ـ قال وسميت مكة أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها وقيل لأن الأرض دحيت منها. ويقال لها أيضاً: الفاتحة لأنها تفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وإن كان للمثاني معنى آخر كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
    قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أم القرآن: «هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم» ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني» وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن غالب بن حارث, حدثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي, حدثنا المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن, وهي السبع المثاني والقرآن العظيم, وهي أم الكتاب, وفاتحة الكتاب» وقد رواه الدارقطني أيضاً عن أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى {سبعاً من المثاني} بالفاتحة وأن البسملة هي الاَية السابعة منها وسيأتي تمام هذا عند البسملة. وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لمَ لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة, قال أبو بكر بن أبي داود يعني حيث يقرأ في الصلاة, قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء أنزل من القرآن كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة وقيل: {ياأيها المدثر} كما في حديث جابر في الصحيح وقيل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وهذ هو الصحيح كما سيأتي تقريره في موضعه والله المستعان.
    ذكر ما ورد في فضل الفاتحة
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت, قال: فأتيته فقال: «مامنعك أن تأتيني» ؟ قال قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قيل أن تخرج من المسجد» قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: «نعم {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وهكذا رواه البخاري عن مسدد وعلي بن المديني, كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به, ورواه في موضع آخر من التفسير, وأبو داوود والنسائي وابن ماجه من طرق عن شعبة به, ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب فذكر نحوه. وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ما ينبغي التنبيه عليه فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أن أبا سعيد مولى ابن عامر بن كريز أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي في المسجد فلما فرغ من صلاته لحقه قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن لا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها» قال أبي رضي الله عنه, فجعلت أبطى في المشي رجاء ذلك ثم قلت: يا رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال فقرأت عليه {الحمد لله رب العالمين} حتى أتيت على آخرها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه فإن ابن المعلى صحابي أنصاري وهذا تابعي من موالي خزاعة وذاك الحديث متصل صحيح, وهذا ظاهره منقطع إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم والله أعلم. على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه


    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:00

    كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب, وهو يصلي قال: يا أبيّ, فالتفت ثم لم يجبه, ثم قال: أبيّ, فخفف أبي ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك أي رسول الله قال: وعليك السلام ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني, قال أي رسول الله إني كنت في الصلاة قال: أولست تجد فيما أوحى الله تعالى إلي {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قال بلى يا رسول الله لا أعود قال أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت نعم أي رسول الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن لا أخرج هذا الباب حتى تعلمها, قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث, فلما دنونا من الباب قلت: أي رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال ما تقرأ في الصلاة ؟ قال فقرأت عليه أم القرآن قال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني. ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره وعنده أنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ثم قال: هذا حديث حسن صحيح, وفي الباب عن أنس بن مالك, ورواه عبد الله بن الإمام أحمد عن إسماعيل بن أبي معمر عن أبى أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب, فذكره مطولاً بنحوه أو قريباً منه. وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن أبي عمار حسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن, وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي. هذا لفظ النسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا هاشم يعني ابن البريد, حدثنا عبد الله بن عقيل عن جابر قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا خلفه حتى دخل رحله ودخلت أنا المسجد فجلست كئيباً حزيناً فخرج عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر فقال: عليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله ثم قال: «ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخْيَر سورة في القرآن» قلت: بلى يا رسول الله, قال «اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها» هذا إسناد جيد, وابن عقيل هذا يحتج به الأئمة الكبار وعبد الله بن جابر هذا الصحابي ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي والله أعلم, ويقال إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي فيما ذكره الحافظ ابن عساكر واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الأيات والسور على بعض كما هو المحكي عن كثير من العلماء, منهم إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن العربي وابن الحفار من المالكية, وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك لأن الجميع كلام الله, ولئلا يوهم التفضيل المفضل عليه, وإن كان الجميع فاضلاً, نقله القرطبي عن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي حاتم بن حيان البستي ويحيى بن يحيى ورواية عن الإمام مالك أيضاً حديث آخر, قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى, وحدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري, قال: كنا في مسير لنا, فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقيه فرقاه فبرأ, فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبناً. فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي ؟ فقال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم» وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث, حدثنا هشام, حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا, وهكذا رواه مسلم وأبو داود من رواية هشام وهو ابن حسان عن ابن سيرين به وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث أن أبا سعيد الخدري هو الذي رقى ذلك السليم يعني اللديغ يسمونه بذلك تفاؤلاً. (حديث آخر): روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل, إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط, قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك, فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته, وهذا لفظ النسائي.
    ولمسلم نحوه: حديث آخر, قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء, يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الخرقي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام»

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:04

    كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب, وهو يصلي قال: يا أبيّ, فالتفت ثم لم يجبه, ثم قال: أبيّ, فخفف أبي ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك أي رسول الله قال: وعليك السلام ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني, قال أي رسول الله إني كنت في الصلاة قال: أولست تجد فيما أوحى الله تعالى إلي {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قال بلى يا رسول الله لا أعود قال أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت نعم أي رسول الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن لا أخرج هذا الباب حتى تعلمها, قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث, فلما دنونا من الباب قلت: أي رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال ما تقرأ في الصلاة ؟ قال فقرأت عليه أم القرآن قال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني. ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره وعنده أنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ثم قال: هذا حديث حسن صحيح, وفي الباب عن أنس بن مالك, ورواه عبد الله بن الإمام أحمد عن إسماعيل بن أبي معمر عن أبى أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب, فذكره مطولاً بنحوه أو قريباً منه. وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن أبي عمار حسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن, وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي. هذا لفظ النسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا هاشم يعني ابن البريد, حدثنا عبد الله بن عقيل عن جابر قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا خلفه حتى دخل رحله ودخلت أنا المسجد فجلست كئيباً حزيناً فخرج عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر فقال: عليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله ثم قال: «ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخْيَر سورة في القرآن» قلت: بلى يا رسول الله, قال «اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها» هذا إسناد جيد, وابن عقيل هذا يحتج به الأئمة الكبار وعبد الله بن جابر هذا الصحابي ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي والله أعلم, ويقال إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي فيما ذكره الحافظ ابن عساكر واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الأيات والسور على بعض كما هو المحكي عن كثير من العلماء, منهم إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن العربي وابن الحفار من المالكية, وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك لأن الجميع كلام الله, ولئلا يوهم التفضيل المفضل عليه, وإن كان الجميع فاضلاً, نقله القرطبي عن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي حاتم بن حيان البستي ويحيى بن يحيى ورواية عن الإمام مالك أيضاً حديث آخر, قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى, وحدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري, قال: كنا في مسير لنا, فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقيه فرقاه فبرأ, فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبناً. فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي ؟ فقال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم» وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث, حدثنا هشام, حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا, وهكذا رواه مسلم وأبو داود من رواية هشام وهو ابن حسان عن ابن سيرين به وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث أن أبا سعيد الخدري هو الذي رقى ذلك السليم يعني اللديغ يسمونه بذلك تفاؤلاً. (حديث آخر): روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل, إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط, قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك, فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته, وهذا لفظ النسائي.
    ولمسلم نحوه: حديث آخر, قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء, يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الخرقي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام»

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:14

    وقال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} وقال: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظامين بدلا} وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب فكيف معاملته لنا وقد قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} وقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ الله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}.
    قالت طائفة من القراء وغيرهم: يتعوذ بعد القراءة واعتمدوا على ظاهر سياق الاَية ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة, وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا وأبو حاتم السجستاني حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب العبادة الكامل: وروي عن أبي هريرة أيضاً وهو غريب, ونقله محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة عن مالك رحمه الله: أن القارىء يتعوذ بعد الفاتحة, واستغربه ابن العربي. وحكى قولاً ثالثاً وهو الاستعاذة أولاً وآخراً جمعاً بين الدليلين, نقله الرازي. والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها ومعنى الاَية عندهم {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} أي إذا أردت القراءة كقوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} الاَية: أي إذا أردتم القيام, والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي الرفاعي اليشكري عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال: «سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك وتعالى جدك, ولا إله غيرك ويقول لا إله إلا الله ثلاثاً ـ ثم يقول ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان عن علي بن علي وهو الرفاعي, وقال الترمذي: هو أشهر شيء في هذا الباب, وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق, والنفخ بالكبر والنفث بالشعر, كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن نافع بن جبير بن المطعم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال: «الله أكبر كبيراً ثلاثاً, الحمد لله كثيراً ثلاثاً, سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثاً, اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه قال: همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر, وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه» قال همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر, وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف, حدثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن رجل حدثه أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثاً ثم قال: «لا إله إلا الله ثلاث مرات, وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات» ثم قال: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده, حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي, حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فتمزع أنف أحدهما غضباً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم شيئاً لو قاله لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن يوسف بن عيسى المروزي عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد, به, وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل عن أبي سعيد عن زائدة وأبو داود عن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد والترمذي والنسائي في اليوم الليلة عن بندار عن ابن مهدي عن الثوري والنسائي أيضاً من حديث زائدة بن قدامة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى يخيل إليّ أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب» فقال: ما هي يا رسول الله, قال يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم» قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضباً وهذا لفظ أبي داود, وقال الترمذي: مرسل يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل فإنه مات قبل سنة عشرين (قلت) وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن عدي بن ثابت قال: قال سليمان بن صرد رضي الله عنه. استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لست بمجنون, وقد رواه أيضاً مع مسلم وأبي داود والنسائي من طرق متعددة عن الأعمش به.
    وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها ههنا وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال والله أعلم. وقد روي أن جبريل عليه السلام أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عثمان بن سعيد, حدثنا بشر بن عمارة, حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد استعذ» قال: «استعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال: «قل بسم الله الرحمن الرحيم» ثم قال {اقرأ باسم ربك الذي خلق} قال عبد الله: وهي أو سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب وإنما ذكرناه ليعرف فإن في إسناده ضعفاً وانقطاعاً والله أعلم.
    (مسألة) وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها وحكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال: وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب واحتج الرازي لعطاء بظاهر الاَية (فاستعذ) وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته, وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام رمضان في أول ليلة منه.
    (مسألة) وقال الشافعي في الإملاء يجهر بالتعوذ وإن أسر فلا يضر وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى هل يستحب التعوذ فيها على قولين ورجح عدم الاستحباب, والله أعلم, فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم وقال آخرون بل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لمطابقة أمر الاَية ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور والأحاديث الصحيحة كما تقدم أولى بالاتباع من هذا والله أعلم.
    (مسألة) ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف بل للصلاة فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد والجمهور بعدها قبل القراءة, ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيداً, ومن قتله العدو الباطني كان طريداً, ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً, ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزوراً, ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.
    (فصل) والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر والعياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي:
    يا من ألوذ به فيما أؤملهومن أعوذ به ممن أحاذره
    يجبر الناس عظما أنت كاسره
    ولا يهيضون عظماً أنت جابره ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به, أو يحثني على فعل ما نهيت عنه فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة قوله في الأعراف: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ثم قال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} وقال تعالى في سورة حم السجدة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:17

    الشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير وقيل مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ومنهم من يقول كلاهما صحيح في المعنى ولكن الأول أصح وعليه يدل كلام العرب¹ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان عليه السلام:
    أيما شاطن عصاه عكاهثم يلقى في السجن والأغلال
    فقال أيما شاطن ولم يقل أيما شائط وقال النابغة الذبياني وهو زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان:
    نأت بسعاد عنك نوى شطونفباتت والفؤاد به رهين
    يقول بعدت بها طريق بعيد وقال سيبويه: العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطاناً قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أوَ للإنس شياطين ؟ قال «نعم» وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» فقلت يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر ؟ فقال: «الكلب الأسود شيطان» وقال ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذوناً فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبختراً فنزل عنه وقال ما حملتوني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي إسناده صحيح. والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} وقال تعالى: {إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد * لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحوراً ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} وقال تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} إلى غير ذلك من الاَيات وقيل رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر وأصح.
    (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح بها الصحابة كتاب الله واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة أو من أول كل سورة كتبت في أولها أو أنها بعض آية من كل سورة أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها أو أنها إنما كتبت للفصل لا أنها آية على أقوال للعلماء سلفاً وخلفاً وذلك مبسوط في غير هذا الموضع, وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه {بسم الله الرحمن الرحيم} وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضاً وروي مرسلاً عن سعيد بن جبير وفي صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة عنها, وروى له الدارقطني متابعاً عن أبي هريرة مرفوعاً وروي مثله عن علي وابن عباس وغيرهما, وممن حكى عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ليست من آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وقال الشافعي في قوله في بعض طرق مذهبه هي آية من الفاتحة وليس من غيرها وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة وهما غريبان. وقال داود هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها, وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي, وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله. هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا.
    فأما الجهر بها فمفرع على هذا, فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها وكذا من قال إنها آية من أولها, وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفاً وخلفاً فجهر بها من الصحابة أبو هريرة وابن عمر وابن عباس ومعاوية وحكاه ابن عبد البر والبيهقي عن عمر وعلي ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو غريب, ومن التابعين عن سعيد بن جبير وعكرمة وأبي قلابة والزهري وعلي بن الحسن وابنه محمد وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم ومحمد بن كعب القرظي وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأبي وائل وابن سيرين ومحمد بن المنكدر وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد ونافع مولى ابن عمرو وزيد بن أسلم وعمر بن عبد العزيز والأزرق بن قيس وحبيب بن أبي ثابت وأبي الشعثاء ومكحول وعبد الله بن معقل بن مقرن زاد البيهقي وعبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية زاد ابن عبد البر وعمر بن دينار والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة فيجهر بها كسائر أبعاضها وأيضاً فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسلمة وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال صحيح, وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت قراءته مدّاً ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وقال الدارقطني إسناده صحيح. وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي والحاكم في مستدركه عن أنس أن معاوية صلى بالمدينة فترك البسملة فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك فلما صلى المرة الثانية بسمل. وفي هذه الأحاديث والاَثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها. فأما المعارضات والروايات الغربية وتطريقها وتعليلها وتضعيفها وتقريرها فله موضع آخر وذهب آخرون أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل وطوائف من سلف التابعين والخلف وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل. وعند الإمام مالك أنه لا يقرأ البسملة بالكلية لا جهراً ولا سراً واحتجوا بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وبما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين, ولمسلم ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها, ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. فهذه مآخذ الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة وهي قريبة لأنهم أجمعوا على صحة من جهر بالبسملة ومن أسر ولله الحمد والمنة.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:24

    فصل في فضلها
    قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله في تفسيره حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني حدثنا سلام بن وهب الجندي حدثنا أبي عن طاوس عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {بسم الله الرحمن الرحيم} ؟ فقال: «هو اسم من أسماء الله وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب» وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به, وقد روى الحافظ بن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه, فقال له المعلم: اكتب فقال, ما أكتب ؟ قال بسم الله, قال له عيسى: وما بسم الله ؟ قال المعلم, ما أدري, قال له عيسى: الباء بهاء الله, والسين سناؤه, والميم مملكته, والله إله الاَلهة, والرحمن رحمن الدنيا والاَخرة, والرحيم رحيم الاَخرة» وقد رواه ابن جرير من حديث ابراهيم بن العلاء الملقب ***ِيق عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ومسعر عن عطية عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره, وهذا غريب جداً, وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات والله أعلم. وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله, وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن دواد وغيري وهي {بسم الله الرحمن الرحيم}, وروي بإسناده عن عبد الكريم بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: لما نزل {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الرياح, وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها, ورجمت الشياطين من السماء, وحلف الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه. وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرا {بسم الله الرحمن الرحيم} فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد. ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها» لقول الرجل ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً وغير ذلك. وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم. فقلت تعس الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان, فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته, وإذا قلت باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب» هكذا وقع في رواية الإمام أحمد, وقد روى النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفيسره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة وهو الهجيمي عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: «لا تقل هكذا فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت, ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة» فهذا من تأثير بركة بسم الله, ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول, فتستحب في أول الخطبة لما جاء «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» وتستحب البسملة عند دخول الخلاء لما ورد من الحديث في ذلك وتستحب في أول الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعاً «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» وهو حديث حسن ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ههنا ومنهم من قال بوجوبها مطلقاً وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة, وأوجبها آخرون عند الذكر ومطلقاً في قول بعضهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله, وقد ذكره الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت أهلك فسم الله فإنه إن وجد لك ولد كتب بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات» وهذا لا أصل له ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها, وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: «قل بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً».
    ومن ههنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك بسم الله هل هو اسم أو فعل متقاربان, وكل قد ورد به القرآن, أما من قدره بسم تقديره بسم الله ابتدائي فلقوله تعالى: {وقال اركبوا فيهم بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} ومن قدره بالفعل أمراً أو خبراً نحو أبدأ بسم الله او ابتدأت باسم الله فلقوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وكلاهما صحيح فإن الفعل لا بد له من مصدر فلك أن تقدر الفعل ومصدره وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله إن كان قياماً أو قعوداً أو أكلاً أو شراباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله تبركاً وتيمناً واستعانة على الإتمام والتقبل والله أعلم, ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد قل: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال: قل {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: قال له جبريل بسم الله يا محمد يقول اقرأ بذكر الله ربك وقم واقعد بذكر الله تعالى» لفظ ابن جرير.
    وأما مسألة الاسم هل هو المسمى أو غيره ففيها للناس ثلاثة أقوال: أحدها أن الاسم هو المسمى, وهو قول أبي عبيدة وسيبويه, واختاره الباقلاني وابن فورك, وقال الرازي وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري في مقدمات تفسيره قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير نفس التسمية, وقالت المعتزلة الاسم غير المسمى ونفس التسمية, والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية, ثم نقول إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة, فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى, فهذا يكون من باب الإيضاح الواضحات وهوعبث, فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث, ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى, بأنه قد يكون الاسم موجوداً والمسمى مفقوداً كلفظة المعدوم وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة وقد يكون الاسم واحداً والمسميات متعددة المشترك وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى وأيضاً فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتاً ممكنة أو واجبة بذاتها وأيضاً فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك ولا يقوله عاقل وأيضاً فقد قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً» فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى وأيضاً فقوله: {ولله الأسماء} أضافها إليه كما قال: {فسبح باسم ربك العظيم} ونحو ذلك فالإضافة تقتضي المغايرة وقوله تعالى: {فادعوه بها} أي فادعوا الله بأسمائه وذلك دليل على أنها غيره واحتج من قال الاسم هو المسمى بقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} والمتبارك هو الله تعالى والجواب أن الاسم معظم لتعظيم الذات المقدسة, وأيضاً فإذا قال الرجل زينب طالق يعني امرأته طلقت ولو كان الاسم غير المسمى لما وقع الطلاق والجواب أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي: وأما التسمية فإنه جعل الاسم معيناً لهذه الذات فهي غير الاسم أيضاً والله أعلم.
    (الله) علم على الرب تبارك وتعالى يقال إنه الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هوالرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارى المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له كما قال تعالى: {و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وفي الصحيحن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» وجاء تعدادها في رواية الترمذي وابن ماجه وبين الروايتين اختلاف زيادة ونقصان وقد ذكر الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم : ألف في الكتاب والسنة الصحيحة, وألف في التوارة وألف في الإنجيل, وألف في الزبور وألف في اللوح المحفوظ.
    وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل يفعل فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له وقد نقله القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيره وروى عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة, قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول ياألله ولا تقول يا الرحمن, فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام وقيل إنه مشتق واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج:
    لله در الغانيات المدّهسبحن واسترجعن من تألهي
    فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر وهوالتأله من أله يأله إلاهة وتألهاً كما روي عن ابن عباس أنه قرأ (ويذرك وإلاهتك) قال عبادتك أي أنه كان يعبد ولا يعبد وكذا قال مجاهد وغيره وقد استدل بعضهم على كونه مشتقاً بقوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} كما قال تعالى {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ونقل سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه مثل فعال فأدخلت الاَلف واللام بدلاً من الهمزة قال سيبويه مثل الناس أصله أناس وقيل أصل الكلمة لاه فدخلت الألف واللام للتنظيم وهذا اختيار سيبويه: قال الشاعر:
    لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبعني ولا أنت دياني فتخزوني

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:28

    قال القرطبي بالخاء المعجمة أي فتسوسني, وقال الكسائي والفراء أصله الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية كما قال تعالى {لكنا هو الله ربي} أي لكن أنا وقد قرأها كذلك الحسن, قال القرطبي: ثم قيل هو مشتق من وله إذا تحير والوله ذهاب العقل: يقال رجل واله وامرأة ولهى ومولوهة إذا أرسل في الصحراء فالله تعالى يحير أولئك والفكر في حقائق صفاته فعلى هذا يكون ولاه فأبدلت الواو همزة كما قالوا في وشاح أشاح ووسادة أسادة وقال الرازي وقيل إنه مشتق من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره, والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره, قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} قال: وقيل من لاه يلوه إذا احتجب وقيل اشتقاقه من أله الفصيل أولع بأمه. والمعنى أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال, قال: وقيل مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به فألهه أي أجاره فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه لقوله تعالى: {وهو يجير ولا يجار عليه} وهو المنعم لقوله تعالى {وما بكم من نعمة فمن الله} وهو المطعم لقوله تعالى: {وهو يطعم ولا يطعم} وهو الموجد لقوله تعالى {قل كل من عند الله} وقد اختار الرازي أنه اسم غير مشتق ألبتة, قال وهو قول الخليل وسيبويه, وأكثر الأصوليين والفقهاء ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه منها أنه لو كان مشتقاً لاشترك في معناه كثيرون, ومنها أن بقية الأسماء تذكر صفات له فتقول الله الرحمن الرحيم الملك القدوس, فدل أنه ليس بمشتق قال فأما قوله تعالى {العزيز الحميد الله} على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان, ومنها قوله تعالى {هل تعلم له سميّاً} وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامداً غير مشتق نظر والله أعلم.
    وحكى الرازي عن بعضهم أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي ضعفه وهو حقيق بالتضعيف كما قال, وقد حكى الرازي هذا القول ثم قال وأعلم أن الخلائق قسمان واصلون إلى ساحل بحر المعرفة, ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة, فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم, وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال فتاهوا في ميادين الصمدية وبادوا في عرصة الفردانية, فثبت أن الخلائق كلهم والهون في معرفته, وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال لأن الخلق يألهون إليه بفتح اللام وكسرها لغتان, وقيل إنه مشتق من الارتفاع, فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها, وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس لاهت, وقيل إنه مشتق من أله الرجل إذا تعبد وتأله إذ تنسك, وقرأ ابن عباس (ويذرك وإلاهتك) وأصل ذلك الإله فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة وفخمت تعظيماً فقيل الله.
    (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا, وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن: رحمن الدنيا والاَخرة, والرحيم: رحيم الاَخرة, وزعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم وقد قال {وكان بالمؤمنين رحيماً} وحكى ابن الانباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن: اسم عبراني ليس بعربي وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى الرحيم عربي والرحمن عبراني فلهذا جمع بينهما قال أبو إسحاق وهذا القول مرغوب عنه وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرّجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «قال الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق, قال وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له, قال القرطبي: ثم قيل هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد, وقيل ليس بناء فعلان كفعيل فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك رجل غضبان للرجل الممتلى غضباً, وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول, قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين قال الله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الاَخر أي أكثر رحمة, ثم حكي عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة وقالوا لعله أرفق كما في الحديث «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وأنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» وقال ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يسأل الله يغضب عليه» وقال بعض الشعراء:
    الله يغضب ان تركت سؤالهوبنيّ آدم حين يسأل يغضب
    وقال ابن جرير حدثنا السري بن يحيى التميمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول: الرحمن الرحيم قال: الرحمن لجميع الخلق الرحيم قال بالمؤمنين قالوا ولهذا قال {ثم استوى على العرش الرحمن} وقال {الرحمن على العرش استوى} فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته وقال {وكان بالمؤمنين رحيماً} فخصهم باسمه الرحيم قالوا فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاصة بالمؤمنين, لكن جاء في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والاَخرة ورحيمهما. واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
    وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكدّ به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره قال: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاح نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم, لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص. فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم, فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى, كذا رواه ابن جرير عن عطاء. ووجهه بذلك والله أعلم وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:31

    لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري وفي بعض الروايات لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وقال تعالى {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله بالرحمن قال ابن جرير وقد أنشد بعض الجاهلية الجهال:
    ألا ضربت تلك الفتاة هجينهاألا قضب الرحمن ربي يمينها
    وقال سلامة بن جندب الطهوي:
    عجلتم علينا إذ عجلنا عليكموما يشأ الرحمن يعقد ويطلق
    وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال الرحمن الفعلان من الرحمة هو من كلام العرب وقال {الرحمن الرحيم} الرفيق الرقيق لمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه, وكذلك أسماؤه كلها. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال الرحمن اسم ممنوع. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال الرحمن اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه تسمى به تبارك وتعالى. وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته حرفاً حرفاً {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد الله رب العالمين} فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة ومنهم من وصلها بقوله {الحمد لله رب العالمين}. وكسرت الميم لالتقاء الساكنين وهم الجمهور, وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قُرى قول الله تعالى: {الم الله لا إله إلا هو} قال ابن عطية ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت.


    ** الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ
    القراء السبعة على ضم الدال في قوله الحمد لله هو مبتدأ وخبر. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا (الحمد لله) بالنصب وهو على إضمار فعل وقرأ ابن أبي عبلة الحمد لله بضم الدال واللام اتباعاً للثاني الأول وله شواهد لكنه ***, وعن الحسن وزيد بن علي {الحمد لله} بكسر الدال اتباعاً للأول الثاني.
    قال أبو جعفر بن جرير معنى {الحمدالله} الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه, ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد, في تصحيح الاَلات لطاعته وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق, وغذاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه, ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم, فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً. وقال ابن جرير رحمه الله: الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله. قال وقد قيل أن قول القائل الحمد لله ثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى, وقوله الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الاَخر وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية, وقال ابن عباس الحمد لله كلمة كل شاكر, وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل الحمد لله شكراً, وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر, لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية, والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان واللسان والأركان كما قال الشاعر:
    أفادتكم النعماء مني ثلاثة:يدي ولساني والضمير المحجبا
    ولكنهم اختلفوا أيهما أعمّ الحمد أو الشكر على قولين والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية, تقول حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه وهو أخص, لأنه لا يكون إلا بالقول, والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية لا يقال شكرته لفروسيته وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم.
    وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم, تقول حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة فهو حميد ومحمود والتحميد أبلغ من الحمد, والحمد أعم من الشكر, وقال في الشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح. وأما المدح فهو أعم من الحمد لأنه يكون للحي وللميت وللجماد أيضاً كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ويكون قبل الإحسان وبعده, وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً فهو أعم.

    ذكر أقوال السلف في الحمد
    قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا حفص عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله, فما الحمد لله, فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه, ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعلي ـ وأصحابه عنده ـ: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر قد عرفناها فما الحمد لله ؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال, وقال علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: قال ابن عباس: الحمد لله كلمة الشكر وإذا قال العبد الحمد لله قال: شكرني, عبدي رواه ابن أبي حاتم, وروى أيضاً هو وابن جرير من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال الحمد لله هو الشكر لله هو الاستخذاء له والإقرار له بنعمته وهدايته وابتدائه وغير ذلك, وقال كعب الأحبار: الحمد لله ثناء الله, وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن, وقد ورد الحديث بنحو ذلك.
    قال ابن جرير: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك, وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال: «أما إن ربك يحب الحمد» ورواه النسائي عن علي بن حجر عن ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن الأسود بن سريع به. وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله» وقال الترمذي حسن غريب, وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ» وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله كان الحمد لله أفضل من ذلك» قال القرطبي وغيره أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى قال الله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها, قال الله, وهو أعلم بما قال عبده, ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا قول العبد الحمد لله رب العالمين أفضل من قوله لا إله إلا الله لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد, وقال آخرون لا إله إلا الله أفضل لأنها تفصل بين الإيمان والكفر وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الاَخر: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وقد تقدم عن جابر مرفوعاً «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله» وحسنه الترمذي والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله» الحديث.
    والرب هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح وكل ذلك صحيح في حق الله ولا يستعمل الرب لغير الله بل بالإضافة تقول: رب الدار, رب كذا, وأما الرب فلا يقال إلا الله عز وجل, وقد قيل إنه الاسم الأعظم. والعالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل والعالم جمع لا واحد له من لفظه, والعوالم أصناف المخلوقات في السموات وفي البر والبحر وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً. قال بشر بن عمار عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس {الحمد لله رب العالمين} الحمد لله الذي له الخلق كله السموات والأرض وما فيهنّ وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم. وفي رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس: رب الجن والإنس, وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج وروي عن علي نحوه قال ابن أبي حاتم بإسناده لا يعتمد عليه, واستدل القرطبي لهذا القول بقوله تعالى: {ليكون للعالمين نذيراً} وهم الجن والإنس. قال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم عالم. وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن العالم كل ما له روح ترفرف. وقال قتادة: رب العالمين كل صنف عالم, وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد وهو أحد خلفاء بني أمية وهو يعرف بالجعد ويلقب بالحمار أنه قال خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السموات وأهل الأرض عالم واحد وسائرهم لا يعلمهم إلا الله عز وجل.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 17:34

    وقوله تعالى: {الرحمن الرحيم} تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن الإعادة قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب كما قال تعالى: {نبى عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} وقوله تعالى: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} قال: فالرب فيه ترهيب والرحمن الرحيم ترغيب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد».


    ** مَـَلِكِ يَوْمِ الدّينِ
    قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع, ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها, ويقال مليك أيضاً وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ (ملكي يوم الدين) وقد رجح كلا من القراءتين مرجّحِون من حيث المعنى وكلتاهما صحيحة حسنة, ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحق وله الملك} وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: {ملك يوم الدين} على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا *** غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي, حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون (مالك يوم الدين) قال ابن شهاب وأول من أحدث «ملك» مروان (قلت) مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب و لله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها (مالك يوم الدين) ومالك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} وقال {قل أعوذ برب الناس ملك الناس} وملك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وقال {قوله الحق وله الملك} وقال: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً} وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عامّ في الدنيا والاَخرة, وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً} وقال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} وقال تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} وقال الضحاك عن ابن عباس {مالك يوم الدين} يقول لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا, قال: ويوم الدين يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر إلا من عفا عنه, وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف هو ظاهر وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى أن تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ثم شرع يضعفه والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم وأن كلاً من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الاَخر ولا ينكره, ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا, كما قال تعالى: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً} والقول الثاني يشبه قوله تعالى: { ويوم يقول كن فيكون} والله أعلم. والملك في الحقيقة هو الله عز وجل, قال الله تعالى: {هو الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس السلام} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله} وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟» وفي القرآن العظيم {لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار} فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} {وكان وراءهم ملك} {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} وفي الصحيحين «مثل الملوك على الأسرة».
    والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} وقال {أئنا لمدينون} أي مجزيون محاسبون, وفي الحديث «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي حاسب نفسه كما قال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا, وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}.

    ** إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو ابن فايد بتخفيفهامع الكسر وهي قراءة ***ة مردودة لأن إيا ضوء الشمس, وقرأ بعضهم أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء, وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة كما قال الشاعر:
    فهياك والأمر الذي إن تراحبتموارده ضاقت عليك مصادره
    ونستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم, والعبادة في اللغة من الذلة يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلل وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة, والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين, وهذا كما قال بعض السلف الفاتحة سر القرآن, وسرها هذه الكلمة {إياك نعبد وإياك نستعين} فالأول تبرؤ من الشرك, والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل, وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى: {فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون}, {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا}, {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} وكذلك هذه الاَية الكريمة {إياك نعبد وإياك نستعين} وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال الله حمدني عبدي, وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال الله أثنى علي عبدي, فإذا قال {مالك يوم الدين} قال الله مجدني عبدي, وإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل, فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما {إياك نعبد} يعني إياك نوحد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها وقال قتادة {إياك نعبد وإياك نستعين} يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أموركم وإنما قدم {إياك نعبد} على {وإياك نستعبن} لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم. فإن قيل: فما معنى النون في قوله تعالى: {إياك نعيد وإياك نستعين} فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير, ومنهم قال يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد له قيل إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل {إياك نعبد وإياك نستعين} وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه. ومنهم من قال إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به, والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم:
    لا تدعني إلا بيا عبدهافإنه أشرف أسمائي
    وقد سمى الله رسولهصلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}, {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فسماه عبداً عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين حيث يقول: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقد حكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق, قال ولأن الله يتولى مصالح عبده والرسول يتولى مصالح أمته, وهذا القول خطأ والتوجيه أيضاً ضعيف لا حاصل له ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد, وقال بعض الصوفية العبادة إما لتحصيل ثواب أو درء عقاب, قالوا وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده, وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى وهذا أيضاً عندهم ضعيف, بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال, قالوا ولهذا يقول المصلي: أصلي لله, ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصلاة وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل لا ينافي أن يطلب معها ثواباً ولا أن يدفع عذاباً كما قال ذلك الأعرابي: أما أني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حولها ندندن».


    ** اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
    قراءة الجمهور بالصاد وقرى السراط وقرى بالزاي, قال الفراء: وهي لغة بني عذرة وبني كلب لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: «فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل» وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة, ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه كما قال موسى عليه السلام {رب إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير} وقد تقدمه مع ذلك وصف مسؤول كقول ذي النون {لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول كقول الشاعر:
    أأذكر حاجتي أم قد كفانيحياؤك إن شيمتك الحياء
    إذا أثنى عليك المرء يوماًكفاه من تعرضه الثناء
    والهداية ههنا والإرشاد والتوفيق, وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا {اهدنا الصراط المستقيم} فتضمن معنى ألهمنا أو وفقنا أو ارزقنا أو أعطنا {وهديناه النجدين} أي بينا له الخير والشر, وقد تعدى بإلى كقوله تعالى: {اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة وكذلك قوله {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقد تعدى باللام كقول أهل الجنة {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلاً.
    وأما الصراط المستقيم فقال الإمام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وذلك في لغة العرب فمن ذلك قال جرير بن عطية الخطفي:
    أمير المؤمنين على صراطإذا اعوج الموارد مستقيم)

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:00

    قال والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر, قال ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل ووصف باستقامة أو اعوجاج فتصف المستقيم باستقامته والمعوج باعوجاجه. ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط, وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة لله وللرسول, فروي أنه كتاب الله, قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثني يحيى بن يمان عن حمزة الزيات عن سعيد وهو ابن المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصراط المستقيم كتاب الله» وكذلك رواه ابن جرير من حديث حمزة بن حبيب الزيات وقد تقدم في فضائل القرآن فيما رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور عن علي مرفوعاً «وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم» وقد روي موقوفاً على علي رضي الله عنه وهو أشبه والله أعلم: وقال الثوري عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال الصراط المستقيم كتاب الله, وقيل هو الإسلام, قال الضحاك عن ابن عباس قال: قال جبريل لمحمد عليهما السلام «قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم» يقول ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه, وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} قال ذاك الإسلام, وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اهدنا الصراط المستقيم قالوا هو الإسلام, وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر اهدنا الصراط المستقيم قال هو الإسلام أوسع مما بين السماء والأرض وقال ابن الحنفية في قوله تعالى {اهدنا الصراط المستقيم} قال هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم اهدنا الصراط المستقيم قال هو الإسلام وفي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول ياأيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا, وداعٍ يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه ـ فإنك إن فتحته تلجه ـ فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم» وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث الليث بن سعد به, ورواه الترمذي والنسائي جميعاً عن علي بن حجر عن بقية عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان به, وهو إسناد حسن صحيح والله أعلم. وقال مجاهد اهدنا الصراط لمستقيم قال: الحق وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم, وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم حدثنا حمزة بن المغيرة عن عاصم الأحول عن أبي العالي {اهدنا الصراط المستقيم} قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده. قال عاصم فذكرنا ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح. وكل هذه الأقوال صحيحة وهي متلازمة فإن من اتبع الإسلام فقد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر فقد اتبع الحق ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن وهو كتاب الله وحبله المتين وصراطه المستقيم, فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضاً, و لله الحمد. وقال الطبراني حدثنا محمد بن الفضل السقطي حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والذي هو أولى بتأويل هذه الاَية عندي أعني ـ اهدنا الصراط المستقيم ـ أن يكون معنياً به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل ذلك هو الصراط المسقيم لأن من وفق لما وفق له مَن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والانزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة, وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم. (فإن قيل) فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك ؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟ فالجواب أن لا, ولولا احتياجه ليلاً ونهاراً إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها فإن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق, فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله فإنه قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار, وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمِنوا با لله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} الاَية: فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم. وقال تعالى آمراً لعباده المؤمنين أن يقولوا: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الاَية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سراً, فمعنى قوله تعالى {اهدنا الصراط المستقيم} استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره.

    ** صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّآلّينَ
    وقد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخرها أن الله يقول «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وقوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} مفسر للصراط المستقيم وهو بدل منه عند النحاة ويجوز أن يكون عطف بيان والله أعلم. والذين أنعم الله عليهم المذكرون في سورة النساء حيث قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً * ذلك الفضل من الله وكفى با لله عليماً} وقال الضحاك عن ابن عباس: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين. وذلك نظير ما قال ربنا تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} الاَية. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس {صراط الذين أنعمت عليهم} قال هم النبيّون وقال ابن جريج عن ابن عباس: هم المؤمنون, وكذا قال مجاهد وقال وكيع: هم المسلمون وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه والتفسير المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أعم وأشمل والله أعلم.
    وقوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قرأ الجمهور غير بالجر على النعت, قال الزمخشري: وقرى بالنصب على الحال, وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب, ورويت عن ابن كثير وذو الحال الضمير في عليهم والعامل أنعمت والمعنى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق. وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثَمّ مسلكين فاسدين وهما طريقة اليهود والنصارى, وقد زعم بعض النحاة أن غير ههنا استثنائية فيكون على هذا منقطعاً لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم وما أوردناه أولى لقول الشاعر:
    كأنك من جمال بني أقيشيقعقع عند رجليه بشن
    أي كأنك جمل من جمال بني أقيش فحذف الموصوف واكتفى بالصفة وهكذا غير المغضوب عليهم أي إلى صراط المغضوب عليم اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف, وقد دل سياق الكلام وهو قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} ثم قال تعالى: {غير المغضوب عليهم} ومنهم من زعم أن لا في قوله تعالى {ولا الضالين} زائدة وأن تقدير الكلام عنده غير المغضوب عليهم والضالين واستشهد ببيت العجاج:
    في بئر لا حورسرى وما شعر
    أي في بئرحور, والصحيح ما قدمناه, ولهذا روى أبو القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقرأ غير المغضوب عليهم وغير الضالين وهذا الإسناد صحيح, وكذلك حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك, وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير, فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء لتأكيد النفي لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم وللفرق بين الطريقتين ليتجنب كل واحد فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم ولهذا الغضب لليهود والضلال للنصارى, لأن من علم وترك استحق الغضب خلاف من لم يعلم, والنصارى لما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه, وهو اتباع الحق, ضلوا, وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه, لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال تعالى عنهم {من لعنه الله وغضب عليه} وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى عنهم {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل} وبهذا جاءت الأحاديث والاَثار وذلك واضح بين فيما قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت سماك بن حرب يقول سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم, قال جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا عمتي وناساً فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوا له فقالت يا رسول الله: نأى الوافد وانقطع الولد وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمنّ علي منّ الله عليك,

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:03

    قال «من وافدك ؟» قالت عدي بن حاتم, قال «الذي فر من الله ورسوله» قالت فمنّ علي, فلما رجع ورجل إلى جنبه ترى أنه علي ؟ قال: سليه حملاناً فسألته فأمر لها, قال فأتتني فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان, وذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم قال فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر, فقال «يا عدي ما أفرك ؟ أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل من إله إلا الله ما أفرك أن يقال الله أكبر فهل شيء أكبر من الله عز وجل ؟» قال فأسلمت, فرأيت وجهه استبشر وقال: «إن المغضوب عليهم اليهود وإن الضالين النصارى», وذكر الحديث ورواه الترمذي من حديث سماك بن حرب, وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه (قلت) وقد رواه حماد بن سلمة عن مَرّيّ بن قَطَريّ عن عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {غير المغضوب عليهم} قال: هم اليهود {ولاالضالين} قال النصارى هم الضالون وهكذا رواه سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم به, وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها وقال عبد الرزاق: وأخبرنا معمر عن بديل العقيلي أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال يا رسول الله من هؤلاء ؟ قال المغضوب عليهم وأشار إلى اليهود والضالون هم النصارى, وقد رواه الجريري وعروة وخالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق فأرسلوه ولم يذكروا من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمرو فا لله أعلم, وقد روى ابن مردويه من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال اليهود, قلت: الضالين قال: النصارى, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود, وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: غير المغضوب عليهم وهم اليهود ولا الضالين هم النصارى, وقال الضحاك وابن جريج عن ابن عباس: غير المغضوب عليهم هم اليهود ولا الضالين النصارى, وكذلك قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد, وقال ابن أبي حاتم ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافاً وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون, الحديث المتقدم, وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة {بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين} وقال في المائدة {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل} وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله, فقال: أنا من غضب الله أفر, وقالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله, فقال لا أستطيعه فاستمر على فطرته وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى, وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذك, وكان منهم ورقة بن نوفل حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي رضي الله عنه.
    (مسألة) والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما, وذلك أن الضاد نخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس, ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الاَخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم, وأما حديث أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له والله أعلم.
    صل) اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات على حمد الله وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه والتبرى من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل, وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسية يوم القيامة المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء الصالحين, واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى {غير المغضوب عليهم} وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة كما قال تعالى {ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم} الاَية. وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به وإن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} وقال {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون} إلى غير ذلك من الاَيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلون ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ويتركون ما يكون فيه صريحاً في الرد عليهم: وهذا حال أهل الضلال والغي وقد ورد في الحديث الصحيح «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» يعني في قوله تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} فليس بحمد الله, لمبتدع في القرآن حجة صحيحة لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقاً بين الهدى والضلال وليس فيه تناقض ولا اختلاف لأنه من عند الله تنزيل من حكيم حميد.
    (صل) يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها آمين مثل يس, ويقال أمين بالقصر أيضاً ومعناه اللهم استجب والدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال آمين مد بها صوته, ولأبي داود رفع بها صوته, وقال الترمذي هذا حديث حسن, وروي عن علي وابن مسعود وغيرهم. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال «آمين» حتى يسمع من يليه من الصف الأول, رواه أبو داود وابن ماجه وزاد فيه فيرتج بها المسجد. والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن. وعن بلال أنه قال: يا رسول الله لا تسبقني بآمين رواه أبو داود, ونقل أبو نصر القشيري عن الحسن وجعفر الصادق أنهما شددا الميم من آمين مثل {آمين البيت الحرام} قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة, ويتأكد في حق المصلي, وسواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً وفي جميع الأحوال لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ولمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه» قيل بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان وقيل في الإجابة وقيل في صفة الإخلاص, وفي صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعاً «إذا قال ـ يعني الإمام ـ ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله» وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قلت: يا رسول الله ما معنى آمين ؟ قال «رب افعل» وقال الجوهري: معنى آمين كذلك فليكن. وقال الترمذي معناه لا تخيب رجاءنا. وقال الأكثرون معناه اللهم استجب لنا. وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن يساف أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعاً ولا يصح, قاله أبو بكر بن العربي المالكي. وقال أصحاب مالك: لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم لما رواه مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «وإذا قال ـ يعني الإمام ـ ولا الضالين فقولوا آمين» الحديث واستأنسوا أيضاً بحديث أبي موسى عند مسلم كان يؤمن إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وقد قدمنا في المتفق عليه «إذا أمن الإمام فأمنوا» وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به قولاً واحداً وإن أمن الإمام جهراً فالجديد أن لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن مالك لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة, والقديم أنه يجهر به وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل والرواية الأخرى عن مالك لما تقدم «حتى يرتج المسجد» ولنا قول آخر ثالث أنه إن كان المسجد صغيراً لم يجهر المأموم لأنهم يسمعون قراءة الإمام وإن كان كبيراً جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد والله أعلم. وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود فقال « إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين» ورواه ابن ماجه ولفظه «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين» وله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ماحسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين» وفي إسناده طلحة بن عمرو وهو ضعيف, وروى ابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين» وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى, كان موسى يدعو وهارون يؤمن فاختموا الدعاء بآمين فإن الله يستجيبه لكم (قلت) ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الاَية الكريمة وهي قوله تعالى: {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} فذكر الدعاء عن موسى وحده ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمّن فنزل من منزلة من دعا لقوله تعالى {قد أجيبت دعوتكما} فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله, فلهذا قال: من قال إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها, ولهذا جاء في الحديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» رواه أحمد في مسنده وكان بلال يقول لا تسبقني بآمين يا رسول الله. فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية والله أعلم. ولهذا قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن ليث عن ابن أبي سليم عن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين, فقال آمين, فوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه, ومثل من لا يقول آمين كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا فخرجت سهامهم ولم يخرج سهمه فقال لمَ لم يخرج سهمي ؟ فقيل إنك لم تقل آمين


    تمت الفاتحة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:06

    سورة البقرة
    (ذكر ما ورد في فضلها) قال الإمام أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر عن أبيه عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «البقرة سنام القرآن وذروته. نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً واستخرجت {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش فوصلت بها أو فوصلت بسورة البقرة, ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الاَخرة إلا غفر له واقرؤوها على موتاكم» انفرد به أحمد وقد رواه أحمد أيضاً عن عارم عن عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان ـ وليس بالنهدي ـ عن أبيه عن معقل بن يسار قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرؤوها على موتاكم» يعني يس ـ فقد تبين بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى. وقد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود والنسائي وابن ماجه, وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير وفيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكل شيءٍ سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي» وفي مسند أحمد وصحيح مسلم والترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان» وقال الترمذي: حسن صحيح وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه» سنان بن سعد ويقال بالعكس وثقه ابن معين واستنكر حديثه أحمد بن حنبل وغيره. وقال أبو عبيد حدّثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال: إن الشيطان يفرّ من البيت يسمع فيه سورة البقرة. ورواه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث شعبة ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ويدع سورة البقرة يقرؤها فإن الشيطان يفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصغر البيوت الجوف الصفر من كتاب الله» وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن نصر عن أيوب بن سليمان به. وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط. وقال إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصل. وروى أيضاً من طريق الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة, أربع من أولها وآية الكرسي, وآيتان بعدها, وثلاث آيات من آخرها, وفي رواية لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان, ولا شيء يكرهه, ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق. وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن البقرة وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ومن قرآها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام» رواه أبو القاسم الطبراني وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه من حديث الأزرق بن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن سعيد المدني عن أبي حازم عن سهل به. وعند خالد بن حبان بن سعيد المديني. وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سناً فقال ما معك يا فلان فقال معي كذا وكذا وسورة البقرة. فقال أمعك سورة البقرة ؟ قال نعم قال: اذهب فأنت أميرهم» فقال رجل من أشرافهم والله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أقوم بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعلموا القرآن واقرؤوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه في كل مكان ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكى على مسك» هذا لفظ رواية الترمذي ثم قال هذا حديث حسن ثم رواه من حديث الليث عن سعيد عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلاً فالله أعلم. قال البخاري: وقال الليث حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ـ وفرسه مربوطة عنده ـ إذ جالت الفرس, فسكت فسكنت, فقرأ فجالت الفرس, فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس, فانصرف, وكان ابنه يحيى قريباً منها ـ فأشفق أن تصيبه فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها, فلما أصبح حدّث النبي صلى الله عليه وسلم فقال «اقرأ يا ابن حضير» قال: قد أشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً فرفعت رأسي وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال «وتدري ما ذاك ؟» قال لا قال «تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم» وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح, ويحيى بن بكير عن الليث به. وقد روي من وجه آخر عن أسيد بن حضير كما تقدم والله أعلم. وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وذلك فيما رواه أبو عبيد حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدّثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال «فلعله قرأ سورة البقرة» قال: فسألت ثابتاً فقال: قرأت سورة البقرة» وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاماً ثم هو مرسل والله أعلم.

    (ذكر ما ورد في فضلها مع آل عمران)
    قال الإمام أحمد حدّثنا أبو نعيم حدّثنا بشر بن مهاجر حدّثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول «تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» قال ثم سكت ساعة ثم قال «تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوّاف وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني ؟ فيقول: ما أعرفك فيقول أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بما كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً» وروى ابن ماجه من حديث بشر بن المهاجر بعضه وهذا إسناد حسن على شرط مسلم فإن بشراً هذا خرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال النسائي: ما به بأس إلا أن الإمام أحمد قال فيه هو منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تأتي بالعجب وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي: روى ما لا يتابع عليه وقال الدارقطني: ليس بالقوي (قلت) ولكن لبعضه شواهد فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي قال الإمام أحمد حدّثنا عبد الملك بن عمر حدّثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اقرؤوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ثم قال اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» وقد رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي به الزهراوان: المنيرتان, والغياية: ما أظلك من فوقك, والفِرْقُ: القطعة من الشيء, والصواف المصطفة المتضامة, والبطلة السحرة, ومعنى لا تستطيعها أي لا يمكنهم حفظها وقيل لا تستطيع النفوذ في قارئها والله أعلم. ومن ذلك حديث النواس بن سمعان قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربه حدّثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي عن جبير بن نفير قال: سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران» وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال «كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما» ورواه مسلم عن إسحاق بن منصور عن يزيد بن عبدربه به, والترمذي من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي به وقال حسن غريب, وقال أبو عبيد: حدّثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير قال: قال حماد أحسبه عن أبي منيب عن عمه أن رجلاً قرأ البقرة وآل عمران فلما قضى صلاته قال له كعب أقرأت البقرة وآل عمران ؟ قال: نعم قال: فوالذي نفسي بيده إن فيهما اسم الله الذي إذا دعي به استجاب. قال فأخبرني به

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:10

    قال: لا والله لا أخبرك به ولو أخبرتك به لأوشكت أن تدعوه بدعوة أهلك فيها أنا وأنت, وحدّثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر أنه سمع أبا أمامة يقول: إن أخاً لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وَعِرٍ طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان هل فيكم قارى يقرأ سورة البقرة ؟ وهل فيكم قارى يقرأ سورة آل عمران ؟ قال فإذا قال الرجل نعم دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فيخطران به الجبل, وحدّثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي عمران أنه سمع أم الدرداء تقول: إن رجلاً ممن قرأ القرآن أغار على جار له فقتله وإنه أقيد به فقتل فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة حتى بقيت البقرة وآل عمران جمعة ثم إن آل عمران انسلت منه وأقامت البقرة جمعة فقيل لها {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} قال فخرجت كأنها السحابة العظيمة قال أبو عبيد أراه يعنى أنهما كانتا معه في قبره يدفعان عنه ويؤنسانه فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن. وقال أيضاً حدثنا أبو مسهر الغسّاني عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم بري من النفاق حتى يمسي ومن قرأهما في ليلة بري من النفاق حتى يصبح قال فكان يقرؤها كل يوم وليلة سوى جزئه. وحدّثنا عن ورقاء بن إياس عن سعيد بن جبير قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان ـ أو كتب ـ من القانتين فيه انقطاع ولكن ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله وآله وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة.

    ذكر ما ورد في فضل السبع الطوال
    قال أبو عبيد حدّثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي عن محمد بن شعيب عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السبع الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل» هذا حديث غريب وسعيد بن أبي بشير وفيه لين وقد رواه أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث عن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره والله أعلم ثم قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أخذ السبع فهو حبر» وهذا أيضاً غريب وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي وروى عنه عمرو بن عمرو وعبد الله بن أبي بكرة وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحاً فا لله أعلم. وقد رواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود وحسين كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به, ورواه أيضاً عن أبي سعيد عن سليمان بن بلال عن حبيب بن هند عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر» قال أحمد: وحدّثنا حسين حدثنا ابن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال عبد الله بن أحمد: وهذا أرى فيه عن أبيه عن الأعرج ولكن كذا كان في الكتاب فلا أدري أغفله أبي أو كذا هو مرسل وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سناً لحفظه سورة البقرة وقال له: «اذهب فأنت أميرهم» وصححه الترمذي ثم قال أبو عبيد: حدّثنا هشيم أنبأ أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} قال هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس قال وقال مجاهد هي السبع الطوال وهكذا قال مكحول وعطية بن قيس وأبو محمد الفارسي وشداد بن أوس ويحيى بن الحارث الذماري في تفسير الاَية بذلك وفي تعدادها وإنّ يونس هي السابعة.
    (فصل) والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف وهي من أوائل ما نزل بها لكن قوله تعالى فيه {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} الاَية يقال إنها آخر ما نزل من القرآن ويحتمل أن تكون منها وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل وكان خالد بن معدان يسمي البقرة فسطاط القرآن, قال بعض العلماء وهي مشتملة على ألف خبر وألف أمر وألف نهي, وقال العادّون آياتها مائتان وثمانون وسبع آيات وكلماتها ستة آلاف كلمة ومائتان وإحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون ألفاً وخمسمائة حرف فا لله أعلم. قال ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس نزلت بالمدينة سورة البقرة, وقال خصيف عن مجاهد عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة, وقال الواقدي حدّثني الضحاك بن عثمان عن أبي الزناد بن خارجة بن ثابت عن أبيه قال نزلت البقرة بالمدينة وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين ولا خلاف فيه. وقال ابن مردويه حدّثنا محمد بن معمر حدّثنا الحسن بن علي بن الوليد الفارسي حدّثنا خلف بن هشام وحدّثنا عيسى بن ميمون عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله» هذا حديث غريب لا يصح رفعه وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا المقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة أخرجاه, وروى ابن مردويه من حديث شعبة عن عقيل بن طلحة عن عتبة بن مرثد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخراً فقال «يا أصحاب سورة البقرة» وأظن هذا كان يوم حنين يوم ولوا مدبرين أمر العباس فناداهم «يا أصحاب الشجرة» يعني أهل بيعة الرضوان وفي رواية «يا أصحاب سورة البقرة» لينشطهم بذلك فجعلوا يقبلون من كل وجه وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة جعل الصحابة يفرون لكثافة جيش بني حنيفة فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون يا أصحاب سورة البقرة حتى فتح الله عليهم رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

    ** الَمَ
    قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردّوا علمها إلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين, وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور. قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحيحن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم} السجدة و{هل أتى على الإنسان}, وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم, وحم, والمص, وص. فواتح افتتح الله بها القرآن, وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال: الم اسم من أسماء القرآن وهكذا قال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السورة فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسماً للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم.
    وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال الشعبي فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي: بلغني أن ابن عباس قال: الم اسم من أسماء اللهالأعظم. هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال: سألت السدي عن حم وطس والم فقال ابن عباس: هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدّثنا أبو النعمان حدّثنا شعبة عن إسرائيل السدي عن مرة الهمداني قال: قال عبد الله فذكر نحوه. وحكى مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم. ورويا أيضاً من حديث شريك بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس, الم قال أنا الله أعلم, وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك.
    وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال: أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفاً دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه, وليس منها حرف إلا وهو من آلائه, وبلائه: وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب: فقال أعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به, فالألف مفتاح اسم الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله, الألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة.
    هذا لفظ ابن أبي حاتم. ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الاَخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سوراً كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه, قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى {إنا وجدنا آباءنا على أمة} وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين} وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى {وجد عليه أمة من الناس يسقون} وقوله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً} تطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى {وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمة} أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا.
    هذا حاصل كلامه موجهاً ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا معاً ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الإصلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم. ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الاَخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف, والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر:
    قلنا قفي لنا فقالت قافلا تحسبي أنا نسينا الإيجاف

    تعني وقفت وقال الاَخر:
    ما للظليم عال كيف لا ياينقد عنه جلده إذا يا

    فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الاَخر:
    بالخير خيرات وإن شراً فاولا أريد الشر إلا أن تا

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:14

    يقول وإن شراً فشراً ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم.
    قال القرطبي وفي الحديث «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة» الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل «اق». وقال خصيف عن مجاهد أنه قال فواتح السور كلها (ق وص وحم وطسم والر) وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية: هي حروف من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفاً كما يقول القائل: ابني يكتب في ـ ا ب ت ث ـ أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير.
    قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفاً وهي ـ ا ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن ـ يجمها قولك: نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عدداً والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف: قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة, ومن الرخوة والشديدة, ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة, ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ومن ههنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاماً فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثاً ولا سدى, ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأً كبيراً, فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا {آمنا به كل من عند ربنا} ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام.
    المقام الاَخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها, فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدى بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضاً وهو ضعيف لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها وليس كذلك أيضاً لانبغىَ الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطاباً للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه. وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكره فيها بياناً لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها, وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين, وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا, وقرره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر, وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو العجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية.قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله ـ ص ن ق ـ وحرفين مثل {حم} وثلاثة مثل {الم} وأربعة مثل {المر} و {المص} وخمسة مثل {كهيعص ـ و ـ حمعسق} لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك (قلت) ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} {الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه} {المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه} {الر * كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} {حم * تنزيل من الرحمن الرحيم} {حم * عسق * كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} وغير ذلك من الاَيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم.
    وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له, وطار في غير مطاره, وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال في يهود برسول الله وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فأتى أخاه حي بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك {الم * ذلك الكتاب} ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى» فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله ؟ فقال «نعم» قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بيّن لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره فقال نعم, قال ما ذاك ؟ قال «المص» قال هذا أثقل وأطول, الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد سبعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال: نعم, قال ما ذاك ؟ قال الر. قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتان سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال «نعم» قال ماذا قال «المر» قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً. ثم قال قوموا عنه, ثم قال أبو ياسر لأخيه حي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين ؟ فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الاَيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات} فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحاً أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:18

    ** ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ
    قال ابن جريج قال ابن عباس ذلك الكتاب أي هذا الكتاب وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج أن ذلك بمعنى هذا والعرب تعارض بين اسمي الإشارة فيستعملون كلاً منهما مكان الاَخر وهذا معروف في كلامهم وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى عن أبي عبيدة وقال الزمخشري ذلك إشارة إلى {الم} كما قال تعالى {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} وقال تعالى {ذلك حكم الله يحكم بينكم} وقال {ذلكم الله} وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره والله أعلم. وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن ذلك إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك في أقوال عشرة. وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم.
    والكتاب القرآن ومن قال: إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به. والريب الشك قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا ريب فيه} لا شك فيه وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذه خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل:
    بثينة قالت يا جميل أربتنيفقلت كلانا يا بثين مريب
    واستعمل أيضاً في الحاجة كما قال بعضهم:
    قضينا من تهامة كل ريبوخيبر ثم أجمعنا السيوفا
    ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو القرآن لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى في السجدة {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وقال بعضهم هذه خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه. ومن القراء من يقف على قوله تعالى {لا ريب} ويبتدى بقوله تعالى {فيه هدى للمتقين} والوقف على قوله تعالى {لا ريب فيه} أولى للاَية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى {هدى} صفة للقرآن وذلك أبلغ من كون فيه هدى, وهدى يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعاً على النعت ومنصوباً على الحال وخصت الهداية للمتقين كما قال {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} إلى غير ذلك من الاَيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {هدى للمتقين} يعني نوراً للمتقين وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: هدى للمتقين قال هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {للمتقين} قال الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري قوله تعالى للمتقين قال: اتقوا ما حرم الله عليهم وأدّوا ما افترض عليهم, وقال أبو بكر بن عياش سألني الأعمش عن المتقين قال فأجبته فقال لي سل عنها الكلبي فسألته فقال الذين يجتنبون كبائر الإثم قال فرجعت إلى الأعمش فقال يرى أنه كذلك ولم ينكره. وقال قتادة للمتقين هم الذين نعتهم الله بقوله {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} الاَية والتي بعدها, واختيار ابن جرير أن الاَية تعم ذلك كله وهو كما قال. وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس» ثم قال الترمذي حسن غريب وقال ابن أبي حاتم حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عنميمون أبي حمزة قال: كنت جالساً عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي مناد أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة. ويطلق الهدى ويراد به ما يقرّ في القلب من الإيمان وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل قال الله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت} وقال {ليس عليك هداهم} وقال {من يضلل الله فلا هادي له} وقال {من يهد الله فهو المهتد * ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} إلى غير ذلك من الاَيات ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والإرشاد قال الله تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقال {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} وقال تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وقال {وهديناه النجدين} على تفسير من قال المراد بهما الخير والشر وهو الأرجح والله أعلم وأصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية قال النابغة:
    سقط النصيف ولم ترد إسقاطهفتناولته واتقتنا باليد

    وقال الاَخر:
    فألفت قناعاً دونه الشمس واتقتبأحسن موصولين كف ومعصم

    وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال بلى, قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى. وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:
    خل الذنوب صغيرهاو كبيرها ذاك التقى
    واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
    لا تحقرن صغيرةإنّ الجبال من الحصى
    وأنشد أبو الدرداء يوماً:
    يريد المرء أن يؤتى مناهويأبى الله إلا ما أرادا
    يقول المرء فائدتي وماليوتقوى الله أفضل ما استفادا
    وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول لله صلى الله عليه وسلم «ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله».

    ** الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: الإيمان التصديق, وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤمنون يصدّقون وقال معمر عن الزهري: الإيمان العمل, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس يؤمنون يخشون.
    قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً وعملاً واعتقاداً وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل, والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل (قلت) أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} وكما قال إخوة يوسف لأبيهم {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال كقوله تعالى {إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات} فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً. هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنّة. ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} وقوله: {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب} والخشية خلاصة الإيمان والعلم كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ} وقال بعضهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} وقال: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} فعلى هذا يكون قوله بالغيب حالاً أي في حال كونهم غيباً عن الناس.
    وأما الغيب المراد ههنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد, قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب} قال ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر وجنته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث, فهذا غيب كله. وكذا قال قتادة بن دعامة وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بالغيب قال بما جاء منه ـ يعني من الله تعالى ـ وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر قال: الغيب القرآن وقال عطاء بن أبي رباح من آمن بالله فقد آمن بالغيب وقال إسماعيل بن أبي خالد يؤمنون بالغيب قال: بغيب الإسلام وقال زيد بن أسلم: الذين يؤمنون بالغيب قال: بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به.
    وقال سعيد بن منصور: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به فقال عبد الله: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيّناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ {الم, ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ـ إلى قوله ـ المفلحون} وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طرق عن عن الأعمش به. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفي معنى هذا الحديث الذي رواه أحمد حدثنا أبو المغيرة أنبأ الأوزاعي حدّثني أسد بن عبد الرحمن عن خالد بن دريك عن ابن محيريز قال قلت لأبي جمعة حدّثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أحدّثك حديثاً جيّداً: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: يا رسول الله هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك. قال «نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» طريق أخرى قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدّثنا عبد الله بن جعفر حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود حدّثنا عبد الله بن صالح حدّثنا معاوية بن صالح عن صالح بن جبير قال قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يؤمئذٍ رجاء بن حيوة رضي الله عنه فلما انصرف خرجنا نشيعه فلما أراد الانصراف قال إن لكم جائزة وحقاً أحدّثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: هات رحمك الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منكم أجراً ؟ آمنا بالله واتبعناك, قال: «ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجراً مرتين

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:21

    {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث} الاَية, الطهر يدل على أن يقربها, فلما قالت ميمونة وعائشة: كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاره, دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
    وقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} وليس له في ذلك مستند, لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق, هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم, ومنهم من يقول: إنه للإباحة, ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له من الوجوب, وفيه نظر, والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي, فإن كان واجباً, فواجب كقوله {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} أو مباحاً فمباح كقوله {وإذا حللتم فاصطادوا} {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} وعلى هذا القول تجتمع الأدلة, وقد حكاه الغزالي وغيره, فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح, وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه, إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول, فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل, والله أعلم, وقال ابن عباس {حتى يطهرن} أي من الدم {فإذا تطهرن} أي بالماء, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
    وقوله {من حيث أمركم الله} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني الفرج. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فأتوهن من حيث أمركم الله} يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره, فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة {من حيث أمركم الله} أي تعتزلوهن, وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر, كما سيأتي تقريره قريباً إن شاء الله تعالى. وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد {فأتوهن من حيث أمركم الله} يعني طاهرات غير حيّض, ولهذا قال {إن الله يحب التوابين} أي من الذنب وإن تكرر غشيانه {ويحب المتطهرين} أي المتنزهين عن الأقذار والأذى, وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى.
    وقوله {نساؤكم حرث لكم} قال ابن عباس: الحرث موضع الولد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي كيف شئتم, قال: سمعت جابراً قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول, فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري: أن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج» وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري, عن أبيه, عن جده, أنه قال: يا رسول الله, نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال «حرثك ائت حرثك أنى شئت, غير أن لا تضرب الوجه, ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» الحديث, رواه أحمد وأهل السنن.
    (حديث آخر) ـ قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن عامر بن يحيى, عن حنش بن عبد الله, عن عبد الله بن عباس, قال: أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه عن أشياء, فقال له رجل: إني أحب النساء فكيف ترى في ؟ فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ورواه الإمام أحمد, حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين, حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش, عن ابن عباس, قال: أنزلت هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ائتها على كل حال إذا كان في الفرج».
    (حديث آخر) ـ قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: حدثنا أحمد بن داود بن موسى, حدثنا يعقوب بن كاسب, حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها, فأنكر الناس عليه ذلك, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الاَية, ورواه ابن جرير عن يونس, عن يعقوب, ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح, عن عبد الله بن نافع به.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن سابط, قال: دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر, فقلت: إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك, قالت: فلا تستحي يا ابن أخي, قال: عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من أحبى امرأته, كان ولده أحول, فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأحبوهن, فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك, فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرجت فسألته أم سلمة, فقال: ادعي «الأنصارية» فدعتها, فتلا عليها هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «صماماً واحداً». ورواه الترمذي عن بندار, عن ابن مهدي, عن سفيان, عن أبي خثيم به, وقال حسن. (قلت) وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه, عن ابن خثيم, عن يوسف بن ماهك, عن حفصة أم المؤمنين ان امرأة أتتها, فقالت: إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال «لا بأس إذا كان في صمام واحد».
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا يعقوب يعني القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله هلكت, قال ما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي البارحة, قال, فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} «أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة». ورواه الترمذي عن عبد بن حميد, عن حسن بن موسى الأشيب به, وقال: حسن غريب. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحارث بن شريح, حدثنا عبد الله بن نافع, حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد, قال: أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته, فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ, قال: حدثني محمد يعني ابن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد عن ابن عباس, قال: إن ابن عمر قال ـ والله يغفر له ـ أوهم وإنما كان الحي من الأنصار, وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود, وهم أهل كتاب, وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم, فكانوا يقتدون كثيراً من فعلهم, وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة, فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم, وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً, ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة, تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار, فذهب يصنع بها ذلك, فأنكرته عليه, وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف, فأصنع ذلك, وإلا فاجتنبني, فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضوع الولد, تفرد به أبو داود, ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة, فإنها مشابهة لهذا السياق, وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد, قال, عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته, أوقفه عند كل آية منه, وأسأله عنها, حتى انتهيت إلى هذه الاَية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن, فذكر القصة بتمام سياقها, وقول ابن عباس إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم, كأنه يشير إلى ما رواه البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل, أخبرنا ابن عون عن نافع, قال, كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه, فأخذت عنه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا, ثم مضى, وعن عبد الصمد قال, حدثني أبي, حدثنا أيوب عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: أن يأتيها في... هكذا رواه البخاري, وقد تفرد به من هذا الوجه. وقال ابن جرير, حدثني يعقوب, حدثنا ابن عون عن نافع, قال قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت ؟ قلت: لا. قال: نزلت في إيتان النساء في أدبارهن. وحدثني أبو قلابة. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثني أبي عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: في الدبر. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح. وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, عن أبي بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر, أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. قال أبو حاتم الرازي, لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر, لما أولع الناس بنافع, وهذا تعليل منه لهذا الحديث. وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عمر, فذكره, وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها, لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى, عن الفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل, عن كعب بن علقمة, عن أبي النضر, أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر, أنه قد أكثر عليك القول, أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن, قال: كذبوا عليّ, ولكن سأحدثك كيف كان الأمر, إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: يا نافع, هل تعلم من أمر هذه الاَية ؟

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:25

    قلت: لا. قال, إنا كنا معشر قريش نجبي النساء, فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردن منها مثل ما كنا نريد, فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن, فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} وهذا إسناد صحيح, وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني, عن الحسين بن إسحاق, عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري, عن مفضل بن فضالة, عن عبد الله بن عياش, عن كعب بن علقمة, فذكره, وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحاً, وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي, وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم, وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر, وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه, فقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق, لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن». وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد, عن خزيمة بن ثابت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها.
    (طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا يعقوب, سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد, أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي, حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي, حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن» رواه النسائي وابن ماجه من طريق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير.
    (حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي والنسائي: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان, عن مخرمة بن سليمان عن كريب, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر» ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه, وصححه ابن حزم أيضاً, ولكن رواه النسائي أيضاً عن هناد, عن وكيع, عن الضحاك به موقوفاً. وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن ابن طاوس, عن أبيه, أن رجلاً سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها, قال: تسألني عن الكفر, إسناده صحيح, وكذا رواه النسائي من طريق ابن المبارك عن معمر به نحوه, وقال عبد أيضاً في تفسيره: حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة, قال, جاء رجل إلى ابن عباس وقال: كنت آتي أهلي في دبرها, وسمعت قول الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال, فقال: يا لكع إنما قوله: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى» وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة, حدثنا همام, قال: سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها, فقال قتادة: أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «هي اللوطية الصغرى». قال قتادة: وحدثني عقبة بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله, وهذا أصح, والله أعلم. وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون, عن حميد الأعرج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو موقوفاً من قوله.
    (طريق أخرى) قال جعفر الفريابي: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل, والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, ومؤذي جاره حتى يلعنه» ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن عاصم, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن علي بن طلق, قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن, فإن الله لا يستحي من الحق, وأخرجه أحمد أيضاً عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضاً, عن عاصم الأحول به, وفيه زيادة, وقال: هو حديث حسن, ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل, والصحيح أنه علي بن طلق.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح, عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه». وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة يرفعه, قال «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها», وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضاً: حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح. عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأته في دبرها», وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به.
    (طريق أخرى) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له, قالا: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ملعون من أتى امرأة في دبرها» ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي, وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم, قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند, وهم منه وقد ضعفوه.
    (طريق أخرى) ـ رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «ملعون من أتى النساء في أدبارهن» ومسلم بن خالد فيه كلام, والله أعلم.
    (طريق أخرى) ـ رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم, عن أبي تميمة الهجيمي, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه, فقد كفر بما أنزل على محمد» وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث, والذي قاله البخاري في حديثالترمذي عن أبي تيمية: لا يتابع على حديثه

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 18:30

    (طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني, عن سعيد بن عبد العزيز, عن الزهري, عن أبي سلمة رضي الله عنه, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن» تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد, فإنما سمعه بعد الاختلاف, وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهي عن ذلك, فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا, انتهى كلامه, وقد أجاد وأحسن الانتقاد, إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط, ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة, ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وابن حبان, وقال: لا يجوز الاحتجاج به, والله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين عن أبي سلمة, ولا يصح منها كل شيء.
    (طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان الثوري, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد, عن أبي هريرة, قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر, ثم رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة مرفوعاً, وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد, عن أبي هريرة موقوفاً, ورواه بكر بن خنيس عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «من أتى شيئاً من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر» والموقف أصح, وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة, وتركه آخرون.

    (حديث آخر) ـ قال محمد بن أبان البلخي: حدثنا وكيع, حدثني زمعة بن صالح عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن عمرو بن دينار, عن عبيد الله بن يزيد بن الهاد, قالا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن» وقد رواه النسائي, حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح, عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن الهاد, عن عمر, قال: لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح, عن عمرو بن دينار, عن طاوس, عن عبد الله بن الهاد الليثي, قال: قال عمر رضي الله عنه: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن, والموقوف أصح.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ, قالا: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أستاههن» وكذا رواه غير واحد عن شعبة, ورواه عبد الرزاق عن معمر, عن عاصم الأحول, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن علي, والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم, والله أعلم.
    (حديث آخر) ـ قال أبو بكر الأثرم في سننه: حدثنا أبو مسلم الحرمي, حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم, أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «محاش النساء حرام» وقد رواه إسماعيل بن عليه وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام ثقة, عن أبي القعقاع عن ابن مسعود موقوفاً وهو أصح.
    (طريق أخرى) ـ قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي, حدثنا سعيد بن يحيى الثوري, حدثنا محمد بن حمزة, عن زيد بن رفيع, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تأتوا النساء في أعجازهن» محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم, وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث, والله أعلم. وقال الثوري, عن الصلت بن بهرام, عن أبي المعتمر, عن أبي جويرية, قال: سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها, فقال: سفلت, سفل الله بك, ألم تسمع قول الله عز وجل: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}. وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده: حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب, عن سعيد بن يسار أبي الحباب, قال: قلت: لابن عمر: ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ فذكر الدبر, فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم. قال ابن جرير: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر, حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس, أنه قيل له: يا أبا عبد الله, إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العلج علي أبي عبد الله قال مالك أشهد علىَ يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال وما التحميض ؟ فذكر له الدبر, فقال: ابن عمر: أف أف! وهل يفعل ذلك مؤمن, أو قال مسلم ؟ فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وروى النسائي عن الربيع بن سليمان, عن أصبغ بن الفرج الفقيه, حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: قلت لمالك: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على سعيد بن يسار, أنه سأل ابن عمر, فقال: لا بأس به. وروى النسائي أيضاً من طريق يزيد بن رومان, عن عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حسين, حدثني إسرائيل بن روح, سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب, هل يكون الحرث إلا موضع الزرع, لا تعدوا الفرج, قلت: يا أبا عبد الله, إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون علي يكذبون علي, فهذا هو الثابت عنه, وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة, وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف, أنهم أنكروا ذلك أشد الأنكار, ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء, وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك, وفي صحته نظر, قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم, قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال, يعني وطء المرأة في دبرها, ثم قرأ {نساؤكم حرث لكم} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي, وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك, ولكن في الأسانيد ضعف شديد, وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك, والله أعلم. وقال الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول, فذكره, قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله لا إله إلا هو, لقد كذب ـ يعني ابن عبد الحكم ـ على الشافعي في ذلك, لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه, والله أعلم.
    وقوله {وقدموا لأنفسكم} أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات, ولهذا قال {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها {وبشر المؤمنين} أي المطيعين الله فيما أمرهم, التاركين ما عنه زجرهم. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني محمد بن عبد الله بن واقد, عن عطاء, قال: أراه عن ابن عباس {وقدموا لأنفسكم} قال: تقول باسم الله التسمية عند الجماع, وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله, قال: باسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك, لن يضره الشيطان أبداً».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:00

    وقوله {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون} أي هذه الشرائع التي شرعها لكم. هي حدوده فلا تتجاوزوها, كما ثبت في الحديث الصحيح «إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها, وفرض فرائض فلا تضيعوها, وحرم محارم فلا تنتهكوها, وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألوا عنها». وقد يستدل بهذه الاَية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة حرام, كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم, وإنما السنة عندهم أن يطلق واحدة لقوله {الطلاق مرتان} ثم قال {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون} ويقوون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي رواه النسائي في سننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود, أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير, عن أبيه, عن محمود بن لبيد, قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً, فقام غضبان ثم قال «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم» ؟ حتى قام رجل فقال: يارسول الله, ألا أقتله ـ فيه انقطاع ـ.
    وقوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} أي أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعد ما أرسل عليها الطلاق مرتين, فإنها تحرم عليه {حتى تنكح زوجاً غيره}, أي حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح, فلو وطئها واطىء في غير نكاح ولو في ملك اليمين, لم تحل للأول, لأنه ليس بزوج, وهكذا لو تزوجت ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول, واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يقول: يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني, وفي صحته عنه نظر, على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البرقد حكاه عنه في الاستذكار, والله أعلم. وقد قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة, عن علقمة بن مرثد, عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد الله, عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها البتة, فيتزوجها زوج آخر, فيطلقها قبل أن يدخل بها, أترجع إلى الأول ؟ قال «لا, حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها» هكذا وقع في رواية ابن جرير, وقد رواه الإمام أحمد فقال: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد, قال: سمعت سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله يعني ابن عمر, عن سعيد بن المسيب, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الرجل تكون له المرأة فيطلقها ثم يتزوجها رجل فيطلقها قبل أن يدخل بها, فترجع إلى زوجها الأول, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حتى تذوق العسيلة» وهكذا رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس وابن ماجه, عن محمد بن بشار بندار, كلاهما عن محمد بن جعفر غندر, عن شعبة به, كذلك فهذا من رواية سعيد بن المسيب عن ابن عمرو مرفوعاً على خلاف ما يحكى عنه, فبعيد أن يخالف ما رواه بغير مستند, والله أعلم. وقد روى أحمد أيضاً والنسائي وابن جرير هذا الحديث من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد, عن رزين بن سليمان الأحمدي, عن ابن عمر, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً, فيتزوجها آخر, فيغلق الباب, ويرخي الستر, ثم يطلقها قبل أن يدخل بها, هل تحل للأول ؟ قال «لا, حتى تذوق العسيلة», وهذا لفظ أحمد, وفي رواية لأحمد سليمان بن رزين.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا محمد بن دينار, حدثنا يحيى بن يزيد الهنائي عن أنس بن مالك, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثاً, فتزوجت بعده رجلاً فطلقها قبل أن يدخل بها, أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا, حتى يكون الاَخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته». وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن إبراهيم الأنماطي عن هشام بن عبد الملك, حدثنا محمد بن دينار, فذكره (قلت) ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري ويقال له ابن أبي الفرات, اختلفوا فيه, فمنهم من ضعفه, ومنهم من قواه وقبله وحسن له, وذكر أبو داود أنه قبل موته, فالله أعلم,
    (حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي أياس العسقلاني, حدثنا أبي, حدثنا شيبان, حدثنا يحيى بن أبي كثير, عن أبي الحارث الغفاري عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, في المرأة يطلقها زوجها ثلاثاً, فتتزوج غيره فيطلقها قبل أن يدخل بها, فيريد الأول أن يراجعها. قال «لا, حتى يذوق الاَخر عسيلتها» ثم رواه من وجه آخر عن شيبان وهو ابن عبد الرحمن به ـ وأبو الحارث غير معروف ـ.
    (حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثنا يحيى عن عبيد الله, حدثنا القاسم عن عائشة: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً, فتزوجت زوجاً, فطلقها قبل أن يمسها, فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول ؟ فقال «لا, حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن عبد الله بن عمر العمري عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عمته عائشة به.
    (طريق أخرى) ـ قال ابن جرير: حدثنا عبيد الله بن إسماعيل الهباري وسفيان بن وكيع وأبو هشام الرفاعي, قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته, فتزوجت رجلاً غيره, فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها, أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تحل لزوجها الأول حتى يذوق الاَخر عسيلتها وتذوق عسيلته», وكذا رواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن أبي كريب, كلاهما عن أبي معاوية وهو محمد بن حازم الضرير به.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:04

    عن ابن مسعود. قال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي, حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن أبي الواصل عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله المحَلّل والمحَلّل له».
    (طريق أخرى) ـ روى الإمام أحمد والنسائي من حديث الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث الأعور عن عبد الله بن مسعود, قال: آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به, والواصلة والمستوصلة, ولاوي الصدقة والمعتدي فيها, والمرتد على عقبيه أعرابياً بعد هجرته, والمحَلِل والمحَلّل له, ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
    (الحديث الثاني) عن علي رضي الله عنه, قال الإمام أحمد, حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه, والواشمة والمستوشمة للحسن, ومانع الصدقة, والمحَلّل والمحلّل له, وكان ينهى عن النوح. وكذا رواه عن غندر عن شعبة عن جابر وهو ابن يزيد الجعفي عن الشعبي عن الحارث عن علي به, وكذا رواه من حديث إسماعيل بن أبي خالد وحصين بن عبد الرحمن ومجالد بن سعيد وابن عون, عن عامر الشعبي به, وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الشعبي به. ثم قال أحمد: أخبرنا محمد بن عبد الله, أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الربا وآكله وكاتبه وشاهده, والمحَلّل والمحَلَل له.
    (الحديث الثالث) عن جابر رضي الله عنه. قال الترمذي: أخبرنا أبو سعيد الأشج, أخبرنا أشعث بن عبد الرحمن بن يزيد الأيامي, حدثنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله, وعن الحارث عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحَلّل والمحَلَل له, ثم قال: وليس إسناده بالقائم. ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل, قال: ورواه ابن نمير عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عن علي, قال: وهذا وهم من ابن نمير, والحديث الأول أصح.
    (الحديث الرابع) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه, حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري, أخبرنا أبي, سمعت الليث بن سعد يقول: أبو المصعب مشرح وهو ابن هاعان, قال عقبة بن عامر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بالتيس المستعار» ؟ قالوا: بلى يا رسول صلى الله عليه وسلم, قال: «هو المحَلّل, لعن الله المحَلّل والمحَلَل له» تفرد به ابن ماجه, كذا رواه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن عثمان بن صالح عن الليث به, ثم قال: كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكاراً شديداً. (قلت) عثمان هذا أحد الثقات, روى عنه البخاري في صحيحه ثم قد تابعه غيره, فرواه جعفر الفريابي عن العباس المعروف بابن فريق, عن أبي صالح عبد الله بن صالح, عن الليث به فبرىء من عهدته, والله أعلم.
    (الحديث الخامس) عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحَلّل والمحَلَل له.
    (طريق أخرى) ـ قال الإمام الحافظ خطيب دمشق أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حنيفة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحَلّل, قال: «لا, إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة, ولا استهزاء بكتاب الله ثم يذوق عسيلتها» ويتقوى هذان الإسنادان بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن حميد عن عبد الرحمن عن موسى بن أبي الفرات عن عمرو بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه من هذا, فيتقوى كل من هذا المرسل والذي قبله بالاَخر, والله أعلم.
    (الحديث السادس) عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا عبد الله هو ابن جعفر عن عثمان بن محمد المقبري عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحَلّل والمحَلَل له, وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة والجوزجاني البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر القرشي وقد وثقه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم, وأخرج له مسلم في صحيحه عن عثمان بن محمد الأخنسي وثقه ابن معين عن سعيد المقبري وهو متفق عليه.
    (الحديث السابع) عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الحاكم في مستدركه, حدثنا أبو العباس الأصم, حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني, حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو يمان محمد بن مطرف المدني عن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه, هل تحل للأول ؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقد رواه الثوري عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر به, وهذه الصيغة مشعرة بالرفع وهكذا روى أبو بكر بن أبي شيبة والجوزجاني وحرب الكرماني وأبو بكر الأثرم من حديث الأعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر, عن عمر أنه قال: لا أوتى بمحَلّل ولا محَلَل له إلا رجمتهما, وروى البيهقي من حديث ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار, أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها ففرق بينهما وكذا روي عن علي وابن عباس وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.
    وقوله {فإن طلقها} أي الزوج الثاني بعد الدخول بها {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي المرأة والزوج الأول {إن ظنا أن يقيما حدود الله} أي يتعاشرا بالمعروف. قال مجاهد إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة {وتلك حدود الله} أي شرائعه وأحكامه {يبينها} أي يوضحها {لقوم يعلمون}.
    وقد اختلف الأئمة رحمهم الله فيما إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين وتركها حتى انقضت عدتها, ثم تزوجت بآخر, فدخل بها ثم طلقها فانقضت عدتها, ثم تزوجها الأول, هل تعود إليه بما بقي من الثلاث, كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل, وهو قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم, أو يكون الزوج الثاني قد هدم ما قبله من الطلاق, فإذا عادت إلى الأول تعود بمجموع الثلاث, كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله, وحجتهم أن الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فلأن يهدم ما دونها بطريق الأولى والأحرى, والله أعلم.


    ** وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:12

    هذا أمر من الله, عز وجل للرجال, إذا طلق أحدهم المرأة طلاقاً له عليها فيه رجعة, أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها, ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها, فإما أن يمسكها, أي يرتجعها, إلى عصمة نكاحه, بمعروف وهو أن يشهد على رجعتها, وينوي عشرتها بالمعروف, أو يسرحها, أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن, من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح, قال الله تعالى: {ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا}, قال ابن عباس, ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة, فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها, ضراراً لئلا تذهب إلى غيره, ثم يطلقها فتعتد, فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة, فنهاهم الله عن ذلك, وتوعدهم عليه, فقال: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} أي بمخالفته أمر الله تعالى.
    وقوله تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزواً} قال ابن جرير عند هذه الاَية: أخبرنا أبو كريب, أخبرنا إسحاق بن منصور عن عبد السلام بن حرب, عن يزيد بن عبد الرحمن, عن أبي العلاء الأودي, عن حميد بن الرحمن, عن أبي موسى, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على الأشعريين, فأتاه أبو موسى قال: يا رسول الله, أغضبت على الأشعريين ؟ فقال: «يقول أحدكم قد طلقت, قد راجعت, ليس هذا طلاق المسلمين, طلقوا المرأة في قبل عدتها» ثم رواه من وجه آخر عن أبي خالد الدلال وهو يزيد بن عبد الرحمن, وفيه كلام. وقال مسروق: هو الذي يطلق في غير كنهه, ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها لتطول عليها العدة, وقال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع ومقاتل بن حيان: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعباً, أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله {ولا تتخذوا آيات الله هزواً} فألزم الله بذلك, وقال ابن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد, حدثنا أبو أحمد الصيرفي, حدثني جعفر بن محمد السمسار, عن إسماعيل بن يحيى عن سفيان, عن ليث, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق, فأنزل الله {ولا تتخذوا آيات الله هزواً} فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد, حدثنا آدم, حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن هو البصري, قال: كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعباً ويعتق ويقول: كنت لاعباً, وينكح ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله {ولا تتخذوا آيات الله هزواً}, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح, جاداً أو لاعباً, فقد جاز عليه» وكذا رواه ابن جرير, من طريق الزهري, عن سليمان بن أرقم, عن الحسن مثله, وهذا مرسل, وقد رواه ابن مردويه, عن طريق عمرو ابن عبيد, عن الحسن, عن أبي الدرداء موقوفاً عليه. وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن الحسن بن أيوب, حدثنا يعقوب بن أبي يعقوب, حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سلمة عن الحسن عن عبادة بن الصامت في قول الله تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزواً}. قال: كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقول للرجل: زوجتك ابنتي ثم يقول: كنت لاعباً, ويقول: قد أعتقت, ويقول: كنت لاعباً, فأنزل الله {ولا تتخذوا آيات الله هزواً}, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من قالهن لاعباً أو غير لاعب, فهن جائزات عليه: الطلاق والعتاق والنكاح» والمشهور في هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك عن عطاء عن ابن ماهك عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد, وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» وقال الترمذي: حسن غريب.
    وقوله {واذكروا نعمة الله عليكم}, أي في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم {وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة}, أي السنة {يعظكم به} أي يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم, {واتقوا الله}, أي فيما تأتون وفيما تذرون, {واعلموا أن الله بكل شيء عليم} أي فلا يخفى عليه شيء من أموركم السرية والجهرية وسيجازيكم على ذلك.


    ** وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَىَ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
    قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: نزلت هذه الاَية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين, فتنقضي عدتها, ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها, وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك, فنهى الله أن يمنعوها. وكذا روى العوفي عنه عن ابن عباس أيضاً, وكذا قال مسروق وإبراهيم النخعي والزهري والضحاك: إنها أنزلت في ذلك, وهذا الذي قالوه ظاهر من الاَية, وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها, وأنه لابد في النكاح من ولي, كما قاله الترمذي وابن جرير عند هذه الاَية, كما جاء في الحديث «لا تزوج المرأة المرأة, ولا تزوج المرأة نفسها, فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» وفي الأثر الاَخر «لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل» وفي هذه المسألة نزاع بين العلماء, محرر في موضعه من كتب الفروع, وقد قررنا ذلك في كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة.
    وقد روي أن هذه الاَية نزلت في معقل بن يسار المزني وأخته, فقال البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح عند تفسير هذه الاَية: حدثنا عبيد الله بن سعيد, حدثنا أبو عامر العقدي, حدثنا عباد بن راشد, حدثنا الحسن, قال: حدثني معقل بن يسار, قال: كانت لي أخت تخطب إلي, قال البخاري: وقال إبراهيم عن يونس, عن الحسن, حدثني معقل بن يسار, وحدثنا أبو معمر, وحدثنا عبد الوارث, حدثنا يونس عن الحسن, أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها, فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها, فأبى معقل, فنزلت {ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه من طرق متعددة عن الحسن, عن معقل بن يسار به, وصححه الترمذي أيضاً, ولفظه عن معقل بن يسار, أنه زوج أخته رجلاً من المسلمين, على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده ما كانت, ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت عدتها, فهويها وهويته, ثم خطبها مع الخطاب, فقال له: يا لكع بن لكع! أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها, والله لا ترجع إليك إبداً آخر ما عليك, قال: فعلم الله حاجته إليها, وحاجتها إلى بعلها, فأنزل الله {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} إلى قوله {وأنتم لا تعلمون} فلما سمعها معقل قال: سمع لربي وطاعة ثم دعاه, فقال: أزوجك وأكرمك, زاد ابن مردويه: وكفرت عن يميني. وروى ابن جرير, عن ابن جريج, قال: هي جُمْل بنت يسار, كانت تحت أبي البداح. وقال سفيان الثوري, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: هي فاطمة بنت يسار. وهكذا ذكر غير واحد من السلف, أن هذه الاَية نزلت في معقل بن يسار وأخته. وقال السدي: نزلت في جابر بن عبد الله وابنة عم له والصحيح الأول والله أعلم.
    وقوله {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاَخر} أي هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف يأتمر به, ويتعظ به, وينفعل له {من كان منكم} أيها الناس {يؤمن بالله واليوم الاَخر} أي يؤمن بشرع الله, ويخاف وعيد الله وعذابه, في الدار الاَخرة, وما فيها من الجزاء {ذلكم أزكى لكم وأطهر} أي اتباعكم شرع الله, في رد الموليات إلى أزواجهن, وترك الحمية في ذلك أزكى لكم وأطهر لقلوبكم {والله يعلم} أي من المصالح, فيما يأمر به وينهى عنه {وأنتم لا تعلمون} أي الخيرة فيما تأتون, ولا فيما تذرون.


    ** وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوَاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلّمْتُم مّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:17

    وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة, عن أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال الله: إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه, فإن عملها فاكتبوها سيئة, وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة, فإن عملها فاكتبوها عشراً» لفظ مسلم وهو في إفراده من طريق إسماعيل بن جعفر, عن العلاء, عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة, فإن عملها كتبتها له عشر حسنات, إلى سبعمائة ضعف, وإذا هم بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه, فإن عملها كتبتها سيئة واحدة». وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل, فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها, وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها, فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قالت الملائكة: رب وذاك أن عبدك, يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال: ارقبوه, فإن عملها فاكتبوها له بمثلها, وإن تركها فاكتبوها له حسنة, وإنما تركها من جراي». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أحسن أحد إسلامه, فإن له بكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل» تفرد به مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بهذا السياق واللفظ, وبعضه في صحيح البخاري. وقال مسلم أيضاً: حدثنا أبو كريب, حدثنا خالد الأحمر, عن هشام, عن ابن سيرين, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة, ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة, ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب له, وإن عملها كتبت» تفرد به مسلم دون غيره من أصحاب الكتب. وقال مسلم أيضاً: حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا عبد الوارث عن الجعد أبي عثمان, حدثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى, قال «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك, فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة, وإن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة, وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة, وإن همّ بها فعملها, كتبها الله عنده سيئة واحدة» ثم رواه مسلم عن يحيى بن يحيى, عن جعفر بن سليمان, عن الجعد أبي عثمان في هذا الإسناد بمعنى حديث عبد الرزاق,. زاد «ومحاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك» وفي حديث سهيل عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال «وقد وجدتموه ؟» قالوا: نعم, قال «ذاك صريح الإيمان» لفظ مسلم, وهو عند مسلم أيضاً من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به, وروى مسلم أيضاً من حديث مغيرة, عن إبراهيم, عن علقمة, عبد الله, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة, قال «تلك صريح الإيمان».
    وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فإنها لم تنسخ, ولكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي, فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم, وهو قوله {يحاسبكم به الله} يقول: يخبركم, وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب, وهو قوله {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} وهو قوله {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي من الشك والنفاق. وقد روى العوفي والضحاك عنه قريباً من هذا.
    وروى ابن جرير عن مجاهد والضحاك نحوه, وعن الحسن البصري أنه قال: هي محكمة لم تنسخ, واختار ابن جرير ذلك واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة, وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر, وقد يحاسب ويعاقب, بالحديث الذي رواه عند هذه الاَية قائلاً: حدثنا ابن بشار, حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بن هشام (ح) وحدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا ابن هشام, قالا جميعاً في حديثهما عن قتادة عن صفوان بن محرز, قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف, إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر, ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول له: هل تعرف كذا ؟ فيقول: رب أعرف, مرتين, حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ, قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم, قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه, وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة عن قتادة به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد, عن أبيه, قال: سألت عائشة عن هذه الاَية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} قالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها, فقالت: هذه مبايعة الله العبد وما يصيبه من الحمى والنكبة, والبضاعة يضعها في يد كمه فيفقدها, فيفزع لها ثم يجدها في ضبنته حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر, وكذا رواه الترمذي وابن جرير من طريق حماد بن سلمة به, وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. (قلت) وشيخه علي بن جدعان ضعيف يغرب في رواياته, وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه أم محمد أمية بنت عبد الله, عن عائشة, وليس لها عنها في الكتب سواه.


    ** آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

    ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الاَيتين الكريمتين نفعنا الله بهما
    (الحديث الأول) ـ قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير, أخبرنا شعبة عن سليمان, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «من قرأ الاَيتين» وحدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبي مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ بالاَيتين ـ من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» وقد أخرجه بقية الجماعة عن طريق سليمان بن مهران الأعمش بإسناده مثله وهو في الصحيحين من طريق الثوري, عن منصور, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن عنه به, وهو في الصحيحين أيضاً عن عبد الرحمن, عن علقمة, عن ابن مسعود, قال عبد الرحمن: ثم لقيت أبا مسعود فحدثني به, وهكذا رواه أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا شريك, عن عاصم, عن المسيب بن رافع, عن علقمة, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «من قرأ الاَيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه».


    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:20

    (الحديث الثاني) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسين, حدثنا شيبان, عن منصور, عن ربعي, عن خرشة بن الحر, عن المعرور بن سويد, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» قد رواه ابن مردويه من حديث الأشجعي, عن الثوري, عن منصور, عن ربعي, عن زيد بن ظبيان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش».
    (الحديث الثالث) ـ قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو أسامة, حدثنا مالك بن مغول (ح) وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب, جميعاً عن عبد الله بن نمير, وألفاظهم متقاربة, قال ابن نمير: حدثنا أبي, حدثنا مالك ابن مغول عن الزبير بن عدي, عن طلحة, عن مرة, عن عبد الله, قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, انتهى به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السابعة, إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها, قال {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب, قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات.
    (الحديث الرابع) قال أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرأ الاَيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من كنز تحت العرش» هذا إسناد حسن ولم يخرجوه في كتبهم.
    (الحديث الخامس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي, أخبرنا مروان, أنبأنا ابن عوانة عن أبي مالك, عن ربعي, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث أوتيت هذه الاَيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش, لم يعطها أحد قبلي, ولا يعطاها أحد بعدي» ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة بنحوه.
    (الحديث السادس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن نافع, أنبأنا إسماعيل بن الفضل, أخبرنا محمد بن بزيع, أخبرنا جعفر بن عون عن مالك بن مغول, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي, قال: لا أرى أحداً عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش, ورواه وكيع في تفسيره عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمير بن عمرو المخارقي, عن علي, قال: ما أرى أحداً يعقل, بلغه الإسلام, ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز تحت العرش.
    (الحديث السابع) ـ قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث الصنعاني, عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة, ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان» ثم قال: هذا حديث غريب, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به وقال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
    (الحديث الثامن) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين, أخبرنا الحسن بن الجهم, أخبرنا إسماعيل بن عمرو, أخبرنا ابن مريم, حدثني يوسف بن أبي الحجاج, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ سورة البقرة وآية الكرسي ضحك وقال: «إنهما من كنز الرحمن تحت العرش» وإذا قرأ {ومن يعمل سوءاً يجزبه} {وأن ليس للإنسان إلا ماسعى, وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الأوفى} استرجع واستكان.
    (الحديث التاسع) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي, حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة, حدثنا محمد بن بكر, حدثنا مكي بن إبراهيم, حدثنا عبد الله بن أبي حميد, عن أبي مليح, عن معقل بن يسار, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة».
    (الحديث العاشر) ـ قد تقدم في فضائل الفاتحة من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فوقه, فرفع جبريل بصره إلى السماء, فقال له: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة, لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته رواه مسلم والنسائي وهذا لفظه.
    فقوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة, قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لما نزلت عليه هذه الاَية «ويحق له أن يؤمن» وقد روى الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو النضر الفقيه, حدثنا معاذ بن نجدة القرشي, حدثنا خلاد بن يحيى, حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير, عن أنس بن مالك, قال: لما نزلت هذه الاَية على النبي صلى الله عليه وسلم {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حق له أن يؤمن», ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
    وقوله {والمؤمنون} عطف على الرسول, ثم أخبر عن الجميع فقال {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد, فرد صمد, لا إله غيره, ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء, لا يفرقون بين أحد منهم, فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير, وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم, خاتم الأنبياء والمرسلين, الذين تقوم الساعة على شريعته, ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين, وقوله {وقالوا سمعنا وأطعنا} أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه, وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه, {غفرانك ربنا} سؤال للمغفرة والرحمة واللطف, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قول الله {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ـ إلى قوله ـ غفرانك ربنا} قال: قد غفرت لكم {وإليه المصير} أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن بيان, عن حكيم, عن جابر, قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه, فسأل {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} إلى آخر هذه الأية, وقوله {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} أي لا يكلف أحداً فوق طاقته, وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم, وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} أي هو وإن حاسب وسأل, لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه, فأما مالا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها, فهذا لا يكلف به الإنسان, وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان, وقوله {لها ما كسبت} أي من خير {وعليها ما اكتسبت} أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله, وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} أي إن تركنا فرضاً على جهة النسيان, أو فعلنا حراماً كذلك, أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة, قال «قال الله: نعم» ولحديث ابن عباس, قال الله «قد فعلت». وروى ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي, عن عطاء¹ قال ابن ماجه في روايته عن ابن عباس, وقال الطبراني وابن حبان, عن عطاء, عن عبيد بن عمير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم, والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن شهر, عن أم الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان, والاستكراه» قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن, فقال: أجل, أما تقرأ بذلك قرآناً {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
    وقوله {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا} أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والاَصار التي كانت عليهم, التي بعثت نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم, نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح, وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله: نعم» وعن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «قال الله قد فعلت». وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بعثت بالحنيفية السمحة».
    وقوله {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به, وقد قال مكحول في قوله {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: العزبة والغلمة, رواه ابن أبي حاتم, قال الله: نعم, وفي الحديث الاَخر: قال الله: قد فعلت.
    وقوله {واعف عنا} أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا {واغفر لنا} أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة {وارحمنا} أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر, ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه, وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم, وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدم في الحديث أن الله قال: نعم, وفي الحديث الاَخر: قال الله: قد فعلت.
    وقوله {أنت مولانا} أي أنت ولينا وناصرنا, وعليك توكلنا, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولا حول لنا ولا قوة إلا بك, {فانصرنا على القوم الكافرين} أي الذين جحدوا دينك, وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك, وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك, فانصرنا عليهم, واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والاَخرة, قال الله: نعم. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس, قال الله: قد فعلت. وقال ابن جرير: حدثني مثنى بن إبراهيم, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذاً رضي الله عنه, كان إذا فرغ من هذه السورة {فانصرنا على القوم الكافرين} قال: آمين. ورواه وكيع عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل, عن معاذ بن جبل, أنه كان إذا ختم البقرة قال: آمين.

    تمت البقرة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:25

    سورة آل عمران
    هي مدنية, لأن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية منها نزل في وفد نجران وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة, كما سيأتي بيان ذلك عند تفسير آية المباهلة منها, إن شاء الله تعالى, وقد ذكرنا ما ورد في فضلها مع سورة البقرة أول البقرة.

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** الَمَ * اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ * نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لّلنّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
    قد ذكرنا الحديث الوارد في أن اسم الله الأعظم في هاتين الاَيتين {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} و{ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} عند تفسير آية الكرسي وقد تقدم الكلام على قوله {ألم} في أول سورة البقرة بما يغني عن إعادته, وتقدم الكلام على قوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} في تفسير آية الكرسي.
    وقوله تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق} يعني نزل عليك القرآن يا محمد بالحق, أي لا شك فيه ولا ريب, بل هو منزل من عند الله, أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً, وقوله: {مصدقاً لما بين يديه} أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء, فهي تصدقه بما أخبرت به, وبشرت في قديم الزمان, وهو يصدقها, لأنه طابق ما أخبرت به, وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه. وقوله: {وأنزل التوراة} أي على موسى بن عمران, {والإنجيل} أي على عيسى ابن مريم عليهما السلام, {من قبل} أي من قبل هذا القرآن {هدى للناس} أي في زمانهما. {وأنزل الفرقان} وهو الفارق بين الهدى والضلال. والحق والباطل, والغي والرشاد, بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات والدلائل الواضحات, والبراهين القاطعات, ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك. وقال قتادة والربيع بن أنس: الفرقان ـ ههنا ـ القرآن. واختار ابن جرير أنه مصدر ههنا لتقدم ذكر القرآن في قوله: {نزل عليك الكتاب بالحق} وهو القرآن. وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح, أن المراد بالفرقان ههنا التوراة, فضعيف أيضاً لتقدم ذكر التوراة, والله أعلم.
    وقوله تعالى: {إن الذين كفروا بآيات الله} أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل, {لهم عذاب شديد} أي يوم القيامة, {والله عزيز} أي منيع الجناب عظيم السلطان, {ذو انتقام} أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام.


    ** إِنّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السّمَآءِ * هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض, لا يخفى عليه شيء من ذلك, {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى, وحسن وقبيح, وشقي وسعيد, {لا إله إلا هو العزيز الحكيم} أي هو الذي خلق, وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له, وله العزة التي لا ترام, والحكمة والأحكام. وهذه الاَية فيها تعريض, بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق, كما خلق الله سائر البشر, لأن الله صوره في الرحم وخلقه كما يشاء, فكيف يكون إلهاً كما زعمته النصارى, عليهم لعائن الله, وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال ؟ كما قال تعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث}.


    ** هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مّحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ * رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لّدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ * رَبّنَآ إِنّكَ جَامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لاّ رَيْبَ فِيهِ إِنّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
    يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات, هن أم الكتاب, أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد, ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم, فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس ولهذا قال تعالى {هنّ أم الكتاب} أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه {وأخر متشابهات} أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وأحكامه وحدوده وفرائضه وما يؤمر به ويعمل به وعن ابن عباس أيضاً أنه قال المحكمات قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً} والاَيات بعدها. وقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} إلى ثلاث آيات بعدها ورواه ابن أبي حاتم وحكاه عن سعيد بن جبير به قال: حدثنا أبي حدّثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الاَية وهي {هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات} فقال أبو فاختة: فواتح السور, وقال يحيى بن يعمر: الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: هنّ أمّ الكتاب لأنهنّ مكتوبات في جميع الكتب, وقال مقاتل بن حيان: لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهنّ, وقيل في المتشابهات: المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقيل هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان, وعن مجاهد المتشابهات يصدق بعضها بعضاً وهذا إنما هو في تفسير قوله {كتاباً متشابهاً مثاني} هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك. وأما ههنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم, وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله حيث قال منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل ليس لهن تصريف عما وضعن عليه, قال: والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ويحرفن عن الحق.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:30

    ولهذا قال تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فيتبعون ما تشابه منه} أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى: {ابتغاء الفتنة} أي الإضلال لأتباعهم إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} وبقوله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} وغير ذلك من الاَيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله.
    وقوله تعالى {وابتغاء تأويله} أي تحريفه على ما يريدون وقال مقاتل بن حيان والسدي يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن وقد قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} إلى قوله {أولوا الألباب} فقال: «فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم» هكذا وقع الحديث في مسند الإمام أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ليس بينهما أحد وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب به ورواه محمد بن يحيى العبدي في مسنده عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب به وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وكذا رواه غير واحد عن أيوب وقد رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أيوب به, ورواه أبو بكر بن المنذر في تفسيره من طريقينعن النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم: حدثنا حماد بن زيد, حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة, عن عائشة به وتابع أيوب أبو عامر الخراز وغيره عن ابن أبي مليكة. فرواه الترمذي عن بندار, عن أبي داود الطيالسي, عن أبي عامر الخراز, فذكره وهكذا رواه سعيد بن منصور في سننه عن حماد بن يحيى الأبح, عن عبد الله بن أبي مليكة, عن عائشة. ورواه ابن جرير من حديث روح بن القاسم ونافع بن عمر الجمحي, كلاهما عن ابن أبي مليكة, عن عائشة به. وقال نافع في روايته عن ابن أبي مليكة: حدثتني عائشة, فذكره. وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير هذه الاَية, ومسلم في كتاب القدر من صحيحه, وأبو داود في السنة من سننه, ثلاثتهم عن القعنبي, عن يزيد بن إبراهيم التستري, عن ابن أبي مليكة, عن القاسم بن محمد, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الاَية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} إلى قوله: {وما يذكر إلا أولوا الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه¹ فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» لفظ البخاري. وكذا رواه الترمذي أيضاً, عن بندار عن أبي داود الطيالسي, عن يزيد بن إبراهيم به¹ وقال: حسن صحيح¹ وذكر أن يزيد بن إبراهيم التستري تفرد بذكر القاسم في هذا الإسناد. وقد رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة, ولم يذكر القاسم¹ كذا قال. وقد رواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد الطيالسي, حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري وحماد بن سلمة, عن ابن أبي مليكة, عن القاسم بن محمد, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن قول الله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه}¹ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه, فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سهل, حدثنا الوليد بن مسلم, عن حماد بن سلمة, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاَية: {يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة}, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعرفوهم» ورواه ابن مردويه من طريق أخرى عن القاسم عن عائشة به, وقال الإمام أحمد. حدثنا أبو كامل, حدثنا حماد عن أبي غالب, قال: سمعت أبا أمامة يحدث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قال «هم الخوارج». وفي قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال «هم الخوارج» وقد رواه ابن مردويه من غير وجه, عن أبي غالب. عن أبي أمامة مرفوعاً فذكره, وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي, ومعناه صحيح, فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج, وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين, فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة, ففاجؤوه بهذه المقالة, فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة ـ بقر الله خاصرته ـ: اعدل فإنك لم تعدل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل, أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني». فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب, وفي رواية خالد بن الوليد, رسول الله في قتله, فقال «دعه فانه يخرج من ضئضىء هذا, أي من جنسه قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم» ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم بالنهروان, ثم تشعبت منهم شعوب, وقبائل وآراء, وأهواء, ومقالات, ونحل كثيرة منتشرة, ثم نبعت القدرية, ثم المعتزلة, ثم الجهمية, وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي», أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
    وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو موسى حدثنا عمرو بن عاصم, حدثنا المعتمر عن أبيه, عن قتادة, عن الحسن بن جندب بن عبد الله, أنه بلغه عن حذيفة, أو سمعه منه, يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر «إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن, ينثرونه نثر الدقل يتأولونه على غير تأويله» لم يخرجوه.
    وقوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} اختلف القراء في الوقف ههنا., فقيل: على الجلالة, كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه, وتفسير تعرفه العرب من لغاتها, وتفسير يعلمه الراسخون في العلم, وتفسير لا يعلمه إلا الله, ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وأبي الشعثاء وأبي نَهيك وغيرهم. وقد قال الحافظ أبو القاسم في المعجم الكبير: حدثنا هاشم بن مزيد, حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش, حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة, عن شريح بن عبيد, عن أبي مالك الأشعري, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا, وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} الاَية, وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه» غريب جداً. وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا ابن أبي حاتم, عن أبيه, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن ابن العاص, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً, فما عرفتم منه فاعملوا به, وما تشابه فآمنوا به» وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, قال: كان ابن عباس يقرأ: وما يعلم تأويله إلا الله, ويقول الراسخون آمنا به, وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله, وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد الله بن مسعود: إن تأويله إلا عند اللهو والراسخون في العلم يقولون آمنا به, وكذا عن أبي بن كعب, واختار ابن جرير هذا القول.
    ومنهم من يقف على قوله: {والراسخون في العلم}, وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول, وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد, وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله, وقال ابن أبي نجيح, عن مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به, وكذا قال الربيع بن أنس, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر الزبير: {وما يعلم تأويله} الذي أراد ما أراد {إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}, ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد, فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً, فنفذت الحجة, وظهر به العذر, وزاح به الباطل, ودفع به الكفر, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس, فقال «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال: التأويل يطلق, ويراد به في القرآن معنيان: أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه, ومنه قوله تعالى: {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} وقوله {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد, فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل, ويكون قوله {والراسخون في العلم} مبتدأ و {يقولون آمنا به} خبره, وأما إن أريد بالتأويل المعنى الاَخر, وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله {نبئنا بتأويله} أي بتفسيره, فإن أريد به هذا المعنى, فالوقف على {والراسخون في العلم} لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار, وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه, وعلى هذا يكون قوله: {يقولون آمنا به} حالاً منهم, وساغ هذا, وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه, كقوله {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ـ إلى قوله ـ يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا} الاَية, وقوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} أي وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:33

    قال تعالى: {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} أي قد لاح على صفحات وجوههم, وفلتات ألسنتهم من العداوة, مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله, ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل, ولهذا قال تعالى: {قد بينا لكم الاَيات إن كنتم تعقلون} وقوله تعالى: {هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم} أي أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرونه لكم من الإيمان فتحبونهم على ذلك, وهم لا يحبونكم لا باطناً ولا ظاهراً, {وتؤمنون بالكتاب كله} أي ليس عندكم في شيء منه شك ولا ريب, وهم عندهم الشك والريب والحيرة. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس {وتؤمنون بالكتاب كله} أي بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك, وهم يكفرون بكتابكم, فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم, رواه ابن جرير, {وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} والأنامل أطراف الأصابع, قاله قتادة. وقال الشاعر:
    أَوَدّ كما ما بَلّ حلقي ريقتيوما حملت كفاي أنملي العشرا

    وقال ابن مسعود والسدي والربيع بن أنس: الأنامل الأصابع, وهذا شأن المنافقين يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة, وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه, كما قال تعالى: {وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} وذلك أشد الغيظ والحنق. قال الله تعالى: {قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} أي مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم, فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل دينه, ومعل كلمته ومظهر دينه, فموتوا أنتم بغيظكم {إن الله عليم بذات الصدور} أي هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغلّ للمؤمنين, وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمّلون, وفي الاَخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها لا محيد لكم عنها, ولا خروج لكم منها. ثم قال تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين, وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد وكثروا وعز أنصارهم, ساء ذلك المنافقين, وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب أو أديل عليهم الأعداء, لما لله تعالى في ذلك من الحكمة ـ كما جرى يوم أُحد ـ فرح المنافقون بذلك, قال الله تعالى مخاطباً للمؤمنين {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} الاَية, يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم, فلا حول ولا قوة لهم إلا به. وهو الذي ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن, ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته, ومن توكل عليه كفاه.
    ثم شرع تعالى في ذكر قصة أحد وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين. والتمييز بين المؤمنين والمنافقين وبيان صبر الصابرين فقال تعالى


    ** وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمّتْ طّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ
    المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور, قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغير واحد. وعن الحسن البصري: المراد بذلك يوم الأحزاب. رواه ابن جرير, وهو غريب لا يعول عليه. وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة. قال قتادة: لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال. وقال عكرمة: يوم السبت للنصف من شوال, فالله أعلم, وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان فلما رجع قَفَلُهُم إلى مكة قال أبناء من قتل, ورؤساء من بقي لأبي سفيان: أرصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك, فجمعوا الجموع والأحابيش, وأقبلوا في نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريباً من أحد تلقاء المدينة, فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة, فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو, واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس «أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة»¹ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة, فإن أقاموا أقاموا بشر محبس, وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم, ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم, وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروج إليهم, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته وخرج عليهم, وقد ندم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله إن شئت أن نمكث, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له» فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه, فلما كانوا بالشوط, رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضباً لكونه لم يرجع إلى قوله, وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالاً لاتبعناكم, ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي. وجعل ظهره وعسكره إلى أحد, وقال «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال». وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه. وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف. والرماة يومئذ خمسون رجلاً, فقال لهم «انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا, وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم» وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين, وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:48

    وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين, وتعبّأت قريش وهم ثلاثة آلاف, ومعهم مائتا فرس قد جنبوها, فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد, وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل, ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار, ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الاَيات, إن شاء الله تعالى, ولهذا قال تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال} أي تنزلهم منازلهم, وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم {والله سميع عليم} أي سميع لما تقولون, عليم بضمائركم.
    وقد أورد ابن جرير ههنا سؤالاً حاصله: كيف تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة وقد قال الله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال} الاَية ؟ ثم كان جوابه عنه: أن غدوه ليبوأهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار. وقوله تعالى: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} الاَية, قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا سفيان, قال: قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} الاَية, قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة. وما نحب ـ وقال سفيان مرة ـ وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى: {والله وليهما} وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به. وكذا قال غير واحد من السلف: إنهم بنو حارثة وبنو سلمة. وقوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر} أي يوم بدر, وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله, ودمغ فيه الشرك, وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسليمن يومئذ, فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً, فيهم فرسان وسبعون بعيراً, والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه. وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد, فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله, وبيض وجه النبي وقبيله, وأخزى الشيطان وجيله, ولهذا قال تعالى ممتناً على عباده المؤمنين وحزبه المتقين {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} أي قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعُدد, ولهذا قال تعالى في الاَية الأخرى {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً ـ إلى ـ غفور رحيم}. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن سماك, قال: سمعت عياضاً الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة, ويزيد بن أبي سفيان, وابن حسنة, وخالد بن الوليد, وعياض وليس عياض هذا الذي حدث سماكاً قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة, قال فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت, واستمددناه, فكتب إلينا إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني, وإني أدلكم على من هو أعز نصراً, وأحصن جنداً: الله عز وجل فاستنصروه, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم, فإذا جاءكم كتابي هذا, فقاتلوهم ولا تراجعوني, قال: فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ, قال: وأصبنا أموالاً فتشاورنا, فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة, قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني ؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب قال: فسبقه فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تَنْفُزَان وهو خلفه على فرس عُرْي, وهذا إسناد صحيح, وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار عن غندر بنحوه, واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه, وبدر: محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها, منسوبة إلى رجل حفرها, يقال له: بدر بن النارين, قال الشعبي: بدر بئر لرجل يسمى بدراً, وقوله {فاتقوا الله لعلكم تشكرون} أي تقومون بطاعته.


    ** إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىَ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَىَ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ * وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ
    اختلف المفسرون في هذا الوعد, هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين (أحدهما) أن قوله: {إذ تقول للمؤمنين} متعلق بقوله: {ولقد نصركم الله ببدر} ورُوي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم, واختاره ابن جرير قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة} قال: هذا يوم بدر, رواه ابن أبي حاتم. ثم قال: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا وهيب, حدثنا داود عن عامر يعني الشعبي: أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين, فشق ذلك عليهم, فأنزل الله تعالى: {ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ـ إلى قوله ـ مسومين} قال: فبلغت كُرْزاً الهزيمة, فلم يمد المشركين, ولم يمد الله المسلمين بالخمسة, وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسليمن بألف, ثم صاروا ثلاثة آلاف, ثم صاروا خمسة آلاف, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاَية على هذا القول, وبين قوله تعالى في قصة بدر: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ـ إلى قوله ـ إن الله عزيز حكيم} ؟ فالجواب أن التنصيص على الألف ـ ههنا ـ لا ينافي الثلاثة الاَلاف فما فوقها, لقوله: {مردَفين} بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران. فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة: أمد الله المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف. (القول الثاني) ـ إن هذا الوعد متعلق بقوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال} وذلك يوم أُحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الاَلاف لأن المسلمين فروا يومئذ, زاد عكرمة: ولا بالثلاثة الاَلاف لقوله تعالى: {بلى إن تصبروا وتتقوا} فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد وقوله: {بلى إن تصبروا وتتقوا} يعني: تصبروا على عدوكم, وتتقوني وتطيعوا أمري. وقوله تعالى: {ويأتوكم من فورهم هذا} قال الحسن وقتادة والربيع والسدي: أي من وجههم هذا, وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح: أي من غضبهم هذا. وقال الضحاك: من غضبهم ووجههم. وقال العوفي عن ابن عباس: من سفرهم هذا, ويقال: من غضبهم هذا. وقوله تعالى: {يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} أي معلمين بالسيما, وقال أبو إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض, وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم, رواه ابن أبي حاتم. ثم قال: حدثنا أبو زرعة, حدثنا هدبة بن خالد, حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الاَية {مسومين} قال: بالعهن الأحمر, وقال مجاهد: {مسومين} أي محذفة أعرافها, معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل. وقال العوفي, عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم, مسومين بالصوف, فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف. وقال قتادة وعكرمة {مسومين} أي بسيما القتال, وقال مكحول: مسومين بالعمائم. وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {مسومين} قال «معلمين». وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود, ويوم حنين عمائم حمر. وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعيد, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن مقسم, عن ابن عباس, قال: كان سيما الملائكة يوم بدر, عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم, ويوم حنين عمائم حمر. ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر, وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون, ثم رواه عن الحسن بن عمارة, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الأحمسي, حدثنا وكيع, حدثنا هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن الزبير رضي الله عنه, كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة عن أبيه, عن عبد الله بن الزبير, فذكره. وقوله تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به} أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً, وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم, ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم, كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرّفها لهم} ولهذا قال ههنا {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} أي هو ذو العزة التي لا ترام, والحكمة في قدره والأحكام, ثم قال تعالى: {ليقطع طرفاً من الذين كفروا} أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير, ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين, فقال: {ليقطع طرفاً} أي ليهلك أمة {من الذين كفروا أو يكبتهم} أي يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا. ولهذا قال: {أو يكبتهم فينقلبوا} أي يرجعوا {خائبين} أي لم يحصلوا على ما أملوا. ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والاَخرة له وحده لا شريك له, فقال تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} أي بل الأمر كله إليّ, كما قال تعالى: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} وقال { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء} وقال {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} قال محمد بن إسحاق في قوله: {ليس لك من الأمر شيء} أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم, ثم ذكر تعالى بقية الأقسام, فقال {أو يتوب عليهم} أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة {أو يعذبهم} أي في الدنيا والاَخرة على كفرهم وذنوبهم, ولهذا قال {فإنهم ظالمون} أي يستحقون ذلك. وقال البخاري: حدثنا حبان بن موسى, أنبأنا عبد الله, أنبأنا معمر عن الزهري, حدثني سالم عن أبيه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر «اللهم العن فلاناً وفلاناً» بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد» فأنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء}

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:53

    ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال {الذين ينفقون في السراء والضراء} أي في الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض وفي جميع الأحوال, كما قال {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية} والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مراضيه. والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر. وقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه, وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم. وقد ورد في بعض الاَثار «يقول الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت, أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك», رواه ابن أبي حاتم, وقد قال أبو يعلى في مسنده: حدثنا أبو موسى الزمن, حدثنا عيسى بن شعيب الضرير أبو الفضل, حدثني الربيع بن سليمان الجيزي عن أبي عمرو بن أنس بن مالك, عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كف غضبه, كف الله عنه عذابه, ومن خزن لسانه, ستر الله عورته, ومن اعتذر إلى الله, قبل الله عذره» وهذا حديث غريب, وفي إسناده نظر, وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا مالك عن الزهري, عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس الشديد بالصرعة, ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وقد رواه الشيخان من حديث مالك. وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي, عن الحارث بن سويد, عن عبد الله وهو ابن مسعود رضي الله عنه, قال: قال رسول الله «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله» قال: قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه, قال «اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله, مالك من مالك إلا ما قدمت, ومالُ وارثك ما أخرْتَ» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تعدون الصرعة فيكم ؟» قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال «لا ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب». قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدون فيكم الرقوب ؟» قلنا: الذي لا ولد له. قال «لا, ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئاً» أخرج البخاري الفصل الأول منه, وأخرج مسلم أصل هذا الحديث, من رواية الأعمش به.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة سمعت عروة بن عبد الله الجعفي يحدث عن حصبة أو ابن أبي حصين, عن رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب, فقال «تدرون ما الرقوب ؟» قلنا: الذي لا ولد له, قال «الرقوب كل الرقوب الذي له ولد فمات ولم يقدم منهم شيئاً» قال «تدرون ما الصعلوك ؟» قالوا: الذي ليس له مال, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال فمات ولم يقدم منه شيئاً» قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما الصرعة ؟» قالوا: الصريع قال فقال صلى الله عليه وسلم «الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر شعره فيصرع غضبه».
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير, حدثنا هشام بن عروة عن أبيه, عن الأحنف بن قيس, عن عم له يقال له جارية بن قدامة السعدي, أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, قل لي قولاً ينفعني وأقلل عليّ لعلي أعيه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب» فأعاد عليه حتى أعاد عليه مراراً كل ذلك يقول «لا تغضب», وهكذا رواه عن أبي معاوية عن هشام به, ورواه أيضاً عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام به, أن رجلاً قال: يا رسول الله, قل لي قولاً وأقلل عليّ لعلي أعقله, فقال «لا تغضب» الحديث, انفرد به أحمد.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر عن الزهري, عن حميد بن عبد الرحمن, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: يا رسول الله أوصني, قال: «لا تغضب». قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال, فإذا الغضب يجمع الشر كله, انفرد به أحمد.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا داود بن أبي هند, عن أبي ابن حرب بن أبي الأسود, عن أبي الأسود, عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقالوا: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل: أنا, فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه, وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت, فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس, فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع», ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل بإسناده إلا أنه وقع في روايته عن أبي حرب عن أبي ذر, والصحيح ابن أبي حرب عن أبيه عن أبي ذر, كما رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن خالد, حدثنا أبو وائل الصنعاني, قال: كنا جلوساً عند عروة بن محمد إذ دخل عليه رجل فكلمه بكلام أغضبه, فلما أن أغضبه قام ثم عاد إلينا وقد توضأ, فقال: حدثني أبي عن جدي عطية هو ابن سعد السعدي ـ وقد كانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله «إن الغضب من الشيطان, وإن الشيطان خلق من النار, وإنما تطفأ النار بالماء فإذا أغضب أحدكم فليتوضأ». وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني, قال أبو داود: أراه عبد الله بن بحير.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن يزيد, حدثنا نوح بن جَعْونة السلمي, عن مقاتل بن حيان, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أنظر معسراً أو وضع له, وقاه الله من فيح جهنم, ألا إن عمل الجنة حزن بربوة ـ ثلاثاً ـ ألا إن عمل النار سهل بسهوة. والسعيد من وقي الفتن, وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد لله إلا ملأ جوفه إيماناً», انفرد به أحمد, وإسناده حسن ليس فيه مجروح, ومتنه حسن.
    (حديث آخر في معناه) ـ قال أبو داود: حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن بشر يعني ابن منصور, عن محمد بن عجلان, عن سويد بن وهب, عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه, ملأه الله أمناً وإيماناً, ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه ـ قال بشر: أحسبه قال: تواضعاً ـ كساه الله حلة الكرامة ومن زوّج لله كساه الله تاج الملك».
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا سعيد, حدثني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه أن رسول الله قال «من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء» ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن أبي أيوب به, وقال الترمذي: حسن غريب.
    (حديث آخر) ـ قال عبد الرزاق: أنبأنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم, عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل, عن عم له, عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمناً وإيماناً» رواه ابن جرير.
    (حديث آخر) ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد, أنبأنا يحيى بن أبي طالب, أنبأنا علي بن عاصم, أخبرني يونس بن عبيد عن الحسن, عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله» وكذا رواه ابن ماجه عن بشر بن عمر, عن حماد بن سلمة, عن يونس بن عبيد به, فقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ} أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم, ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل. ثم قال تعالى: {والعافين عن الناس} أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد, وهذا أكمل الأحوال, ولهذا قال {والله يحب المحسنين} فهذا من مقامات الإحسان, وفي الحديث «ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة, وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً, ومن تواضع لله رفعه الله», وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشي, عن عبادة بن الصامت, عن أبي بن كعب أن رسول الله, قال: «من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات, فليعف عمن ظلمه, ويعط من حرمه, ويصل من قطعه» ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه وقد أورده ابن مردويه من حديث علي وكعب بن عجرة وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله عنهم بنحو ذلك. وروي عن طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس ؟ هلموا إلى ربكم وخذوا أجوركم, وحق على كل امريء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة» وقوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, عن عبد الرحمن بن أبي عمرة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن رجلاً أذنب ذنباً فقال: رب إني أذنبت ذنباً فاغفره, فقال الله عز وجل: عبدي عمل ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي, ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره, فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي, ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره لي, فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنباً آخر فقال: رب, إني عملت ذنباً فاغفره, فقال عز وجل: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به, أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ماشاء». أخرجه في الصحيح من حديث إسحاق بن أبي طلحة بنحوه.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر وأبو عامر, قالا: حدثنا زهير, حدثنا سعد الطائي, حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين, سمع أبا هريرة, قلنا: يا رسول الله, إذا رأيناك رقت قلوبنا, وكنا من أهل الاَخرة, وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا, وشممنا النساء والأولاد, فقال «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم, ولزارتكم في بيوتكم. ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 19:58

    قلنا: يا رسول الله, حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال «لبنة ذهب ولبنة فضة, وملاطها المسك الأذفر, وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت, وترابها الزعفران, من يدخلها ينعم ولا يبأس, ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه, ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل, والصائم حتى يفطر, ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء, ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين», ورواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر من حديث سعد به, ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة لما رواه الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا وكيع, حدثنا مسعر وسفيان الثوري عن عثمان بن المغبرة الثقفي, عن علي بن ربيعة, عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي رضي الله عنه, قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً, نفعني الله بما شاء منه. وإذا حدثني عنه غيره استحلفته, فإذا حلف لي صدقته, وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني ـ وصدق أبو بكر ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الوضوء ـ قال مسعر ـ فيصلي ـ وقال سفيان ـ ثم يصلي ركعتين, فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له» وهكذا رواه علي بن المديني والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة وأهل السنن وابن حبان في صحيحه والبزار والدارقطني من طرق عن عثمان بن المغيرة به, وقال الترمذي: هو حديث حسن, وقد ذكرنا طرقه, والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وبالجملة فهو حديث حسن, وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن خليفة النبي أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. ومما يشهد بصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ـ أو فيسبغ ـ الوضوء, ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء» وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه, غفر له ما تقدم من ذنبه» فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين, عن سيد الأولين والاَخرين, ورسول رب العالمين, كما دل عليه الكتاب المبين, من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين, وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا جعفر بن سليمان عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الاَية {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} الاَية, بكى. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محرز بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نُصَيرة, عن أبي رجاء, عن أبي بكر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال «عليكم بلا إله إلا الله, والاستغفار, فأكثروا منهما, فإن إبليس قال: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون» عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان. وروى الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال إبليس: يا رب وعزتك لا أزال أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم, فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عمر بن أبي خليفة, سمعت أبا بدر يحدث عن ثابت, عن أنس, قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله, أذنبت ذنباً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أذنبت فاستغفر ربك. قال: فإني أستغفر ثم أعود فأذنب قال: فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربك, فقالها في الرابعة استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور» وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وقوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} أي لا يغفرها أحد سواه, كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب, حدثنا سلام بن مسكين والمبارك عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بأسير, فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد¹ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «عرف الحق لأهله» وقوله {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب, ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها, ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه, كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره, قالوا: حدثنا أبو يحيى عبد الحميد الحماني عن عثمان بن واقد, عن أبي نُصَيرة, عن مولى لأبي بكر, عن أبي بكر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» ورواه أبو داود والترمذي والبزار في مسنده من حديث عثمان بن واقد ـ وقد وثقه يحيى بن معين به ـ وشيخه أبو نُصَيرة الواسطي واسمه مسلم بن عبيد, وثقه الإمام أحمد وابن حبان, وقول علي بن المديني والترمذي: ليس إسناد هذا الحديث بذاك, فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر, ولكن جهالة مثله لا تضر لأنه تابعي كبير, ويكفيه نسبته إلى أبي بكر, فهو حديث حسن, والله أعلم. وقوله {وهم يعلمون} قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير {وهم يعلمون} أن من تاب تاب الله عليه, وهذا كقوله تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده}


    ** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدّوكُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ * بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُواْ الرّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىَ الظّالِمِينَ * وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّىَ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مّا تُحِبّونَ مِنكُم مّن يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنكُم مّن يُرِيدُ الاَخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىَ أحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيَ أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمّاً بِغَمّ لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
    يحذر تعالى عباده المؤمنين عن طاعة الكافرين والمنافقين, فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والاَخرة, ولهذا قال تعالى: {إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} ثم أمرهم بطاعته وموالاته والإستعانة به والتوكل عليه, فقال تعالى: {بل الله مولاكم وهو خير الناصرين} ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعدائهم الخوف منهم والذلة لهم بسبب كفرهم وشركهم, مع ما ادخره لهم في الدار الاَخرة من العذاب والنكال, فقال {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين} وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, وأحلت لي الغنائم, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان التيمي عن سيار عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «فضلني ربي على الأنبياء ـ أو قال على الأمم ـ بأربع: قال: أرسلت إلى الناس كافة, وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره, ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي, وأحلت لي الغنائم». ورواه الترمذي من حديث سليمان التيمي عن سيار القرشي الأموي مولاهم الدمشقي سكن البصرة, عن أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه به, وقال: حسن صحيح. وقال سعيد بن منصور: أنبأنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «نصرت بالرعب على العدو», ورواه مسلم من حديث ابن وهب. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي بردة, عن أبيه أبي موسى, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمساً: بعثت إلى الأحمر والأسود, وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً, وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي, ونصرت بالرعب شهراً, وأعطيت الشفاعة, وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعته وإني اختبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات لا يشرك بالله شيئاً» تفرد به أحمد. وروى العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} قال: قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً, وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب» رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} قال ابن عباس: وعدهم الله النصر, وقد يستدل بهذه الاَية على أحد القولين المتقدمين في قوله تعالى: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} أن ذلك كان يوم أحد, لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل, فلما واجهوهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام, فلما حصل ما حصل من عصيان الرماة وفشل بعض المقاتلة, تأخر الوعد الذي كان مشروطاً بالثبات والطاعة, ولهذا قال {ولقد صدقكم الله وعده} أي أول النهار {إذ تحسونهم} أي تقتلونهم {بإذنه} أي بتسليطه إياكم عليهم {حتى إذا فشلتم} وقال ابن جريج: قال ابن عباس: الفشل الجبن {وتنازعتم في الأمر وعصيتم} كما وقع للرماة {من بعد ما أراكم ما تحبون} وهو الظفر منهم {منكم من يريد الدنيا} وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة {ومنكم من يريد الاَخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم {ولقد عفا عنكم} أي غفر لكم ذلك الصنيع, وذلك, والله أعلم, لكثرة عدد العدو وعددهم وقلة عدد المسلمين وعددهم, قال ابن جريج: قوله {ولقد عفا عنكم} قال: لم يستأصلكم, وكذا قال محمد بن إسحاق: رواهما ابن جرير {والله ذو فضل على المؤمنين} وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه, عن عُبيد الله عن ابن عباس أنه قال: ما نصر الله في موطن كما نصر يوم أحد, قال: فأنكرنا ذلك, فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله, إن الله يقول في يوم أحد {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} يقول ابن عباس والحسن: القتل {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاَخرة} الاَية, وإنما عنى بهذا الرماة, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال: ««احموا ظهورنا, فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا, وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا»

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:01

    (حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان, حدثنامحمد بن المنكدر, قال: مر سلمان الفارسي. بشرحبيل بن السمط, وهو في مرابَط له وقد شق عليه وعلى أصحابه, فقال: أفلا أحدثك يا ابن السمط بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «رباط يوم في سبيل الله أفضل ـ أو قال خير ـ من صيام شهر وقيامه, ومن مات فيه وقي فتنة القبر, ونمي له عمله إلى يوم القيامة» تفرد به الترمذي من هذا الوجه, وقال: هذا حديث حسن, وفي بعض النسخ زيادة وليس إسناده بمتصل, وابن المنكدر لم يدرك سلمان. (قلت): الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط, وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة, كلاهما عن شرحبيل بن السمط وله صحبة عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» وقد تقدم سياق مسلم بمفرده.
    (حديث آخر) قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة, حدثنا محمد بن يعلى السلمي, حدثنا عمر بن صبيح عن عبد الرحمن بن عمرو, عن مكحول, عن أبي بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لرباط يوم في سبيل الله, من وراء عورة المسلمين محتسباً من شهر رمضان أعظم أجراً من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها, ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجراً ـ أراه قال ـ من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها, فإن رده الله تعالى إلى أهله سالماً لم تكتب عليه سيئة ألف سنة, وتكتب له الحسنات, ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة» هذا حديث غريب, بل منكر من هذا الوجه, وعمر بن صبيح متهم.
    (حديث آخر) قال ابن ماجه: حدثنا عيسى بن يونس الرملي, حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن سعيد بن خالد بن أبي طويل, سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «حرس ليلة في سبيل الله خير من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة. السنة ثلثمائة وستون يوماً, واليوم كألف سنة» وهذا حديث غريب أيضاً, وسعيد بن خالد هذا ضعفه أبو زرعة وغير واحد من الأئمة, وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه, وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم: روى عن أنس أحاديث موضوعة.
    (حديث آخر) قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن الصباح, أنبأنا عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة, عن عمر بن عبد العزيز, عن عقبة بن عامر الجهني, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رحم الله حارس الحرس» فيه انقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعقبة بن عامر, فإنه لم يدركه والله أعلم.
    (حديث آخر) قال أبو داود: حدثنا أبو توبة, حدثنا معاوية يعني ابن سلام عن زيد ـ يعني ابن سلام ـ أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلميوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية, فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله, إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا, فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين, فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال «تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله» ثم قال «من يحرسنا الليلة» ؟ قال أنس بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله, فقال «فاركب» فركب فرساً له, فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغز من قبلك الليلة» فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه, فركع ركعتين ثم قال «هل أحسستم فارسكم ؟» فقال رجل: يا رسول الله ما أحسسناه فثوب بالصلاة, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته قال «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب, فإذا هو قد جاء حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرتني, فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما, فنظرت فلم أرَ أحداً, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل نزلت الليلة ؟» قال: لا إلا مصلياً أو قاضي حاجة, فقال له «أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها». ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة وهو الربيع بن نافع به.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا عبد الرحمن بن شريح, سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول: سمعت أبا عامر التّجيبي, قال الإمام أحمد: وقال غير زيد أبا علي الجنبي يقول: سمعت أبا ريحانة يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة, فأتينا ذات ليلة إلى شرف, فبتنا عليه, فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليه الجحفة يعني الترس, فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس نادى «من يحرسنا في هذه الليلة فأدعو له بدعاء يكون له فيه فضل ؟» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فقال «ادن» فدنا, فقال «من أنت ؟» فتسمى له الأنصاري, ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فأكثر منه. فقال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أنا رجل آخر, فقال «ادن», فدنوت فقال «من أنت ؟» قال: فقلت: أنا أبو ريحانة, فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري, ثم قال «حرمت النار على عين دمعت ـ أو بكت ـ من خشية الله, وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله» وروى النسائي منه «حرمت النار» إلى آخره عن عصمة بن الفضل عن زيد بن الحباب به, وعن الحارث بن مسكين عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح به, وأتم وقال في الروايتين عن أبي علي الجَنَبي.
    (حديث آخر) قال الترمذي: حدثنا نصر بن علي الجهضمي, حدثنا بشر بن عمر, حدثنا شعيب بن رُزيق أبو شيبة عن عطاء الخراساني, عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس, قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله» ثم قال: حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رُزيق, قال وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة. (قلت) وقد تقدما, ولله الحمد والمنة.
    (حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين عن زَبّان, عن سهل بن معاذ, عن أبيه معاذ بن رضي الله عنه أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من حرس من وراء المسلمين متطوعاً لا بأجرة سلطان, لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم, فإن الله يقول {وإن منكم إلا واردها}» تفرد به أحمد رحمه الله.
    (حديث آخر) ـ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة, إن أعطي رضي, وإن لم يعط سخط, تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش, طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه, مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة, إن استأذن لم يؤذن له, وإن شفع لم يشفع». فهذا آخر ما تيسر إيراده من الأحاديث المتعلقة بهذا المقام, ولله الحمد على جزيل الإنعام, على تعاقب الأعوام والأيام. وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا مطرف بن عبد الله المدني, حدثنا مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم, فكتب إليه عمر: أما بعد, فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجاً, وإنه لن يغلب عسر يسرين, وإن الله تعالى يقول في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} وهكذا روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة, قال: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس, وودعته للخروج, وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة, وفي رواية سنة سبع وسبعين ومائة.
    يا عابد الحرمين لو أبصرتنالعلمت أنك في العبادة تلعبمن كان يخضب خده بدموعهفنحورنا بدمائنا تتخضبأو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعبريح العبير لكم ونحن عبيرناوهج السنابك والغبار الأطيبولقد أتانا من مقال نبيناقول صحيح صادق لا يكذبلا يستوي وغبارَ خيل الله فيأنف امريء ودخانَ نار تلهبهذا كتاب الله ينطق بينناليس الشهيد بميت لا يكذب

    قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام, فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني, ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث ؟ قال: قلت: نعم, قال فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى عليّ الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله, علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله, فقال «هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر, وتصوم فلا تفطر ؟» فقال: يا رسول الله, أنا أضعف من أن أستطيع ذلك, ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم «فوالذي نفسي بيده لو طُوّقْتَ ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله, أَوَ ما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله, فيكتب له بذلك الحسنات» وقوله تعالى: {واتقوا الله} أي في جميع أموركم وأحوالكم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن «اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن» {لعلكم تفلحون} أي في الدنيا والاَخرة ـ وقال ابن جرير: حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في قول الله عز وجل {واتقوا الله لعلكم تفلحون} واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غداً إذا لقيتموني.


    تمت ال عمران
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:05

    سورة النساء
    قال العوفي عن ابن عباس: نزلت سورة النساء بالمدينة. وكذا روى ابن مردويه, عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت, ورَوى من طريق عبد الله بن لهيعة, عن أخيه عيسى, عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حبس» وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر, حدثنا محمد بن بشر العبدي, حدثنا مسعر بن كدام عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} الاَية, و {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الاَية, و {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} و{لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك} الاَية, {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} ثم قال: هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل عن ابن مسعود قال: خمس آيات من النساء لهن أحب إلي من الدنيا جميعاً {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} وقوله: {وإن تك حسنة يضاعفها} وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقوله: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}, وقوله: {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً} رواه ابن جرير. ثم رَوى من طريق صالح المري عن قتادة عن ابن عباس قال: ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت, أولاهن {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} والثانية {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً} والثالثة {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً} ثم ذكر قول ابن مسعود سواء ـ يعني في الخمسة الباقية ـ وروى الحاكم من طريق أبي نعيم عن سفيان بن عيينة, عن عبيد الله بن أبي يزيد, عن ابن أبي مليكة: سمعت ابن عباس يقول: سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير. ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه.
    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** أَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
    يقول تعالى آمراً خلقه بتقواه, وهي عبادته وحده لا شريك له, ومنبهاً لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة, وهي آدم عليه السلام {وخلق منها زوجها} وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر, من خلفه وهو نائم, فاستيقظ فرآها فأعجبته, فأنس إليها وأنست إليه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن مقاتل, حدثنا وكيع عن أبي هلال عن قتادة, عن ابن عباس, قال: خلقت المرأة من الرجل فجعل نهمتها في الرجل وخلق الرجل من الأرض فجعل نهمته في الأرض, فاحبسوا نساءكم. وفي الحديث الصحيح: «إن المرأة خلقت من ضلع, وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه, فإن ذهبت تقيمه كسرته, وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج». وقوله: {وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء} أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساء, ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم, ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر. ثم قال تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} أي واتقوا الله بطاعتكم إياه. قال إبراهيم ومجاهد والحسن {الذي تساءلون به} أي كما يقال: أسألك بالله وبالرحم, وقال الضحاك: واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به, واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها, قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد وقرأ بعضهم: والأرحام بالخفض على العطف على الضمير في به أي تساءلون بالله وبالأرحام, كما قال مجاهد وغيره. وقوله: {إن الله كان عليكم رقيباً} أي هو مراقب لجميع أحولكم وأعمالكم, كما قال: {والله على كل شيء شهيد}. وفي الحديث الصحيح «اعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه, فإنه يراك» وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب. ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض, ويحننهم على ضعفائهم. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر وهم مجتابو النّمار ـ أي من عريهم وفقرهم ـ قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}, حتى ختم الاَية. وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}, ثم حضهم على الصدقة فقال: «تصدق رجل من ديناره, من درهمه, من صاع بره, من صاع تمره» وذكر تمام الحديث, وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة, وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها {يا أيها الناس اتقوا ربكم} الاَية

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:09

    ** وَآتُواْ الْيَتَامَىَ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُوَاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىَ أَمْوَالِكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىَ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ * وَآتُواْ النّسَآءَ صَدُقَاتِهِنّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مّرِيئاً
    يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة, وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم, ولهذا قال: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم, يقول: لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولاً وتأخذ سميناً. وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زائفاً وتأخذ جيداً. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم, ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة, ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم. وقوله {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} قال مجاهد وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً. وقوله: {إنه كان حوباً كبيراً} قال ابن عباس: أي إثماً كبيراً عظيماً. وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله {حوباً كبيراً} قال: «إثماً كبيراً» ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكُدَيْمي وهو ضعيف وروي هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود «اغفر لنا حوبنا وخطايانا». وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى أبي عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس, أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوباً» قال ابن سيرين: الحوب الإثم, ثم قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي حدثنا بشر بن موسى, حدثنا هَوْذة بن خليفة, حدثنا عوف عن أنس أن أبا أيوب أراد طلاق أم أيوب, فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن طلاق أم أيوب لحوب» فأمسكها, ثم روى ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث علي بن عاصم عن حميد الطويل, سمعت أنس بن مالك أيضاً يقول: أراد أبو طلحة أن يطلق أم سليم امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن طلاق أم سليم لحوب» فكف. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه. وقوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى}, أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء, فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه. وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج, أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق, وكان يمسكها عليه, ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه {وإن خفتم ألا تقسطوا} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ثم قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله. حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}, قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها, فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره, فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن. ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق, وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاَية فأنزل الله {ويستفتونك في النساء}, قالت عائشة: وقول الله في الاَية الأخرى {وترغبون أن تنكحوهن} رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال, فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال. وقوله: {مثنى وثلاث ورباع} أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين وإن شاء ثلاثاً, وإن شاء أربعاً. كما قال الله تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} أي منهم من له جناحان, ومنهم من له ثلاثة, ومنهم من له أربعة, ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه, بخلاف قصر الرجال على أربع, فمن هذه الاَية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء, لأن المقام مقام امتنان وإباحة, فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة, وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة, أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم: بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيحين, وأما إحدى عشرة كما جاء في بعض ألفاظ البخاري: وقد علقه البخاري وقد روينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بخمس عشرة امرأة, ودخل منهن بثلاث عشرة, واجتمع عنده إحدى عشرة, ومات عن تسع. وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع, ولنذكر الأحاديث في ذلك, قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر عن الزهري, قال ابن جعفر في حديثه: أنبأنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «اختر منهن أربعاً» فلما كان في عهد عمر طلق نساءه, وقسم ماله بين بنيه, فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك, ولعلك لا تمكث إلا قليلا. وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك ولاَمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال. وهكذا رواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرهم, من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس, وعبد الرحمن بن محمد المحاربي, والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ, عن معمر بإسناده مثله إلى قوله: «اختر منهن أربعاً» وباقي الحديث في قصة عمر من أفراد أحمد, وهي زيادة حسنة وهي مُضَعّفة لما علل به البخاري هذا الحديث فيما حكاه عنه الترمذي حيث قال بعد روايته له سمعت البخاري يقول: هذا الحديث غير محفوظ. والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري. حُدّثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة ـ فذكره. قال البخاري: وإنما حديث الزهري عن سالم, عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. وهذا التعليل فيه نظر, والله أعلم ـ وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً. وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. وقال البيهقي: ورواه عقيل عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد. وقال أبو حاتم: وهذا وهم إنما هو الزهري, عن محمد بن سويد. بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكره. قال البيهقي: ورواه يونس وابن عيينة عن الزهري عن محمد بن أبي سويد وهذا كما علله البخاري وهذا الإسناد الذي قدمناه من مسند الإمام أحمد, رجاله ثقات على شرط الشيخين ثم قد روي من غير طريق معمر بل والزهري. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, حدثنا أبو علي الحافظ, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا أبو بُرَيد عمرو بن يزيد الجرمي, أخبرنا سيف بن عبيد الله حدثنا سرار بن مجشر, عن أيوب, عن نافع وسالم, عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة فأسلم وأسلمن معه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً. هكذا أخرجه النسائي في سننه, قال أبو علي بن السكن: تفرد به سرار بن مجشر وهو ثقة. وكذا وثقه ابن معين قال أبو علي: وكذا رواه السميدع بن واهب عن سرار. قال البيهقي: وروينا من حديث قيس بن الحارث أو الحارث بن قيس, وعروة بن مسعود الثقفي وصفوان بن أمية يعني حديث غيلان بن سلمة. فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوغ له رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد أسلمن معه فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال, فإذا كان هذا في الدوام, ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, (حديث آخر في ذلك) روى أبو داود وابن ماجه في سننهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حُمَيْضة بن الشمردل وعند ابن ماجه بنت الشمردل, حكى أبو داود أن منهم من يقول الشمرذل بالذال المعجمة عن قيس بن الحارث, وعند أبي داود في رواية الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اختر منهن أربعاً», وهذا الإسناد حسن: ومجرد هذا الاختلاف لا يضر مثله لما للحديث من الشواهد. (حديث آخر في ذلك) قال الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سُهيل بن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي رضي الله عنه, قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى» فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها. فهذه كلها شواهد بصحة ما تقدم من حديث غيلان كما قاله البيهقي رحمه الله. وقوله: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}, أي فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن, كما قال تعالى, {ولن تستطيعو أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري فإنه لا يجب قسم بينهن, ولكن يستحب فمن فعل فحسن, ومن لا فلا حرج, وقوله: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم, قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعي رحمهم الله, وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة} أي فقراً {فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}


    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:12

    قوله {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سداً} الاَية: إن هذا مثل ضربه الله لهم في ضلالهم, ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد: من قبل أن نطمس وجوهاً, يقول: عن صراط الحق فنردها على أدبارها, أي في الضلال. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس والحسن نحو هذا. قال السدي: فنردها على أدبارها, فنمنعها عن الحق, قال: نرجعها كفاراً ونردهم قردة, وقال ابن زيد: نردهم إلى بلاد الشام من أرض الحجاز. وقد ذكر أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الاَية. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة, قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب, فقال: أسلم كعب زمان عمر, أقبل وهو يريد بيت المقدس, فمر على المدينة, فخرج إليه عمر فقال: يا كعب, أسلم. فقال: ألستم تقرأون في كتابكم {مثل الذين حملوا التوراة ـ إلى ـ أسفاراً} وأنا قد حملت التوراة, قال: فتركه عمر ثم خرج حتى انتهى إلى حمص, فسمع رجلاً من أهلها حزيناً وهو يقول: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها} الاَية, قال كعب: يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الاَية, ثم رجع فأتى أهله في اليمن, ثم جاء بهم مسلمين. وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر من وجه آخر فقال: حدثنا أبي , حدثنا ابن نفيل, حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حَلْبَس, عن أبي إدريس عائذ الله الخولاني, قال: كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب, وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فبعثه إليه لينظر أهو هو ؟ قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة, فإذا تال يقرأ القرآن يقول {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها} فبادرت الماء فاغتسلت, وإني لأمس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت. وقوله {أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت} يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد وقد مسخوا قردة وخنازير, وسيأتي بسط قصتهم في سورة الأعراف. وقوله {وكان أمر الله مفعولاً} أي إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف ولا يمانع. ثم أخبر تعالى أنه {لا يغفر أن يشرك به}. أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به, {ويغفر ما دون ذلك}, أي من الذنوب {لمن يشاء}, أي من عباده, وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الاَية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر:
    (الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا صدقة بن موسى, حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابَنوس عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً, وديوان لا يترك الله منه شيئاً, وديوان لا يغفره الله, فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله, قال الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الاَية, وقال {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}, وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً, فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها, فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء, وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً, القصاص لا محالة» تفرد به أحمد.
    (الحديث الثاني) قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك, حدثنا زائدة بن أبي الرّقاد, عن زياد النميري, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله, وظلم يغفره الله, وظلم لا يتركه الله, فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك, وقال {إن الشرك لظلم عظيم}, وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم, وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض».
    (الحديث الثالث) قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى, حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون, عن أبي إدريس, قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً» ورواه النسائي عن محمد بن مثنى عن صفوان بن عيسى به.
    (الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,قال «إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني, فإني غافر لك على ما كان منك, يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي, لقيتك بقرابها مغفرة» تفرد به أحمد من هذا الوجه.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:16

    قال تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} هذا الضرب من الناس هم المنافقون, والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك, فإنه لا تخفى عليه خافية, فاكتف به يا محمد فيهم, فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له {فأعرض عنهم} أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم {وعظهم} أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر, {وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.


    ** وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ أِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنّهُمْ إِذ ظّلَمُوَاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوّاباً رّحِيماً * فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً
    يقول تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع} أي فرضت طاعته على من أرسله إليهم. وقوله {بإذن الله} قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني, يعني لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك, كقوله {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم. وقوله {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الاَية, يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم, فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم, ولهذا قال {لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي, قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم, فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله, سمعت الله يقول {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
    يا خير من دفنت بالقاع أعظمهفطاب من طيبهن القاع وا لأكمنفسي الفداء لقبر أنت ساكنهفيه العفاف وفيه الجود والكرم

    ثم انصرف الأعرابي, فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم, فقال يا عتبي, الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له».
    وقوله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور, فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً, ولهذا قال {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به, وينقادون له في الظاهر والباطن, فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة, كما ورد في الحديث «والذي نفسي بيده, لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لم جئت به». وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا معمر عن الزهري, عن عروة, قال: خاصم الزبير رجلاً في سْريج من الحرة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك, فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «اسق يا زبير, ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر, ثم أرسل الماء إلى جارك». واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري, وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بأمر لهما فيه سعة, قال الزبير: فما أحسب هذه الاَية إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} الاَية. هكذا رواه البخاري ههنا, أعني في كتاب التفسير من صحيحه من حديث معمر, وفي كتاب الشرب من حديث ابن جريج ومعمر أيضاً, وفي كتاب الصلح من حديث شعيب بن أبي حمزة, ثلاثتهم عن الزهري, عن عروة, فذكره, وصورته صورة الإرسال, وهو متصل في المعنى, وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال, فقال: حدثنا أبو اليمان, حدثنا شعيب عن الزهري, أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان)يخاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة, كانا يسقيان بها كلاهما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير «اسق ثم أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر» فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: حقه, وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري, فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم, قال عروة: فقال الزبير: والله ما أحسب هذه الاَية نزلت إلا في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم, ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}, هكذا رواه الإمام أحمد, وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير, فإنه لم يسمع منه, والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله, فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم, رواه كذلك في تفسيره, فقال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني الليث ويونس عن ابن شهاب, أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام, أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, في شراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل, فقال الأنصاري: سرح الماء يمر, فأبى عليه الزبير, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله, أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «اسقِ يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر» واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصار, فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم, استوعى للزبير حقه في صريح الحكم, فقال الزبير: ما أحسب هذه الاَية إلا في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} وهكذا رواه النسائي من حديث ابن وهب به. ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث به. وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير. وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير. والله أعلم. والعجب كل العجب من الحاكم أبي عبد الله النيسابوري فإنه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن عروة, عن عبد الله بن الزبير, عن الزبير, فذكره, ثم قال: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه. فإني لا أعلم أحداً قام بهذا الإسناد عن الزهري بذكر عبد الله بن الزبير غير ابن أخيه وهو عنه ضعيف, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن علي أبو دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا الفضل بن دكين, حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار, عن سلمة رجل من آل أبي سلمة, قال: خاصم الزبير رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير, فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته, فنزلت: {فلا وربك لا يؤمنون} الاَية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا أبو حيوة, حدثنا سعيد بن عبد العزيز, عن الزهري, عن سعيد بن المسيب في قوله {فلا وربك لا يؤمنون} قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة, اختصما في ماء, فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل, هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:19

    ** وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مّا فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لاَتَيْنَاهُمْ مّن لّدُنّـآ أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ عَلِيماً
    يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه, لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر, وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان, فكيف كان يكون, ولهذا قال تعالى: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثني إسحاق, حدثنا أبو زهير عن إسماعيل, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال رجل: لو أمرنا لفعلنا, والحمد لله الذي عافانا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي», ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير, حدثنا روح, حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش, قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو فعل ربنا لفعلنا, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي». وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود, فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا, فقال ثابت: والله لو كتب علينا {أن اقتلوا أنفسكم} لفعلنا¹ فأنزل الله هذه الاَية. ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا محمود بن غيلان, حدثنا بشر بن السري, حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم» وحدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد, قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الاَية, أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بيده إلى عبد الله بن رواحة, فقال: «لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل» يعني ابن رواحة, ولهذا قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به} أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه {لكان خيراً لهم} أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي {وأشد تثبيتاً}, قال السدي: أي وأشد تصديقاً {وإذاً لاَتيناهم من لدنا} أي من عندنا {أجراً عظيماً} يعني الجنة {ولهديناهم صراطاً مستقيماً} أي في الدنيا والاَخرة, ثم قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}. أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون, ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: {وحسن أولئك رفيقاً} وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب, حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه, عن عروة, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي يمرض إِلا خير بين الدنيا والاَخرة» وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» فعلمت أنه خُيّر, وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إِبراهيم به. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر «اللهم الرفيق الأعلى» ثلاثاً ثم قضى, عليه أفضل الصلاة والتسليم.

    تمت النساء
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:22

    سورة المائدة

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلاّ مَا يُتْلَىَ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّي الصّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلآ آمّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رّبّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا مسعر, حدثني معن وعوف, أو أحدهما, أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود, فقال: اعهد إلي, فقال: إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك, فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. وقال: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم, حدثنا الوليد, حدثنا الأوزاعي عن الزهري, قال: إذا قال الله {يا أيها الذين آمنوا} افعلوا, فالنبي صلى الله عليه وسلم منهم, وحدثنا أحمد بن سنان, حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا الأعمش عن خيثمة قال: كل شيء في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فهو في التوراة يا أيها المساكين. فأما ما رواه عن زيد بن إسماعيل الصائغ البغدادي, حدثنا معاوية يعني ابن هشام, عن عيسى بن راشد, عن علي بن بذيمة, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية {يا أيها الذين آمنوا} إلا أن علياً سيدها وشريفها وأميرها, وما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا قد عوتب في القرآن إلا علي بن أبي طالب, فإنه لم يعاتب في شيء منه, فهو أثر غريب, ولفظه فيه نكارة, وفي إسناده نظر. ونزل قوله {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} الاَية, وفي كون هذا عتاباً نظر, فإنه قد قيل: إن الأمر كان ندباً لا إيجاباً, ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل, فلم يصدر من أحد منهم خلافه, وقوله: عن علي أنه لم يعاتب في شيء من القرآن فيه نظر أيضاً, فإن الاَية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء, عمت جميع من أشار بأخذه ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فعلم بهذا وبما تقدم ضعف هذا الأثر, والله أعلم, وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث, حدثني يونس قال: قال محمد بن مسلم: قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران, وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه «هذا بيان من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} فكتب الاَيات منها حتى بلغ {إن الله سريع الحساب}». قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود العهود, وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك, قال: والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يعني العهود, يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله, ولا تغدروا ولا تنكثوا, ثم شدد في ذلك فقال تعالى: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} إلى قوله {سوء الدار} وقال الضحاك: {أوفوا بالعقود} قال: ما أحل الله وحرم, وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عليهم من الفرائض من الحلال والحرام. وقال زيد بن أسلم {أوفوا بالعقود} قال: هي ستة: عهد الله, وعقد الحلف, وعقد الشركة, وعقد البيع, وعقد النكاح وعقد اليمين. وقال محمد بن كعب: هي خمسة منها حلف الجاهلية, وشركة المفاوضة. وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لا خيار في مجلس البيع بهذه الاَية {أوفوا بالعقود} قال: فهذه تدل على لزوم العقد وثبوته فيقتضي نفي خيار المجلس, وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك, وخالفهما في ذلك الشافعي وأحمد والجمهور, والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار مالم يتفرقا» وفي لفظ آخر للبخاري «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا» وهذا صريح في إثبات خيار المجلس المتعقب لعقد البيع, وليس هذا منافياً للزوم العقد, بل هو من مقتضياته شرعاً, فالتزامه من تمام الوفاء بالعقود.

    وقوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} هي الإبل والبقر والغنم, قاله أبو الحسن وقتادة وغير واحد, قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب, وقد استدل ابن عمر وابن عباس وغير واحد بهذه الاَية على إباحة الجنين إذا وجد ميتاً في بطن أمه إذا ذبحت, وقد ورد في ذلك حديث في السنن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق مجالد عن أبي الوداك جبير بن نوفل, عن أبي سعيد قال: قلنا: يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين, أنلقيه أم نأكله ؟ فقال «كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه» وقال الترمذي: حديث حسن, قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس, حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا عتاب بن بشير, حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير, عن جابر بن عبد الله, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «ذكاة الجنين ذكاة أمه» تفرد به أبو داود.
    وقوله {إلا ما يتلى عليكم} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير, وقال قتادة: يعني بذلك الميتة ومالم يذكر اسم الله عليه والظاهر ـ والله أعلم وقوله تعالى: {غير محلي الصيد وأنتم حرم} قال بعضهم: هذا منصوب على الحال والمراد بالأنعام ما يعم الإنسي من الإبل والبقر والغنم
    كما قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} وقال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً} الاَية, وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً, منها أربعة حرم, ثلاث متواليات: ذو العقدة وذو الحجة والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت
    وقوله تعالى: {ولا الهدي ولا القلائد} يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام, فإن فيه تعظيم شعائر الله, ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام وقوله تعالى: {ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا} أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمناً وكذا من قصده طالباً فضل الله وراغباً في رضوانه فلا تصدوه ولا تمنعوه ولا تهيجوه. قال مجاهد وعطاء وأبو العالية ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن عبيد بن عمير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغير واحد في قوله {يبتغون فضلاً من ربهم} يعني بذلك التجارة, وهذا كما تقدم في قوله {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}
    ** حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السّبُعُ إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ
    يخبر تعالى عباده خبراً متضمناً النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة, وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد, وما ذاك إلا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن فهي ضارة للدين وللبدن, فلهذا حرمها الله عز وجل, ويستثنى من الميتة السمك, فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها, لما رواه مالك في موطئه, والشافعي وأحمد في مسنديهما, وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم, وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر, فقال «هو الطهور ماؤه الحل ميتته», وهكذا الجراد, لما سيأتي من الحديث وقوله: {والدم} يعني به المسفوح, كقوله {أو دماً مسفوحاً} قاله ابن عباس وسعيد بن جبير, قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب المذحجي, حدثنا محمد بن سعيد بن سابق, حدثنا عمرو يعني ابن قيس عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال فقال: كلوه, فقالوا: أنه دم, فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح, وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد, عن القاسم! عن عائشة , قالت: إنما نهى عن الدم السافح, وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه, عن ابن عمر مرفوعاً, قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحل لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان. فالسمك والجراد, وأما الدمان فالكبد والطحال», وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وهو ضعيف, قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة, وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعاً, قلت: وثلاثتهم كلهم ضعفاء, ولكن بعضهم أصلح من بعض, وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر فوقفه بعضهم عليه, قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن, حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب, حدثنا بشير بن شريح عن أبي غالب, عن أبي أمامة وهو صدي بن عجلان, قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله, وأعرض عليهم شرائع الإسلام, فأتيتهم فبينما نحن كذلك, إذ جاؤوا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فقالوا: هلم يا صدي فكل, قال: قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم فأقبلوا عليه, قالوا: وماذاك ؟ فتلوت عليهم هذه الاَية {حرمت عليكم الميتة والدم} الاَية, ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناده مثله, وزاد بعده هذا السياق قال: فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون عليّ, فقلت: ويحكم اسقوني شربة من ماء, فإني شديد العطش, قال: وعليّ عباءتي, فقالوا: لا, ولكن ندعك حتى تموت عطشاً, قال: فاغتممت وضربت برأسي في العباء, ونمت على الرمضاء في حر شديد, قال: فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه, وفيه شراب لم ير الناس ألذ منه, فأمكنني منه فشربته, فلما فرغت من شرابي استيقظت فلا والله ما عطشت, ولا عريت بعد تيك الشربة. ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن حماد, عن عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري, حدثنا صدقة بن هرم عن أبي غالب, عن أبي أمامة وذكر نحوه, وزاد بعد قوله: بعد تيك الشربة, فسمعتهم يقولون: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة, فأتوني بمذقة فقلت: لا حاجة لي فيها, إن الله أطعمني وسقاني, وأريتهم بطني

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:27

    ** يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَمَا عَلّمْتُمْ مّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلّبِينَ تُعَلّمُونَهُنّ مِمّا عَلّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
    لما ذكر تعالى ما حرمه في الاَية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهما, واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} قال بعدها {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات} كما في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات, ويحرم عليهم الخبائث, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي بكير, حدثني عبد الله بن لهيعة, حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير, عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين, سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله قد حرم الله الميتة, فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات} قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم. وقال مقاتل: الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق, وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال: ليس هو من الطيبات, رواه ابن أبي حاتم, وقال ابن وهب: سئل مالك عن بيع الطير الذي يأكله الناس, فقال: ليس هو من الطيبات.
    ** يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـَكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ
    قال كثيرون من السلف في قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة}: يعني وأنتم محدثون, وقال آخرون: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة, وكلاهما قريب. وقال آخرون: بل المعنى أعم من ذلك, فالاَية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة, ولكن هو في حق المحدث واجب, وفي حق المتطهر ندب, وقد قيل: إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجباً في ابتداء الإسلام, ثم نسخ, وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد, عن سليمان بن بريدة, عن أبيه, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة, فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد, فقال له عمر: يا رسول الله, إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله. قال «إني عمداً فعلته يا عمر», وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد, ووقع في سنن ابن ماجه عن سفيان, عن محارب بن دثار بدل علقمة بن مرثد, كلاهما عن سليمان بن بريدة به, وقال الترمذي: حسن صحيح.
    وقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء, فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام, وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك, لكن البخاري روى ههنا حديثاً خاصاً بهذه الاَية الكريمة فقال: حدثنا يحيى بن سليمان, حدثنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه, عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة, فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل, فثنى رأسه في حجري راقداً, فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة, فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني, وقد أوجعني, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ, وحضرت الصبح, فالتمس الماء فلم يوجد, فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} إلى آخر الاَية, فقال أسيد بن الحضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم
    وقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} أي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر, بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم, و رحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه, وكما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير, وقوله تعالى: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة, وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الاَية الكريمة, كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل, فجاءت نوبتي فروحتها بعشي, فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس, فأدركت من قوله «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه, ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه, إلا وجبت له الجنة» قال: قلت: ما أجود هذا, فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود منها, فنظرت فإذا عمر رضي الله عنه فقال: إني قد رأيتك جئت آنفاً قال« ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أوفيسبغ الوضوء, يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء» لفظ مسلم.
    ** وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ * يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ
    يقول تعالى مذكراً عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم. وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته, والقيام بدينه وإبلاغه عنه, وقبوله منه, فقال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم كما قالوا: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, وقال الله تعالى: {ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين}, وقيل: هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
    في قوله {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم}.
    وقوله: هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الاَخر منه شيء, كما في قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلا} وكقول بعض الصحابيات لعمر: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال تعالى: {واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} أي وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها, إن خيراً فخير, وإن شراً فشر, ولهذا قال بعده {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة} أي لذنوبهم {وأجر عظيم} وهوالجنة التي هي من رحمته على عباده, لا ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل, وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم, وهو تعالى الذي جعلها أسباباً إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه فالكل منه وله, فله الحمد والمنة.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:33

    وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصّلاَةَ وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لاُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَلاُدْخِلَنّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلّ سَوَآءَ السّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّا مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مّنْهُمْ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مّمّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
    لما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وأمرهم بالقيام بالحق, والشهادة بالعدل, وذكرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى, شرع يبين لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين: اليهود والنصارى, فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعناً منه لهم, وطرداً عن بابه وجنابه, وحجاباً لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق, وهو العلم النافع, والعمل الصالح, فقال تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً} يعني عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه, وقد ذكر ابن عباس عن ابن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة, فأمر بأن يقيم نقباء من كل سبط نقيب, قال محمد بن إسحاق: فكان من سبط روبيل شامون بن ركون, ومن سبط شمعون شافاط بن حري, ومن سبط يهوذا كالب بن يوفنا, ومن سبط أتين ميخائيل بن يوسف, ومن سبط يوسف وهو سبط إفرايم يوشع بن نون, ومن سبط بنيامين فلطم بن دفون ومن سبط زبولون جدي بن شورى ومن سبط منشأ بن يوسف جدي بن موسى ومن سبط دان خملائيل بن حمل ومن سبط أشار ساطور بن ملكيل, ومن سبط نفثالي بحر بن وقسي, ومن سبط يساخر لايل بن مكيد.
    وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل وأسماء مخالفة لم ذكره ابن إسحاق, والله أعلم, قال فيها: فعلى بني روبيل اليصور بن سادون, وعلى بني شمعون شموال بن صورشكي, وعلى بني يهوذا الحشون بن عمياذاب, وعلى بني يساخر شال بن صاعون, وعلى بني زبولون الياب بن حالوب, وعلى بني إفرايم منشا بن عمنهور, وعلى بني منشا حمليائيل بن يرصون, وعلى بني بنيامين أبيدن بن جدعون, وعلى بني دان جعيذر بن عميشذي, وعلى بني أشار نحايل بن عجران, وعلى بني كان السيف بن دعواييل, وعلى بني نفتالي أجذع بن عمينان.
    وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة, كان فيهم اثنا عشر نقيباً: ثلاثة من الأوس: وهم أسيد بن الحضير, وسعد بن خيثمة, ورفاعة بن عبد المنذر, ويقال بدله أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه, وتسعة من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زراة, وسعد بن الربيع, وعبد الله بن رواحة, ورافع بن مالك بن العجلان, والبراء بن معرور, وعبادة بن الصامت, وسعد بن عبادة, وعبد الله بن عمرو بن حرام, والمنذر بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم, وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له, كما أورده ابن إسحاق رحمه الله, والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك, وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة.
    ** يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ
    يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة أنه قد أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض: عربهم وعجمهم, أميهم وكتابيهم, وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل, فقال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير} أي يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه, وافتروا على الله فيه, ويسكت عن كثير مما غيروه ولا فائدة في بيانه. وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث الحسين بن واقد عن يزيد النحوي, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب قوله {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب} فكان الرجم مما أخفوه, ثم قال: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه. ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم فقال {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} أي طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة, {ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} أي ينجيهم من المهالك, ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور, ويحصل لهم أحب الأمور, وينفي عنهم الضلالة, ويرشدهم إلى أقوم حالة.

    ** لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَآلُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ
    يقول تعالى مخبراً وحاكياً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم, وهو عبد من عباد الله, وخلق من خلقه أنه هو الله, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه {قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً} أي لو أراد ذلك, فمن ذا الذي كان يمنعه منه أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك, ثم قال {ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء} أي جميع الموجودات ملكه وخلقه, وهو القادر على ما يشاء, لا يسأل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته, وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
    ثم قال تعالى راداً على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه, وله بهم عناية, وهو يحبنا, ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل: أنت ابني بكري, فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه, وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام, كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم, يعني ربي وربكم, ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من النبوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده, ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه, قال الله تعالى راداً عليهم {قل فلم يعذبكم بذنوبكم} أي لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه, فلم أعد لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم ؟
    وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه, فلم يرد عليه, فتلا عليه الصوفي هذه الاَية {قل فلم يعذبكم بذنوبكم} وهذا الذي قاله حسن, وله شاهد في المسند للإمام أحمد حيث قال: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد, عن أنس, قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه, وصبي في الطريق, فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ, فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني, وسعت فأخذته فقال القوم: يا رسول الله, ما كانت هذه لتلقي ولدها في النار. قال: فحفظهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال «لا والله ما يلقي حبيبه في النار» تفرد به أحمد, {بل أنتم بشر ممن خلق} أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم, وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} أي هو فعال لما يريد, لا معقب لحكمه, وهو سريع الحساب, {ولله ملك السموات والأرض وما بينهما} أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه, {وإليه المصير} أي المرجع والمآب إليه, فيحكم في عباده بما يشاء, وهو العادل الذي لا يجور.
    وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آصا وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه, وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله, وحذرهم نقمته, فقالوا: ما تخوفنا يا محمد, نحن والله أبناء الله وأحباؤه, كقول النصارى, فأنزل الله فيهم {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} إلى آخر الاَية, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, ورويا أيضاً من طريق أسباط عن السدي في قول الله {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} أما قولهم: {نحن أبناء الله},. فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكري من الولد, فيدخلهم النار, فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم, ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل, فأخرجوهم فذلك قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات. ** وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبّلْ مِنَ الاَخَرِ قَالَ لأقْتُلَنّكَ قَالَ إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ * إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ * فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ
    يقول تعالى مبيناً وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور, وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الاَخر فقتله, بغياً عليه وحسداً له, فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل, ففاز المقتول بوضع الاَثام والدخول إلى الجنة, وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين, فقال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق}, أي اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم, وهما هابيل وقابيل, فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:36

    وقوله تعالى: {فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين} قال السدي بإسناده المتقدم إلى الصحابة رضي الله عنهم: لما مات الغلام تركه بالعراء, ولا يعلم كيف يدفن, فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا, فقتل أحدهما صاحبه, فحفر له ثم حثى عليه, فلما رآه قال {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي} وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: جاء غراب إلى غراب ميت, فحثى عليه من التراب حتى واراه, فقال الذي قتل أخاه {يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}. وقال الضحاك, عن ابن عباس: مكث يحمل أخاه في جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين, فرآهما يبحثان, فقال {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه, وقال ليث بن أبي سليم, عن مجاهد: كان يحمله على عاتقه مائة سنة ميتاً لا يدري ما يصنع به, يحمله ويضعه إلى الأرض حتى رأى الغراب يدفن الغراب, فقال {يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين} رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال عطية العوفي: لما قتله ندم فضمه إليه حتى أروح, وعكفت عليه الطيور والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله, رواه ابن جرير.
    ** مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيّنَاتِ ثُمّ إِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ * إِنّمَا جَزَآءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتّلُوَاْ أَوْ يُصَلّبُوَاْ أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ
    يقول تعالى: من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلماً وعدواناً {كتبنا على بني إسرائيل} أي شرعنا لهم وأعلمناهم {أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} أي من قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض, واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية, فكأنما قتل الناس جميعاً, لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس, ومن أحياها, أي حرم قتلها واعتقد ذلك, فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار, ولهذا قال {فكأنما أحيا الناس جميعاً} وقال الأعمش وغيره, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك, وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين, فقال: يا أباهريرة, أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم ؟ قلت: لا, قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً فانصرف مأذوناً لك مأجوراً غير مأزور, قال: فانصرفت ولم أقاتل, وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: هو كما قال الله تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} وإحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله, فذلك الذي أحيا الناس جميعاً يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه, وهكذا قال مجاهد: ومن أحياها, أي كف عن قتلها.
    ** يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
    يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته, فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه, وأشدّ منعة, وأقوم سبيلاً, كما قال تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}. وقال تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز}. أي بممتنع ولا صعب. وقال تعالى ههنا {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} أي يرجع عن الحق إلى الباطل. قال محمد بن كعب: نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري: نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه, رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: في قوله {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} هم أهل القادسية. وقال ليث بن أبي سليم, عن مجاهد: هم قوم من سبأ وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو, عن سالم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال: ناس من أهل اليمن, ثم من كندة, من السّكُون.
    وحدثنا أبي, حدثنا محمد بن المصفى, حدثنا معاوية يعني ابن حفص, عن أبي زياد الحلفاني, عن محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}. قال «هؤلاء قوم من أهل اليمن, ثم من كندة, ثم من السكون, ثم من تجيب», وهذا حديث غريب جداً.
    ** يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَآءَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ
    هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين, الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون: وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة, المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي, يتخذونها هزواً يستهزئون بها, ولعباً يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد, وفكرهم البارد, كما قال القائل:
    وكم من عائب قولاً صحيحاًوآفته من الفهم السقيم
    وقوله تعالى: {من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار} من ههنا لبيان الجنس كقوله {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} وقرأ بعضهم: والكفار بالخفض عطفاً, وقرأ آخرون بالنصب على أنه معمول, {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} تقديره ولا {الكفار أولياء} أي لا تتخذوا هؤلاء ولا هؤلاء أولياء, والمراد بالكفار ههنا المشركون, وكذلك وقع في قراءة ابن مسعود فيما رواه ابن جرير {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا}.
    وقوله {واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} أي اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء إن كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزواً ولعباً, كما قال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شي إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}.
    وقوله: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً} أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب {اتخذوها} أيضاً {هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} معاني عبادة الله وشرائعه, وهذه صفات أتباع الشيطان الذي «إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص, أي ضراط, حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين, أقبل فإذا ثوب للصلاة أدبر, فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه, فيقول: اذكر كذا اذكر كذا, لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى, فإذا وجد أحدكم ذلك, فليسجد سجدتين قبل السلام» متفق عليه, وقال الزهري: قد ذكر الله التأذين في كتابه فقال {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} رواه ابن أبي حاتم.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:40

    ** قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنّآ إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُوْلَـَئِكَ شَرّ مّكَاناً وَأَضَلّ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ * وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنّا وَقَدْ دّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ * وَتَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
    يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من أهل الكتاب: {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا ؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة, فيكون الاستثناء منقطعاً, كما في قوله تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}, وكقوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} وفي الحديث المتفق عليه «ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله», وقوله {وأن أكثركم فاسقون} معطوف على {أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل} أي وآمنا بأن أكثركم فاسقون, أي خارجون عن الطريق المستقيم.
    ثم قال {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله {من لعنه الله} أي أبعده من رحمته {وغضب عليه} أي غضباً لا يرضى بعده أبداً {وجعل منهم القردة والخنازير} كما تقدم بيانه في سورة البقرة, وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف, وقد قال سفيان الثوري, عن علقمة بن مرثد, عن المغيرة بن عبد الله, عن المعرور بن سويد, عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير: أهي مما مسخ الله ؟ فقال «إن الله لم يهلك قوماً, أو لم يمسخ قوماً فيجعل لهم نسلاً ولا عقباً, وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك» وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر, كلاهما عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به, وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا داود بن أبي الفرات, عن محمد بن زيد, عن أبي الأعين العبدي, عن أبي الأحوص, عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير: أهي من نسل اليهود ؟ فقال «لا إن الله لم يلعن قوماً قط فيمسخهم, فكان لهم نسل ولكن هذا خلق كان, فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم», ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به, وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي, حدثنا أحمد بن صالح, حدثنا الحسن بن محبوب, حدثنا عبد العزيز بن المختار عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير» هذا حديث غريب جداً.
    وقوله تعالى: {وعبد الطاغوت} قرىء: وعَبَدَ الطاغوتَ على أنه فعل ماض, والطاغوت منصوب به, أي وجعل منهم من عَبَدَ الطاغوت, وقرىء: وعَبَدَ الطَاغوتِ بالإضافة على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت, أي خدامه وعبيده, وقرىء: وعُبُدَ الطاغوتِ على أنه جمع الجمع عبد وعبيد, وعبد مثل ثمار وثُمُرْ, حكاها ابن جرير عن الأعمش, وحكى عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها وعابد الطاغوت, وعن أبي وابن مسعود: وعبدوا, وحكى ابن جرير عن أبي جعفر القارىء أنه كان يقرؤها: وعُبِدَ الطاغوتُ على أنه مفعول ما لم يسم فاعله, ثم استبعد معناها, والظاهر أنه لا بعد في ذلك, لأن هذا من باب التعريض بهم, أي وقد عبد الطاغوت فيكم وأنتم الذين فعلتموه, وكل هذه القراءات يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا والذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون ما سواه, كيف يصدر منكم هذا, وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر ؟ ولهذا قال {أولئك شر مكاناً} أي مما تظنون بنا {وأضل عن سواء السبيل} وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الاَخر مشاركة, كقوله عز وجل: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر وأحسن مقيلاً}.
    وقوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وهذه صفة المنافقين منهم أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر, ولهذا قال {وقد دخلوا} أي عندك يا محمد {بالكفر} أي مستصحبين الكفر في قلوبهم, ثم خرجوا وهو كامن فيها لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم, ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ولهذا قال {وهم قد خرجوا به} فخصهم به دون غيرهم, وقوله تعالى: {والله أعلم بما كانوا يكتمون} أي والله عالم بسرائرهم وما تنطوي عليه ضمائرهم, وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك, وتزينوا بما ليس فيهم, فإن الله عالم الغيب و الشهادة أعلم بهم منهم, وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء وقوله {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} أي يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على الناس وأكلهم أموالهم بالباطل, {لبئس ما كانوا يعملون}, أي لبئس العمل كان عملهم, وبئس الاعتداء اعتداؤهم.
    وقوله تعالى: {لو لا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} يعني هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك, والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم, والأحبار هم العلماء فقط {لبئس ما كانوا يصنعون} يعني من تركهم ذلك, قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لهؤلاء حين لم ينهوا ولهؤلاء حين علموا, قال: وذلك الأمر كان, قال: ويعملون ويصنعون واحد, رواه ابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا ابن عطية, حدثنا قيس عن العلاء بن المسيب, عن خالد بن دينار, عن ابن عباس, قال: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الاَية {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} قال: كذا قرأ وكذا قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها, إنا لا ننهىَ, رواه ابن جرير.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:46

    ** وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيراً مّنْهُم مّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتّقَوْاْ لَكَفّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنّاتِ النّعِيمِ * وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ
    يخبر تعالى عن اليهود ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ بأنهم وصفوا الله عز وجل وتعالى عن قولهم علواً كبيراً بأنه بخيل, كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا {يد الله مغلولة}. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الطهراني, حدثنا حفص بن عمر العدني, حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس {مغلولة} أي بخيلة, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة, ولكن يقولون: بخيل يعني أمسك ما عنده تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك, وقرأ {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً} يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير, وهو زيادة الإنفاق في غير محله, وعبر عن البخل بقوله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله, وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنحاص اليهودي, عليه لعنة الله, وقد تقدم أنه الذي قال {إن الله فقير ونحن أغنياء} فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه, وقال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة, عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق, فأنزل الله {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} وقد ردّ الله عز وجل عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه, فقال {غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} وهكذا وقع لهم, فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم, كما قال تعالى: {أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيراً أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} الاَية, وقال تعالى: {ضربت عليهم الذلة} الاَية.
    ** لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـَهٍ إِلاّ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُواْ عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ وَأُمّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الاَيَاتِ ثُمّ انْظُرْ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ
    يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبية والنسطورية, ممن قال منهم: بأن المسيح هو الله, تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علواً كبيراً, هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله, وكان أول كلمة نطق وهو صغير في المهد أن قال: إني عبد الله, ولم يقل أنا الله ولا ابن الله, بل قال {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً} إلى أن قال {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم} وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة ربه وربهم, وحده لا شريك له, ولهذا قال تعالى: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله} أي فيعبد معه غيره {فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة كما قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. وقال تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين}, وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في الناس: إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة, وفي لفظ: مؤمنة, وتقدم في أول سورة النساء عند قوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به, حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة: الدواوين ثلاثة, فذكر منه ديواناً لا يغفره الله, وهو الشرك بالله, قال الله تعالى: {ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}, والحديث في مسند أحمد, ولهذا قال تعالى إخباراً عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} أي وما له عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه** قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوَاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلّواْ كَثِيراً وَضَلّواْ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ
    يقول تعالى منكراً على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان, ومبيناً له أنها لا تستحق شيئاً من الإلهية, فقال تعالى: {قل} أي يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم {أتعبدون من دون الله ما لايملك لكم ضرا ولا نفعاً} أي لا يقدر على دفع ضر عنكم ولا إيصال نفع إليكم, {والله هو السميع العليم} أي السميع لأقوال عباده, العليم بكل شيء, فلم عدلتم عنه إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا ولا يملك ضراً ولا نفعاً لغيره ولا لنفسه ؟ ثم قال {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية, كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلهاً من دون الله, وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم, شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديماً, {وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل} أي وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال
    ** لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـَكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ
    يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام, وعلى لسان عيسى ابن مريم, بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه قال العوفي, عن ابن عباس: لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان, ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم, فقال تعالى {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} أي كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم, ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه, فقال: {لبئس ما كانوا يفعلون}, وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد. حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي, نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا: فجالسوهم في مجالسهم » قال يزيد: وأحسبه قال: «وأسواقهم, وواكلوهم وشاربوهم, فضرب الله قلوب بعضهم ببعض, ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم, {ذلك بما عصوا وكان يعتدون} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً, فجلس فقال «لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً».
    ** يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ
    قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الاَية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: نقطع مذاكيرنا, ونترك شهوات الدنيا, ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك, فقالوا: نعم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لكني أصوم وأفطر, وأصلي, وأنام, وأنكح النساء, فمن أخذ بسنتي فهو مني, ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني» رواه ابن أبي حاتم, وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك, وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على الفراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال «ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا, لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:53

    ** يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مّنَ الصّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مّتَعَمّداً فَجَزَآءٌ مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
    قال الوالبي عن ابن عباس قوله {ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم} قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره, يبتلي الله به عباده في إحرامهم, حتى لو شاءوا لتناولوه بأيديهم, فنهاهم الله أن يقربوه. وقال مجاهد {تناله أيديكم} يعني صغار الصيد وفراخه, {ورماحكم} يعني كباره. وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الاَية في عمرة الحديبية, فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم, لم يروا مثله قط فيما خلا, فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون {ليعلم الله من يخافه بالغيب} يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد, يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً, لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره, كما قال تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} وقوله ههنا {فمن اعتدى بعد ذلك} قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم, {فله عذاب أليم} أي لمخالفته أمر الله وشرعه.
    ** أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لّكُمْ وَلِلسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لّلنّاسِ وَالشّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ * مّا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
    قال ابن أبي طلحة, عن ابن عباس في رواية عنه, وسعيد بن المسيب, وسعيد بن جبير وغيرهم, في قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} يعني ما يصطاد منه طرياً {وطعامه} ما يتزود منه مليحاً يابساً, وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه: صيده ما أخذ منه حياً {وطعامه} ما لفظه ميتاً, وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم, وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري, قال سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن أبي بكر الصديق أنه قال {طعامه} كل ما فيه, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن مغيرة, عن سماك قال: حدثت عن ابن عباس قال: خطب أبو بكر الناس, فقال {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم} وطعامه ما قذف. قال: وحدثنا ابن علية عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز, عن ابن عباس في قوله {أحل لكم صيد البحر وطعامه} قال {طعامه} ما قذف.
    ** قُل لاّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ ثُمّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ
    يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {قل} يا محمد {لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك} أي يا أيها الإنسان {كثرة الخبيث} يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار, كما جاء في الحديث «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى» وقال أبوالقاسم البغوي في معجمه: حدثنا أحمد بن زهير, حدثنا الحوطي, حدثنا محمد بن شعيب, حدثنا معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم, عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله, ادع الله أن يرزقني مالاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قليل تؤدي شكره, خير من كثير لا تطيقه» {فاتقوا الله يا أولي الألباب} أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة, وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به, لعلكم تفلحون, أي في الدنيا والاَخرة.
    ** مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـَكِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
    قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان, عن ابن شهاب, عن سعيد بن المسيب, قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت, فلا يحلبها أحد من الناس, والسائبة كانوا يسيبونها لاَلهتهم لا يحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار, كان أول من سيب السوائب» والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج إبل, بل تثني بعد بأنثى, وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينها ذكر, والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود, فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل, فلم يحمل عليه شيء, وسموه الحامي, وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد به, ثم قال البخاري: قال لي أبو اليمان, أخبرنا شعيب عن الزهري, قال: سمعت سعيداً يخبر بهذا. قال: وقال أبو هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب, عن سعيد, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت, عن الزهري, كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف, وسكت ولم ينبه عليه, وفيما قاله الحاكم نظر, فإن الإمام أحمد وأبو جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد, عن ابن الهاد, عن الزهري نفسه, والله أعلم.

    ** يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ
    هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم, كما قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}, وقال تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}, وقول الرسل {لا علم لنا}, قال مجاهد والحسن البصري والسدي: إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم. قال عبد الرزاق, عن الثوري, عن الأعمش, عن مجاهد {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيفزعون فيقولون {لا علم لنا}, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا حكام, حدثنا عنبسة قال: سمعت شيخاً يقول: سمعت الحسن يقول في قوله {يوم يجمع الله الرسل} الاَية, قال: من هول ذلك اليوم.
    ** إِذْ قَالَ اللّهُ يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىَ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيّدتّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَىَ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـَذَا إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنّا وَاشْهَدْ بِأَنّنَا مُسْلِمُونَ
    يذكر تعالى ما امتنّ به على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام مما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات, فقال {اذكر نعمتي عليك} أي في خلقي إياك من أم بلا ذكر, وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء, {وعلى والدتك} حيث جعلتك لها برهاناً على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة, {إذ أيدتك بروح القدس} وهو جبريل عليه السلام, وجعلتك نبياً داعياً إلى الله في صغرك وكبرك, فأنطقتك في المهد صغيراً, فشهدت ببراءة أمك من كل عيب, واعترفت لي بالعبودية, وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوت إلى عبادتي, ولهذا قال {تكلم الناس في المهد وكهلاً} أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك وضمّن تكلم تدعو, لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب.
    ** قَالَ اللّهُ هَـَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * للّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنّ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام, فيما أنهاه إليه من التبري من النصاري الملحدين الكاذبين على الله وعلى رسوله, ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عز وجل, فعند ذلك يقول تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} قال الضحاك: عن ابن عباس يقول: يوم ينفع الموحدين توحيدهم, {لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً} أي ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون, رضي الله عنهم ورضوا عنه كما قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر} وسيأتي ما يتعلق بتلك الاَية من الحديث, وروى ابن أبي حاتم ها هنا حديثاً عن أنس فقال: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا المحاربي عن ليث عن عثمان, يعني ابن عمير, أخبرنا اليقظان عن أنس مرفوعاً, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه «ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله, فيقول: سلوني سلوني أعطكم ـ قال ـ فيسألونه الرضا فيقول رضاي أحلكم داري, وأنالكم كرامتي فسلوني أعطكم, فيسألونه الرضا ـ قال ـ فيشهدهم أنه قد رضي عنهم سبحانه وتعالى.
    وقوله {ذلك الفوز العظيم} أي هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه, كما قال تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون} وكما قال {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وقوله {لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} أي هو الخالق للأشياء, المالك لها, المتصرف فيها, القادر عليها, فالجميع ملكه وتحت فهره وقدرته, وفي مشيئته, فلا نظير له, ولا وزير, ولا عديل, ولا والد, ولا ولد, ولاصاحبة, ولا إله غيره, ولا رب سواه, قال ابن وهب: سمعت حيي بن عبد الله يحدث عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمرو, قال آخر سورة أنزلت سورة المائدة



    تمت المائدة
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 20:57

    سورة الأنعام
    قال العوفي وعكرمة وعطاء عن ابن عباس, أنزلت سورة الأنعام بمكة. وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس, قال: نزلت سورة الأنعام بمكة ليلاً جملة واحدة, حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح. وقال سفيان الثوري, عن ليث, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, قالت: نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة, وأنا آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة. وقال شريك. عن ليث, عن شهر, عن أسماء قالت: نزلت سورة الأنعام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسير في زجل من الملائكة, وقد طبقوا ما بين السماء والأرض. وقال السدي, عن مرة عن عبد الله, قال: نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفاً من الملائكة, وروي نحوه من وجه آخر, عن ابن مسعود. وقال الحاكم في مستدركه. حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ, وأبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل, قالا: حدثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي, أخبرنا جعفر بن عون, حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن السدي, حدثنا محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: لما نزلت سورة الأنعام, سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق» ثم قال صحيح على شرط مسلم. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن معمر, حدثنا إبراهيم ابن درستويه الفارسي, حدثنا أبو بكر بن أحمد بن محمد بن سالم, حدثنا ابن أبي فديك, حدثني عمر بن طلحة الرقاشي, عن نافع بن مالك بن أبي سهيل, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة, سد ما بين الخافقين, لهم زجل بالتسبيح, والأرض بهم ترتج» ورسول الله يقول «سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم» ثم روى ابن مردويه, عن الطبراني, عن ابراهيم بن نائلة, عن إسماعيل بن عمر, عن يوسف بن عطية, عن ابن عون, عن نافع عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفاً من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد».

    بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ


    ** الْحَمْدُ للّهِ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظّلُمَاتِ وَالنّورَ ثْمّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللّهُ فِي السّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
    يقول الله تعالى مادحاً نفسه الكريمة وحامداً لها على خلقه السموات والأرض قراراً لعباده. وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم, فجمع لفظ الظلمات, ووحد لفظ النور, لكونه أشرف, كقوله تعالى: {عن اليمين والشمائل} وكما قال في آخر هذه السورة {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} ثم قال تعالى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده, وجعلوا له شريكاً وعدلاً, واتخذوا له صاحبة وولداً, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً. وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من طين} يعني أباهم آدم, الذي هو أصلهم, ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب! وقوله {ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده} قال سعيد بن جبير, عن ابن عباس {ثم قضى أجلاً} يعني الموت {وأجل مسمى عنده} يعني الاَخرة, وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير, والحسن وقتادة والضحاك, وزيد بن أسلم وعطية والسدي, ومقاتل بن حيان وغيرهم, وقول الحسن في رواية عنه {ثم قضى أجلاً} وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت {وأجل مسمى عنده} وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث, هو يرجع إلى ما تقدم, وهو تقدير الأجل الخاص, وهو عمر كل إنسان وتقدير الأجل العام, وهو عمر الدنيا بكمالها, ثم انتهائها وانقضائها وزوالها,! وانتقالها والمصير إلى الدار الاَخرة, وعن ابن عباس ومجاهد, {ثم قضى أجلاً} يعني مدة الدنيا, {وأجل مسمى عنده} يعني عمر الإنسان إلى حين موته, وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} الاَية, وقال عطية: عن ابن عباس {ثم قضى أجلاً} يعني النوم, يقبض فيه الروح, ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة, {وأجل مسمى عنده} يعني أجل موت الإنسان, وهذا قول غريب, ومعنى قوله {عنده} أي لا يعلمه إلا هو, كقوله {إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} وكقوله {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} وقوله تعالى: {ثم أنتم تمترون} قال السدي وغيره: يعني تشكون في أمر الساعة, وقوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} اختلف مفسرو هذه الاَية على أقوال, بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين, تعالى عن قولهم علواً كبيراً, بأنه في كل مكان, حيث حملوا الاَية على ذلك, فالأصح من الأقوال: أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض, أي يعبده ويوحده ويقرّ له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض, ويسمونه الله ويدعونه رغباً ورهباً, إلا من كفر من الجن والإنس, وهذه الاَية على هذا القول, كقوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} أي هو إله من في السماء, وإله من في الأرض, وعلى هذا فيكون قوله {يعلم سركم وجهركم} خبراً أو حالاً (والقول الثاني) أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض, من سر وجهر, فيكون قوله يعلم, متعلقاً بقوله {في السموات وفي الأرض} تقديره, وهو الله يعلم سركم وجهركم, في السموات وفي الأرض, ويعلم ما تكسبون, (والقول الثالث) أن قوله {وهو الله في السموات} وقف تام, ثم استأنف الخبر, فقال {وفي الأرض يعلم سركم وجهركم} وهذا اختيار ابن جرير, وقوله {ويعلم ما تكسبون} أي جميع أعمالكم خيرها وشرها.
    ** وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ آيَةٍ مّنْ آيَاتِ رَبّهِمْ إِلاّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذّبُواْ بِالْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السّمَآءَ عَلَيْهِم مّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ
    يقول تعالى مخبراً عن المشركين المكذبين المعاندين, أنهم مهما أتتهم من آية أي دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات, على وحدانية الله وصدق رسله الكرام, فإنهم يعرضون عنها, فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها, قال الله تعالى: {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون} وهذا تهديد لهم,ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق, بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب, وليجدن غبه وليذوقن وباله, ثم قال تعالى واعظاً لهم ومحذراً لهم, أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم, من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم قوة, وأكثر جمعاً وأكثر أموالاً وأولاداً واستغلالاً للأرض, وعمارة لها, فقال {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} أي من الأموال والأولاد والأعمار, والجاه العريض والسعة والجنود, ولهذا قال {وأرسلنا السماء عليهم مدراراً} أي شيئاً بعد شيء {وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم} أي أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض, أي استدراجاً وإملاء لهم {فأهلكناهم بذنوبهم} أي بخطاياهم, وسيئاتهم التي اجترحوها {وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} أي فذهب الأولون كأمس الذاهب, وجعلناهم أحاديث, {وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} أي جيلاً آخر لنختبرهم, فعملوا مثل أعمالهم, فأهلكوا كإهلاكهم, فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم, فما أنتم بأعز على الله منهم, والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم, فأنتم أولى بالعذاب, ومعاجلة العقوبة منهم, لولا لطفه وإحسانه.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:02

    ** وَلَوْ نَزّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ * وَقَالُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لّقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مّا يَلْبِسُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ ثُمّ انْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ
    يقول تعالى مخبراً عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق, ومباهتتهم ومنازعتهم فيه, {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم} أي عاينوه ورأوا نزوله, وباشروا ذلك, {لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} وهذا كما قال تعالى مخبراً عن مكابرتهم للمحسوسات {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} وكقوله تعالى: {وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم} {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} أي ليكون معه نذيراً, قال الله تعالى: {ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون} أي لو نزلت الملائكة على ما هم عليه, لجاءهم من الله العذاب, كما قال الله تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين} وقوله {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين} الاَية. وقوله تعالى: {ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون} أي ولو أنزلنا مع الرسول البشري ملكاً, أي لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكياً, لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه, ولو كان كذلك لا لتبس عليهم الأمر, كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري, كقوله تعالى: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً} فمن رحمته تعالى بخلقه, أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم, ليدعو بعضهم بعضاً, وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض, في المخاطبة والسؤال, كما قال تعالى: {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم} الاَية, قال الضحاك عن ابن عباس في الاَية يقول: لو أتاهم ملك, ما أتاهم إلا في صورة رجل, لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور, {وللبسنا عليهم ما يلبسون} أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون, وقال الوالبي عنه: ولشبهنا عليهم. وقوله {ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه, ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة, في الدنيا والاَخرة, ثم قال تعالى: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} أي فكروا في أنفسكم, وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية, الذين كذبوا رسله, وعاندوهم, من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا, مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم, في الاَخرة, وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.
    ** وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدُيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَـَذَا الْقُرْآنُ لاُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَىَ قُل لاّ أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ * الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ
    يقول تعالى مخبراً: أنه مالك الضر والنفع, وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء, لا معقب لحكمه, ولا راد لقضائه, {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} كقوله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} الاَية, وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ولهذا قال تعالى {وهو القاهر فوق عباده} أي وهو الذي خضعت له الرقاب, وذلت له الجبابرة, وعنت له الوجوه, وقهر كل شيء, ودانت له الخلائق, وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه, وعظمته وعلوه, وقدرته على الأشياء, واستكانت وتضاءلت بين يديه, وتحت قهره وحكمه, {وهو الحكيم} أي في جميع أفعاله {الخبير} بمواضع الأشياء ومحالها, فلا يعطي إلا من يستحق, ولا يمنح إلا من يستحق, ثم قال {قل أي شيء أكبر شهادة} أي من أعظم الأشياء شهادة {قل الله شهيد بيني وبينكم} أي هو العالم بما جئتكم به, وما أنتم قائلون لي, {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} أي وهو نذير لكل من بلغه, كقوله تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع وأبو أسامة, وأبو خالد, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب, في قوله: {ومن بلغ} من بلغه القرآن, فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم, زاد أبو خالد وكلمه, ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر: عن محمد بن كعب, قال: من بلغه القرآن, فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم, وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة, في قوله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ} إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله, فقد بلغه أمر الله} وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن ينذر بالذي أنذر, وقوله {أئنكم لتشهدون} أيها المشركون {أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد} كقوله {فإن شهدوا فلا تشهد معهم} {قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون} ثم قال تعالى مخبراً عن أهل الكتاب: أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به, كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء, عن المرسلين المتقدمين والأنبياء, فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته, وبلده ومهاجره وصفة أمته, ولهذا قال بعده {الذين خسروا أنفسهم} أي خسروا كل الخسارة {فهم لا يؤمنون} بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه ثم قال {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته} أي لا أظلم ممن تقوّل على الله, فادعى أن الله أرسله, ولم يكن أرسله, ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله, وحججه وبراهينه ودلالاته, {إنه لا يفلح الظالمون} أي لا يفلح هذا ولا هذا, لا المفتري ولا المكذب.
    ** وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَمِنْهُمْ مّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيَ آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتّىَ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
    يقول تعالى مخبراً عن المشركين {ويوم نحشرهم جميعاً} يوم القيامة, فيسألهم عن الأصنام والأنداد, التي كانوا يعبدونها من دونه, قائلاً لهم {أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} كقوله تعالى في سورة القصص {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} وقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم} أي حجتهم وقال عطاء الخراساني عنه: أي معذرتهم, وكذا قال قتادة. وقال ابن جريج, عن ابن عباس: أي قيلهم وكذا قال الضحاك وقال عطاء الخراساني, {ثم لم تكن فتنتهم} بليتهم حين ابتلوا {إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} وقال جرير: والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم, اعتذاراً عما سلف منهم من الشرك بالله, {إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركيم} وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو يحيى الرازي, عن عمرو ابن أبي قيس, عن مطرف, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: يا ابن عباس, سمعت الله يقول {والله ربنا ما كنا مشركين} قال أما قوله {والله ربنا ما كنا مشركين} فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة, إلا أهل الصلاة, فقالوا: تعالوا فلنجحد فيجحدون, فيختم الله على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم, ولا يكتمون الله حديثاً, فهل في قلبك الاَن شيء ؟ إنه ليس من القرآن إلا ونزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه. وقال الضحاك عن ابن عباس: هذه في المنافقين, وفيه نظر, فإن هذه الاَية مكية, والمنافقون إنما كانوا بالمدينة, والتي نزلت في المنافقين آية المجادلة {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له}, الاَية, وهكذا قال في حق هؤلاء {انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} كقوله {ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا} الاَية. وقوله {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} أي يجيئون ليستمعوا قراءتك, ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله {جعل على قلوبهم أكنة} أي أغطية, لئلا يفقهوا القرآن {وفي آذانهم وقراً} أي صمماً عن السماع النافع لهم, كما قال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} الاَية, وقوله {وإن يروا كل آية لا يؤمنوابها} أي مهما رأوا من الاَيات والدلالات والحجج البينات والبراهين, لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف, كقوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} الاَية. وقوله تعالى: {حتى إذا جاءوك يجادلونك} أي يحاجونك ويناظرونك, في الحق بالباطل, {يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين} أي ما هذا الذي جئت به, إلا مأخوذاً من كتب الأوائل, ومنقول عنهم, وقوله {وهم ينهون عنه وينأون عنه} في معنى ينهون عنه قولان, (أحدهما): أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن, {وينأون عنه} أي ويبعدون هم عنه, فيجمعون بين الفعلين القبيحين, لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وهم ينهون عنه} يردون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم, أن يؤمنوا به. وقال محمد بن الحنفية: كان كفار قريش لا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنه, وكذا قال قتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد, وهذا القول أظهر, والله أعلم, وهو اختيار ابن جرير (والقول الثاني) رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت, عمن سمع ابن عباس يقول في قوله {وهم ينهون عنه} قال: نزلت في أبي طالب, كان ينهى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى, وكذا قال القاسم بن مخيمرة, وحبيب بن أبي ثابت, وعطاء بن دينار, وغيره, أنها نزلت في أبي طالب وقال سعيد بن أبي هلال: نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة, فكانوا أشد الناس معه في العلانية, وأشد الناس عليه في السر, رواه ابن أبي حاتم, وقال محمد بن كعب القرظي {وهم ينهون عنه} أي ينهون الناس عن قتله, وقوله {وينأون عنه} أي يتباعدون منه {وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون} أي وما يهلكون بهذا الصنيع, ولا يعود وباله إلا عليهم, وهم لا يشعرون.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:05

    ** وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النّارِ فَقَالُواْ يَلَيْتَنَا نُرَدّ وَلاَ نُكَذّبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوَاْ إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىَ رَبّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـَذَا بِالْحَقّ قَالُواْ بَلَىَ وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
    يذكر تعالى حال الكفار, إذا وقفوا يوم القيامة على النار, وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال, ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال, فعند ذلك, قالوا {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا, ليعملوا عملاً صالحاً, ولا يكذبوا بآيات ربهم, ويكونوا من المؤمنين, قال الله تعالى: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} أي بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة, وإن أنكروها في الدنيا أو في الاَخرة, كما قال قبله بيسير {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم} ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم, من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا, وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه, كقوله مخبراً عن موسى, أنه قال لفرعون {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} الاَية, وقوله تعالى مخبراً عن فرعون وقومه {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين, الذين كانوا يظهرون الإيمان للناس ويبطنون الكفر, ويكون هذا إخباراً عما يكون يوم القيامة, من كلام طائفة من الكفار, ولا ينافي هذا كون هذه السورة مكية, والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب, فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية, وهي العنكبوت, فقال {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} وعلى هذا فيكون إخباراً عن قول المنافقين في الدار الاَخرة, حين يعاينون العذاب, فظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والنفاق والشقاق, والله أعلم, وأما معنى الإضراب, في قوله {بل)بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} فإنهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان, بل خوفاً من العذاب الذي عاينوه, جزاء على ما كانوا عليه من الكفر, فسألوا الرجعة إلى الدنيا, ليتخلصوا مما شاهدوا من النار, ولهذا قال {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} أي في طلبهم الرجعة, رغبة ومحبة في الإيمان, ثم قال مخبراً عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه, من الكفر والمخالفة {وإنهم لكاذبون} أي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا, ونكون من المؤمنين, وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا, وما نحن بمبعوثين, أي لعادوا لما نهوا عنه, ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا أي ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ثم لا معاد بعدها, ولهذا قال وما نحن بمبعوثين ثم قال {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} أي أوقفوا بين يديه قال {أليس هذا بالحق ؟} أي أليس هذا المعاد بحق, وليس بباطل كما كنتم تظنون, {قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أي بما كنتم تكذبون به, فذوقوا اليوم مسه {أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون}.


    ** قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِلِقَآءِ اللّهِ حَتّىَ إِذَا جَآءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَحَسْرَتَنَا عَلَىَ مَا فَرّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىَ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَتّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
    يقول تعالى مخبراً عن خسارة من كذب بلقائه, وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة, وعن ندامته على ما فرط من العمل, وما أسلف من قبيح الفعل, ولهذا قال {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة, وعلى الأعمال وعلى الدار الاَخرة, أي في أمرها, وقوله {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} أي يحملون, وقال قتادة يعملون, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر, عن عمرو بن قيس, عن أبي مرزوق, قال: يستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره, كأقبح صورة رأيتها, وأنتنه ريحاً, فيقول من أنت ؟ فيقول أوَ مَا تعرفني, فيقول: لا والله, إلا أن الله قبح وجهك, وأنتن ريحك, فيقول: أنا عملك الخبيث, هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه, فطالما ركبتني في الدنيا هلم أركبك, فهو قوله {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} الاَية, وقال أسباط عن السدي أنه قال: ليس من رجل ظالم يدخل قبره, إلا جاءه رجل قبيح الوجه, أسود اللون, منتن الريح, وعليه ثياب دنسة, حتى يدخل معه قبره, فإذا رآه قال: ما أقبح وجهك ؟ قال: كذلك كان عملك قبيحاً, قال: ما أنتن ريحك ؟ قال: كذلك كان عملك منتناً, قال: ما أدنس ثيابك ؟ قال: فيقول: إن عملك كان دنساً, قال له: من أنت ؟ قال: عملك, قال: فيكون معه في قبره, فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات, وأنت اليوم تحملني, قال: فيركب على ظهره, فيسوقه حتى يدخله النار, فذلك قوله {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}. وقوله {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} أي إنما غالبها كذلك {وللدار الاَخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}.


    ** قَدْ نَعْلَمُ إِنّهُ لَيَحْزُنُكَ الّذِي يَقُولُونَ فَإِنّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىَ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّىَ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نّبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنّمَا يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
    يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم, في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} أي قد أحطنا علماً بتكذيبهم لك, وحزنك وتأسفك عليهم, كقوله {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} كما قال تعالى في الاَية الأخرى {لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين} {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} وقوله {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} أي لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} أي ولكنهم يعاندون الحق, ويدفعونه بصدورهم, كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق, عن ناجية بن كعب, عن علي, قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك, ولكن نكذب ما جئت به, فأنزل الله {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} ورواه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة, حدثنا بشر بن المبشر الواسطي, عن سلام بن مسكين, عن أبي يزيد المدني, أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه, فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابى ؟ فقال: والله إني لأعلم إنه لنبي, ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعاً ؟ وتلا أبو يزيد {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون, وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل, حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل, هو وأبو سفيان صخر بن حرب, والأخنس بن شريق, ولا يشعر أحد منهم بالاَخر, فاستمعوها إلى الصباح, فلما هجم الصبح تفرقوا, فجمعتهم الطريق, فقال كل منهم للاَخر: ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء به, ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم, لئلا يفتتنوا بمجيئهم, فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم, ظناً أن صاحبيه لا يجيئان, لما سبق من العهود, فلما أصبحوا جمعتهم الطريق, فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا, فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضاً, فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا, فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه, ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته, فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد, قال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها, وأعرف ما يراد بها, وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها, قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به, ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل, فدخل عليه بيته, فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال: ماذا سمعت ؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف, أطعموا فأطعمنا, وحملوا فحملنا, وأعطوا فأعطينا, حتى إذا تجاثينا على الركب, وكنا كفرسي رهان, قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه, قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
    وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} لما كان يوم بدر, قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن محمداً ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته, فإنه إن كان نبياً لم تقاتلوه اليوم, وإن كان كاذباً كنتم أحق من كف عن ابن أخته, قفوا حتى ألقى أبا الحكم, فإن غلب محمد رجعتم سالمين, وإن غلب محمد, فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئاً ـ فيومئذ سمي الأخنس وكان اسمه أبيّ ـ فالتقى الأخنس وأبو جهل, فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب, فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا ؟ فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمداً لصادق, وما كذب محمد قط, ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة, فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم.
    وقوله {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا} هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له, فيمن كذبه من قومه, وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل, ووعد له بالنصر كما نصروا, وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة, بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ, ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الاَخرة, ولهذا قال {ولا مبدل لكلمات الله} أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والاَخرة لعباده المؤمنين, كما قال {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون} وقال تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} وقوله {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} أي من خبرهم, كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم, فلك فيهم أسوة وبهم قدوة. ثم قال تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء} قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: النفق السرب, فتذهب فيه فتأتيهم بآية, أو تجعل لك سلماً في السماء, فتصعد فيه فتأتيهم بآية, أفضل مما آتيتهم به فافعل, وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما. وقوله {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} كقوله تعالى: {ولو شاء ربك لاَمن من في الأرض كلهم جميعاً} .

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:09

    ** وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يُنَزّلٍ آيَةً وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مّا فَرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ * وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمّ وَبُكْمٌ فِي الظّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ
    يقول تعالى مخبراً عن المشركين, أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه, أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون, ومما يتعنتون كقولهم {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} الاَيات {قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي هو تعالى قادر على ذلك, ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك, لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا, لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة, كما قال تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالاَيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالاَيات إلا تخويفاً} وقال تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}. وقوله {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة, والإنس أمة, والجن أمة, وقال السدي {إلا أمم أمثالكم} أي خلق أمثالكم.
    وقوله {ما فرطنا في الكتاب من شيء} أي الجميع علمهم عند الله, ولا ينسى واحداً من جميعها من رزقه وتدبيره, سواء كان برياً أو بحرياً, كقوله {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها, وحاصر لحركاتها وسكناتها, وقال تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} وقد قال الحافظ أبو يعلى, حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد, حدثني محمد بن عيسى بن كيسان, حدثنا محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله, قال: قل الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها, فسأل عنه فلم يخبر بشيء, فاغتم لذلك, فأرسل راكباً إلى كذا, وآخر إلى الشام, وآخر إلى العراق, يسأل هل رؤي من الجراد شيء أم لا ؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد, فألقاها بين يديه, فلما رآها كبر ثلاثاً, ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خلق الله عز وجل ألف أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه». وقوله {ثم إلى ربهم يحشرون} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبيه, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله {ثم إلى ربهم يحشرون} قال: حشرها الموت, وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل, عن سعيد عن مسروق, عن عكرمة عن ابن عباس, قال: موت البهائم حشرها, وكذا رواه العوفي عنه, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك مثله: (والقول الثاني) إن حشرها هو يوم بعثها يوم القيامة, لقوله {وإذا الوحوش حشرت} وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن سليمان, عن منذر الثوري, عن أشياخ لهم, عن أبي ذر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان, فقال «يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان ؟» قال: لا, قال «لكن الله يدري وسيقضي بينهما» ورواه عبد الرزاق, عن معمر, عن الأعمش, عمن ذكره, عن أبي ذر, قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ انتطحت عنزان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون فيم انتطحتا ؟» قالوا: لا ندري, قال «لكن الله يدري وسيقضي بينهما» رواه ابن جرير, ثم رواه من طريق منذر الثوري, عن أبي ذر, فذكره, وزاد: قال أبو ذر: ولقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء, إلا ذكر لنا منه علماً, وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد, وأبو يحيى البزار, قالا: حدثنا حجاج بن نصير, حدثنا شعبة, عن العوام بن مراجم من بني قيس بن ثعلبة, عن أبي عثمان النهدي, عن عثمان رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة» وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, عن جعفر بن برقان, عن يزيد بن الأصم, عن أبي هريرة, في قوله {إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة, البهائم والدواب والطير وكل شيء, فيبلغ من عدل الله يومئذ, أن يأخذ للجماء من القرناء, ثم يقول كوني تراباً, فلذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت تراباً} وقد روي هذا مرفوعاً في حديث الصور.
    وقوله {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات} أي مثلهم في جهلهم, وقلة علمهم, وعدم فهمهم. كمثل أصم, وهو الذي لا يسمع, أبكم وهو الذي لا يتكلم, وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر, فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق, أو يخرج مما هو فيه, كقوله {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون} وكما قال تعالى: {أو كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} ولهذا قال {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} أي هو المتصرف في خلقه بما يشاء.


    ** قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضّرّآءِ لَعَلّهُمْ يَتَضَرّعُونَ * فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرّعُواْ وَلَـَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ * فَلَمّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ حَتّىَ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوَاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ
    يخبر تعالى أنه الفعّال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة} أي أتاكم هذا أو هذا {أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} أي لا تدعون غيره لعلمكم أَنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال {إن كنتم صادقين} أي في اتخاذكم آلهة معه {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون} أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} الاَية, وقوله {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء} يعني الفقر والضيق في العيش, {والضراء} وهي الأمراض والأسقام والاَلام, {لعلهم يتضرعون} أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن {قست قلوبهم} أي ما رقت ولا خشعت {وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, {فلما نسوا ما ذكروا به} أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال {حتى إذا فرحوا بما أوتوا} أي من الأموال والأولاد والأرزاق, {أخذناهم بغتة} أي على غفلة, {فإذا هم مبلسون} أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الاَيس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً.
    ** قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىَ قُلُوبِكُمْ مّنْ إِلَـَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ ثُمّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
    يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين {أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم} أي سلبكم إياها كما أعطاكموها. كما قال تعالى: {هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار} الاَية, ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما, الانتفاع الشرعي, ولهذا قال {وختم على قلوبكم} كما قال {أمّن يملك السمع والأبصار} وقال {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} وقوله {من إله غير الله يأتيكم به} أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم, إذا سلبه الله منكم لا يقدر على ذلك أحد سواه, ولهذا قال {انظر كيف نصرف الاَيات} أي نبينها ونوضحها ونفسرها, دالة على أنه لا إله إلا الله, وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال, {ثم هم يصدفون} أي ثم هم مع هذا البيان, يصدفون أي يعرضون عن الحق, ويصدون الناس عن اتباعه, قال العوفي عن ابن عباس: يصدفون أي يعدلون, وقال مجاهد وقتادة: يعرضون, وقال السدي: يصدون. وقوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة} أي وأنتم لا تشعرون به, حتى بغتكم وفجأكم, {أو جهرة} أي ظاهراً عياناً, {هل يهلك إلا القوم الظالمون} أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله, وينجوا الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له, فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, كقوله {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} الاَية, وقوله {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} أي مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات, ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات, ولهذا قال {فمن آمن وأصلح} أي فمن آمن قلبه بما جاؤوا به, وأصلح عمله باتباعه إياهم, {فلا خوف عليهم} أي بالنسبة لما يستقبلونه {ولا هم يحزنون } أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها, الله وليهم فيما خلفوه, وحافظهم فيما تركوه, ثم قال {والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} أي ينالهم العذاب, بما كفروا بما جاءت به الرسل, وخرجوا عن أوامر الله وطاعته, وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:13

    ** قُل لاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ * وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ لّعَلّهُمْ يَتّقُونَ * وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّيَقُولوَاْ أَهَـَؤُلآءِ مَنّ اللّهُ عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ * وَإِذَا جَآءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوَءًا بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ
    يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله} أي لست أملكها ولا أتصرف فيها {ولا أعلم الغيب} أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب, إنما ذاك من علم الله عز وجل, ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه, {ولا أقول لكم إني ملك} أي ولا أدعي أني ملك, إنما أنا بشر من البشر, يوحى إليّ من الله عز وجل, شرفني بذلك وأنعم عليّ به, ولهذا قال {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه, {قل هل يستوي الأعمى والبصير} أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه, ومن ضل عنه فلم ينقد له, {أفلا تتفكرون} وهذه كقوله تعالى: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب} وقوله {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد {الذين هم من خشية ربهم مشفقون} {الذي يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} {الذي يخافون أن يحشروا إلى ربهم} أي يوم القيامة {ليس لهم} أي يومئذ {من دونه ولي ولا شفيع} أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم, من عذابه إن أراده بهم, {لعلهم يتقون} أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه, إلا الله عز وجل, {لعلهم يتقون} فيعملون في هذه الدار, عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه, ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه. وقوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك, بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا, ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} وقوله {يدعون ربهم} أي يعبدونه ويسألونه {بالغداة والعشي} قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة: المراد به الصلاة المكتوبة, وهذا كقوله {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} أي أتقبل منكم. وقوله {يريدون وجهه} أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم, وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات, وقوله {ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} كقول نوح عليه السلام: في جواب الذين قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون, قال:وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون, أي إنما حسابهم على الله عز وجل, وليس عليّ من حسابهم من شيء, كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء, وقوله {فتطردهم فتكون من الظالمين} أي إن فعلت هذا والحالة هذه, قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط هو ابن محمد, حدثني أشعث عن كردوس, عن ابن مسعود: قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار, فقالوا: يا محمد, أرضيت بهؤلاء فنزل فيهم القرآن {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ـ إلى قوله ـ أليس الله بأعلم بالشاكرين} ورواه ابن جرير من طريق أشعث, عن كردوس, عن ابن مسعود, قال: مرّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم, وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم, من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أهؤلاء الذين مَنّ الله عليهم من بيننا ؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك, فنزلت هذه الاَية {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} إلى آخر الاَية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان, حدثنا عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أسباط بن نصر, عن السدي عن أبي سعيد الأزدي ـ وكان قارى الأزد ـ عن أبي الكنود, عن خباب, في قول الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال جاء الأقرع بن حابس التميمي, وعيينة بن حصن الفزاري, فوجدوارسول الله صلى الله عليه وسلم, مع صهيب وبلال وعمار وخباب, قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين, فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في نفر في أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا, فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا, فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت, قال: «نعم», قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً, قال: فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية, فنزل جبريل فقال {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} الاَية, فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة من يده, ثم دعانا فأتيناه, ورواه ابن جرير من حديث أسباط به, وهذا حديث غريب, فإن هذه الاَية مكية, والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر, وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه, قال: قال سعد: نزلت هذه الاَية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, منهم ابن مسعود, قال: كنا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندنو منه, فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا, فنزلت {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان, وقال: على شرط الشيخين, وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.
    ** وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ قُل لّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِيَ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّىَ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمّا يُنسِيَنّكَ الشّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذّكْرَىَ مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَلَـَكِن ذِكْرَىَ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ
    يقول تعالى: {وكذب به} أي بالقرآن الذي جئتهم به, والهدى والبيان, {قومك} يعني قريشاً {وهو الحق} أي الذي ليس وراءه حق {قل لست عليكم بوكيل} أي لست عليكم بحفيظ, ولست بموكل بكم, كقوله {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أي إنما عليّ البلاغ, وعليكم السمع والطاعة, فمن اتبعني سعد في الدنيا والاَخرة, ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والاَخرة, ولهذا قال {لكل نبإ مستقر} قال ابن عباس وغير واحد: أي لكل نبأ حقيقة, أي لكل خبر وقوع, ولو بعد حين, كما قال {ولتعلمن نبأه بعد حين} وقال {لكل أجل كتاب} وهذا تهديد ووعيد أكيد, ولهذا قال بعده {وسوف تعلمون}. وقوله {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} أي بالتكذيب والاستهزاء, {فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب, {وإما ينسينك الشيطان} والمراد بذلك كل فرد, من آحاد الأمة, أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها, فإن جلس أحد معهم ناسياً, {فلا تقعد بعد الذكرى} بعد التذكر {مع القوم الظالمين} ولهذا ورد في الحديث «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله {وإما ينسينك الشيطان} قال: إن نسيت فذكرت {فلا تقعد} معهم, وكذا قال مقاتل بن حيان, وهذه الاَية هي المشار إليها في قوله {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} الاَية أي إنكم إذا جلستم معهم, وأقررتموهم على ذلك, فقد ساويتموهم فيما هم فيه, وقوله {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} أي إذا تجنبوهم, فلم يجلسوا معهم في ذلك, فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن السدي, عن أبي مالك, عن سعيد بن جبير, قوله {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} قال: ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك, أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم, وقال آخرون: بل معناه وإن جلسوا معهم, فليس عليهم من حسابهم من شيء, وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية, وهي قوله {إنكم إذاً مثلهم} قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله {ولكن ذكرى لعلهم يتقون} أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم, حينئذ تذكيراً لهم عما هم فيه, لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.

    ** وَذَرِ الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلّ عَدْلٍ لاّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
    يقول تعالى: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا} أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلاً فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم, ولهذا قال وذكر به, أي ذكر الناس بهذا القرآن, وحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم, يوم القيامة, وقوله تعالى {أن تبسل نفس بما كسبت} أي لئلا تبسل, قال الضحاك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة, والحسن والسدي: تبسل تسلم, وقال الوالبي عن ابن عباس: تفتضح. وقال قتادة: تحبس, وقال مرة وابن زيد: تؤاخذ, وقال الكلبي: تجزى, وكل هذه الأقوال والعبارات متقاربة في المعنى, وحاصلها الإسلام للهلكة, والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب, كقوله {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين} وقوله {ليس لها من دون لله ولي ولا شفيع} وقوله {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} أي ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها, كقوله {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً} الاَية, وكذا قال ههنا {أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}.

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:21

    ** قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرّنَا وَنُرَدّ عَلَىَ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُواْ الصّلاةَ وَاتّقُوهُ وَهُوَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
    قال السدي: قال المشركون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد, فأنزل الله عز وجل {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا} أي في الكفر {بعد إذ هدانا الله} فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض, يقول: مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم, كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق, فضل الطريق, فحيرته الشياطين, واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون: ائتنا فإنا على الطريق, فأبى أن يأتيهم, فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم, ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق, والطريق هو الإسلام, رواه ابن جرير, وقال قتادة {استهوته الشياطين في الأرض} أضلته في الأرض, يعني استهوته سيرته, كقوله {تهوي إليهم} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, في قوله {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا} الاَية, هذا مثل ضربه الله للاَلهة ومن يدعو إليها, والدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز وجل, كمثل رجل ضل عن طريق تائهاً, إذ ناداه مناد: يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق, وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق, فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة, وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى, اهتدى إلى الطريق, وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان, يقول: مثل من يعبد هذه الاَلهة من دون الله, فإنه يرى أنه في شيء, حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة, وقوله {كالذي استهوته الشياطين في الأرض} هم الغيلان {يدعونه} باسمه واسم أبيه وجده, فيتبعها وهو يرى أنه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكة, وربما أكلته, أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً, فهذا مثل من أجاب الاَلهة التي تعبد من دون الله عز وجل, رواه ابن جرير, وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد, {كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران} قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق, وذلك مثل من يضل بعد أن هدي, وقال العوفي عن ابن عباس قوله {كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب} هو الذي لا يستجيب لهدى الله, وهو رجل أطاع الشيطان, وعمل في الأرض بالمعصية, وحاد عن الحق, وضل عنه, وله أصحاب يدعونه إلى الهدى, ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى, يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس, {إن الهدى هدى الله} والضلال ما يدعو إليه الجن, رواه ابن جرير, ثم قال: وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى, قال وهذا خلاف ظاهر الاَية, فإن الله أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى, فغير جائز أن يكون ضلالاً, وقد أخبر الله أنه هدى, وهو كما قال ابن جرير: فإن السياق يقتضي أن هذا الذي است*****ه الشياطين في الأرض حيران, وهو منصوب على الحال, أي في حال حيرته وضلاله وجهله, وجه المحجة, وله أصحاب على المحجة سائرون, فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى, وتقدير الكلام فيأبى عليهم, ولا يلتفت إليهم, ولو شاء الله لهداه ولرد به إلى الطريق, ولهذا قال {قل إن هدى الله هو الهدى} كما قال {ومن يهد الله فما له من مضل} وقال {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} وقوله {وأمرنا لنسلم لرب العالمين} أي نخلص له العبادة, وحده لا شريك له, {وأن أقيموا الصلاة واتقوه} أي وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقواه في جميع الأحوال, {وهو الذي إليه تحشرون} أي يوم القيامة {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق} أي بالعدل فهو خالقهما ومالكهما, والمدبر لهما ولمن فيهما, وقوله {ويوم يقول كن فيكون} يعني يوم القيامة, الذي يقول الله كن فيكون, عن أمره كلمح البصر, أو هو أقرب, ويوم منصوب إما على العطف على قوله واتقوه, وتقديره واتقوا يوم يقول كن فيكون, وإما على قوله {خلق السموات والأرض} أي وخلق يوم يقول كن فيكون فذكر بدء الخلق وإعادته وهذا مناسب وإما على إضمار فعل تقديره واذكر يوم يقول كن فيكون, وقوله {قوله الحق وله الملك} جملتان محلهما الجر على أنهما صفتان لرب العالمين, وقوله {يوم ينفخ في الصور} يحتمل أن يكون بدلاً من قوله ويوم يقول كن فيكون يوم ينفخ في الصور ويحتمل أن يكون ظرفاً لقوله {وله الملك يوم ينفخ في الصور} كقوله {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} كقوله {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً} وما أشبه ذلك, واختلف المفسرون في قوله {يوم ينفخ في الصور} فقال بعضهم: المراد بالصور هنا, جمع صورة, أي يوم ينفخ فيها فتحيا. قال ابن جرير: كما يقال: سور لسور البلد, وهو جمع سورة, والصحيح أن المرد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام, قال ابن جرير: والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال «إن إسرافيل قد التقم الصور, وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ» رواه مسلم في صحيحه, وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا سليمان التيمي, عن أسلم العجلي, عن بشر بن شغاف, عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور ؟ قال «قرن ينفخ فيه».
    وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ ابن القاسم الطبراني, في كتابه المطولات, قال: حدثنا أحمد بن الحسن المقري الأيلي, حدثنا أبو عاصم النبيل, حدثنا إسماعيل بن رافع, عن محمد بن زياد, عن محمد بن كعب القرظي, عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه, فقال «إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض, خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه, شاخصاً بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر» قلت: يا رسول الله وما الصور ؟ قال: «القرن» قلت: كيف هو ؟ قال: «عظيم والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض, ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى نفخة الفزع, والثانية نفخة الصعق, والثالثة نفخة القيام لرب العالمين, يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى, فيقول: انفخ فينفخ نفخة الفزع, فيفزع أهل السموات والأرض إلا من شاء الله, ويأمره فيطيلها ويديمها ولا يفتر, وهي كقول الله {وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} فيسير الجبال, فتمر مَرّ السحاب فتكون سراباً, ثم ترتج الأرض بأهلها رجاً, فتكون كالسفينة المرمية في البحر, تضربها الأمواج تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق في العرش ترجرجه الرياح, وهو الذي يقول {يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة} فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل, وتشيب الولدان, وتطير الشياطين هاربة من الفزع, حتى تأتي الأقطار فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها, فترجع ويولي الناس مدبرين, ما لهم من أمن الله من عاصم, ينادي بعضهم بعضاً, وهو الذي يقول الله تعالى: {يوم التناد} فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض, من قطر إلى قطر, فرأوا أمراً عظيماً لم يروا مثله, وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم, ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل, ثم انشقت السماء, فانتثرت نجومها وانخسفت شمسها وقمرها» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» قال أبو هريرة: يا رسول الله من استثنى الله عز وجل حين يقول {ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} ؟ قال «أولئك الشهداء» وإنما يصل الفزع إلى الأحياء, وهم أحياء عند ربهم يرزقون, وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم منه, وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ـ قال ـ وهو الذي يقول الله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله إلا أنه يطول, ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق, فينفخ نفخة الصعق, فيصعق أهل السموات والأرض, إلا من شاء الله, فإذا هم قد خمدوا, وجاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل, فيقول: يا رب قد مات أهل السموات والأرض, إلا من شئت, فيقول الله وهو أعلم, بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول: يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت, وبقيت حملة العرش, وبقي جبريل وميكائيل, وبقيت أنا, فيقول الله عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش, فيقول يا رب يموت جبريل وميكائيل, فيقول اسكت, فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي, فيموتان, ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار, فيقول يا رب: قد مات جبريل وميكائيل, فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي ؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت, بقيت حملة عرشك, وبقيت أنا, فيقول الله: لتمت حملة العرش فتموت, ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل, ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك, فيقول الله وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي ؟ فيقول: يا رب بقيت أنت الحي الذي لا تموت, وبقيت أنا, فيقول الله: أنت خلق من خلقي, خلقتك لما رأيت فمت, فيموت, فإذا لم يبق إلا الله, الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, كان آخراً كما كان أولاً, طوى السموات والأرض, طي السجل للكتب, ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات, ثم يقول: أنا الجبار أنا الجبار أنا الجبار ثلاثاً, ثم هتف بصوته {لمن الملك اليوم} ثلاث مرات, فلا يجيبه أحد, ثم يقول لنفسه {لله الواحد القهار} يقول الله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} فيبسطهما ويسطحهما, ثم يمدهما مد الأديم العكاظي {لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة, فإذا هم في هذه الأرض المبدلة, مثل ما كانوا فيها من الأولى, من كان في بطنها كان في بطنها, ومن كان على ظهرها كان على ظهرها, ثم ينزل الله عليهم ماء من تحت العرش, ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوماً, حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعاً ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث, أو كنبات البقل, حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت, قال الله عز وجل: ليحيَ حملة عرشي فيحيون, ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه, ثم يقول: ليحي جبريل وميكائيل, فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نوراً, وأرواح الكافرين ظلمة, فيقبضها جميعاً, ثم يلقيها في الصور, ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث, فينفخ نفخة البعث, فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض, فيقول وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده, فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد, فتدخل في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد, كما يمشي السم في اللديغ, ثم تنشق الأرض عنهم,

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:24

    وأنا أول من تنشق الأرض عنه, فتخرجون سراعاً إلى ربكم تنسلون, {مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر} حفاة عراة غلفاً غرلاً, فتقفون موقفاً واحداً مقداره سبعون عاماً لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم, فتبكون حتى تنقطع الدموع, ثم تدمعون دماً وتعرقون, حتى يلجمكم العرق أو يبلغ الذقان, وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا, فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده, ونفخ فيه من روحه, وكلمه قبلاً, فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى, ويقول ما أنا بصاحب ذلك فيستقرئون الأنبياء نبياً نبياً, كلما جاؤوا نبياً أبى عليهم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص, فأخرّ ساجداً. قال أبو هريرة يا رسول الله وما الفحص ؟ قال ـ قدام العرش, حتى يبعث الله إليّ ملكاً فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي: يا محمد, فأقول: نعم يا رب, فيقول الله عز وجل: ما شأنك ؟ وهو أعلم ـ فأقول يا رب وعدتني الشفاعة, فشفعني في خلقك فاقض بينهم, قال الله: قد شفعتك, أنا آتيكم أقضي بينكم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأرجع فأقف مع الناس, فبينما نحن وقوف, إذ سمعنا من السماء حساً شديداً, فهالنا فينزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس, حتى إذا دنوا من الأرض, أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم وقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ فيقولون: لا وهو آت, ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة, وبمثلي من فيها من الجن والإنس, حتى إذا دنوا من الأرض, أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم.وقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ فيقولون: لا. وهو آت, ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف, حتى ينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة, فيحمل عرشه يومئذ, ثمانية ـ وهم اليوم أربعة ـ أقدامهم في تخوم الأرض السفلى, والأرض والسموات إلى حجزهم, والعرش على مناكبهم, ولهم زجل في تسبيحهم يقولون: سبحان ذي العرش والجبروت, وسبحان ذي الملك والملكوت, سبحان الحي الذي لا يموت, سبحان الذي يميت الخلائق, ولا يموت, سبوح قدوس قدوس قدوس, سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح, سبحان ربنا الأعلى الذي يميت الخلائق ولا يموت, فيضع الله كرسيه حيث يشاء من أرضه ثم يهتف بصوته فيقول: يا معشر الجن والإنس, إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا, أسمع قولكم وأبصر أعمالكم, فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه, ثم يأمر الله جهنم. فيخرج منها عنق ساطع مظلم, ثم يقول {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم * ولقد أضل منكم جبلاّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنم التي كنتم توعدون} أو ـ بها تكذبون ـ شك أبو عاصم, {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} فيميّز الله الناس وتجثو الأمم.
    يقول الله تعالى: {وترى كل أمّة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون} فيقضي الله عز وجل بين خلقه إلا الثقلين الجن والإنس, فيقضي بين الوحوش والبهائم, حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن, فإذا فرغ من ذلك, فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى, قال الله لها: كوني تراباً, فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت تراباً} ثم يقضي الله بين العباد, فكان أول ما يقضي فيه الدماء, ويأتي كل قتيل في سبيل الله, ويأمر الله عز وجل كل من قتل, فيحمل رأسه تشخب أوداجه, فيقول: يارب فيم قتلني هذا ؟ فيقول ـ وهو أعلم ـ فيم قتلتهم ؟ فيقول: قتلتهم لتكون العزة لك, فيقول الله له: صدقت فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس, ثم تمر به الملائكة إلى الجنة, ثم يأتي كل من قتل على غير ذلك يحمل رأسه وتشخب أوداجه, فيقول: يا رب فيم قتلني هذا ؟ فيقول ـ وهو أعلم ـ لم قتلتهم ؟ فيقول: يا رب قتلتهم لتكون العزة لي, فيقول: تعست, ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها, ولا مظلمة ظلمها إلا أخذ بها, وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء رحمه, ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلفه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم, حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء, فإذا فرغ الله من ذلك, نادى مناد يسمع الخلائق كلهم: ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله فلا يبقى أحد عبد من دون الله, إلا مثلت له آلهته بين يديه, ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير, ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى بن مريم. ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى, ثم قادتهم آلهتهم إلى النار, وهو الذي يقول {لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون} فإذا لم يبق إلا المؤمنون, فيهم المنافقون, جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال: يا أيها الناس, ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون, فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله, وما كنا نعبد غيره, فينصرف عنهم, وهو الله الذي يأتيهم, فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يأتيهم, فيقول: يا أيها الناس ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله, وما كنا نعبد غيره, فيكشف لهم عن ساقه, ويتجلى لهم من عظمته, ما يعرفون أنه ربهم فيخرون للأذقان سجداً على وجوههم, ويخر كل منافق على قفاه, ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر, ثم يأذن الله لهم فيرفعون ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم, كحد الشفرة أو كحد السيف, عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان, دونه جسر دحض مزلة, فيمرون كطرف العين أو كلمح البرق, أو كمر الريح أو كجياد الخيل, أو كجياد الركاب, أو كجياد الرجال, فناج سالم, وناج مخدوش ومكردس على وجهه في جهنم, فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة, قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة ؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم عليه السلام, خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلاً, فيأتون آدم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك, ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله, فيؤتى نوح فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك, ويقول: عليكم بإِبراهيم فإِن الله اتخذه خليلاً, فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنباً ويقول: ما أنا بصاحب ذلك ويقول: عليكم بموسى فإن الله قربه نجياً وكلمه وأنزل عليه التوراة. فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه, فيذكر ذنباً ويقول: لست بصاحب ذلك, ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم, فيؤتى عيسى ابن مريم فيطلب ذلك إليه, فيقول: «ما أنا بصاحبكم ولكن عليكم بمحمد» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فيأتوني ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن, فأنطلق فآتي الجنة, فآخذ بحلقة الباب فأستفتح, فيفتح لي فأحيا ويرحب بي, فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجداً, فيأذن الله لي من تحميده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه, ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد واشفع تشفع, وسل تعطه, فإذا رفعت رأسي يقول الله ـ وهو أعلم ـ: ما شأنك ؟ فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة, فيقول الله: قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخول الجنة» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «والذي نفسي بيده, ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم, من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم, فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة, سبعين مما ينشىء الله عز وجل, وثنتين آدميتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله في الدنيا فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليها سبعون زوجاً من سندس وإستبرق, ثم إنه يضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها, وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت, كبدها له مرآة وكبده لها مرآة. فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله, ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء, ما يفتر ذكره وما تشتكي قبلها, فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل, إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن لك أزواجاً غيرها, فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة, كلما أتى واحدة قالت له: والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك, ولا في الجنة شيء أحب إلي منك. وإذا وقع أهل النار في النار, وقع فيها خلق من خلق ربك, أوبقتهم أعمالهم, فمنهم من تأخذه النار قدميه لا تجاوز ذلك, ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه, ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه, ومنهم من تأخذه إلى حقويه, ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه, حرم الله صورته عليها» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأقول يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي, فيقول: أخرجوا من عرفتم, فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد, ثم يأذن الله في الشفاعة, فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع, فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة دينار إيماناً فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد. ثم يشفع الله فيقول: أخرجوا من في قلبه إيماناً ثلثي دينار, ثم يقول: ثلث دينار, ثم يقول: ربع دينار, ثم يقول: قيراطاً, ثم يقول: حبة من خردل, فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد, وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيراً قط, ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع, حتى إن إبليس يتطاول مما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له. ثم يقول: بقيتَ وأنا أرحم الراحمين, فيدخل يده في جهنم, فيخرج منها ما لا يحصيه غيره, كأنهم حمم فيلقون على نهر, يقال له: نهر الحيوان, فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, فما يلي الشمس منها أخيضر, وما يلي الظل منها أصيفر, فينبتون كنبات الطراثيث, حتى يكونوا أمثال الذر مكتوب في رقابهم الجهنميون, عتقاء الرحمن, يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب وما عملوا خيراً لله قط, فيمكثون في الجنة ما شاء الله وذلك الكتاب في رقابهم, ثم يقولون: ربنا امح عنا هذا الكتاب فيمحوه الله عز وجل عنهم».

    يتبع
    الشريف أمير أبوهاشم
    الشريف أمير أبوهاشم
    عضو فعال
    عضو فعال


    علم الدولة : مصر
    عدد الرسائل : 788
    البلد : مصر
    العمل : موظف
    الهوايات : الشعر والفروسية
    تقييم القراء : 7
    النشاط : 6700
    تاريخ التسجيل : 14/07/2008

    تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير Empty رد: تفسير القرآن الكريم كاملاً لأبن كثير

    مُساهمة من طرف الشريف أمير أبوهاشم الثلاثاء 16 يونيو - 21:28

    ** وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنّيَ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِيَ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمّا جَنّ عَلَيْهِ الْلّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـَذَا رَبّي فَلَمّآ أَفَلَ قَالَ لآ أُحِبّ الاَفِلِينَ * فَلَمّآ رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـَذَا رَبّي فَلَمّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لّمْ يَهْدِنِي رَبّي لأكُونَنّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالّينَ * فَلَماّ رَأَى الشّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـَذَا رَبّي هَـَذَآ أَكْبَرُ فَلَمّآ أَفَلَتْ قَالَ يَقَوْمِ إِنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ * إِنّي وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
    قال الضحاك عن ابن عباس: إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر, وإنما كان اسمه تارح, رواه ابن أبي حاتم وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل, حدثنا أبي حدثنا أبو عاصم شبيب, حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} يعني بآزر الصنم, وأبو إبراهيم اسمه تارح, وأمه اسمها مثاني, وامرأته اسمها سارة, وأم إسماعيل اسمها هاجر, وهي سرية إبراهيم, وهكذا قال غير واحد من علماء النسب أن اسمه تارح, وقال مجاهد والسدي: آزر اسم صنم, قلت: كأنه غلب عليه آزر, لخدمته ذلك الصنم فالله أعلم, وقال ابن جرير وقال آخرون: هو سب وعيب بكلامهم, ومعناه معوج, ولم يسنده ولا حكاه عن أحد. وقد قال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان, سمعت أبي يقرأ {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} قال: بلغني أنها أعوج, وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم عليه السلام, ثم قال ابن جرير: والصواب أن اسم أبيه آزر, ثم أورد على نفسه قول النسابين أن اسمه تارح, ثم أجاب بأنه قد يكون له اسمان, كما لكثير من الناس, أو يكون أحدهما لقباً, وهذا الذي قاله جيد قوي والله أعلم, واختلف القراء في أداء قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} فحكى ابن جرير عن الحسن البصري, وأبي يزيد المدني, أنهما كانا يقرآن {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة} معناه يا آزر أتتخذ أصناماً آلهة, وقرأ الجمهور بالفتح, إما على أنه علم أعجمي لا ينصرف أيضاً, كأحمر وأسود, فأما من زعم أنه منصوب, لكونه معمولاً لقوله {أتتخذ أصناماً} تقديره يا أبت أتتخذ آزر أصناماً آلهة, فإنه قول بعيد في اللغة, فإن ما بعد حرف الاستفهام, لا يعمل فيما قبله لأن له صدر الكلام, كذا قرره ابن جرير وغيره, وهو مشهور في قواعد العربية, والمقصود أن إبراهيم وعظ أباه في عبادة الأصنام, وزجره عنها ونهاه فلم ينته, كما قال {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة ؟} أي أتتأله لصنم تعبده من دون الله {إني أراك وقومك} أي السالكين مسلكك {في ضلال مبين} أي تائهين لا يهتدون أين يسلكون, بل في حيرة وجهل وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم. وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك ملياً * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً} فكان إبراهيم عليه السلام, يستغفر لأبيه مدة حياته, فلما مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك, رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه, كما قال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه إن إبراهيم لأوّاه حليم} وثبت في الصحيح أن إبراهيم, يلقى أباه آزر يوم القيامة, فيقول له آزر يا بني اليوم لا أعصيك, فيقول إبراهيم أي رب ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون, وأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقال يا إبراهيم, انظر ما وراءك فإذا هو بذِيخ متلطخ, فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار, قوله {وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما, على وحدانية الله عز وجل, في ملكه وخلقه, وأنه لا إله غيره ولا رب سواه, كقوله {قل انظروا ماذا في السموات والأرض} وقال {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء إن في ذلك لاَية لكل عبد منيب} وأما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم, قالوا: واللفظ لمجاهد: فرجت له السموات, فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش, وفرجت له الأرضون السبع, فنظر إلى ما فيهن, وزاد غيره فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي, ويدعو عليهم, فقال الله له إني أرحم بعبادي منك, لعلهم أن يتوبوا أو يرجعوا. وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين, عن معاذ وعلي, ولكن لا يصح إسنادهما, والله أعلم, وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي, عن ابن عباس, في قوله {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} فإنه تعالى جلا له الأمر سره وعلانيته, فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق, فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب, قال الله إنك لا تستطيعهذا فرده كما كان قبل ذلك, فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عياناً, ويحتمل أن يكون عن بصيرته, حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه, وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة, والدلالات القاطعة كما رواه الإمام أحمد والترمذي, وصححه عن معاذ بن جبل في حديث المنام «أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت لا أدري يا رب, فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت ذلك» وذكر الحديث. قوله {وليكون من الموقنين} قيل الواو زائدة تقديره وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض, ليكون من الموقنين, كقوله {وكذلك نفصل الاَيات ولتستبين سبيل المجرمين} وقيل بل هي على بابها, أي نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً, وقوله تعالى: {فلما جن عليه الليل} أي تغشاه وستره {رأى كوكباً} أي نجماً {قال هذا ربي فلما أفل} أي غاب, قال محمد بن إسحاق بن يسار: الأفول الذهاب,
    ** وَحَآجّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجّوَنّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاّ أَن يَشَآءَ رَبّي شَيْئاً وَسِعَ رَبّي كُلّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالأمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىَ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ إِنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ
    يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم, حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول, أنه قال {أتحاجوني في الله وقد هدان} أي تجادلونني في أمر الله, وأنه لا إله إلا هو, وقد بصرني وهداني إلى الحق, وأنا على بينة منه, فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة, وقوله {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه, أن هذه الاَلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً, وأنا لا أخافها ولا أباليها, فإن كان لها كيد فكيدوني بها, ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى: {إلا أن يشاء ربي شيئاً} استثناء منقطع, أي لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل {وسع ربي كل شيء علماً} أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عليه خافية {أفلا تتذكرون} أي فيما بينته لكم أفلا تعتبرون أن هذه الاَلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها, وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبي الله هود عليه السلام على قومه عاد, فيما قص عنهم في كتابه, حيث يقول {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} الاَية. وقوله {وكيف أخاف ما أشركتم} أي كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله, {ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً} قال ابن عباس وغير واحد من السلف: أي حجة وهذا كقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وقوله تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} وقوله {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} أي فأي طائفتين أصوب, الذي عبد من بيده الضر والنفع, أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع, بلا دليل أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة, قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له, ولم يشركوا به شيئاً, هم الاَمنون يوم القيامة, المهتدون في الدنيا والاَخرة.

    يتبع

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 2 مايو - 4:57